دليل الواقع: ست أفكار جذرية لتغيير الفيزياء
دليل الواقع:
ست أفكار جذرية لتغيير الفيزياء
هل المعلومات هي الإجابة لكل شيء؟
بقلم: ستيوارت كلارك Stuart Clark وريتشارد ويب Richard Webb
ترجمة: همام بيطار
خلال القرن الماضي أُعيدت صياغة فهمنا للكون بالكامل، والفجوة الواضحة التي لاتزال موجودة في فهمنا تعني أنه من المرجح أيضاً إعادة صياغته مجدداً. لكن ما الأفكار التي توفّر السبل الممكنة إلى الأمام؟ نستكشف هنا بعضاً من الأفكار الأكثر واعدا.
وللحصول على الحقائق والمعلومات ذات الصلة بأفضل نظرياتنا الحالية عن الكون، انظر إلى دليل الواقع: القوانين الأساسية للكوزمولوجيا، وأيضاً إلى دليل الواقع: القوانين الأساسية لفيزياء الكم. ولقراءة المزيد عن المسائل التي مازالت عالقة في الفيزياء حتى يومنا هذا، اقرأ دليل الواقع: ست مسائل لا تستطيع الفيزياء شرحها.
الفكرة 1: جاذبية مُعدَّلة
خضعت نظرياتنا حول الجاذبية للاختبار عند المقاييس الصغيرة فقط
إن النسبية العامة General relativity نظرية دقيقة للغاية للجاذبية على حدّ علمنا. لكن هل سيكون بإمكان نظرية جاذبية مُعدَّلة أن تطرد بعض الشياطين الكونييّن؟
فتنبؤات النسبية العامة المتعلقة بحركات الأجسام الفضائية والكواكب دقيقةٌ بالنسبة إلى حجم النظام الشمسي، وقد بيّن الاكتشاف الحديث لموجات (الجاذبية) الثقالية gravitational waves أنها تتنبأ أيضاً بدقة بما يحصل عندما يندمج ثقبان أسودان Black holes يدوران حول بعضهما. لكن على المقاييس الكونية، تمتلك تلك النُّظمُ الكثيرَ من الكتلة المحصورة في حجم صغير نسبياً من الفضاء. فماذا يحصل للجاذبية في بيئاتٍ تكون فيها قوتها أضعف؟
ربما تستطيع النسخة المُعدَّلة من الجاذبية، المعروفة بديناميكا نيوتن المعدلة Modified Newtonian Dynamics (اختصارا: النظرية MOND)، وصفَ الشذوذ Anomalous في دوران المجرات، الذي يؤخذ على أنه دليل على وجود المادة المُعتمة Dark matter، لكنه لا يوجد حتى الآن أي نظرية تتناول كيفية تحقيق هذا التعديل. وفي الوقت نفسه، تقترح فرضية الجاذبية DGP، المسماة نسبةً إلى الأحرف الأولى من أسماء واضعيها [دفالي Dvali وغابادادزي Gabadadze وبورّاتي Porrati]، أن الجاذبية تستطيع التسرب من فضائنا رباعي الأبعاد -الزمكان- إلى “حجم Bulk ذي أبعاد أعلى، مما يؤدي إلى إضعاف تأثيرها بمرور الزمن، وبذا ينتج من ذلك وهم الطاقة المُعتمة Dark energy. ولايزال يتعين علينا اكتشاف أدلة تجريبية لدعم هذه الفرضية.
الفكرة 2: تناظر فائق
المزيد من الجسيمات قد يفسر لماذا الكون على ما هو عليه!
التناظر الفائق Supersymmetry، أو ما يعرف بـ “سوزي SUSY” بالنسبة إلى أصدقائه، هو سكّين حربية سويسرية من النظريات العَمَليَّة: فلديه أداة لكل شيء. وتقترح الفكرة وجودَ بوزون Boson حامل للقوة لكل فيرميون Fermion مكون للمادة في النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات -والعكس صحيح.
ومضاعفة الجسيمات هذه تعني أكثر بكثير من مضاعفة المتعة. ويستطيع التناظر الفائق حل مسائل الضبط الدقيق Fine-tuning مثل الكتلة المنخفضة جداً لبوزون هيغز Higgs boson: فتفاعلها مع جسيمات “شريكة فائقة” Superpartner يكبح زمامها حتى إنها بالكاد تصل إلى المستوى القابل للرصد. وقد بيّنت الحسابات المنجزة في ثمانينات القرن الماضي أنك لو افترضت صحة التناظر الفائق واستقرأت Extrapolate شدة القوة الكهرومغناطيسية والقوى النووية الشديدة والضعيفة عودةً بالزمن إلى بدايات الكون، فمن الممكن حينها توحيد تلك القوى في قوة فائقة Superforce وحيدة وبدقة مذهلة. وما يتوج نجاح تلك الحسابات هو أنّ الشريك الفائق الأقل كتلة: النيوترالينو Neutralino يزودنا بهوية جاهزة للمادة المُعتمة.
جيدة جدا لأن تكون صحيح؟ ربما! إذا كانت الجسيمات فائقة التناظر موجودة، إذن يجب أن يكون مصادم الهادرونات الكبير الموجود في “سيرن” قد ولدّها بحلول هذا الوقت. لكن، وبصرف النظر عن الإثارة الغريبة لظهور نقطة [في المصادم] سرعان ما واختفت لاحقاً، لم يُعثر على أي إشارة. فربما تكون الجسيمات الشريكة فائقة التناظر أثقل مما نعتقد، أو ربما لم نمحِّص بعد وجودَها من بين البيانات المُستخلصة. لكن على الرغم من ذلك، يواجه فيزيائيو الجسيمات -وعلى نحوٍ متزايد- فكرةً مزعجة: ربما لم تقدم الطبيعة جوابا أنيقا كفكرة التناظر الفائق.
الفكرة 3: قوة خامسة
هل يستطيع العنصر الخامس quintessence إقصاء الأشباح الكونية؟
الجاذبية، والكهرومغناطيسية، والقوة النووية الضعيفة، والقوة النووية الشديدة هي أربع قوى، ويبدو هذا الرقم اعتباطياً بالنسبة إلى القوى الأساسية. لماذا ليست أكثر من ذلك؟
فمن المرجح كثيراً أن تكون هناك قوة خامسة طويلة المجال وضعيفة، وهي مشابهة قليلاً للجاذبية، وقد تتفاعل معها أيضاً. ربما تلغي هذه القوة القليلَ من قوة الجاذبية، ومن ثم تشرح السبب الكامن وراء تسارع معدل التوسع الكوني، لتحاكي بذلك عمل الطاقة المُعتمة. أو يُمكن إضافة هذه القوة إلى الجاذبية لتفسر السَّحب الإضافي الناتج عادةً عن المادة المُعتمة. ومثل هذه القوة الخامسة يجب أن تكون مَخْفية بطريقة ماكرة لتفسير عدم احساسنا بها. وأحد الاقتراحات هي أن الكمية الكبيرة من المادة الموجودة في النظام الشمسي وحوله تشكل درعاً يفصلنا عن تأثيرات تلك القوة. وهذا يجعل منها أيضاً فكرة من الصعب جداً اختبارها.
في بعض الأحيان، تُقترح القوة الخامسة مع وجود جسيمات كمومية لحل مسائل مثل الضبط الدقيق في فيزياء الجسيمات، لكن هناك قدرا ضئيلا من الأدلة الثمينة على وجود القوة الخامسة عند هذه المقاييس. فالشذوذات المتفرقة لاتزال تقدم للفيزيائين بعض الأمل. لكن: وُصُفت الانحرافات المكتشفة حديثاً في معدل الاضمحلال المتوقع لنواة البيريليوم المشعة على أنها أول الأدلة على وجود “قطاع مُعتم” كامل من الجسيمات والقوى.
الفكرة 4: نظريات الأوتار
ربما تستطيع نظرية قصوى ما احتواء نظرية الكم والنسبية
تحطمت أحلام العديد من الفيزيائيين -بمن فيهم آينشتاين- في محاولات لصياغة نظرية موحدة لكل ظواهر الطبيعة.
فقد برز في العقود القليلة الماضية توجه محبوب يسعى إلى الوصول إلى نظرية كل شيء: نظرية الأوتار String theory، وخصوصا تلك النسخة المعروفة بالنظرية M M-theory. وفي هذه النظرية لا تكون المادةُ مؤلفةً من جسيمات شبه نُقَطِيَّة كما هي الحال في النموذج القياسي، لكنها مُكوَّنة من أوتار مهتزة أحادية البعد تتذبذب Vibrating في كون يتألف من زمكان بأحد عشر بعدا. وتلك الأوتار تتذبذب بطرقٍ مختلفة لتخلق بذلك جسيمات أولية متنوعة- بما في ذلك الغرافيتونات Gravitons التي تنقل قوة الجاذبية المُكمَّمة Quantised.
وتحتوي النظرية M ضمنياً على التناظر الفائق. فأبعادها الإضافية -المتكورة والصغيرة جداً- تُفسَّر السبب في عدم شعورنا بها. فالاختراقات العلمية -كاكتشاف الطريقة اللازمة لربط نظرية جاذبية ذات الخمسة أبعاد مع نظرية كمية بحته ذات الأبعاد الأربعة في عام 1995 – يبدو أنها تشير إلى أنه من الممكن توحيد القوى والنظريات.
لكننا ما زالنا بحاجة إلى إنجازات مشابهة للتوافق Ads/CFT تنطبق على زمكانات مشابهة لكوننا، ولايزال على نظرية الأوتار أن تُقدم تنبؤا واحدا على الأقل قابل للاختبار. ولعل أكثر ما يبعث على الإزعاج، أنه يبدو أن هذه الفكرة تتنبأ بوجود كون متعدد Multiverse يصل عدد نسخه إلى 10500 كون مختلف.
وقد قاد كل ذلك إلى التساؤل عما إذا كان يمكن اعتبار نظرية الأوتار عِلما! ومن حين إلى آخر تظهر بعض المقترحات المنافسة لنظرية الأوتار. ولكن جميع تلك النظريات بعيدة جداً عن نظرية كل شيء وفقاً لما يفهمه معظم الناس: نظرية يمكنها -على سبيل المثال- تفسير كيفية “بزوغ” خواص مثل الوعي من مادة جامدة.
الفكرة 5: الكون المتعدد
الكون على ما هو عليه لأن كلَّ كون آخر موجود أيضاً!
تقود العديد من السبل إلى فكرة الكون المتعدد. فنظرية الأوتار تحتاج إليها. والتضخم يصنعها. وفي حل العوالم العديدة لمسألة القياس في ميكانيكا الكم، فإننا نولّد باستمرار- وعن دون قصد- أكوانا موازية.
تكمن الصعوبة الأولى في أنّ هذه الأكوان المتعددة قد تكون كلها مختلفة، أما الصعوبة الثانية فتكمن في كيفية حصولك على دليل مقنع على وجود أيٍ منها.
لكن الأكوان المتعددة -بشكلٍ عام- هي نقمة ونعمة في الوقت نفسه. فعلى سبيل المثال، يستطيع كون متعدد مُتضخم Inflationary multiverse، أو نظرية الأوتار حلَّ مسألة مثل الضبط الدقيق: هناك أكوان أخرى توجد فيها جميع التشكيلات المحتملة الأخرى من المادة، وتشكيلنا هو مجرد واحد من تلك التشكيلات حيث توافرت فيه الشروط الملائمة لتطور كائنات واعية ومتسائلة. لكنّ مثل هذا التعليل “الإنسي” يُعفينا من مسؤولية طرح أكثر الأسئلة سبراً للحقيقة وهو “لماذا؟” قد يكون ذلك أفضل ما بوسعنا بذله، ولكن بالسماح لجميع الاحتمالات -إضافة إلى العالم الذي تقطنه- بأخذ مداه في مكان ما في الكون المتعدد، فإن العلم يسلب نفسه قدرتَه على التنبؤ.
الفكرة 6: كل شيء معلومات
المادة والطاقة غير مُهميّن، فالمعلومات موجودة هناك.
عند محاولة توحيد النسبية العامة ونظرية الكم، يُفترض عموماً أن النسبية العامة على خطأ. فهي -في نهاية المطاف- نظرية حقل كلاسيكية من ذلك النوع الذي ستدفعه نظريات الكم الأكثر لمعاناً في أحوال أخرى جانبا.
لكن طالما بقيت نظرية الكم غير مُفسَّرة بشكلٍ كبير، ستكون هناك دوما فرصة بأن تكون هي الخطأ، أو مجرد تقريب لنظرية أكثر عمقاً. فعلى سبيل المثال، ما الذي يسحب حقاً أوتار التشابك؟ إن العالم الذي تجسده نظرية الكم ليس أكثر العوالم تشابكاً، فهنالك عوالم أخرى في النظرية أكثر اتساعاً ولديها درجة ترابط أكبر بكثير. إذن، لماذا يحصل هذا القدر من التشابك، وليس أكثر؟
قد يُمثل ذلك الأمر قضية أخرى من إشكاليات الضبط الدقيق. لكنه يبدو أن التشابك موجود في جذر العديد من الألغاز، وهناك تلميحات حديثة تُشير إلى أنه قد يؤلف تلك الجدائل الطولية والعرضية التي تحافظ على ترابط المكان والزمن معاً، وفي هذه الحالة، ما هو التشابك؟ إنّ أفضل ما يُمكننا قوله هو أنه نوع من المعلومات الجمعية المشتركة بين الجسيمات.
ويسلط هذا الضوءَ على أحد المواضيع الشائعة في أحدث ما توصلت إليه الفيزياء: إن فهم الزمكان، والطريق نحو الوصول إلى صورة أكثر توحيداً للطبيعة بشكلٍ عام، يكمن في معالجة المعلومات وليس المادة والطاقة- باعتبار المعلومات هي الأمر الأكثر أساسية في الكون ولفهم عمله بطريقة أفضل.
ولعل النظر إلى الكون عبر عدسات المعلومات الملونة يكشف لنا حلولا -واضحة لدرجة نغفلها- تعالج المسائل التي نواجهها اليوم.
ستيوارت كلارك Stuart Clark مستشار لنيوساينتست
ريتشارد ويب Richard Webb محرر مقالات رئيسية لدى نيوساينتست
نشرت المقالات في مجلة نيوساينتست، العدد 3092، 24 سبتمبر 2016