بقلم: كاي كوبرشميدت
ترجمة: مريانا حيدر
سلالات خطيرة من الميكوبكتيريوم يبدو أنها تنتشر
لما كان ناتجا من طفرة، ليس مرض التليّف الكيسي Cystic fibrosis مرضا معديا، إلاّ أن إحدى مضاعفاته الخطيرة هي كذلك: العدوى بالبكتيريا ميوباكتيريوم أبسيسوس (المتفطرة الخُرّاجية) Mycobacterium abscessus، وهي عامل غامض ذو صلة بالميكروب المسبب للسل. ويُصاب ما بين 5 ٪ و 10 ٪ من مرضى التليّف الكيسي بالعدوى، وهذا الرقم في ازدياد. فتزدهر البكتيريا في الكمية الزائدة من المخاط السميك الذي يتجمع في المجاري الهوائية لمرضى التليّف الكيسي- مما قد تكون له في بعض الأحيان نتائجُ مميتة.
حتى وقت قريب، ظلَّ العلماء يعتقدون أن المرضى يلتقطون الميكروب بشكل عشوائي من التربة أو الماء، فتكون العدوى معها مجرد حظ سيِّئ. إلا أن تحليلا لمئات الجينومات البكتيرية من مرضى من حول العالم، نشر في عدد هذا الأسبوع من مجلة Science، يروي حكاية مختلفة. إذ يقترح البحث أن البكتيريا قد تكيّفت للبشر، وأن العديد من السلالات الخطيرة تنتشر من أحد مراكز علاج التليّف الكيسي إلى التالي، ومن بلد إلى آخر، وحتى بين القارات ناشرةً حالة من الوباء الصامت.
لا يمتلك الباحثون تفسيرا جيدا لهذا الانتقال غير المتوقع، وليس الجميع مقتنعا. لكن بعض خبراء التليّف الكيسي يقولون إن الدراسة تظهر أن المستشفيات بحاجة إلى فعل المزيد لخفض خطر العدوى عند مرضاها. فيقول برايان أوسوليفان Brian O’Sullivan من كلية جيزيل للطب Geisel School of Medicine في جامعة دارتماوث: “ولهذا تضمينات كبيرة فيما يختص بالعزل في مراكز التليّف الكيسي وبروتوكولات التعقيم فيها.”
في التليّف الكيسي، يؤثر عيب -في جين يُرمِّز لبروتين ناقل Transporter protein له دور في إنتاج المخاط- في العديد من الأعضاء والأنسجة، لكن أكثر تأثيراته خطرا غالبا ما تشاهد في الرئتين، حيث تكون الرئتان المليئتان بالمخاط عرضة للعدوى، مما يسبب التهابا يقود إلى إنتاج المزيد من المخاط، مما يجعل المرض أكثر سوءا، أو حتى قد يخنق المريض بالمخاط. ويصعب علاج البكتيريا إم. بسيسوس -النادرة في الأصحاء- لأنها مقاومة لغالبية الصادات الحيوية، على حد قول أوسوليفان، ويتابع قائلا: “حتى عندما يبدو وكأنها اختفت، فقد تعاود الظهور بعد أشهر أو سنوات.”
في عام 2013، ظهر الدليل الأول على أن مرضى التليّف الكيسي لا يلتقطون العدوى بشكل عشوائي دائما.اكتشف الباحثون أن العديد من المرضى في مستشفى بابوورث Papworth Hospital في كامبريدج بالمملكة المتحدة، أصيبوا ببكتيريا كانت تقريبا متطابقة وراثيا، وهو أمر من غير المرجح كثيرا حدوثه، إذا حدثت العدوى بشكل منفصل. ويقول عالم الوراثة جوليان باركهيل Julian Parkhill من معهد ويلكم ترست سانجر Wellcome Trust Sanger Institute في هينكستون بالمملكة المتحدة، وهو مؤلف مشارك في كل من دراسة عام 2013 والدراسة الحالية: “أخبرنا هذا الأمر بوجود انتقال ضمن مستشفى واحد وكان هذا مقلقا بما فيه الكفاية،” ويتابع قائلا: “لكنه لم يجبنا عن سؤالين هما: كم كان هذا الانتقال منتشرا؟ وهل اقتصر فقط على بابوورث، أم كان يحدث أيضا في أماكن أخرى؟”
لمعرفة الإجابات، جمع الباحثون أكثر من ألف عينة معزولة من إم. بسيسوس من 517 مريضا مصابا بالتليّف الكيسي في الولايات المتحدة وهولندا وأستراليا.
لقد وجدوا أن الجينومات الجرثومية من بعض المرضى تختلف كثيرا عن بعضها، كما كنت لتتوقع في حالات العدوى البيئية، إلا أن ما يزيد على ثلاثة أرباع مرضى الدراسة كانت لديهم سلالات تنتمي إلى “عناقيد” Clusters أو تجمعات تحوي جينومات متماثلة جدا، على الرغم من أن بعض المرضى عاشوا في أماكن بعيدة عن بعضهم، ويعلق باركهيل قائلا: “توجد ثلاث نسخ رئيسية، وهناك العديد من السلالات الأخرى التي تنشأ عنها العدوى وتنتشر.”
وجد الباحثون أن البكتيريا التي تنتمي إلى عنقود ما، كان احتمال دخولها إلى الخلايا البشرية ونجاتها في داخلها أكثر من الميكروبات التي ليست من عنقود ذي صلة، وقد تسببت سلالات العناقيد في أضرار شديدة في الفئران. ويقترح هذا الأمر أن الميكروبات قد تكيفت لتسبب مرضا أكثر شدة في الإنسان.
لكنه على الرغم من سهولة تصور انتشار المرض في مستشفى واحد -على سبيل المثال، عبر الأسطح الملوثة أو القطرات المعلقة في الهواء- تبقى المسافة التي يمكن أن ينتشر إليها هذا المرض لغزا، فمرضى التليّف الكيسي لا يسافرون كثيرا بين المراكز، كما أن المعدات لا تنتقل بشكل كبير بين المستخدمين، على حد قول مؤلف الدراسة أندريس فلوتو Andres Floto من مستشفى بابوورث. ويبدو من غير المرجح أيضا أن تُحمل البكتيريا من قبل حيوان ما أو ناقل بيئي غير معروف، إذ إن الكثير من الجينومات البكتيرية متماثلة جدا لدرجة أن الانتقال لا بد وأن كان سريعا. فقد كتب فلوتو في رسالة إلكترونية: “تفسيرنا الأكثر ترجيحا (على الرغم من عدم امتلاكنا دليلا عليه حتى الآن) هو أن البشر الأصحاء قد يؤدون دور ناقلين في حالات الانتشار عبر القارات.”
يقول عالم الأحياء الدقيقة الطبية من جامعة زوريخ University of Zurich في سويسرا إيريك بويتغر Erik Böttger، إن الورقة البحثية تقدم حجة مقنعة فيما يخص بانتشار المرض ضمن المستشفيات، وهو أمر مهم كما يقول، لكن لاتزال هناك حاجة إلى مزيد من الأدلة فيما يخص الانتشار بعيد المسافات، على حد قول بويتغر. ويشير إلى أن الباحثين لم يجمعوا إم. بسيسوس من البيئة، ويناقش في هذه الناحية قائلا إن المرضى في دول مختلفة قد يصابون بجراثيم متماثلة جدا، لأن تلك هي البكتيريا الأكثر شيوعا في البيئة في العالم. ويعترف باركهيل أن عدم وجود عينات من البيئة هو نقطة ضعف، لكنه يشير إلى أن الفروق الكبيرة المشاهدة -بين الجينومات البكتيرية من مرضى لا ينتمون إلى عنقود معين- تقترح أن جينومات إم. بسيسوس تتنوع كثيرا في البيئة.
وبغض النظر فيما إذا كانت المُسْتَنْسَخات تنتقل عالميا أو محليا فقط، “فإن علينا أن نعيد التفكير في بروتوكولات مكافحة العدوى ضمن مراكز التليّف الكيسي،” على حد قول فلوتو. وقد حسنت إجراءات تعقيم الغرف في مستشفى بابوورث، وأعيد تصميم أنظمة التهوية في مركز جديد للتليّف الكيسي، لتقوم بتغيير الهواء بشكل كامل كل أربع دقائق.
The ©2016 American Association for the advancement of Sciences. All right reserved.