دليل الواقع: القوانين الأساسية للكوزمولوجيا
دليل الواقع :القوانين الأساسية للكوزمولوجيا
ليس من السهل محاكاة توزع المادة والمادة المُعتمة في الكون.
بقلم: ستيوارت كلارك Stuart Clark وريتشارد ويب Richard Webb
ترجمة: همام بيطار
بدأ كوننا المتوسع بحدثٍ يُعرف بالانفجار الكبير قبل 13.8 بليون سنة. لكن، ما قوانين الطبيعة الأساسية التي تُشكل نظرتنا للزمن والمكان؟
يُجسد النموذج القياسي للكوزمولوجيا صورتنا التي نمتلكها عن الكون عند الأحجام الكبيرة. وتعود أسس هذا النموذج إلى نظرية آينشتاين في الجاذبية، أو ما تُعرف بنظرية النسبية العامة General theory التي صاغها آينشتاين قبل قرن من الآن تقريباً. ولصياغة ذلك النموذج، كان على آينشتاين وآخرين وضع بعض الافتراضات الرئيسية حول دقات الساعة الكونية -وهي قوانين تُعتبر الآن حجر الزاوية في فهمنا للكون.
القانون 1: سرعة الضوء ثابتة
لا شيء بمقدوره تجاوز هذا الحد الكونيّ للسرعة.
في ستينات القرن التاسع عشر، كان جيمس كلارك ماكسويل James Clerk Maxwell يعمل على دمج الكهرباء والمغناطيسية معاً داخل إطار نظرية موحدَّة في الكهرومغناطيسية Electromagnetism. وشرَّح ماكسويل المعادلات، ولكنّها لم تكن ذات معنى إلا في حال كان الضوء يتحرك عبر الفضاء بسرعة ثابتة بصرف النظر عن سرعة مصدره.
هذا غريب! فلو أطلق أحدهم رصاصة من سيارة متحركة، لتحركت الرصاصة بالنسبة إلى المارة بسرعة مساوية لمجموعة سرعتها وسرعة السيارة. ومع ذلك لم نصل إلى النتيجة نفسها إلا بعد عشرين عاماً من ذلك عندما كان عالما الفيزياء الأمريكيين ألبرت ميكلسون Albert Michelson وإدوارد مورلي Edward Morley يبحثان عن الأثير الحامل للضوء -وسط يُفترض أنه يحمل الضوء- وتوصلا إلى الاستنتاج نفسه: سرعة الضوء تبقى ثابتة بصرف النظر عن الطريقة التي تنظر بها إليه.
لم يتوقف الأمر عند ذلك فقط، فتلك السرعة تُجسد الحد الكوني والنهائي للسرعة أيضاً؛ إذ لا وجود لأي تأثير -لا المواد، ولا المعلومات، ولا الجاذبية أو أي قوة أخرى- بمقدوره التحرك بسرعة أكبر من سرعة الضوء. وقد ثبت دوماً أن التقارير المتكررة التي تتحدث عن تحطيم حاجز سرعة الضوء- كالنيوترينوات Neutrinos الأسرع من الضوء المُعلن عنها في العام 2011 – خاطئة. فقد رفع آينشتاين السرعة الثابتة للضوء لتصير أحد مبادئ الطبيعة، وبدأ بعدها إعادة بناء الفيزياء، إذ كانت نقطة الانطلاقة في نظريتيه التوأم في النسبية وهما: النسبية العامة والنسبية الخاصة.
النسبية الخاصة
الحركة، والمكان، والزمن كلها أشياء نسبيّة!
كما بيّن آينشتاين، فمبدأ ثبات سرعة الضوء يقود إلى بعض النتائج الغريبة. ففي خبرتنا اليومية، فإنّ سيارتين تتجهان نحو بعضهما البعض بسرعة تبلغ 100 كيلومتر في الساعة ستتصادمان بسرعة 200 كم/ساعة. لكن تخيل الآن أنك تجلس في واحدة من سفينتين فضائيتين تتجهان نحو بعضهما بسرعة تصل إلى 90 ٪ من سرعة الضوء c لكل واحدة منهما. حسناً، ماذا ستكون قيمة السرعة التي تتجه فيها إحدى السفينتين نحو الأخرى من وجهة نظر إحداهما؟
القيمة الدقيقة غير مهمة*، لكن بكل الأحوال لن تكون أكبر من c. ففي نظرية النسبية الخاصة لآينشتاين ينحني كلٌّ من الزمن والمكان ليتلاءما مع الحد المفروض على سرعة الضوء. ومن هذا المنظور، فالساعات المتحركة تدق بسرعة أبطأ، والمساطر المتحركة تبدو أقصر، ولذلك لا يوجد قياس وحيد لكلٍّ من الزمن والمكان -وفي الحقيقة فإنك ستتقدم بالعمر بسرعة أقل إذا كنت في مركبة فضائية متحركة.
تأثيرات الانحناء تلك مهملة عند السرعات العادية التي نختبرها، لكنها ستصبح مهمة جدا عند الاقتراب من سرعة الضوء، وبكل تأكيد لا وجود لأي جسم قادر على تغطية مجال محدد من الفضاء بزمنٍ أقصر من ذلك الذي يحتاج إليه الضوء.
* هذه القيمة تبلغ 99.4% من سرعة الضوء.
E=mc2
تنتج المعادلة الأشهر في الفيزياء من نظرية النسبية الخاصة، وهي تنص على أنّ الكتلة ما هي إلا عبارة عن شكل مركز من الطاقة، وثابت التناسب بينهما يتعلق بثابت سرعة الضوء. صادم الجسيمات بعنف ببعضها عند طاقات عالية جداً، كما هي الحال في مصادم الهادرونات الكبير Large Hadron Collider الموجود في منظمة الأبحاث النووية الأوروبية في سيرن CERN، وستستطيع حينها خلق جسيمات أخرى كتلتها أكبر -هذه الجسيمات جرى اكتشافها أثناء سبر نظريات الحقل الكمومي التي كان يجري تطويرها، والتي قادت في النهاية إلى النموذج القياسي في فيزياء الجسيمات.
القانون 2: مبدأ التكافؤ
الجاذبية والتسارع يبدوان دوماً على أنهما الشيء ذاته!
في القرن السادس عشر لاحظ غاليليو أن الأجسام الساقطة تتسارع بالمعدل نفسه بصرف النظر عن كتلتها، إذ سيسقط كلٌّ من الريشة والمطرقة من أعلى برج بيزا المائل وسيصدمان الأرض في اللحظة نفسها عندما تُهمل مقاومة الهواء. وقد أكد رائد الفضاء ديفيد سكوت David Scott أثناء رحلة أبولو 15 هذا المبدأ فوق القمر الخالي من الهواء.
لقد برهن نيوتن على أن ذلك يُمكن أن يكون صحيحاً فقط في حالة غريبة من الصدفة: عندما تكون كتلة القصور (العطالية) Inertial mass، التي تصف مقاومة الجسم للتسارع، يجب أن تكون مساوية دوماً للكتلة الثقالية gravitational mass التي تأخذ بالحسبان استجابة الجسم للجاذبية.
لا يوجد سبب واضح وراء وجوب حصول ذلك، وحتى الآن لم تستطع أي تجربة الفصل بين هاتين الكميتين. وكما هي الحال مع السرعة الثابتة للضوء، فآينشتاين هو من صرَّح بهذا التكافؤ على أنه مبدأ من مبادئ الطبيعة.
القانون 3: المبدأ الكوني
الكون هو نفسه في كل الأمكنة، والاتجاهات!
قبل عقود قليلة من غاليليو تجرأ كوبرنيكوس على اقتراح أن الأرض لم تكن مكاناً مميزاً في الكون. وبعد ذلك بنحو قرن، افترض نيوتن في أطروحته العظيمة : المبادئ Principia أنّ النظام الشمسي مدفون داخل فضاء متجانس يمتد على مسافات هائلة وفي كل الاتجاهات.
وهذه هي أصول ما نعرفه حالياً في إطار الكوزمولوجيا الحديث بالمبدأ الكوني الذي يقول: أمعن النظر في الكون، و سيبدو كل شيء هو نفسه تقريباً مهما كان الاتجاه الذي تنظر نحوه. فمثلاً توجد التكتلات المحلية المؤلفة من المادة على هيئة أنظمة شمسية، ومجرات، وعناقيد مجرية، لكن عند مقياس كبير كفاية، سيبدو كل شيء متجانسا وسطياً.
إنه تسبيط جعل من الرياضيات أسهل بكثير عندما نحاول وضع نموذج عامل يصف الكون. لكن حقل رؤيتنا المحدود يجعل من الصعب جداً القول فيما إذا كان ذلك المبدأ صحيحاً حقاً على المقياس الكوني. فاكتشاف أكبر البنى الكونية، كذلك القوس المجري الضخم الذي يبلغ عرضه 10 بلايين سنة ضوئية المكتشف في عام 2013 والذي يحمل اسم جدار إكليل هرقل بوراليس العظيم Hercules-Corona Borealis Great Wall، يضع ذلك المبدأ موضع تساؤل.
النسبية العامة
نظرية آينشتاين المنحنية عن الجاذبية
تخبرنا النسبية الخاصة بأن الحركة تحني المكان والزمن. وكذلك يفعل التسارع – والجاذبية شكلٌ من أشكال التسارع. فهذا هو الدرس الذي قدمته نظرية آينشتاين العظيمة في النسبية العامة عام 1916. وتجمع هذه النظرية كلاًّ من النسبية الخاصة ومبدأ التكافؤ داخل نظرية تصف الجاذبية ونعتمد عليها الآن. تحني الأجسامُ فائقة الكتلة المكانَ والزمن اللذين يُعرفان معاً بالزمكان space-time من حولها، مما يجعل الأشياء تظهر وهي تتسارع نحوها.
تُقدم النسبية العامة إطارَ عملٍ لتفسير كيفية حصول الأشياء عند الأحجام الهائلة في الكون، لكن أي نموذج كوني يتطلّب وجود جزء جوهري من المعلومات، وهو كيفية توزّع المادة؟
الجاذبية
تفسر الجاذبية السبب في شعورنا بالسَّحب نحو الأرض، ولماذا تدور الأرض حول الشمس. وعلى الرغم من هيمنتها عند مستويات القياس الكونية وبالقرب من الكتل الكبيرة جداً مثل الكواكب والنجوم، إلا أنها الأضعف على الإطلاق حتى الآن بين قوى الطبيعة المعروفة، كما أنها الوحيدة التي لا تفسرها نظرية الكم Quantum theory.
موجات الجاذبية (الموجات الثقالية)
هذه التموجات الحاصلة في الزمكان هي آخر التنبؤات غير المؤكدة للنسبية العامة إلى أن رُصِدت في نهاية المطاف في شهر سبتمبر 2015 حين مَثَّلت الإشارةُ القادمة من اندماج ثقبين أسودين فائقي الكتلة مع بعضهما انتصاراً لعملٍ صبور ومضنٍ أنجزته تجربة “ليغو” LIGO المتطورة.
النموذج القياسي للكوزمولوجيا
عندما استخدم آينشتاين النسبيةَ العامة للمرة الأولى بهدف بناء نموذج كوني، اتبع في ذلك التقليد الساىد في تلك الأيام، وافترض أن الكون كان ساكناً، بمعنى أنه لا يتوسع ولا يتقلص. ولكن، عمليات الرصد التي جرت في عشرينات القرن الماضي بيَّنت أن المجرات البعيدة “تنزاح نحو الأحمر” Redshifted جرّاء تحركها بعيداً عنا. وبعد ذلك استخدم آخرون نظريته، إضافة إلى المبدأ الكوني المبسط الذي ينص على أن المادة تتوزع بشكلٍ متجانس في أنحاء الكون، بقصد وضع نماذج للكون المتوسع.
كان ذلك بداية النموذج القياسي في الكوزمولوجيا، والذي يصف كوناً بدأ في نقطة متناهية الصغر وكثيفة وساخنة جرّاء حَدثٍ عُرف بالانفجار الكبير Big bang وحصل قبل 13.8 بليون سنة.
إشعاع الخلفية الكونية الميكروي
يُنظر الآن إلى هذا البحر البارد من الإشعاع، المكتشف مصادفةً في عام 1964 كضوضاء بسيطة في الخلفية الخاصة بمستقبل اتصالات عملاق، على أنه دليل حاسم على الانفجار الكبير الموصوف في إطار النموذج القياسي للكوزمولوجيا. فقد صدر الضوء الأقدم في الكون بعد نحو 380 ألف سنة من الانفجار الكبير عندما برد الكون بدرجة كافية تسمح بتشكل أولى الذرات، مما سمح للفوتونات بالتحرك بحرية. وقد وضعت المجسات الفضائية التي تجمع هذا الضوء -أحدثها مهمة بلانك التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية- خريطةً لذلك الضوء بتفصيل دقيق، مما يُقدم معلومات عن الأعوام الأولى من حياة الكون ومكوناته الحالية.
وبصرف النظر عن كل نجاحاته، فإنّ النموذج القياسي في الكوزمولوجيا يستحضر ظواهر مثل المادة المُعتمة والطاقة المُعتمة. ويُمكنك القراءة عن هذه الألغاز ومعرفة المزيد في دليل الواقع: ست مسائل لا تستطيع الفيزياء شرحها، أو يُمكنك استكشاف المبادئ الثلاثة الأكثر جوهرية التي تشكل صورتنا للواقع عند الأحجام الأصغر بقراءتك لدليل الواقع: القوانين الأساسية في فيزياء الكم.
https://www.newscientist.com/article/2106321-reality-guide-the-essential-laws-of-cosmology/