سبيل جديد لعمر مديد
كشف الباحثون النقاب عن آلية قديمة تؤخر الشيخوخة. وقد تتمكن العقاقير التي تحفِّز تلك الآلية من تأخير حدوث السرطان وداء السكري وغيرهما من أمراض الشيخوخة الأخرى.
بقلم: ديفيد ستيب David Stipp
ديفيد ستيب كاتب في العلوم من مدينة بوسطن، تركز اهتمامه على علم الشيخوخة gerontology منذ أواخر تسعينات القرن الماضي. وصدر كتابه حول هذا الموضوع عقار الشباب: علماء على مشارف ثورة ضد الشيخوخة The Youth Pill: Scientists at the Brink of an Anti-Aging Revolution في عام 2010. وهو «يدوِّن» حول علم الشيخوخة على الموقع الإلكتروني www.davidstipp.com
في سطور
في عام 2009 اكتشف العلماء أن عقارا يسمى راباميسين rapamycin قد يطيل – بشكل واضح – العمر في الفئران، وهو يقوم بذلك بالتأثير في نشاط بروتين يسمى mTOR.
هذه النتيجة هي الدليل الأكثر إقناعا حتى الآن على إمكانية إبطاء الشيخوخة في الثدييات باستخدام العقاقير، وأثارت هذه النتيجة الاهتمام بدراسة دور البروتين mTOR في عملية الشيخوخة.
كما سلَّطت النتيجة الضوء على لغز: لماذا يؤدي تثبيط النمو والتكاثر الخلويين – أحد آثار التدخل في عمل البروتين mTOR – إلى إطالة مدى العمر؟
وقد تفضي الأبحاث في هذه المسألة إلى أدوية تؤجّل أو تخفّف من وطأة الاضطرابات المرتبطة بالشيخوخة – من مرض آلزايمر إلى السرطان والسكتة القلبية، وربما حتى إطالة الفترة التي يمكن أن يحياها البشر.
في صباح رائق من سبتمبر 1964 أبحرت سفينة البحرية الملكية الكندية “كيب سكوت” من هاليفاكس، نوفاسكوتيا، في بعثة لمدة أربعة أشهر. وبقيادة الراحل ستانلي سكورين -الأستاذ المغامر من جامعة ماغيل- توجَّه الفريق المؤلف من 38 عالما على متن السفينة إلى جزيرة إيستر آيلاند Easter Island، وهي جزيرة بركانية تنبثق من وسط المحيط الهادي على بعد 2200 ميل غربي تشيلي. وقتها كانت خطط بناء مطار على تلك الجزيرة النائية تُجرى على قدم وساق، وهي مشهورة بتماثيلها الغامضة ذات الرؤوس الهائلة. وقد رغب الفريق في دراسة السكان والنبات والحيوان التي كانت ولا تزال -إلى حد كبير- غير متأثرة بالمدنية الحديثة.
استقبل أهل الجزيرة بحرارة فريق سكورين الذي اصطحب معه مئات العينات من النباتات والحيوانات، وكذلك من دم ولعاب كافة المقيمين الـتسعمئة وتسعة وأربعين. لقد اتضح أن أنبوب اختبار يحوي عينة من التربة هو الجائزة الكبرى: فقد احتوى على بكتيريا Bacterium تصنع مادة كيميائية دفاعية ذات خاصية مدهشة – ألا وهي القدرة على إطالة العمر في أنواع مختلفة.
وحاليا، بيّنت عدة فرق أن المادة الكيميائية المسماة راباميسين Rapamycin تزيد “المدى الأقصى للعمر” Maximum life span الذي تحياه فئران التجارب إلى ما هو أطول من عمر الفئران غير المعالجة به. في حين تقوم ادعاءات التشكيك في مضادات الشيخوخة أحيانا على أساس أن البيانات تظهر ازدياد معدل مدى العمر، الأمر الذي قد يتحقق بفعل المضادات الحيوية أو عقاقير أخرى تخفض حالات الموت المبكر، ولكن لا علاقة لها بالشيخوخة. وبالمقابل، فإن ازدياد المدى الأقصى للعمر (الذي يقاس غالبا كمتوسط مدى العمر للعشرة في المئة من السكان الأطول عمرا) هو السمة المميزة لإبطاء الشيخوخة. فما من عقار آخر أطال بشكل مقنع المدى الأقصى للعمر في أي من أقربائنا من الثدييات، وتَوَصُّل عِلم الشيخوخة إلى هذا العقار بعد طول انتظار سيكون بمثابة اختراق حاجز الصوت. لذا، أحدث النجاح في الفئران تحولا جذريا لدى العلماء الذين يدرسون الشيخوخة وكيفية تخفيف آثارها. إذ يرغب علماء الشيخوخة Gerontologists بشدة في العثور على تدخّل علاجي بسيط يبطئ الشيخوخة، ليس فقط لمجرد إطالة العمر، بل لأن كبح الشيخوخة سيكون بمثابة حلّ عام لتأجيل أو إبطاء تقدم العديد من القصور الذي نُصاب به عندما نتقدم بالسن، من السادّ (اعتام عدسة العين) Cataract إلى السرطان.
ولسنوات عديدة بقيت آمال علماء الشيخوخة في اكتشاف مركبات مضادة للشيخوخة متذبذبة كما لو كانت في مهب الريح. فارتفع التفاؤل مع اكتشاف طفرات جينية تطيل المدى الأقصى للعمر في الحيوانات، وكذلك مع المفاهيم الجديدة حول كيفية إحداث الأثر نفسه بتقييد الكالوريات (السعرات الحرارية) Calorie restriction في كثير من الأنواع. ولم تقدم الاكتشافات بعد – مع كل تباشيرها – أي عقار يمكن أن يمدَّ من الحدود القصوى لطول العمر في الثدييات. مع أن تقييد الكالوريات – الذي يشتمل على نُظم غذائية ملائمة ولكن أقرب إلى حدود المجاعة – يمكن أن يقوم بذلك وأن يؤخر أيضا السرطان والأمراض العصبية التنكسية وداء السكري والاضطرابات الأخرى ذات الصلة بالعمر في الفئران، إلا أن الحمية الشديدة ليست اختيارا ملائما لإبطاء الشيخوخة في معظم الكائنات الفانية.
في عام 2006 بدا أن المركب ريسفيراترول Resveratrol – المكون الشهير في النبيذ الأحمر الذي يحدث تأثيرات مماثلة لتقييد الكالوريات في الفئران – قد يتمكن من اختراق الحاجز وذلك عندما تبين أنه يحد من التأثيرات التي تقصّر العمر والناتجة من حمية عالية الدهون في القوارض. ولكن هذه المادة، التي يعتقد أنها تؤثر في إنزيمات معروفة بالسيرتوينات Sirtuins، فشلت لاحقا في إطالة المدى الأقصى للعمر في الفئران التي تقدم لها حمية طبيعية. ولكن فجأة أشرقت من جديد جوانب الصورة المحبطة وذلك عندما أُعلنت نتائج الراباميسين في منتصف عام 2009. إذ أصدرت ثلاثة مختبرات تقريرا مشتركا يقول إن الراباميسين، المعروف حينئذ كمثبط للنمو الخلوي، أطال المدى الأقصى للعمر بنحو 12 في المئة في فئران خضعت لثلاث تجارب متوازية ممولة من المعهد القومي للشيخوخة National Institute on Aging. وأكثر من ذلك ولدهشة علماء الشيخوخة، أطال العقار معدل البقاء للفئران المسنة بمقدار الثلث التي كان يعتقد أنها متضررة بفعل كبر السن لدرجة تمنعها من الاستجابة.
إن اجتياز الراباميسين عقبة مدى العمر عند الثدييات لفت الانتباه إلى آلية عمرها بليون سنة يبدو أنها تنظم الشيخوخة في الفئران وعدد من الحيوانات الأخرى، وقد تقوم بذلك في الإنسان أيضا. والمحرك الرئيسي لهذه الآلية هو بروتين يسمى TOR (اختـصــارا للبروتين هدف الراباميسين Target of Rapamycin)، وكذلك الجين الذي يعمل كمخطَّط لهذا البروتين. حاليا، يخضع البروتين TOR لتمحيص شديد في كل من علم الشيخوخة والطب التطبيقي، وذلك بسبب العدد المتنامي من الدراسات على الحيوان والإنسان والتي تشير إلى أن تثبيط نشاط النسخة الخاصة بالثدييات من هذا البروتين (ويرمز لها بـ mTOR) في الخلايا قد يقلل من خطر الأمراض الرئيسية المرتبطة بالعمر بما فيها السرطان والآلزايمر وباركنسون وتنكّس عضلة القلب وداء السكري من النمط 2 وهشاشة العظام والضمور الشبكي (التنكّس البقعي) Macular degeneration. ضمنيا، يدل التنوع المدهش للفوائد المحتملة على أنه لو أمكن إيجاد أدوية قادرة على استهداف البروتين mTOR بأمان ودقة لأمكن استخدامها في إبطاء عملية الشيخوخة في البشر مثلما يفعل الراباميسين في الفئران وأنواع أخرى – إنها إمكانية ذات مغزى عميق للطب الوقائي. (لسوء الحظ، فإن للراباميسين آثارا جانبية تمنع غالبا اختبار قدرته على إبطاء الشيخوخة في البشر.)
وهناك توقعات مشابهة لعقاقير تؤثر في جزيئات أخرى، خصوصا السيرتوينات. فما هو الشيء المختلف في البروتين mTOR؟ إن اكتشاف قيام عقار ما بإطالة المدى الأقصى للعمر بشكل مقنع في حيوان ثديي من خلال التأثير في الجزيء، يعني أن البروتين mTOR يؤدي دورا مركزيا في الشيخوخة في الثدييات، وأن الباحثين الآن أقرب من أي وقت مضى لفهم عملية الشيخوخة. ويقول فلوركي -المختص بعلم الشيخوخة بمختبر جاكسون The Jackson Laboratory في بارهاربر، والمؤلف المشارك في دراسة الراباميسين في الفئران: «إنه [البروتين TOR] بالتأكيد يبدو كما لو كان اللعبة الأكبر في المدينة الآن وسيظل كذلك على الأرجح للعقد القادم.»
قصة البروتينTOR
بدأ البحث الذي قاد إلى اكتشاف تأثير البروتين TOR في الشيخوخة يتشكل عندما سلّمت بعثة سكورني عيناتها من التربة إلى ما كان حينئذ مختبرات آيرست Ayerst Laboratories في مونتريال. وقد كان باحثو الأدوية يعثرون على مضادات حيوية في حفنات من التربة منذ الأربعينات من القرن الماضي، ولذلك قام الباحثون في معامل آيرست بفحص العينات بحثا عن مضادات الميكروباتAntimicrobials.
وفي عام 1972 عزل الباحثون مثبطا للفطر Fungal inhibitor أطلقوا عليه اسم راباميسين، ذلك لأن جزيرة إيستر معروفة محليا باسم رابا نوي Rapa Nui. وفي البدء، أملت مختبرات آيرست باستخدامه لمعالجة عدوى الخميرة Yeast infection. ولكن العلماء الذين كانوا يستكشفون خصائصه في دراسات مزرعة الخلايا وفي الأجهزة المناعية لدى الحيوانات وجدوا أنه يعوق تكاثر الخلايا المناعية، وعوضا عن ذلك يشجع نموها فيمنع الرفض المناعي للأعضاء المزروعة. وفي عام 1999 حصل الراباميسين على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) للاستخدام في المرضى الذين خضعوا لزرع كلى. وفي الثمانينات من القرن العشرين عَلِمَ الباحثون أيضا أن العقار يثبط نمو الأورام، ومنذ عام 2007 صُرِّح باستخدام مشتقين من هذا العقار – تيمسيروليميوس Temsirolimus من شركة فايزر Pfizer، وإيفيروليموس Everolimus من شركة نوفارتس Novartis – لعلاج أنواع مختلفة من السرطان.
وقد وجد علماء الحياة أن قابلية الراباميسين لكبح تكاثر الخلايا في كل من الخميرة والبشر خاصيةٌ مثيرة للفضول بشدة، فالمركب يثبط أعمال جين منظم للنمو ومحفوظ عبر بليون سنة من التطور تفصل بين الخميرة والبشر. (تنمو الخلايا ويزيد حجمها عندما تتهيأ للانقسام والتكاثر). وفي عام 1991 حدد مايكل إن. هال Michael N. Hall وزملاؤه -من جامعة بازل University of Basel في سويسرا- الهدف العتيق باكتشافهم أن الراباميسين يثبط تأثير جينين يحكمان النمو في الخميرة، وقاموا بتسميتهما الجين TOR1 والجين TOR2. وبعد ثلاث سنوات تمكّن عدد من الباحثين من بينهم شريبر من جامعة هارفارد، وكذلك ديفيد ساباتيني David Sabatini، الذي يعمل الآن في معهد وايتهد للأبحاث البيوكيميائية Whitehead Institute for Biomedical Research في كيمبردج بولاية ماساتشوستسّ] كلاًّ على حدة من عزل الجين TOR في الثدييات. ومن المعروف الآن أن العديد من الأنواع، من بينها الديدان والحشرات والنباتات، تمتلك جينات TOR التي تحكم نمو الخلية.
وخلال التسعينات من القرن الماضي عرف الباحثون الكثير جدا عن أدوار هذا الجين في الخلية وفي الجسم ككل، واتضح في النهاية تأثير العديد من هذه الأدوار في الشيخوخة. فوجد الباحثون أن هذا الجين بالذات يُرمِّز Encode إنزيما، أو بروتينا محفِّزا Catalytic protein، الذي يتحد في السيتوبلازم بعدة بروتينات أخرى لتكوين مركب يسمى TORC1، يشرف على عدد كبير من الأنشطة المرتبطة بنمو الخلايا. ويؤثر الراباميسين بشكل رئيسي في المركب TORC1. وهناك مركب ثان مفهوم بدرجة أقل يسمى TORC2 يشتمل أيضا على الإنزيم TOR.
وقد أوضحت الفرق البحثية أيضا أن البروتين TOR حساس للمغذيات. فعندما يفيض الغذاء يزيد نشاط البروتين TOR مشجعا الخلايا على زيادة إنتاجها العام من البروتين وعلى الانقسام. وعندما يندر وجود الغذاء يقلُّ نشاط هذا البروتين وتحفظ الموارد نتيجة لنقص كل من التصنيع العام للبروتين وانقسام الخلايا. وفي الوقت نفسه، تنشط عملية تسمى البلعمة الذاتية (الالتهام الذاتي) Autophagy: تقوم الخلايا بتكسير المكونات المعطوبة كالبروتينات التالفة والميتوكوندريا (المتقدرات) Mitochondria (محطات توليد الطاقة في الخلية) المعطوبة وظيفيا، مولدة منتجات ثانوية يمكن استغلالها كوقود أو كمواد بناء. والفئران الوليدة تعتمد على البلعمة الذاتية للحصول على الطاقة قبل أن تبدأ بالرضاعة. وعندما يتوفر الغذاء من جديد، ترتد ثانية علاقة التأرجح بين البروتين والبلعمة الذاتية فيزداد نشاط البروتين TOR وتتباطأ البلعمة الذاتية.
وقد اكتشف الباحثون أيضا أن مسارات الإشارة Signaling pathways التي يتحكم فيها كل من البروتين TOR والإنسولين تكون مرتبطة معا، ومسارات الإشارة هذه عبارة عن سلسلة من العمليات الجزيئية التي تتحكم في أنشطة الخلية. إن الإنسولين هو الهرمون الذي يفرزه البنكرياس بعد الوجبات لينبّه العضلات وغيرها من الخلايا لامتصاص الغلوكوز من الدم لتأمين الطاقة. ولكن هذا ليس كل ما يقوم به الإنسولين، فهو عامل نمو، يساعد مع بروتينات أخرى ذات صلة على تعزيز مسار البروتين TOR، وهو سلوك يساعد على تحفيز الخلايا في الجسم ككل لتنمو وتتكاثر استجابة لتناول الطعام. وفي سمة أخرى مهمة للصحة، فإن الصلات بين مسارات البروتين TOR ومسارات الإنسولين تتضمن دائرة تغذية مرتدة عكسية Negative feedback loop: اِستثارة البروتين TOR تجعل الخلايا أقل حساسية لإشارات الإنسولين. وإن الإفراط المزمن في الأكل سينشط عندئذ البروتين TOR بشكل مفرط فيتزايد عدم استجابة الخلايا للإنسولين؛ ومقاومة الإنسولين هذه يمكن بدورها أن تؤدي إلى مستويات مرتفعة من السكر في الدم وداء السكري ويمكن أيضا أن تسهم في حدوث اضطرابات أخرى مرتبطة بالعمر مثل مشكلات القلب.
كذلك يستجيب البروتين TOR للإجهاد الخليوي Cellular stresses الناتج مما هو أكثر من نقص المغذيات، بما في ذلك المستويات المنخفضة من الأكسجين والحمض النووي (دنا) DNA التالف. وعلى العموم عندما تستشعر الخلايا بما يهدد بقاءها، يقلّ نشاط البروتين TOR. ونتيجة لذلك التباطؤ في إنتاج البروتين وتكاثر الخلية تتحرر الموارد حتى تستطيع الخلايا توجيهها نحو إصلاح الدنا والإجراءات الدفاعية الأخرى. فتشير الدراسات على ذبابة الفاكهة إلى أنه مع تقليص عمليات بناء البروتين في حالة الإنذار هذه، فإن تصنيع البروتين يتحول أيضا في اتجاه يقود إلى إنتاج انتقائي لبعض المكونات الرئيسية في المتقدرات، ربما لمساعدة الخلايا على تجديد أجهزتها المولدة للطاقة. ولا شك في أن هذه “الاستجابة المتعددة الجوانب للإجهاد” تطورت لمساعدة الخلايا على تحمّل الظروف القاسية، ولكن يمكنها أيضا أن تقوي الخلايا – بشكل غير مقصود – ضد نوائب الزمن.
كشف حلقة الوصل بالشيخوخة
تعود فكرة أن البروتين TOR يؤثر في الشيخوخة إلى اكتشافات في منتصف تسعينات القرن الماضي تشير إلى أن الخلايا المحرومة من الغذاء تحدّ من النمو بتقليل نشاط البروتين TOR. وكان علماء الشيخوخة قد شاهدوا شيئا مشابها من قبل: ففي عام 1935 بيّن ماكي -اختصاصي التغذية في جامعة كورنيل- أن إخضاع جرذان يافعة لحمية غذائية قاسية – على مشارف التجويع – يجعلها تنمو ببطء ويطيل عمرها بشكل غير عادي. وقد ثبُت منذ ذلك الحين أن تقييد الكالوريات يزيد المدى الأقصى للعمر في أنواع تمتد من الخمائر إلى العناكب إلى الكلاب، ويشير دليل مبدئي إلى أن ذلك يحدث في النسانيس أيضا. فإنقاص المعدل الطبيعي لتناول الكالوريات بنحو الثلث في وقت مبكر من الحياة يزيد عموما المدى الأقصى للعمر بنحو 30 إلى 40 في المئة، وذلك على ما يبدو بتأجيل التدهور المرتبط بالشيخوخة؛ ففي الدراسات الطويلة الأمد حول تقييد الكالوريات بدت نسانيس الريسوس المسنة بحالة صحية جيدة وأكثر شبابا من المعتاد بالنسبة إلى سنها.
وهذه المقاربة ليست فاعلة دوما – فهي في الواقع تقصِّر عمر بعض سلالات فئران التجارب – ولكن المزيد من الأدلة يشير إلى أن تقييد الكالوريات قد يؤدي إلى شيخوخة صحية في البشر مثلما يحدث في النسانيس. لذا، فإن اكتشاف مركبات تستحضر آثار تقييد الكالوريات دون الشعور بالجوع هو الهدف الأقصى بالنسبة إلى العلماء الذين يدرسون الشيخوخة.
ومع بداية القرن الواحد والعشرين عرف الباحثون ما يكفي عن البروتين TOR ليخمنوا أن تثبيط تأثيره في الخلايا يمكن أن يحاكي تقييد الكالوريات. وفي عام 2003 قاد فيلاي -باحث مجريّ زائر في جامعة فريبورغ بسويسرا- دراسة عن الدودة الإسطوانية Roundworm قدّمت أول برهان على أن تثبيط البروتين TOR يمكن أن يؤخر الشيخوخة: عن طريق تثبيط بناء البروتين TOR في الديدان جينيا؛ ورفع هو وزملاؤه معدل مدى عمر الديدان إلى أكثر من الضعف. وبعد عام واحد، بيّنت دراسة أجريت في معهد كاليفورنيا للتقانة، وقادها كاباهي -الذي يعمل حاليا في معهد بوك لأبحاث الشيخوخة The Buck Institute for Research on Aging في نوفاتو بولاية كاليفورنيا- أن كبح نشاط البروتين TOR في ذبابة الفاكهة أطال أيضا معدل مدى عمرها وحماها من عواقب نظم الحمية عالية الدهون، تماما كما يفعل تقييد الكالوريات. وفي عام 2005 أكّد كنيدي -الذي كان يعمل وقتها في جامعة واشنطن- مع زملائه مجددا الصلة بين البروتين TOR والشيخوخة بإظهار أن تعطيل جينات المسارات المتباينة للبروتين TOR في خلايا الخميرة أطال عمرها.
وهذه الدراسات، إضافة إلى غيرها من دراسات البروتين TOR، كانت مثيرة بشكل خاص لأنها تقترح أن تثبيط البروتين TOR يحاكي ليس فقط تقييد الكالوريات ولكن أيضا جينات طافرة معروفة بإطالة العمر. وقد اكتشِف أول جين من جينات الشيخوخة Gerontogenes هذه قبل نحو عقد من الزمن في الديدان الأسطوانية التي جرت مضاعفة متوسط عمرها ومداه الأقصى بواسطة طفرات، تبين لاحقا أنها تكبح إشارات الإنسولين الخاص بهذا النوع. إن الاكتشاف بأن الشيخوخة – التي اعتُقِد سابقا أنها معقدة إلى درجة مستعصية على الفهم، يمكن إبطاؤها إلى حد كبير بتعديل جين واحد – قد ساعد على جعل علم الشيخوخة موضوعا ساخنا؛ واقترح – من بين جملة أمور أخرى – أنه يمكن تأخير الشيخوخة في البشر بواسطة العقاقير. وتعزّزت هذه الفكرة باكتشاف جينات شيخوخة متنوعة في الفئران، وذلك في نهاية التسعينات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي، تكبح إشارات النمو بما فيها تلك الموجهة إلى الخلايا بواسطة الإنسولين وهرمون قريب الصلة يسمى عامل النمو 1 شبيه الإنسولين Insulinlike growth factor 1. وفي عام 2003 سجل فأر حامل لهذه الطفرة رقما قياسيا لطول العمر بالنسبة إلى نوعه: قرابة خمس سنوات. فبشكل عام تعيش فئران التجارب مدة أقل من 30 شهرا.
وقد تَعتقد أن الروابط بين البروتين TOR وتقييد الكالوريات وجينات الشيخوخة قد ألهمت سباقا محموما لاختبار أثر الراباميسين في إطالة العمر في الثدييات. إلاّ أن الخبراء في شيخوخة الثدييات «لم يأخذوا الراباميسين محمل الجد فعليا» كما يقول S. أوستاد -عالِم الشيخوخة من معهد بارشوب لدراسات طول العمر والشيخوخة بمركز جامعة تكساس للعلوم الصحية بسان انطونيو. والسبب في ذلك أن الراباميسين كان معروفا كمُثبِّط للمناعة Immunosuppressant، لذا شاع الافتراض بأن إعطاءه لفترات طويلة سيكون ساما للثدييات. ومع ذلك فقد استنتج شارب – زميل من زملاء أوستاد في معهد بارشوب لطول العمر ودراسات الشيخوخة Barshop Institute for Longevity and Aging Studies وهو ذو عقلية مستقلة- خلاف ذلك بعد دراسة أبحاث البروتين TOR. ففي عام 2004 شرع في دراسة كبيرة عن مدى عمر الفئران التي أعطيت جرعات من الراباميسين لفترات طويلة.
في أول الأمر، بدت الدراسة الممولة من المعهد القومي للشيخوخة National Institute on Aging كما لو كانت تسير بشكل سيئ، إذ أخّرت مشكلةُ مزج تركيبة العقار في طعام الفئران البدء بتقديم الجرعات حتى صار عمر قوارض الدراسة 20 شهرا، (ما يعادل 60 سنة بالنسبة إلى البشر). وفي هذه المرحلة يقول أوستاد: «لا أحد، وأعني فعلا لا أحد، توقّع نجاح التجربة حقا». في الواقع، حتى تقييد الكالوريات لا يطيل – بدرجة موثوق بها – مدى عمر مثل هذه الحيوانات المسنة. ولكن في عام 2009 قامت ثلاثة مختبرات متخصصة في علم الشيخوخة مجتمعة بإجراء تلك الدراسة – سترونغ من معهد بارشوب، وهاريسون من مختبر جاكسون، وميلر من جامعة ميتشغان، آن آربر – وصنعوا التاريخ بنشرهم تقريرا بأن العقار قد رفع مدى العمر المتوقع Life expectancy بنسبة مذهلة قدرها 28 في المئة في ذكور القوارض المسنة و38 في المئة في الإناث مقارنة بالحيوانات في مجموعة التحكم Control animals. وارتفع المدى الأقصى للعمر بنسبة 14 في المئة في الإناث و9 في المئة في الذكور.
وسريعا تبعت تلك النتائج المثيرة في الفئران نتائج أخرى توضّح أهمية البروتين TOR في الشيخوخة. فذكر باحثون من كلية جامعة لندن في تقرير لهم بأن تعطيل جين يسمى S6k1، الذي يُسهل تحكم الإنزيم mTOR في تصنيع البروتين – يجعل إناث الفئران مقاومة للأمراض المرتبطة بالسن ويطيل المدى الأقصى لعمرها. (ولسبب غامض أظهرت الذكور استفادة ضئيلة). كذلك ذكرت تقارير المختبرات الأمريكية الثلاثة التي اختبرت تأثير الراباميسين في الفئران لأول مرة، أن البدء بإعطاء جرعات لقوارض بعمر تسعة أشهر أطال عمرها بنحو المقدار نفسه الذي أطاله البدء بإعطاء هذه الجرعات عند عمر 20 شهرا، مما يقترح بأن الراباميسين يصبح ذا فائدة بالدرجة الأولى بعد منتصف العمر، ربما لأنها المرحلة التي يحدث فيها معظم التدهور الذي يقاومه العقار.
إن حقيقة أن تثبيط البروتين TOR يطيل أعمار عدة أنواع من الأحياء تبرز الآن كمنارة في غموض المعلومات الجزيئية الذي يحيط بالشيخوخة. إلا أن هذه الأهمية لا تعني، على الرغم من ذلك، أن السبل الأخرى غير مهمة لطول العمر. ففي الواقع، يتزايد تصوير علماء الشيخوخة للمسارات التي يؤثر فيها تقييد الكالوريات كما لو كانت تنتمي إلى شبكة متعددة الجوانب ومعقدة يمكن أن تحرَّض بطرق عديدة لتعزيز شيخوخة صحية. وتتضمن مكونات الشبكة الإنزيمات المرتبطة بالإنسولين وبروتينات تسمى FoxOs التي تنشِّط استجابة الخلايا للعوامل المجهِدة. كما يشير دليل مهم إلى أن السيرتوينات تساعد على توليد فوائد مثل فوائد تقييد الكالوريات في الثدييات؛ وفي بعض الأحيان قد تسهم في تثبيط البروتين TOR. وعند هذه النقطة، يبدو وكأن البروتين TOR هو أشبه ما يكون بوحدة المعالجة المركزية في الشبكة، فيدمج مدخلات مختلفة لضبط معدّل التقدم في العمر، على الأقل في العديد من الأنواع وربما في البشر أيضا.
لغز يُحل
في محاولة للوصول إلى فهم أفضل للكيفية التي يطيل بها تثبيط البروتين TOR وتقييد الكالوريات مدى العمر في مثل ذلك العدد من الأنواع، وجد الباحثون أنفسهم أمام لغز قديم: لماذا تتطور أي آلية لتأخير الشيخوخة؟
حيّر الموضوع علماء الحياة المتخصصين في التطور، لأن الانتخاب (الانتقاء) الطبيعي Natural selection يعمل على تعزيز تكاثر ناجح، وليس ليمكِّن الكائنات الحية (المتعضيات) Organisms من الاستمرار لوقت إضافي بلعبة الحياة والبقاء مفعمة بالحياة في أعمار يكون أفراد نوعها في العادة قد أُبيدوا بفعل الحيوانات المفترسة أو العدوى أوالحوادث أو ما شابه. وبسبب مثل هذه العوامل الخارجية التي تعرض البقاء للخطر، جهّز التطور – بشكل فعال – المخلوقات لكي تحيا مدة كافية للتكاثر قبل أن تفعل البيئة فعلها بها؛ ومع تناقص احتمالات استمرار بقائها، فإنها تتدهور كالمنازل المهجورة. إلا أن تقييد الكالوريات يؤخر التدهور الناجم عن المراحل الأخيرة من العمر في أنواع متباينة جدا، مما يشير ضمنيا إلى أنه يحفِّز آلية قديمة – ولا تزال محفوظة – شكَّلها الانتقاء الطبيعي لتبطئ الشيخوخة في بعض الظروف.
ويذهب أحد حلول هذا اللغز الذي كثيرا ما يشار إليه، إلى أن تقييد الكالوريات ينبِّه استجابة تطورية للجوع تكبح تقدّم المتعضي في العمر خلال فترات القحط ليتمكن من البقاء وقتا كافيا للتكاثر عندما تتحسن الأحوال. أما النقاد من أمثال أوستاد من معهد بارشوب، فيردون بأنه ليس هناك دليل على أن النظم الغذائية المنخفضة الكالوريات تجعل الحيوانات في البرية تعيش أطول، فقد لوحظ أن تقييد الكالوريات يطيل مدى العمر فقط في حيوانات التجارب المدللة. أما حيوانات البرية النحيفة بالفعل والمنهكة بفعل الجوع فقد تكون لديها فرصة ضئيلة في البقاء مدة طويلة كافية للاستفادة من الجينات التي تبطئ الشيخوخة، وللتمكن من نقل هذه الجينات، مما سيؤدي إلى تطور استجابة الجوع.
ويعتقد بعض علماء الشيخوخة بحل آخر للمعضلة قد يكون أكثر منطقية: إن تقييد الكالوريات يطيل العمر كتأثير جانبي جانبي لاستجابات تطورت لأغراض لا علاقة لها بالشيخوخة. فمثلا يقدم أوستاد فرضية تقول إنه في فترات القحط تتشعب الحيوانات وتأكل أطعمة غير مألوفة، فتُعرض نفسها لمواد سامة غير موجودة في غذائها التقليدي. هذا البحث الشاق عن الطعام قد يُطور ميلا إلى تحفيز الدفاعات الداخلية ضد السموم عندما يشتد الجوع، فتنشَّط الاستجابة الخلوية للإجهاد Cellular stress response ولعمليات الإصلاح المصاحبة لها، وبذلك ودونما قصد تتأخر الشيخوخة.
منذ سنوات قليلة، استغلّ بلاغوسكلوني -الباحث في السرطان بمعهد روزويل بارك للسرطان Roswell Park Cancer Institute في ولاية نيويورك- الاكتشافات حول البروتين TOR ليقترح نظرية أخرى تشرح التأثير السحري لتقييد الكالوريات الذي يبدو كما لو كان قد نتج مصادفة. وهذا المواطن الروسي، الذي تنوعت أبحاثه في السرطان وبيولوجيا الخلية، استوحى نظريته من فكرة غير تقليدية: إن القدرة على النمو، التي تبدو الجوهر الأساسي للشباب، هي التي تقودنا نحو القبر في المرحلة الأخيرة من الحياة. فيفترض بلاغوسكلوني أن تقييد الكالوريات يطيل العمر بالتحكم في التأثيرات العكسية للمراحل المتقدمة من العمر على مسارات النمو، ومن أهم هذه المسارات البروتين TOR.
وتقول نظرية بلاغوسكلوني إن البروتين TOR، الضروري للنمو والتكاثر، يصبح هو محرك الشيخوخة بعد الوصول إلى النضج. وتحرض إشارات النمو الصادرة عنه تكاثر خلايا العضلات الملساء في جدران الشرايين (خطوة أساسية في تصلب الشرايين Atherosclerosis)، وتراكم الدهون (الذي يساعد على تحفيز الالتهابات في الجسم ككل)، وتطور المقاومة للإنسولين Insulin resistance، وتكاثر الخلايا المسماة بناقضات العظم Osteoclasts التي تنخر العظام، ونمو الأورام. إضافة إلى ذلك، ومع تراجع البلعمة الذاتية، يدعم البروتين TOR بناء البروتينات القابلة للتكتل Aggregation-prone proteins وعضيات المتقدرات المعطوبة وظيفيا، والتي تنفث جذورا حرة Free radicals تتلف الحمض النووي DNA وتضر بعمليات الأيض المنتجة للطاقة في الخلايا. كما يسهم أيضا في تراكم البروتينات المقاومة لضمور العصبونات، وهي عملية تؤدي دورا في داء آلزايمر وفي أشكال أخرى من تنكّس الأعصاب. وبيّن بلاغوسكلوني أنه في أواخر العمر تستطيع إشارات البروتين TOR قدح هرم الخلية أيضا، وهي حالة تشبه ليلة الميت الحي Night of the living dead، حيث تدمّر فيها الخلايا القريبة وتقوض قدرة الأنسجة على التجدد.
ويجادل بلاغوسكلوني في أن كل هذا يدلّ على أن التطور لم ينشئ آلية تهدف إلى إبطاء الشيخوخة، بل إن تأثيرت إطالة الحياة للراباميسين، أو بسبب تقييد الكالوريات، أو بفعل الطفرات الجينية التي تثبّط الهرمونات المحفزّة للنمو Progrowth hormones، هي مجرد مصادفات من صدف الطبيعة – التي تؤثر فيما أطلق عليه “النمو الملتوي” Twisted growth للتقدم في السن، وتجعله يقوم بعمله ببطء أكثر من المعتاد. وفي الواقع، يعمل مسار البروتين TOR إلى حد كبير كبرنامج للشيخوخة حتى وإن كان قد تشكّل لدعم عمليات النمو في المراحل المبكرة.
ومع أن نظرية بلاغوسكلوني جديدة، إلا أن أحد العناصر الرئيسية الملهمة كانت فرضية رصينة اقترِحت عام 1957 من قبل الراحل ويليامز اختصاصي علم الحياة التطوري. فقد وضع فرضية تقول إن الشيخوخة تحدث بفعل جينات ذات وجهين تكون مفيدة في بداية الحياة ولكن ضارة فيما بعد. وقد رجّح التطور مثل هذه الجينات (متعددة المظهر والعدائية) لأن – وكما يقول ويليامز – الانتخاب الطبيعي: «يتحيز لصالح الشباب ضد الشيخوخة في كل مرة ينشأ فيها صراع مصالح». وينظر بلاغوسكلوني إلى البروتين TOR كمثال جوهري على مثل هذه الجينات.
وكمثل العديد من النظريات الجديدة، فإن نظرية بلاغوسكلوني نظرية خلافية. إذ يرى بعض العلماء أنها تمنح البروتين TOR وزنا أكبر مما ينبغي، في حين يعتقد آخرون أن وجوها أخرى للبروتين TOR – مختلفة عن تحفيز النمو – هي الوجوه الجوهرية؛ فعلى سبيل المثال ينظر البعض إلى أن تثبيط البروتين TOR لعملية البلعمة الذاتية – التي تجدد مكونات الخلايا – على أنه التأثير الرئيس في عملية الشيخوخة. ولكن مازال بعض خبراء البروتين TOR يعتقدون أن النظرية معقولة، ويرجِع هال -من بازل- الفضل إلى بلاغوسكلوني «لأنه ربط بين نقاط لا يراها الآخرون»، وأضاف: «وأنا أميل إلى الاعتقاد بأنه محق.»
البروتين TOR ومستقبل الطب
إذا كان البروتين TOR دافعا رئيسيا للشيخوخة، فما هي خيارات نزع أنيابه؟ قد تمنع الآثار الجانبية للراباميسين ترشيحه كعقار مضاد للشيخوخة في البشر، فبالإضافة إلى أمور أخرى، قد يرفع نسبة الكوليسترول في الدم ويسبب فقر الدم ويعوق التئام الجروح.
قد يكون عقار آخر هو الميتفورمين Metformin البديل، مع الحاجة إلى مزيد من الاختبارات لتقييم هذه الفكرة. فالميتفورمين هو أكثر الأدوية الموصوفة لعلاج داء السكري شيوعا – يتناوله الملايين لخفض غلوكوز الدم بأمان ولفترات طويلة. إلا أن آلية تأثيره غير مفهومة بشكل جيد، ولكن من المعروف أنه يثبط مسار البروتين TOR وينشط إنزيما آخر مرتبطا بالشيخوخة يسمى الإنزيم AMPK، والذي يحفز كذلك تقييد الكالوريات فيعزز بذلك رد فعل الخلايا للإجهاد. وقد تبين أيضا أن الميتفورمين يحاكي تأثير تقييد الكالوريات في مستويات نشاط الجين في الفئران، وتشير بعض الدلائل إلى أنه يمكن أن يطيل المدى الأقصى للعمر في القوارض. ومازلنا نبعد سنوات عن معرفة ما إذا كان بإمكان الميتفورمين أن يحاكي تقييد الكالوريات في البشر، ولكن تجرى حاليا اختبارات صارمة حول قابليته لإطالة مدى العمر في الفئران.
إن تعزيز إطالة عمر الإنسان بقدر يتناسب مع تأثير الراباميسين في مدى عمر الفئران يمكن أن يضيف من 5 إلى 10 سنوات في المتوسط إلى عمر الإنسان. وسيكون هذا تحسنا هائلا. وفي الحقيقة، ارتفع مدى العمر المتوقع في البلاد المتقدمة كثيرا خلال القرن الماضي، وعندما يتصل الأمر بموضوع الشيخوخة نكون مثل الرياضيين الأولمبيين الذين يحاولون باستمرار تحسين أرقامهم القياسية بمكاسب صغيرة – لقد ارتفع معدل مدى الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 50 في المئة خلال القرن العشرين، وارتفع خلال العقد الماضي بما هو أقل بقليل من 2 في المئة.
وبما أننا خفّضنا معدل الوفيات المبكرة إلى أقل حد ممكن تقريبا، فإن الزيادة في معدل الحياة المتوقعة ستتطلب – عند هذه النقطة – صد أمراض الشيخوخة. والتزايد المطّرد في تكاليف طب الشيخوخة يشير إلى أن هذا طلب باهظ الثمن. ولكن العقاقير التي تبطىء الشيخوخة قد تتدبر الأمر بنفقات معقولة. وفي الحقيقة، ستعمل كأدوية وقائية يمكنها أن تؤجل أو تؤخر أمراض المراحل المتقدمة من أعمارنا – مثل فقدان الذاكرة وهشاشة العظام وعتامة عدسة العين والسرطان وفقدان كتلة العضلات وقوتها والصمم وحتى التجاعيد – مثل الأدوية التي تخفض الكوليسترول وضغط الدم التي تساعدنا الآن على مقاومة الذبحات القلبية التي تحدث في منتصف العمر. وسوف تضمن لنا هذه الأدوية الفترة التي نكون فيها لا نزال مفعمين بالحياة قبل أن نضعف ونموت.
إلا أن تطوير مثل هذه العقاقير لن يكون سهلا. وأحد العوائق هو عدم وجود طريقة موثوقة لقياس معدل الشيخوخة في البشر، فوجود مقياس جيد سيمكّن الباحثين من اختبار الفعالية دونما حاجة إلى إجراء تجارب طويلة يتعذر القيام بها. إلاّ أن إيجاد أدوية آمنة مضادة للشيخوخة يستحق بذل كل جهد، حتى ولو لمجرد تعزيز شيخوخة صحية بصرف النظر عن إطالة العمر. فمن كان يظنّ أن قارورة تحوي رملا غُرفت قبل خمسة عقود تقريبا قد يغدو يوما تربة خصبة لأبحاث يمكن أن تؤدي إلى مزيد من سنوات حياة جيدة؟
للمزيد:
TOR Signaling in Growth and Metabolism. Stephan Wullschleger et al. in Cell, Vol. 124, No. 3, pages 471-484; February 10, 2006. www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/16469695
Growth and Aging: A Common Molecular Mechanism. Mikhail V. Blagosklonny and Michael N. Hall in Aging, Vol. 1, No. 4, pages 357-362; April 20, 2009. www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/20157523
Rapamycin Fed Late in Life Extends Lifespan in Genetically Heterogeneous Mice. David E. Harrison et al. in Nature, Vol. 460, pages 392-395; July 16, 2009.
Aging and TOR: interwoven in the Fabric of Life. Zelton Dave Sharp in Cellular and Molecular Life Sciences, Vol. 68, No. 4, pages 587-597; Febmary 2011. www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/20960025