أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
Advertisement
جيولوجيا

خريطة مدفن للألواح الباردة في وشاح الأرض

صفائح‭ ‬تكتونية‭ ‬أعيد‭ ‬إحياؤها‭ ‬تُنتج‭ ‬صورا‭ ‬للتاريخ‭ ‬الضائع‭ ‬للكوكب

بقلم‭: ‬بول‭ ‬فوسين

ترجمة‭: ‬مريانا‭ ‬حيدر

 

ففي‭ ‬مناطق‭ ‬تقاطع‭ ‬الصفائح‭ ‬التكتونية‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬العالم،‭ ‬تغوص‭ ‬ألواح‭ ‬قشرة‭ ‬المحيط‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬الوشاح‭ ‬Mantle،‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬الدائرة‭ ‬المستمرة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تسبب‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬انجراف‭ ‬القارات‭ ‬بل‭ ‬تثير‭ ‬أيضا‭ ‬النشاط‭ ‬البركاني‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬سلاسل‭ ‬الجزر‭ ‬كاليابان‭ ‬والجبال‭ ‬كجبال‭ ‬الأنديز‭. ‬إن‭ ‬اختفاء‭ ‬هذه‭ ‬الألواح‭ – ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالاندساس‭ ‬Subduction‭- ‬يجعل‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬المحيطات‭ ‬كما‭ ‬وجدت‭ ‬قبل‭ ‬مئات‭ ‬ملايين‭ ‬السنوات‭ ‬أمرا‭ ‬صعبا،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الجبال‭ ‬التي‭ ‬تجاورها‭. ‬ويقول‭ ‬جوني‭ ‬وو‭ ‬Johnny‭ ‬Wu‭ ‬عالم‭ ‬جيولوجيا‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬هيوستن‭ ‬University‭ ‬of‭ ‬Houston‭ ‬في‭ ‬تكساس‭: ‬“إننا‭ ‬نخسر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬معلومات‭ ‬جيولوجية‭ ‬عن‭ ‬وجه‭ ‬الأرض،”‭ ‬ويتابع‭ ‬قائلا‭: ‬“إن‭ ‬الأمر‭ ‬أشبه‭ ‬بخسارة‭ ‬قطع‭ ‬من‭ ‬الزجاج‭ ‬المكسور‭ ‬عندما‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تجمع‭ ‬أجزاءه‭ ‬مجددا‭.‬”

لكن‭ ‬بدأ‭ ‬علماء‭ ‬الجيولوجيا‭ ‬بجمع‭ ‬تلك‭ ‬المعلومات‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬التعمق‭ ‬بالنظر‭ ‬في‭ ‬الوشاح‭ ‬باستخدام‭ ‬موجات‭ ‬زلزالية‭ ‬تعبر‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬الأرض‭ ‬لتولد‭ ‬صورا‭ ‬تشبه‭ ‬مسوحات‭ ‬التصوير‭ ‬المقطعي‭ ‬المحوسب‭  computerized‭ ‬tomography‭ (‬اختصارا‭: ‬التصوير‭ ‬CT‭). ‬ففي‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬مكنت‭ ‬تطورات‭ ‬تقنيات‭ ‬التصوير‭ ‬المقطعي‭ ‬من‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الألواح‭ ‬الباردة‭ ‬والسميكة‭ ‬وهي‭ ‬تسقط‭ ‬سقوطا‭ ‬حرا‭ (‬بحركة‭ ‬بطيئة‭)-‬نحو‭ ‬الأسفل‭- ‬إلى‭ ‬مدفنها‭ ‬النهائي‭ ‬وهو‭ ‬ركام‭ ‬من‭ ‬الصخور‭ ‬المتوضعة‭ ‬فوق‭ ‬لب‭ ‬الأرض‭ ‬المصهور‭ ‬الموجود‭ ‬على‭ ‬عمق‭ ‬2900‭ ‬كيلومتر‭.‬

إن‭ ‬للأرض‭ ‬عادة‭ ‬سيئة‭ ‬في‭ ‬محو‭ ‬تاريخها‭ ‬الخاص‭.‬

والآن،‭ ‬أصبح‭ ‬التصوير‭ ‬الشامل‭ ‬للجزء‭ ‬الداخلي‭ ‬للأرض‭ ‬بالأشعة‭ ‬السينية‭ ‬موضع‭ ‬اهتمام‭. ‬ففي‭ ‬الشهر‭ ‬القادم‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬الرابطة‭ ‬الجيوفيزيائية‭ ‬الأمريكية‭ ‬American‭ ‬Geophysical‭ ‬Union‭ ‬بسان‭ ‬فرانسيسكو‭ ‬في‭ ‬كاليفورنيا،‭ ‬سيعلن‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬الهولنديين‭ ‬عن‭ ‬فهرس‭ ‬لمئة‭ ‬صفيحة‭ ‬اندسّت‭ ‬في‭ ‬الوشاح،‭ ‬مع‭ ‬معلومات‭ ‬عن‭ ‬عمرها‭ ‬وحجمها‭ ‬وسجلات‭ ‬الصخور‭ ‬السطحية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بها،‭ ‬وذلك‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬نموذجهم‭ ‬المقطعي‭ ‬السطحي‭ ‬وعلى‭ ‬تحريات‭ ‬ومقارنات‭ ‬بدراسات‭ ‬أخرى‭ ‬منشورة‭. ‬يقول‭ ‬دوي‭ ‬فان‭ ‬هينزبيرغين‭ ‬Douwe‭ ‬Van‭ ‬Hinsbergen‭: ‬“لقد‭ ‬مضينا‭ ‬خطوة‭ ‬بخطوة‭ ‬لنصل‭ ‬أعمق‭ ‬فأعمق،‭ ‬وأقدم‭ ‬فأقدم،”‭ ‬وفان‭ ‬هينزبيرغين‭ ‬هو‭ ‬عالم‭ ‬جيولوجيا‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬أوتريخت‭ ‬في‭ ‬هولندا‭ ‬قاد‭ ‬المشروع‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬عالمي‭ ‬الجيولوجيا‭ ‬دوي‭ ‬فان‭ ‬دير‭ ‬مير‭ ‬Douwe‭ ‬Van  Der‭ ‬Meer‭ ‬وويم‭ ‬سباكمان‭ ‬Wim‭ ‬Spakman‭.‬

ويحمل‭ ‬“أطلس‭ ‬العالم‭ ‬السفلي”‭ ‬Atlas‭ ‬of‭ ‬the‭ ‬underworld‭ ‬كما‭ ‬يسمونه،‭ ‬تاريخ‭ ‬الجغرافيا‭ ‬القديمة‭ ‬لتلك‭ ‬الصفائح،‭ ‬وعبر‭ ‬إعادة‭ ‬الزمن‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬وإرجاع‭ ‬تلك‭ ‬الألواح‭ ‬المفهرسة‭ ‬إلى‭ ‬السطح‭ ‬يمكن‭ ‬عندها‭ ‬للعلماء‭ ‬أن‭ ‬يكتشفوا‭ ‬أحجام‭ ‬ومواقع‭ ‬المحيطات‭ ‬القديمة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬يمكنهم‭ ‬أن‭ ‬يحددوا‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الألواح‭ ‬الغارقة‭ ‬قد‭ ‬حرضت‭ ‬الانصهار‭ ‬فيها،‭ ‬مطلقة‭ ‬كتلا‭ ‬من‭ ‬الحمم‭ ‬المنصهرة‭ (‬الماغما‭) ‬صعدت‭ ‬إلى‭ ‬القشرة‭ ‬وسببت‭ ‬نشاطا‭ ‬بركانيا‭.‬

لقد‭ ‬ساعد‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬علماء‭ ‬التربة‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬فيها‭ ‬الجبال‭ ‬القديمة‭ ‬ثم‭ ‬زالت‭ ‬نتيجة‭ ‬التعرية،‭ ‬فكانت‭ ‬آثارها‭ ‬ظاهرة‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬سجلات‭ ‬الصخور‭ ‬غير‭ ‬المفسرة‭. ‬ويقول‭ ‬ماثيو‭ ‬دوميير‭ ‬Mathew‭ ‬Domeier‭ ‬وهو‭ ‬مختص‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬النماذج‭ ‬التكتونية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬أوسلو‭ ‬University‭ ‬of‭ ‬Oslo‭: ‬“إنه‭ ‬زمن‭ ‬مثير‭ ‬جدا‭ ‬عندما‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬جمع‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأجزاء‭ ‬معا‭.‬”

لقد‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬ممكنا‭ ‬مؤخرا‭ ‬فقط،‭ ‬فالتقنية‭ ‬التي‭ ‬يعتمد‭ ‬عليها‭ ‬وهي‭ ‬التصوير‭ ‬المقطعي‭ ‬مليئة‭ ‬بالشكوك‭ ‬والأمور‭ ‬غير‭ ‬المؤكدة،‭ ‬إذ‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬ملايين‭ ‬الموجات‭ ‬الزلزالية‭ ‬التي‭ ‬تتلقاها‭ ‬المِجسَّات‭ ‬الموزعة‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬منتظم‭ ‬حول‭ ‬العالم‭. ‬ويُفترض‭ ‬أن‭ ‬الموجات‭ ‬ذات‭ ‬زمن‭ ‬الوصول‭ ‬الأسرع‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬مرت‭ ‬عبر‭ ‬الصخور‭ ‬الأبرد‭ ‬من‭ ‬الألواح‭ ‬المندسة‭. ‬لكن‭ ‬تغطية‭ ‬مقياس‭ ‬النشاط‭ ‬الزلزالي‭ ‬تغطية‭ ‬مُتقطّعة،‭ ‬فالزلازل‭ -‬أي‭ ‬مصادر‭ ‬الموجات‭ ‬الزلزالية‭- ‬لا‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬وهذه‭ ‬الموجات‭ ‬تصبح‭ ‬أقل‭ ‬وضوحا‭ ‬عندما‭ ‬تعبر‭ ‬قرب‭ ‬اللب‭ ‬أو‭ ‬تسافر‭ ‬مسافات‭ ‬طويلة،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‭ ‬يقول‭ ‬فيد‭ ‬ليكيك‭ ‬Ved‭ ‬Lekic‭ ‬مختص‭ ‬بالرسم‭ ‬السطحي‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬ماريلاند‭ ‬University‭ ‬of Maryland‭ ‬في‭ ‬كوليدج‭ ‬بارك‭: ‬“كثيرا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬المناطق‭ ‬ذات‭ ‬البنى‭ ‬الأكثر‭ ‬الإثارة‭ ‬للاهتمام‭ ‬هي‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬يكثر‭ ‬فيها‭ ‬الشك‭ ‬وعدم‭ ‬اليقين‭.‬”

تستخدم‭ ‬المجموعات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬نموذجا‭ ‬لتفسر‭ ‬بيانات‭ ‬الرسم‭ ‬السطحي،‭ ‬ولكن‭ ‬صورهم‭ ‬للوشاح‭ ‬وللبنى‭ ‬الموجودة‭ ‬فيه‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قول‭ ‬غريس‭ ‬شيبرد‭ ‬Grace‭ ‬shepherd‭ – ‬طالبة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الدكتوراه‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬أوسلو،‭ ‬وستنشر‭ ‬غريس‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬القادمة‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬14‭ ‬نموذجا‭ ‬مختلفا‭ ‬ستقيِّم‭ ‬أي‭ ‬الألواح‭ ‬تبدو‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬حقيقية،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تثير‭ ‬نتائجها‭ ‬شكوكا‭ ‬حول‭ ‬بعض‭ ‬الصفائح‭ ‬المحددة‭ ‬في‭ ‬أطلس‭ ‬أوتريخت‭. ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬صورة‭ ‬الجزء‭ ‬الداخلي‭ ‬للأرض‭ ‬أكثر‭ ‬قابلية‭ ‬للتصديق‭ ‬بفضل‭ ‬قدرات‭ ‬الحوسبة‭ ‬المتطورة،‭ ‬ومشاريع‭ ‬المقارنة‭ ‬تلك‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬فإن‭ ‬صورة‭ ‬الصفائح‭ ‬المفقودة‭ ‬دقيقة‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬للعلماء‭ ‬ليحاولوا‭ ‬العودة‭ ‬بالزمن‭ ‬للوراء‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬تلك‭ ‬العوالم‭ ‬المختفية،‭ ‬ففي‭ ‬مقاطع‭ ‬الرسم‭ ‬السطحي‭ ‬السابقة،‭ ‬بدت‭ ‬الألواح‭ ‬المنغمرة‭ ‬شبيهة‭ ‬بكتل‭ ‬دائرية‭ ‬في‭ ‬صفيحة‭ ‬الحمم،‭ ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬تطورت‭ ‬النماذج‭ ‬ظهرت‭ ‬الألواح‭ ‬في‭ ‬الوشاح‭ ‬العلوي‭ ‬كغطاء‭ ‬قاس‭ ‬ومستو،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قول‭ ‬جون‭ ‬سوبي‭ ‬John‭ ‬Suppe‭ ‬الذي‭ ‬يترأس‭ ‬مركز‭ ‬التكتونيات‭ ‬والرسم‭ ‬السطحي‭ ‬Center‭ ‬for‭ ‬Tectonics‭ ‬and‭ ‬Tomography‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬هيوستن‭. ‬وقد‭ ‬أوضحت‭ ‬الصور‭ ‬أن‭ ‬الألواح‭ ‬ذات‭ ‬سماكة‭ ‬500‭ ‬كيلومتر‭ ‬عندما‭ ‬تغوص،‭ ‬فإنها‭ ‬تنثني‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تتجعد،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬عملية‭ ‬إزالة‭ ‬الانثناء‭ ‬أمرا‭ ‬سهلا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬سوبي‭ ‬والآخرين‭ ‬في‭ ‬النماذج،‭ ‬ويقول‭ ‬سوبي‭: ‬“وجدنا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الصفائح‭ ‬تنبسط‭ ‬بسهولة‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬مشوهة‭ ‬المعالم‭ ‬كثيرا‭.‬”

إن‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬البناء‭ ‬تلك‭ ‬والمعتمدة‭ ‬على‭ ‬الألواح‭ ‬تُشكِّك‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬الصفائح‭ ‬الناتجة‭ ‬من‭ ‬القشرة‭ ‬المحيطية‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬انتُزعت‭ ‬من‭ ‬المحيطات‭ ‬وبقيت‭ ‬على‭ ‬القارات،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قول‭ ‬سوبين،‭ ‬ويتابع‭: ‬“في‭ ‬أغلب‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬بحثنا‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ما‭ ‬وجدناه‭ ‬في‭ ‬الوشاح‭ ‬هو‭ ‬ذاته‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬توقعه‭.‬”

وتقوم‭ ‬عمليات‭ ‬البناء‭ ‬هذه‭ ‬أيضا‭ ‬بإعادة‭ ‬إحياء‭ ‬الجبال‭ ‬–في‭ ‬الرسوم‭ ‬والنماذج‭- ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مفقودة‭ ‬عبر‭ ‬الزمن‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬نشرت‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬أعاد‭ ‬وو‭ ‬وسوبي‭ ‬بناء‭ ‬رحلة‭ ‬تغيرات‭ ‬28‭ ‬لوحا‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬بحر‭ ‬الفلبين‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬مليون‭ ‬سنة‭ ‬مضت،‭ ‬كما‭ ‬ذهبا‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬ما‭ ‬يظهر‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬قشرة‭ ‬محيطية‭ ‬غير‭ ‬معروفة‭ ‬قبلا،‭ ‬إذ‭ ‬توقعا‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬غاصت‭ ‬إحدى‭ ‬الصفائح‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬الوشاح‭ ‬فقد‭ ‬أثارت‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬البراكين‭ ‬التي‭ ‬اصطدمت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬بآسيا‭.  ‬ويمكن‭ ‬لتلك‭ ‬العملية‭ ‬العنيفة‭ ‬أن‭ ‬تفسر‭ ‬الصخور‭ ‬الغريبة‭ ‬المثنية‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬وتحت‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الشرقي‭.‬

وبشكل‭ ‬مشابه،‭ ‬فإن‭ ‬الصفائح‭ ‬تحت‭ ‬أمريكا‭ ‬الشمالية‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬توضيح‭ ‬تاريخ‭ ‬القارة‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬نشوء‭ ‬الجبال،‭ ‬وعبر‭ ‬إعادة‭ ‬الزمن‭ ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬أظهرت‭ ‬كارين‭ ‬سيغلوش‭ ‬Karin‭ ‬Sigloch‭ ‬عالمة‭ ‬جيوفيزياء‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬أوكسفورد‭ ‬University‭ ‬of‭ ‬Oxford‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬سلسلة‭ ‬الجبال‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬الشمالية‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭ ‬جبال‭ ‬الروكي‭ ‬قد‭ ‬تشكلت‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬بين‭ ‬200‭ ‬مليون‭ ‬إلى‭ ‬50‭ ‬مليون‭ ‬سنة‭ ‬مضت،‭ ‬عندما‭ ‬اندست‭ ‬عدة‭ ‬صفائح‭ ‬صغيرة‭ ‬تحت‭ ‬القارة،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬التصاق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أرخبيلات‭ ‬الجزر‭ ‬البركانية‭ ‬باليابسة‭.‬

يأمل‭ ‬فان‭ ‬هينزبيرغين‭ ‬وزملاؤه‭ ‬في‭ ‬أوتريخت‭ ‬بأن‭ ‬أطلسهم‭ ‬الشامل‭ ‬للألواح‭ ‬سيجعل‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬صورة‭ ‬أشمل‭ ‬للجغرافيا‭ ‬القديمة‭ ‬للأرض‭. ‬ففي‭ ‬عام‭  ‬2012‭ ‬استخدموا‭ ‬المقاطع‭ ‬السطحية‭ ‬للصفائح‭ ‬لتحديد‭ ‬خطوط‭ ‬الطول‭ ‬لأقواس‭ ‬الجزيرة‭ ‬البركانية‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬قبل‭ ‬20‭ ‬مليون‭ ‬عام‭ ‬المحيط‭ ‬الذي‭ ‬يطوق‭ ‬القارة‭ ‬العملاقة،‭ ‬أو‭ ‬القارة‭ ‬الأم‭ ‬بانجيا‭ ‬Pangea‭. ‬وبعد‭ ‬عامين‭ ‬استخدموا‭ ‬نموذجهم‭ ‬العالمي‭ ‬ليقدروا‭ ‬عدد‭ ‬مناطق‭ ‬الاندساس‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لتكون‭ ‬نشطة‭ ‬خلال‭ ‬250‭ ‬مليون‭ ‬سنة‭ ‬ماضية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬كمية‭ ‬ثنائي‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لتكون‭ ‬البراكين‭ ‬الناتجة‭ ‬من‭ ‬الاندساس‭ ‬قد‭ ‬أطلقتها‭. ‬وتطابقت‭ ‬التقديرات‭ ‬بدقة‭ ‬مع‭ ‬سجلات‭ ‬التوثيق‭ ‬الجيولوجية‭ ‬لغاز‭ ‬ثنائي‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬في‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الفترة‭ ‬ذاتها‭. ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬نشر‭ ‬فان‭ ‬هينزبيرغين‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬ساينس‭ ‬أدفانسيس‭ ‬Science Advances‭ ‬مع‭ ‬ليديان‭ ‬بوشمان‭ ‬Lydian‭ ‬Boschman‭ ‬طالبة‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬حددت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الألواح‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أدّت‭ ‬دورا‭ ‬في‭ ‬ولادة‭ ‬المحيط‭ ‬الهادي‭. ‬ويقول‭ ‬فان‭ ‬هينزبيرغين‭: ‬“لقد‭ ‬فعلنا‭ ‬ذلك،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬له،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬حقا‭ ‬مجرد‭ ‬صدفة‭.‬”

وحتى‭ ‬بوجود‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬يدعوها‭ ‬سوبي‭ ‬جميعا‭ ‬بتكتونيات‭ ‬الصفائح‭ ‬فإن‭ ‬ذاكرة‭ ‬الوشاح‭ ‬لألواح‭ ‬المحيط‭ ‬تعود‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬250‭ ‬مليون‭ ‬سنة‭ ‬وهو‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تستغرقه‭ ‬الواحدة‭ ‬من‭ ‬الألواح‭ ‬لتغوص‭ ‬إلى‭ ‬قعر‭ ‬الوشاح‭ ‬ويعاد‭ ‬تدويرها‭ ‬تماما،‭ ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الفترات‭ ‬الزمنية‭ ‬الأقدم‭ ‬فإن‭ ‬الأرض‭ ‬تستمر‭ ‬بإخفاء‭ ‬تاريخها‭.‬


أطلس العالم السفلي


The‭ ‬©2016‭ ‬American Association for the advancement of Sciences‭. ‬All right reserved‭.‬

http://www.sciencemag.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى