باستطاعتنا الآن صنع ما نريده بسهولة
تقرير خاص: العالم في 2076
باستطاعتنا الآن صنع ما نريده بسهولة
بقلم: سالي آدي
ترجمة: أماني عبدالملك
من المدهش صعوبة تخيل عالَمٍ من غير ندرة. ويقول جون كويغن John Quiggin -عالم اقتصاد من جامعة كوينلاند University of Queensland في برسبين بأستراليا. عندما نفكر في نهاية الحاجات المادية، فعادةً ما تكون تلك الخاصة بنا. ولكن ماذا عن حاجات الآخرين؟ يقول كويغن: “إن الندرة هي أساس نظامنا الاقتصادي.” هذا هو النموذج الرأسمالي الذي تُعدّ مبادئه بالنسبة إلى معظمنا غير قابلة للنقاش مثل قواعد الفيزياء. فكيف سيعمل الاقتصاد لو كان كل شيء مجانيا، ومن سيقوم بصنع الأشياء إن لم يُدفع لأحد؟ أليست هذه الشيوعية؟ إن محاولة تصور عالَم لا يتمحور حول السوق تبدو نوعا ما كسمكة تفكر في الحياة خارج الماء.
فقد قام جيمي ريفكين Jeremy Rifkin بذلك في بيانه حول مجتمع التكلفة الهامشية الصفرية The Zero Marginal Cost Society. إذ يؤكد أن الرأسمالية قاربت على الانتهاء من استهلاك نفسها. “إنه الانتصار الأكبر للسوق،” النقلة الأخيرة إلى مجتمع خُفِّضت فيه آلية تكلفة إنتاج كل وحدة إضافية لأي شيء إلى ما يقارب الصفر، والمنتجات المجانية جوهريا.
للمحة عن كيفية عمل ذلك، خذ بعين الاعتبار صناعتي الموسيقى والنشر. فقد جعلت شبكة الإنترنت إنتاج وتوزيع المحتويات رخيصين بشكل مذهل. وعلى الرغم من كون ذلك ضارا للبعض، يرى ريفكين هذا التوجه كدليل لنموذج جديد سوف يمتد إلى جميع الصناعات الأخرى. وسيكون العامل المُمكِّن الرئيس هي أجهزة التصنيع التي يمكنها صنع أي شيء تقريباً حسب الطلب. فكر في الطابعات ثلاثية الأبعاد الحالية ولكن بدرجة أكثر تعقيداً بشكل كبير، خذ مثلا مقارنة جهاز حاسوب حديث بالحاسبة الإلكترونية في ستينات القرن العشرين.
ربما تكون هذه الأجهزة قد تطورت خلال 60 عاماً إلى آلات تسمى مُجمِّعات جزيئية Molecular assemblers. وقد صاغ إيريك دريكسلر Eric Drexler المصطلح عام 1977. حيث تخيل جهاز تصنيع على مستوى النانو قادر على التلاعب بالجزيئات الفردية بالسرعة والدقة المناسبة لإنتاج أي مادة ترغب فيها. اضغط زراً وانتظر لوهلة وإذا بالطعام يظهر والأدوية والملابس وأجزاء الدراجة أو أي شيء على الإطلاق، مُجسَّداً بأدنى حد من المال والجهد .
لا نستطيع التنبؤ بكيف سيبدو عالم كهذا ولكن بدأت الخطوط بالاتضاح. ويعتقد ريفكين أن المُصنِّعات ستكون محركات الاقتصاد المشترك. وسيتنحى مفهوم الملكية ليحل مكانه الإتاحة (فكر في تطبيق Spotify وUber لكل شيء)، سوف تتنحى السلع لتأخذ طباعة ما تريد مكانها. ويقول إنه خلال عشرين سنة “لا أعتقد أن الرأسمالية ستكون الحاكم الحصري للحياة الاقتصادية. بل سوف تتشارك المنصة مع وليدها.”
لربما تكون الرأسمالية قد اختفت تماما خلال 60 سنة. وقد يحل محلها مجتمع تُلبى فيه جميع مطالبنا الأساسية. ويسمي ريفكين رؤيته الاقتصادية الجديدة “العمومية” The commons، ولكنها تمتد لتشمل ما هو أكثر من الاقتصاد وحده. وسيكون ذلك هو العالَم الجديد الذي نبحر فيه.
وسوف تكون لك وظيفة، ولكنها لن تكون مقابل مال. فستكون الشركة التي تعمل فيها غير ربحية. وسوف تقاس “ثروتك” في صورة رأس مال اجتماعي: سمعتك كعضو متعاون من النوع البشري. لذا، عند مساهمتك في برنامج مفتوح المصدر Open-source code يصنع منتجا أفضل، فسوف تتمتع بـ “دفعة” على هيئة سمعة مُحسَّنة. التطبيقات التي تتابع مساهمتك للعامة سواء من خلال مساهمتك بالعمل، أو بترشيد استهلاك الطاقة أو مقاييس أخرى للسمعة، سوف تجعلك تقايض نقاطك من الكارما Karma points [العاقبة الأخلاقية] بسلع الرفاهية، مثلا كرسي أثري من الواضح أنه لم يصنع في جهاز تصنيع. حتى في عصر العمومية سنظل بشراً.