اليابان تعيد تشغيل مهمة مسبار الأشعة السينية وتغير إدارة المهمات
بعد سلسلة من الإخفاقات في مهمتها، تسعى وكالة علوم الفضاء اليابان إلى إصلاح تراخي الرقابة
بقلم: دنيس نورمايل في ساغاميهارا- اليابان
ترجمة: آية علي
عندما أطلقت اليابان قمر الأشعة السينية الصناعي ASTRO-H، في 17 فبراير، بقي المجتمع الفيزيائي الفلكي بأجمعه في ترقب وانتظار. ذلك أن مهمتين سابقتين مشتركتين بين اليابان والولايات المتحدة لرصد الأشعة السينية كانتا قد فشلتا، والعلماء المتشوقون لمنظر مفصّل للسماء بالأشعة السينية كانوا يأملون بالحصول عليه مع القمر الصناعي ASTRO-H. فقد بدا أن القمر الصناعي الجديد قد تغلب على المصاعب بعد أن دخل في مداره، ولكن بعد مضي خمسة أسابيع تحطم فجأة إلى أجزاء، مما أحزن علماء الفيزياء الفلكية مرة أخرى.
والآن، وبعد تقرير يفصل المشكلات التي أدت إلى تحطم القمر الصناعي الذي تقدر قيمته بـ 300 مليون دولار والمسمى هيتومي Hitomi بعد الإطلاق مباشرة، يضع العلماء اليابانيون خططاً جديدة لإعادة المحاولة، إذ يقول ساكو تسونيتا Saku Tsuneta: «علينا أن نؤدي مسؤوليتنا» بوضع مرصد للأشعة السينية في مداره، و تسونيتا هو المدير العام لمعهد علوم الفضاء والملاحة الفضائية Institute of Space and Astronautical Science (اختصارا: المعهد ISAS)، وهو فرع من وكالة استكشاف الفضاء اليابانية (اختصارا: الوكالة JAXA).
وقبل أن تبدأ عملية إعادة تشغيل المسبار، يجب أن يُقنع معهدُ علوم الفضاء والملاحة الفضائية الوكالاتِ المُموِّلة والشركاءَ الدوليين أنه سيصحح عيوب ومشكلات الإدارة التي أدَّت إلى فشل هيتومي وتحطمه، والذي مرَّ بمجموعة متسلسلة من الإخفاقات أدت إلى انجرافه بعيداً عن مداره وخسارته. كما تشارك وزارة التعليم في اليابان أيضاً في المهمة، وقد ضمّنت في الميزانية التي طلبتها لعام 2017 تمويلاً لتبدأ العمل على مهمة بديلة، ومن المتوقع أن يوافق عليها البرلمان الياباني الشهر المقبل. أما بالنسبة إلى ناسا التي قدمت الآلة الرئيسية في قمر هيتومي -ألا وهو مقياس طيف الأشعة السينية اللينة Soft X-Ray Spectrometer (اختصارا: المقياس SXS)- فهي تتباحث الآن مع الوكالة JAXA حول إمكانية بناء قمر بديل، على حد قول متحدثة ناسا في شؤون الفيزياء الفلكية فيليشا تشو Felicia Chou في العاصمة واشنطن. أما تسونيتا، فيقول إن المهمة المقرر إطلاقها عام 2021 ستكون أبسط وأقل تكلفة، وستكون على متنها آلتان بدلاً من الآلات الأربع التي كانت على متن قمر هيتومي.
لقد تركت خسارة قمر هيتومي فجوة في دراسات الفلك المعتمدة على الأشعة السينية، والتي يمكن إنجازها فقط من الفضاء وتمثل نافذة ننظر من خلالها إلى أجزاء الكون الأكثر سخونة والأكثر عنفاً، وفي عام 2000، أدى عطل أثناء الإطلاق إلى تحطم قمر اليابان الصناعي ASTRO-H في المحيط الهادي. وتعيّن على علماء الفلك في مجال الأشعة السينية أن يعتمدوا على المعدات القديمة التي أطلقت عام 1999: مهمة المرايا المتعددة للأشعة السينية التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية European Space Agency (اختصارا: الوكالة ESA)، ومعدات مرصد تشاندرا Candra للأشعة السينية التابع لناسا، ولهذا فإن العلماء انضموا بسرعة إلى دعم فكرة وجود بديل لهيتومي، على حد قول دان مك كامون Dan McCammon، عالم فيزياء الفضاء في جامعة ويسكونسن University of Wisconsin في ماديسون، وكان أحد الذين عملوا على المقياس SXS.
وعلى خلاف مهمات الأشعة السينية الأخرى -المُهيئة لتصوير مصادر نقطية (دقيقة الأبعاد) كالثقوب السوداء والنجوم النيوترونية، فقد كانت مهمة هيتومي تَعِد بصور ذات دقة عالية جداً – من حيث مستويات الطاقة- من الأشعة السينية المنبعثة من الغازات شديدة الحرارة حول الثقوب السوداء وضمن التجمعات المجرية وبقايا السوبر نوفا (المستعرات الفائقة) Supernova. فقد انطلق المسبار ببداية واعدة. وبعد إطلاق سلس، أمضى عمال تشغيل الأجهزة شهراً وهم يفحصون ويضبطون آلاته، ويقول أندرو فابيان Andrew Fabian وهو عضو علمي في المجموعة العاملة على مهمة أسترو-إيتش وهو أيضاً عالم فيزياء فلكية نظرية في جامعة كامبريدج University of Cambridge في المملكة المتحدة: “كان مقياس طيف الأشعة السينية يعمل جيدا ًبشكل استثنائي.” وفي وقت مبكر من السادس والعشرين من مارس، فَقَدَ قسمُ التحكم اتصاله بالمسبار، وبعد أن توصلوا إلى أن القمر الصناعي قد تعطل، تخلت الوكالة JAXA عن مهمة 28 إبريل.
جمع المحققون من الوكالة JAXA والمعهد ISAS ومتعهدو المهمة أجزاء سيناريو قصة الفشل التي مر بها المسبار، وذلك باستخدام بيانات القياس عن بعد، والتحليل وعمليات المحاكاة، فبعد أن رصدت المركبة الفضائية سديم السرطان Crab nebula في 25 مارس، غيّرت المركبة اتجاهها إلى نواة مجرية نشطة باستخدام متتبع نجمي Star tracker للتحكم في الموقع، وبسبب بيانات خاطئة من المتعقب النجمي، اعتقد نظام التحكم بالموقع أن هيتومي كان يدور بينما كان في الحقيقة ثابتاً، وعندها شغلت المركبة عجلة ارتكاس أو ردة فعل لتعاكس الدوران المعتقد, ونتيجة لذلك بدأ قمر هيتومي بالدوران فعلاً، كما أدى خلل آخر إلى جعل المركبة تدور بسرعة أكبر، ثم أطلق المسبار صواريخ الدفع لتبطل الدوران، ولكن بسبب برنامج التحكم المعيب انطلقت الصواريخ في الاتجاه الخاطئ، مما أدى تسارع الدوران إلى أن انفصلت الألواح الشمسية عن المسبار، وفي تقرير صدر في الثامن من يوليو ألقى المحققون اللوم على: “إشراف غير كافٍ من إدارة المشروع من ناحية الأمان والموثوقية، وسلامة القمر الصناعي، وعلى تصميم النظام.”
ولمنع حدوث هكذا أخطاء في المستقبل، يوصي المحققون بإنشاء سجل للقياسات متضمناً مشاركة أفضل للبيانات مع الأشخاص المرتبطين بالمهمة والتوثيق الدقيق خلال اختبارات المركبة. أما أهم مشكلة أشار إليها المحققون فهي إدارة المهمة، وكما يقول لتسونيتا فإن المعهد ISAS في العادة يعين أستاذاً مشرفاً وحيداً كمسؤول أعلى عن المهمة، وهذا الشخص ليس مسؤولاً فقط عن المجال العلمي للمهمة، ولكن هو أيضاً مسؤول عن هندسة المركبة والآلات وكذلك التنسيق بين الشركاء والمتعهدين.
وقد اعتمد المعهد ISAS هذه المقاربة منذ تشكيله أول مرة من مجموعة من المهتمين بالفضاء من قسم الهندسة في جامعة طوكيو University of Tokyo، والذي أطلق مهمات بميزانيات ضئيلة بالكاد تكفي، ولكن بما أن البعثات الفضائية تصبح أكثر طموحاً وتكلفةً وتعقيداً، فإن هنالك عتبة ما -على حد قول تسونيتا- لا بد من تجاوزها “إذ إنه عند تلك العتبة لا يعود أسلوب الإدارة ذاك النظام الأمثل.” ويتابع قائلاً إنه في معظم إخفاقات مركبات المعهد ISAS نجحت فرق المهمة في صنع المعدات العلمية المعقدة لكنها فشلت في العمليات الروتينية للمركبة الفضائية، وهذا ما حصل تماماً بالنسبة إلى القمر هيتومي، فمعداته “عملت بشكل ممتاز” كما يقول تسونيتا لكن نظام التحكم في الموقع الخاص بالمركبة الذي “تعيّن أن يكون مثالياً” كان معيباً .
أما بالنسبة إلى المهمات المستقبلية، فإن المعهد ISAS سيفصل الأدوار بين المحقق الرئيسي الذي سيركز على المجال العلمي، وبين مدير المشروع الذي سيتولى مشكلات النفقات ومواصفات المعدات ويبقي المهمة على المسار المحدد، على حد قول تسونيتا. إن المنصب الجديد لمدير النظام سيضمن سلامة المهمة من الناحية التقنية. ويقول تسونيتا إن هذا الأسلوب شبيه بأسلوب إدارة كل من ناسا والوكالة ESA للمهمات.
ويحوز توجه الفحص الدقيق هذا على استحسان المجتمع العلمي في اليابان، فيقول ماكوتو تاشيرو Makoto Tashiro عالم فيزياء فلكية في جامعة طوكيو كان في الفريق العلمي لمهمة هيتومي: “إن خطة المعهد في إعادة الهيكلة ستعزز وتدعم المشاريع القادمة بالتأكيد.” ويأمل كوزو فوجي Kuzo Fuji -مهندس سابق في المعهد من جامعة طوكيو للعلوم- بألا تفرض القواعد البيروقراطية الجديدة حصاراً على الثقافة الأكاديمية للمعهد، التي تعتمد فيها عمليةَ صنع القرار من الأسفل- إلى -الأعلى، وتشديد الباحثين على أحدث التقنيات. يضيف جونيشيرو كاواغوتشي Junichiro Kawaguchi -الذي قاد مهمة استرجاع العينات من المذنب هايابوسا Hayabusa- قائلا إن إعادة الهيكلة يجب ألا تطغى على الرؤية العلمية للمعهد، فقد دعم علماء ومهندسو المعهد بناء الأقمار الصناعية ومهارات التشغيل عبر مشاركتهم الوثيقة في المشاريع وليس فقط عبر إدارة المتعهدين.
ويقول تسونيتا إنه يريد أن يحافظ على الجوانب الجيدة في طريقة إدارة المعهد للمهمات بنا في ذلك اقتراحات توجيه المهمة من الأسفل-إلى- الأعلى، والتواصل الوثيق بين العلماء والمهندسين. لكن إدارة أكثر حزماً هي أمر ضروري إذ يقول: “لا يمكننا أن نعود إلى الأيام الماضية.”
The ©2016 American Association for the advancement of Sciences. All right reserved.