الأفعى ذات الأربع أرجل ربما كانت سحلية
علم الأحافير
أخبار بالتفصيل
الأفعى ذات الأربع أرجل ربما كانت سحلية
بقلم: كارولين غراملينغ، في سولت ليك سيتي
ترجمة: مريانا حيدر
جدل يدور حول أحفورة لم يعد بالإمكان الوصول إليها بعد الآن…
إنها شيء صغير وهش: جمجمة مسحوقة بالكاد تصل إلى طول سنتيمتر واحد وجسم متعرج ملتو بطول إصبعين. وأربعة أطراف دقيقة مع يدين للإمساك. ففي ورقة مهمة منشورة العام الماضي، وصف العلماء هذه الأحفورة النادرة التي تعود إلى أكثر من مئة مليون سنة بأنها أول أفعى ذات أربع أرجل. لكن في اجتماع جمعية علم الأحافير الفقارية Society of Vertebrate Paleontology هنا في الأسبوع الماضي، اقترح فريق آخر أنها سحلية بحرية بدلاً من أفعى، وفي أثناء نقاش العلماء حول هوية هذه العينة المثيرة للجدل والوحيدة من نوعها، تبيّن أنها لم تعد متاحة للمزيد من الدراسة. وعلماء الأحافير منزعجون جداً.
يقول جاك غاوتييه Jacques Gauthier عالم الأحافير في جامعة يال: “إنه أمر مروع. فبالنسبة إلىه، إذا لم يكن بالإمكان دراسة الأحفورة فهي غير موجودة، ويتابع: “بالنسبة إليّ، فإن أهم ما تعلمته هو أنني لا أريد أن أذكر اسم الأفعى تيترابودوفيس Tetrapodophis على الإطلاق ثانية.”
قبل سنة، وفي تقرير لمجلة ساينس، أعلن الباحثون -بقيادة ديفيد مارتيل David Martill من جامعة بورتسماوث في المملكة المتحدة- أن الأحفورة التي أسموها الأفعى تيترابودوفيس أمليبكتوس (الأفعى رباعية الأرجل) Tetrapodophis amplectus كانت حلقة مفقودة ضمن شجرة تطور الأفعى (24 July 2015, p. 416). علم الباحثون أن الأفاعي قد تطورت من الزواحف رباعية الأطراف، لكن لم يُكتشف سوى القليل من الأنماط الانتقالية، ويتابع الباحثون جدالهم فيما إذا كانت أولى السحالي التي فقدت أطرافها وأصبحت أفاعي، كانت حيوانات تحفر جحورا في التربة على اليابسة أم كائنات سابحة مائية.
أعلن مارتيل وزملاؤه أن الأحفورة -التي وصفوها كعينة في متحف ألماني- يعود أصلها إلى بروز في التشكيل الطباشيري، وهي طبقة من الحجر الكلسي عمرها 108 مليون سنة غنية بأنواع برية وبحرية. لقد تعرف العلماء على مواصفات شبيهة بمواصفات الأفعى في الأحفورة من ضمنها: جسم طويل يتألف من أكثر من 150 فقرة، وذيل قصير نسبياً مكون من 112 فقرة، وأسنان معقوفة وحراشف على بطنها، حيث يقولون إن هذه المواصفات تدعم فرضية تقول إن الأفاعي تطورت من أسلاف تحفر جحورا برية.
لكن العديد من علماء الأحافير لم يكونوا مقتنعين. ففي الأسبوع الماضي أثناء الاجتماع، قدم عالم الأحافير مايكل كالدويل Michael Calwell من جامعة ألبيرتا في إدمونتون كندا، وزملاؤه ملاحظاتهم حول العينة، وهي ملاحظات دحضت وشكِّكت في بحث مارتيل نقطةً بنقطة أمام حشد يملأ القاعة
ويعتمد التحليل الجديد على العينة المقابلة للعينة الأحفورية الأصلية، والتي عرضت أيضا في متحف بورغرمايستر-ميولر Bürgermeister-Müller Museum في سولنوفين في ألمانيا.، وعندما فُلِق اللوح الحجري الذي يحوي الأحفورة، بقي جسم الأحفورة بمعظمه في نصف واحد من اللوح، بينما بقيت معظم الجمجمة في النصف المقابل يرافقها انطباع أو قالب لجسم الأفعى. ويقول كالدويل إن الجزء المقابل من الأحفورة حفظ تفاصيل أوضح للجمجمة على وجه الخصوص، ففي تحليل مجموعته للجزء المقابل من الأحفورة يقول: “كل خاصية حدّدتها الورقة العلمية الأصلية على أنها سمة تشخيصية من سمات الأفعى إما أنها لم تكن كذلك، أو لم يكن بالإمكان رؤيتها.”
فعلى سبيل المثال في جماجم الأفاعي هناك عظم يدعى المربع Quadrate وهو عظم طولاني يسمح للأفعى بفتح فكيها باتساع شديد، أما العظم المربع لهذه الأحفورة فيأخذ شكلاً أقرب للحرف C ويحيط بالجهاز السمعي للحيوان، وهي خاصية مميزة لمجموعة من السحالي تدعى الحرشفيات Squamates، على حد قول المؤلف المشارك روبرت رايز Robert Reisz عالم الأحافير في جامعة تورنتو في ميسيساوغا بكندا. ويضيف هو وكالدويل أنه على الرغم من أن الأحفورة لديها فقرات في جسمها أكثر من ذيلها، إلا أن الذيل ليس قصيراً بل هو أطول من ذيل العديد من السحالي الحية، وهما يعملان الآن على بحث يناقش أن الأحفورة هي على الأرجح سحلية طويلة دوليكوسوروس Dolichaosaur، وهي جنس Genus منقرض من السحالي المائية.
لم يحضر أي من مارتيل والمؤلف المشارك نيكولاس لونغريتش Nicholas Longrich -من جامعة باث في المملكة المتحدة- الاجتماعَ، لكنهما يدافعان بثبات عن تحليلهم الأصلي، حيث يورد لونغريتش كل الخواص الشبيهة بالأفعى التي نوقشت في البحث الأصلي. ويقول في رسالة إلكترونية موجَّهة إلى مجلة ساينس: “تقريبا من كل جانب تبدو كأفعى، ما عدا تفصيل واحد صغير، إذ تملك يدين ورجلين.”
فالعديد من الباحثين الذين حضروا المحاضرة ومن بينهم غوتيير وعالم الأحافير جيسون هيد Jason Head من جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، اقتنعوا بأن الأفعى رباعية الأطراف ليست أفعى، أما بالنسبة إلى ماهيتها، فقد تكون هناك آراء عديدة بعدد علماء الأحافير.
تقول هون-يو يي Hong-yu Yi من معهد علم الأحافير الفقارية وعلم الأحافير البشرية Institute of Vertebrate Paleontology and Paleoanthropology في بكين بالصين، تقول إنها تتحفظ بالحكم على هوية العينة حتى إجراء المزيد من التحاليل، وتتابع قائلة: “كنت دوماً بانتظار وصف أكثر تفصيلا للعين، ومازلت انتظر.”
قد لا تُجرى هذه التحاليل أبدا. إذ يقول كالدويل إنه ذهب إلى المتحف منذ عدة أشهر ليدرس العينة مجدداً بشكل منفصل، وقال هيد أيضاً إنه حاول دراسة الأحفورة، لكن لم يتمكن أي منهما من الوصول إليها، ويقول كالدويل إن الأحفورة لم تكن في الحقيقة جزءاً من مجموعة المتحف، لكنها كانت استعارة من مالك خاص. ويقول باحثون رفضوا ذكر أسمائهم -بسبب الجدال المستمر حول الأحفورة- إنه من الممكن أن تكون الأحفورة قد تضررت خلال الدراسة، مما جعل مالكها يمنع الوصول إليها. وتقول يي: “لا أعلم ما إذا كان نشر البحث ملائماً في هذه اللحظة، لأنه لا أحد سيكون قادراً على الوصول إلى العينة.”
في الواقع، يشكك بعض الباحثين فيما إذا كان قد وجب نشر البحث الأصلي، لأن الأحفورة لم تكن قد أودعت رسمياً في متحف أو مستودع آخر، لذلك لم يتمكن المؤلفون من ضمان إمكانية وصول باحثين آخرين إلى العينة. يقول غوتيير: “ليس لدي أي شي” ضد جمع الأحافير بشكل شخصي، لكن عندما تدخل الأحفورة حيز العلم، “يجب عندها أن تكون متوافرة، فالعلم يتطلب التكرار.” رداً على ذلك، يقول أندرو سوغدين Andrew Sugden نائب رئيس تحرير مجلة ساينس في العاصمة واشنطن: “لقد كنا نعتقد -خلال فترة الإعداد نشر البحث والمراسلات التالية- أنه يمكن الوصول إلى العينة في المتحف، كما كان مُصرحا في نهاية البحث.”
كما أثار الباحثون أسئلة أخرى عن نقل الأحفورة إلى خارج البرازيل، حيث أصدرت البرازيل قوانين في أربعينات القرن الماضي قوانين تجعل كل الأحافير ملكاً للدولة بدلاً من كونها ملكية خاصة. ويقول تياغو سيمويز Tiago Simões عالم الأحافير في جامعة ألبيرتا ، والذي كان أيضاً من المشاركين في محاضرة جمعية علم الأحافير الفقارية: “بدأت معظم استكشافات أحواض الحجر الكلسي في تلك المنطقة من البلاد في النصف الثاني من القرن العشرين”، ولذلك فإن الغالبية العظمى من الأحافير من تلك المناطق جُمعت بعد صدور هذا القانون، ويتابع سيمويز: “إن هذا الأمر يتقاطع حقاً مع بعض الحدود الأخلاقية الحساسة.”
ويوافق هيد على ذلك قائلاً: “إن أفضل طريقة للتقدم نحو الأمام هي بحذف هذه العينة من برنامجنا البحثي، إذ لم تعد الأفعى تيترابودوفيس علماً بعد الآن، فالنتائج غير قابلة للتكرار كما أنها غير قابلة للاختبار. وإذا كان هنالك أي نفع قد تنتج من الأفعى تيترابودوفيس فهو الاعتراف بأنه يجب علينا أن نحافظ على المعايير العلمية فيما يتعلق بالأحافير، إذ يجب أن نكون قادرين على الوصول إليها.”