شريكا بروتين فاسد يقدمان أملا لعلاج داء باركنسون
جزيئان مستقبلان قد يكونان هدفا للأدوية
بقلم: ميريديث وادمان في سان دييغو، كاليفورنيا
ترجمة: مريانا حيدر
قبل تسع سنوات، ظهرت فكرة مدهشة تحدَّت المعتقد السائد آنذاك يقول إنه في داء باركنسون تتدهور خلايا الدماغ بمفردها، بشكل مستقل عما يجاورها من الخلايا. وبدلا من ذلك، سرعان ما بدا أن بروتينا سيِّئ الانثناء Misfolded ينتقل من خلية إلى أخرى كما تنتقل العدوى. إن هذه الفكرة المتطرفة والمقبولة حاليا على نطاق واسع أشارت إلى وجود تشابه مع البروتينات المُعدية المسماة بريونات Prions والتي تسبب أمراضا دماغية مثل مرض كورو Kuru. كما قد تشير هذ الفكرة إلى مقاربات جديدة لمعالجة الاضطراب الحركي المطّرد والمميت في النهاية، والذي يعاني منه أكثر من 10 ملايين شخص.
لقد أعلنت مجموعتان -من بينهما مجموعة عرضت بحثها في مؤتمر جمعية علوم الأعصاب Society for Neuroscience الأسبوع الماضي- عن التعرف إلى مُستَقْبِلين receptors يربطان البروتين الشاذ إلى سطح الخلية، إذ يمكن لهذا الاكتشاف أن يوضح كيف تحدث الهجرة الكارثية لبروتين شاذ هو ألفا-سينوكلين a-synuclein، كما يمكن أن تقدم أماكن جديدة يستهدفها الدواء حتى ولو كان الأمر لا يزال بعيدا على التطبيق قليلا. ويقول باتريك برندبن Patrik Brundin وهو عالم أعصاب من معهد فان أنديل Van Andel Institute في غراندرابيدز بميشيغان: “يمكن لأي شيء يبطئ أو يقلل من امتصاص العصبوناتُ للبروتين ألفا-سينوكلين شاذ الانثناء أن يبطئ من تقدم الداء.”
وينتج داء باركنسون من تنكس Degeneration العصبونات المنتجة للدوبامين، والذي يؤدي في البداية إلى اضطرابات حركية من ضمنها الرعاش والتيبس العضلي، ثم يليها انحدار في القدرات المعرفية والخرف. ويمكن لتحفيز العميق للدماغ Deep brain stimulation أن يخفف الأعراض الحركية لفترة من الوقت، كما يمكن للدواء المسمى ليفودوبا Levodopa أن يستبدل الدوبامين المفقود، ولكن لا يمكن لأي من العلاجين أن يوقف تدهور الحالة.
وفي عام 2007، ظهر دليل جديد من أدمغة أناس مسنين كانوا مصابين بداء باركنسون وماتوا بعد ما يزيد على عقد من تلقيهم لزرع تجريبي لخلايا عصبية جنينية سليمة. إذ وجد أن بعض هذه الخلايا الجنينية قد أصيبت بالنسخة المَرَضية نفسها من بروتين ألفا-سينوكلين بشكل مماثل لعصبونات المُضيف المُصابة. وكانت النتيجة الأوضح هي أن البروتين الشاذ كان ينتقل من الخلايا المصابة إلى السليمة مستنسخا المزيد منه في كل خلية، ولم يكن ينشأ بشكل مستقل في الخلايا المنفردة.
يتساءل بعض الباحثين عمّا إذا كان انتشار البروتين الشاذ هو سببُ داء باركنسون بدلا من كونه تأثيرا ناتجا منه. لكن الأدلة على انتقاله لا تزال في ازدياد. فعلى سبيل المثال، أعلنت مجموعة في مؤتمر علوم الأعصاب أن بروتين ألفا-سينوكلين يمكن أن ينتشر ليس فقط بين العصبونات بل أيضا بين الخلايا الدماغية المسماة الخلايا النجمية Astrocytes. كما دعمت نتائج أخرى فرضيةً تقول إن مجموعات البروتين سيِّئ الانثناء تستعمر أولا القناة الهضمية قبل أن تنتقل عبر عصب رئيسي إلى الدماغ.
لقد بدأت فرق البحث أيضا بسبر الآلية الجزيئية لقدرة ألفا-سينوكلين على الانتشار، وفي المؤتمر، وصف رافيندران كوماران Ravindran Kumaran -وهو عالم أعصاب في مختبر مارك كوكسون Laboratory of Mark Cookson من المعهد الوطني للشيخوخة National Institute on Aging في بيثيسدا- بروتينا مرتبطا بالغشاء الخلوي قد يساعد على تفسير كيف تدخل المجموعات السامة –المسماة لُييفات Fibrils- من بروتين ألفا-سينوكلين إلى خلايا الدماغ بعد أن تُطلق من الخلايا المجاورة. وبمساعدة المركز طب التطبيقي Translational medicine center الوراثية التابع للمعاهد الوطني للصحة National Institutes of Health، عطّل كوماران وزملاؤه كل جين Gene في سلالة خلية سرطان عنق الرحم البشري، واحدة تلو الأخرى، وقاسوا تأثيراتها في امتصاص الخلايا لبروتين ألفا-سينوكلين صنعي، وعندما عطلوا جينا غير معروف كثيرا يدعى الجين TM9SF2 انخفض مقدار امتصاص الخلايا من الللييفات بمقدار 75 ٪، ويقول فينسنت سيوتن Vincent Seutin عالم الفيزيولوجيا العصبية من جامعة لييغ University of Liège في بلجيكا والذي يدرس العصبونات الدوبامينية Dopaminergic neurons: “إن التأثير هائل، ويبدو صلدا جدا إحصائيا.”
بعد ذلك اكتشف كوماران أن الجين TM9SF2 هو من بين نسبة 3 ٪ من كل الجينات المُعبَّر عنها في الدماغ. إضافة إلى ذلك، فإن نشاطها هو الأعلى في المادة السوداء Substantia nigra ومناطق الدماغ الأخرى المسؤولة عن العديد من أعراض داء باركنسون. وتقترح المعلومات الضئيلة عن البروتين المُرمَّز له بالجين TM9SF2 أنه قناة بروتينية أو ناقل بروتيني يستورد الجزيئات إلى داخل الخلايا. ويحضر كوماران وزملاؤه لاختبار ما إذا كان البروتين السابق يؤثر في امتصاص ألفا-سينوكلين من قبل العصبونات المستزرعة من البشر ومن الفئران.
قد يكون لبروتين آخر من بروتينات سطح الخلية إمكانيات مشابهة، فالبروتين الذي وصف في عدد 30 سبتمبر من مجلة ساينس Science والمسمى البروتين LAG-3 -مُرمَّز من قبل الجين الثالث المُفعِّل للخلايا اللمفاوية- هو بروتين يُرمَّز بشكل الانتشار في خلايا الجهاز المناعي وبمستويات أقل في العصبونات. فقد أجرى تيد داوسون Ted Dawson -عالم أعصاب في كلية جونز هوبكنز للطب Johns Hopkins School of Medicine في بالتيمور- مع زملائه مئات المسوحات لبروتينات الغشاء التي ترتبط انتقائيا بلييفات ألفا-سينوكلين الصنعية في العصبونات المزروعة، حيث ارتبط LAG-3 باللييفات بإحكام وحفّز امتصاصها وانتشارها التالي من خلية إلى أخرى. أما الفئران المحقونة بلييفات البروتين الشاذ، فقد أُصيبت بأعراض شبيهة بداء باركنسون وتراكم البروتين سيِّئ الانثناء في الدماغ، لكن الفئران المُعدَّلة وراثيا بإزالة الجين LAG-3 الفعالة أصيبت بأضرار وأعراض دماغية أقل.
ولكن على الرغم من ذلك، يقول داوسون: “سيكون الأمر أكثر تعقيدا من بروتين غشائي واحد،” إذ يشير إلى أن تعطيل الجين LAG-3 لم يقضِ على الأعراض بشكل نهائي، ويتابع قائلا: “وهذا يعني أن ألفا-سينوكلين يدخل إلى الخلايا بطرق أخرى أيضا.” وفيما يخص هذا الأمر، فإن الاكتشافين الجزيئين يكمّلان بعضهما، وقد تظهر عوامل مؤثرة أخرى بذات الأهمية فينا يخص انتشار ألفا-سينوكلين، ويبقى هنالك أمل بظهور علاجات عديدة نتيجة تعدد الأهداف الدوائية.
ويقول كوكسون: “ما زلنا في بداية الأمر، لكن عندما نأخذ بعين الاعتبار عدم وجود مستقبلات غشائية محتملة لألفا-سينوكلين قبل شهرين، وأصبح لدينا الآن أكثر من واحد، فلهذا السبب يتسم الأمر بالحماس وإثارة الاهتمام.”
The ©2016 American Association for the advancement of Sciences. All right reserved.