سلالة جديدة من إنفلونزا الطيور تجلب الموت وتثير الأسئلة
أمراض معدية
أخبار بالتفصيل
سلالة جديدة من إنفلونزا الطيور تجلب الموت وتثير الأسئلة
الإنفلونزا H5N8 تقتل الطيور حول أوروبا والشرق الأوسط، لكنها كما يبدو غير مؤذية للإنسان
بقلم: كاي كوبفرشميدت
ترجمة: مريانا حيدر
بدأت طيور البط تموت في ألمانيا في شهر نوفمبر، حيث جمع العاملون الذين يرتدون أقنعة الوجه والقفازات المطاطية العشرات من طيور بط الغرة الأوراسية Eurasian coots، والبط ذي القنبرة Ttufted ducks وفصائل أخرى من الطيور على طول الخط الساحلي لبحيرة كونستانس في جنوب البلاد، ثم بعد فترة قصيرة، ظهرت العديد من التقارير عن طيور نافقة من أماكن أخرى في أوروبا، ثم من شمال إفريقيا والشرق الأوسط. كما أصيب الدجاج والطيور الأهلية الأخرى بالمرض، وجُمعت مئات الآلاف منها، وفُصلت عن البقية لإيقاف الوباء، والمسبب لهذا المرض هو: الفيروس H5N8 أحدث فيروس من فيروسات إنفلونزا الطيور المميتة التي أبلغ عنها العلماء أيضا في روسيا في الصيف الماضي.
والفيروس H5N8 هو متحدر بعيد من سلالة الفيروس H5N1 الذي قضى على أسراب بأكملها عبر مناطق شاسعة من العالم، كما قتل مئات الناس قبل أكثر من عقد، ويمثل الفيروس H5N8 دليلا آخر على قدرة فيروس الإنفلونزا اللامنتهية على تغيير الأشكال والسمات. أما الأخبار السارة، فهي أنه حتى الآن لا يبدو أن الفيروس H5N8 يصيب البشر. لكن انتشاره السريع وفتكه المتزايد بالطيور قد حيَّر الخبراء. وتؤكد الأخبار على أن إنفلونزا الطيور التي كانت أزمة مؤقتة، هي الآن مرض متوطّن في القطعان الكبيرة في آسيا والتي تنشر المرض بشكل دوري في الطيور المهاجرة.
يقول تيس كايكين Thijs Kuiken – اختصاصي علم الأمراض Pathologist في المركز الطبي Medical Center التابع لجامعة إيرازموس Erasmus University في نوتردام بهولندا: “هذه حالة جديدة فعلا، فمنذ عقود قليلة، كانت الطيور المُدجَّنة خالية من فيروس الإنفلونزا، فيما عدا بعض الأماكن المتعارف على توطّن المرض فيها.”
إنها المرة الثانية التي ينتشر فيها الفيروس H5N8 لمسافات طويلة وعلى مدى واسع. ففي عام 2014، نقلت الطيور المهاجرة الفيروس شمالا من شبه الجزيرة الكورية إلى روسيا، ثم غربا إلى أوروبا، وشرقا إلى شمال أمريكا. لكن هذا العام، انتشر الفيروس داخل أوروبا وإفريقيا أبعد وأسرع من انتشاره قبل سنتين، وبالمقارنة بسابقه، يقول كايكين: “صارت الإصابة بهذا الفيروس أشد من قبل، وصارت تصيب المزيد من أنواع الطيور البرية.” فطائر الودجون الأوراسي، على سبيل المثال، وهو نوع شائع من البط درس كثيرا وبشكل مكثف، لم يصب بالمرض بالسلالة H5N8 عام 2014 أو بفيروسات أخرى عديدة من إنفلونزا الطيور. أما الآن، فإن طيور الودجون الأوراسي تموت بفعل هذا الفيروس مثلها مثل العديد من الأنواع الأخرى.
إن الفتك المتزايد للفيروس يجعل انتشاره أمرا محيرا. إذ يُعدّ الفيروس H5N8 الجديد فيروسَ إنفلونزا طيور شديد الإمراض. لكن الفيروسات التي تعتمد على الحيوانات المهاجرة في انتشارها هي بشكل عام أقل إمراضا، فهي في النهاية لن تنتقل إن لم يكن الحيوان المضيف لها سليما بما يكفي ليسافر وينقلها.ويقول كايكين: “قد تتوقع أن يمتلك الفيروس H5N8 نمطا شكليا شبيها بإنفلونزا الطيور منخفضة الإمراض في الطيور البرية كي يكون قادرا على الانتشار بهذا الشكل الكبير.” ويمكن للعلماء في الوقت الحالي أن يخمنوا فقط النمط غير التقليدي للفيروس، على حد قوله. ويتابع قائلا إن هناك -في الوقت الحاضر- احتمالا آخر، وهو أن يكون الفيروس أكثر اعتدالا (أقل خطرا) خلال سفره لمسافات طويلة، ثم يصبح شديد الإمراض فور وصوله إلى مكان يعج بالطيور.
وكان السلف البعيد للفيروس وهو الفيروس H5N1 قد ظهر على الساحة العالمية عندما تفشى بشكل هائل جدا في الدواجن في هونغ كونغ بالصين في عام 1997. إذ أصيب أيضا 18 شخصا، ومات 6. وتفشى الوباء بشكل كبير في آسيا في عامي 2003 و2004. وانتشر الفيروس لاحقا في أوروبا وإفريقيا مثيرا المخاوف من إمكان أن يتسبب في جائحة بشرية، إلا أن ذلك لم يحدث، لكن حتى الآن مات أكثر من 400 شخص من الفيروسH5N1 بعد احتكاكهم بالطيور المصابة.
وهناك مجموعة معينة من فيروسات H5N1 -يُطلق عليها اسم المجموعة ذات الأصل الواحد clade 2.2.3.4 – لديها قدرة هائلة على تغيير تركيبها عبر استبدال الجين المُرمِّز لبروتين سطحي مهم يدعى النيوروأمينيديز neuroaminidase (وهو ما يرمز إليه حرف N في أسماء السلالات مثل H5N1) مع جين من فيروس إنفلونزا آخر. وهذه التبديلات هي ما أنتجت الفيروس H5N8 وكذلك فيروسات الإنفلونزا الأخرى. وعندما انتشر الفيروس H5N8 إلى الولايات المتحدة عام 2014، تغير شكليا إلى H5N2 وسبّب تفشيا نفق فيه أكثر من 40 مليون طائر.
يقول رينشارد ويبي Richard Webby عالم فيروسات الإنفلونزا من مستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال St. Jude Children’s Research Hospital في ممفيس بتينيسي: “نشك في أن سمة فيروسية ما هي التي تسمح لهذا الفيروس بأن يكون قادراً على استخدام أصناف متعددة من النورأمينيديز.” وينتظر ويبي الآن الإذن بالسماح له باستيراد عينات حتى يحاول الإجابة عما سبق وعن غيره من الأسئلة حول الفيروس H5N8 في المختبر.
ومن المطمئن مرة أخرى، أن السلالة H5N8 الحالية لا يبدو أنها تصيب الثدييات وذلك وفقا للعلماء في معهد فريدريك لوفلر Friedrich Loeffler Institute -الواقع على جزيرة ريمز في ألمانيا- الذين حاولوا أن يصيبوا بالعدوى الفئران و بنات مقرض (النمس) بالمرض. وعلى الرغم من ذلك، يحذر ويبي من أن تغيرات صغيرة في الجينوم genome قد تكون لها نتائج كبيرة في الإنفلونزا، إذ يقول: “قد يكون حمض أميني واحد أو اثنان هو ما يغير هذا السلوك.”
وحتى لو قُضِيَ على التفشي الحالي، فمن غير المرجح أن تختفي إنفلونزا الطيور، فقد تزايد إنتاج الدواجن في آسيا وأجزاء من إفريقيا بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت فيروسات الإنفلونزا مستوطنة بشكل دائم في بعض الأسواق، على حد قول كايكين. وقد يكون الخطر التالي هو الفيروس H5N6 الذي بإمكانه إصابة البشر بالمرض، وهو منتشر بالفعل بشكل واسع في الدواجن في الصين، وفقا لدراسة حديثة عن مجلة الخلية المضيفة والميكروبات Cell Host & Microbe. ففي هذه الدراسة أخذ العلماء عينات من أسواق الدواجن الحية ومزارع الدواجن في 39 مدينة صينية، ووجدوا أن الفيروس H5N6 قد أصبح الصنف الفرعي المسيطر في بعض الأماكن.
مهما كان المكان الذي تحتك فيه الطيور المُدجّنة مع البرية -على سبيل المثال، عندما تُربى الطيور المُدجّنة في الحقول المليئة بالأرز- يكون لدى الفيروس H5N6 والفيروسات الأخرى العديد من الفرص لتنتقل إلى مضيف آخر، وتبدأ رحلة هجرة عالمية. ويقول كايكين: “لما كان إنتاج الدواجن سيستمر بالتزايد في السنوات القادمة، قد نتوقع تزايد حالات انتقال إنفلونزا الطيور من الدواجن إلى الطيور البرية، ولن يتوقف هذا الأمر في أي وقت قريب.”
The ©2016 American Association for the advancement of Sciences. All right reserved.