التغيرات في الغازات تشير إلى ثورانات البراكين
التغيرات في مزيج الغاز ينبّئ بارتفاع الصهارة )الماغما.)
بقلم: جوليا روزن
ترجمة: آية علي
في الشهر الماضي؛ كان باحثون من الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك National Autonomous University of Mexico يأملون بالوصول إلى أعلى جبل بوبوكاتبتبيل، بركان يصل ارتفاعه إلى 5400 متر ويقع قرب مكسيكو سيتي، وذلك لتركيب معدات مراقبة على فوّهة قمّته. لكن جبل إل بوبو كما يسميه السكان المحلّيون قد صدّهم برماد وانبعاثات من الغاز اللاذع – الغازات التي أراد العلماء بالضبط قياسها – وقد استقرّوا على تثبيت الجهاز أسفل الجبل، مع أمل تحريكه إلى الأعلى في العام المقبل. ويهدف الباحثون إلى قياس نوعية ومقدار الأدخنة التي ينتجها الجبل، لأن الأبخرة قد تحمل طرقا واعدة للتنبؤ بالثوران.
وتشير مجموعة متزايدة من بيانات الرّصد إلى أنّ قفزة حادة في نسبة الكربون إلى غازات الكبريت المنبعثة من البركان يمكن أن توفر أياما إلى أسابيع من التحذير قبل حدوث فورة وشيكة. ويأتي أحدث الأدلّة من ثلاث دراسات حديثة تركز على البراكين المرصودة كجزء من مبادرة The Volcano Deep Earth Carbon Degassing (اختصارا: مبادرة DECADE) التي يقوم عليها معهد كارنيجي للعلوم Carnegie Institution for Science في العاصمة واشنطن. إنهم يأملون بأن يتمكن الرصد الجيوكيميائي للغازات في يوم من الأيام من الانضمام إلى اثنتين من الدعائم الجيوفيزيائية الأساسية للتنبؤ، وهما: تتبع “تورّم” سطح الأرض، وازدياد الزلازل التي عادة ما تسبق الثورات البركانية. يقول توبياس فيشر Tobias Fischer، عالم البراكين من جامعة نيو مكسيكو University of New Mexico في ألبوكيركي، ورئيس مشروع (DECADE): “ كأداة للتنبؤ فإنّها قويّة إحصائيا.” إن فكرة رصد التقلبات في الأبخرة البركانية موجودة منذ عقود. فعلى سبيل المثال؛ ساعد الارتفاع الحاد في انبعاثات الكبريتِ العلماءَ على توقّع ثوران جبل بيناتوبو في الفلبين. وقد أدخل العلماء كذلك مقياس نسبة الكربون إلى الكبريت (C-S) في الغازات الكربونية باعتباره مقياسا مفيدا بشكل خاص.
وتتغير النسبة بسبب غاز ثاني أكسيد الكربون الذائب في الصهارة المرتفعة التي تندفع كفقاعات إلي الخارج عند عمق عشرة كيلومترات أو أكثر، أثناء انخفاض الضغط. وفي المقابلو فإن الغازات الغنية بالكبريت تبقى متحللة في أعماق أكثر ضحالة. فيمكن للارتفاع في النسبة تقديم تحذير بأن دفعة جديدة من المواد قد ارتفعت إلى ما فوق عتبة عميقة. ويمكن أن يشير انخفاض لاحق في نسبة الكربون إلى الكبريت إلى أن الصهارة قد ارتفعت لأكثر من ذلك؛ إلى الأعماق التي تُطلق فيها غازات الكبريت، لكنّ فيشر يقول إن هذا الأمر لم يُرصد بدرجة كافية تجعله مقياسا موثوقا به.
يقول كرستوف كيرن Christoph Kern- وهو فيزيائي مع هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية U.S. Geological Survey في فانكوفر، بولاية واشنطن: “وعلى الرغم من بساطة الآلية، فإن إقامة علاقة واضحة بين النِّسب والثورانات تتطلّب مراقبة مستمرة. ومن ناحية تاريخية، فإن الباحثين قد أخذوا بعض عيّنات الغاز، وذلك أثناء زيارة لبركان أو طائرات مستعملة أو أدوات استشعار عن بعد لمراقبة بركان لعدة أيام أو أسابيع، وفي كل الحالات فإن اللحاق ببركان أثناء ثورانه كان أمرا صعبا.”
لكن ذلك قد تغير في بدايات الألفيّة الثالثة عندما بدأ العلماء بتطوير أجهزة جديدة يمكن تركها على البراكين لإجراء قياسات مستمرة، ولنقل البيانات للباحثين. فقد كانت الأجهزة مزودة بالطاقة الشمسية، وهي قوية بما يكفي لأن تنجو عناصرها، ورخيصة بما يكفي لأن يُضحى بها في الثورانات البركانية. تقول ماري إدموندز Marie Edmonds، عالمة البراكين من جامعة كامبريدج University of Cambridge في المملكة المتحدة، “إن الأجهزة مصمّمة أساسا لأن تُستخدم مرة واحدة.”
كان العلماء الإيطاليون هم أوّل من نشر هذه الأدوات على براكين مثل إتنا وسترومبولي، وقد بدؤوا بملاحظة التغيرات في نسبة الكربون للكبريت في الأيام والساعات السابقة للثورانات البركانية. ومنذ ذلك الحين والجيولوجيّون الأمريكيون واليابانيّون يثبّتون مجموعة من الآلات على البراكين في تلك البلدان، كما أدخلها المشروع DECADE في تسع دول إضافية حول العالم، بما في ذلك إل بوبو. وبشكل عام فإن تغييرات نسبة غاز الكربون إلى الكبريت تبدو نذيرا قويّا كما يقول فيشر: “إنّنا نراها الآن في الكثير من البراكين المختلفة.”
ولعل أوضح مثال على ذلك يأتي من توريالبا في كوستاريكا، وهو البركان الذي يشكل خطرا على مدينة سان خوسيه على بعد ثلاثين كيلومترا إلى الغرب. وقد ساعد مارتن دي مور Maarten de Moor – الباحث في المرصد البركاني والزلزالي Volcanic and Seismic Observatory لكوستاريكا- بتثبيت أجهزة استشعار الغاز على توريالبا في أوائل عام 2014؛ في الوقت المناسب تماما لبدء ثوران البركان. فقد قاد دراسة نُشرت في مجلة البحوث الجيوفيزيائية Journal of Geophysical Research في أغسطس، أعلنت عن زيادات حادة في نسبة الكربون إلى الكبريت في الغازات قبل بضعة أسابيع من كل ثورة بركانية على مدى دورتين من الثورات (انظر الشكل البياني). ويقول مارتن: “ما رأيناه حتى الآن هو أمر غير معقول، هذه الإشارات توسّع المدارك والبصيرة.”
“ولكن من أجل أن يصبح رصد نسبة الغازات أداة تنبؤ واسعة الانتشار والاستخدام، فإن الباحثين سيحتاجون إلى فهم عوامل أكثر تعقيدا. إن تفسير كيمياء الغاز لأغراض التنبؤ خاصة ليس علما دقيقا، بل هو أبعد ما يكون عن ذلك،” كما يقول كلايف أوبنهايمر Clive Oppenheimer، أحد علماء البراكين في جامعة كامبريدج. ففي توريالبا مثلا، كانت هناك غازات كبريت مختلفة في المزيج. فقد تفاعل غاز ثاني أكسيد الكبريت من الصهارة مع المياة الجوفية، مُنتجا كبريتيد الهيدروجين أثناء دورة الثورة البركانيّة الأولى فقط، وليس في المرحلة الثانية. يقول دي مور إن تلك الملاحظات قد تشير إلى أن الماء قد تبخر في النهاية، أو أن قناة بركانية جديدة قد تشكلت، متجاوزة مكامن المياه. في بواس –بركان كوستاريكي آخر– تحتوي القمّة على بحيرة حمضية تمتصّ في العادة ثاني أكسيد الكبريت المتسرّب إليها، لكنها تسمح له بالمرور دون عوائق؛ مبقية على نسبة الكربون إلى الكبريت مرتفعة نسبيّا، حتى عندما لا يكون ثوران البركان وشيكا. لكن جهود المبادرة DECADE في الرصد كشفت أن انبعاثات غاز الكبريت قد ارتفعت في الأيام التي سبقت ثوران بواس البركاني، متجاوزة بذلك قدرة البحيرة على إزالة الكبريت، ومسبّبة انخفاض لنسبة الكربون إلى الكبريت. إنها الإشارة المعاكسة لتلك التي نراها في أماكن مثل إتنا وتوريالبا، لكنها مساوية لها في المصداقيّة، بحسب قول فيشر.
نظريّا، يمكن للأقمار الصناعية مساعدة الباحثين على رصد العديد من الـ 550 بركانا نشطا حول العالم من المدار. وباستطاعة الأدوات الموجودة على متن القمر الصناعي تيرا التابع لناسا مثلا قياس انبعاثات غاز الكبريت البركانيّة بشكل معقول بالفعل. لكن الباحثين لا يزالون يعملون على قياس ثاني أكسيد الكبريت وثاني أكسيد الكربون في الوقت ذاته، لكن قياس المصادر النُقَطيّة Point sources لثاني أكسيد الكربون يمثّل تحدّيا بسبب المستويات الخلفيّة العالية في الغلاف الجوّي، حتّى إنّ نفثة كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من بركان ستزيد التركيز المُقاس عبر الأقمار الصناعيّة بأقلّ من نسبة واحد في المئة كما يقول فلوريان شواندر Florian Schwandner، وهو كيميائي جيولوجي في مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Lab التابع لناسا في باسادينا بكاليفورنيا.
أما الآن، فيتعين على العلماء الراغبين باستكشاف قوة التنبؤ لنسبة الكربون إلى الكبريت انتظارَ الرصد الأرضي لالتقاط المزيد من الثورانات البركانية، كما أن الحفاظ على أداة الاستشعار تلك لن يكون سهلا بحسب قول دي مور. إذ يمكن لذرات صغيرة من الرماد تغطية الألواح الشمسية أو إلحاق الضرر بالإلكترونيّات، وهذا ما جعل أداة الاستشعار على بركان توريالبا تتوقف عن نقل البيانات، مما اضطر دي مور إلى زيارة الموقع مرة كل أسبوع – في ظروف خطرة أحيانا – لتحميل البيانات شخصيّا. لكنه يقول إنه يتوخى الحذر دائما ويحاول تذكّر شيء من الحكمة التي نقلها إليه فيشر – وهو المشرف على شهادته في الدكتوراه -عن اتخاذ المخاطر في سبيل العلم: “ستقدّم المزيد من الإسهامات إذا نجوت بالفعل من هذا .”
جوليا روزن Julia Rosen، صحفيّة من بورتلاند – ولاية أوريغون.