نتائج غير حاسمة من محاولات تكرار نتائج أبحاث السرطان تزعزع المجال
تأكيد نتيجتين فقط من أصل النتائج الخمس الأولى
بقلم: جوسيلين كايسر
يبدو أن النتائج الأولى للدراسات الساعية إلى تكرار نتائج بعض الأبحاث المهمة السابقة في مجال بيولوجيا السرطانات تُزعج المجتمع الطبي. ومن بين الدراسات الخمس التي عمل عليها المشروع -التي يشتمل بعضها على علاجات تجريبية لا تزال في مرحلة التجارب السريرية- استطاع الباحثون تكرار نتائج دراستين اثنتين فقط، وهناك واحدة لم يستطيعوا تكرار نتائجها، وعانت الدراستان الباقيتان مشكلاتٍ تقنية.
ويقول بعض العلماء إن هذه النتائج الأولية من مشروع تكرار الأبحاث: بيولوجيا السرطانات Reproducibility Project: Cancer Biology والتي ستظهر هذا الأسبوع في مجلة إي لايف eLife، تدعم المخاوف بأن عددًا كبيرًا جدًا من الدراسات الأساسية في مجال الطب البيولوجي لا تتكرر نتائجها في مختبرات أخرى. ويقول جون إيوانيديس John Ioannidis : “ترينا الصورة الكاملة أن هناك مشكلة في مسألة تكرار الأبحاث”. وجون إيوانيديس هو اختصاصي الوبائيات Epidemiologist في جامعة ستانفورد Stanford University في بالو ألتو، كاليفورنيا، ومستشار في المشروع الذي تشير نتائجه الملفتة إلى أن الأبحاث الطبية البيولوجية تعاني عيوباً منهجية.
ولكن هناك آخرين يقولون إن النتائج تشير ببساطة إلى أن الدراسات الجيدة قد يكون تكرارها بحذافيرها صعبًا؛ وذلك مرده إلى أن الأنظمة البيولوجية متباينة فيما بينها. ويقول تشارلز سوير Charles Sawyers، مدير تحرير المجلة eLife واختصاصي بيولوجيا السرطانات في مركز سلون كيتيرينج التذكاري لعلاج السرطان Memorial Sloan Kettering Cancer Center في مدينة نيويورك: “يعلق الناس تعليقات تدل على قلة احترام بأن العلم غير قابل للتكرار. وتظهر هذه الأوراق الخمس الأولى أن هناك طبقات من التعقيد تجعل من الصعب التفوهَ بتعليقات كهذه.”
لقد استُلهمت فكرة مشروع بيولوجيا السرطانات من تقارير من شركتين تدل على أنهما عندما حاولتا متابعة عشرات الأوراق البحثية التي تشير إلى أدوية جديدة محتملة، لم تستطيعا تكرار نتائج ما يصل إلى ٪89 من الدراسات. ولكن الشركتين -شركة باير Bayer وشركة آمغين Amgen- لم تفصحا عن الأوراق البحثية ولا عن الكثير من تفاصيل محاولاتهما. ومن ثم، تعاون مركز العلوم المفتوحة Center for Open Science غير الربحي في شارلوتسفيل بفيرجينيا، والذي بدأ بمشروعٍ لتكرار نتائج الأبحاث للأوراق البحثية في علم النفس، مع خدمة ساينس إكسشينغ Science Exchange في بالو ألتو، وهي خدمة توافق ما بين العلماء والمختبرات التعاقدية التي تقوم بتجارب مقابل أجر مادي. وحصل الشريكان على مليوني دولار من مؤسسة ما لتمويل مسعًى واسع النطاق هدفه تكرار أبحاث السرطانات.
وقد تعرف الشريكان على 50 ورقة ذات تأثير كبير في الأبحاث ما قبل السريرية على السرطان، نشرت ما بين عامي 2010 و2012، وبدآ بكتابة بروتوكولات لتكرار التجارب المهمة، ونشرا خططهما في المجلة eLife. ولكن المشروع تأخر قليلا عن الجدول المخطط؛ بسبب صعوبة الحصول على المعلومات والمواد (Science, 26 June 2015, p. 1411). وفي نهاية المطاف، سيقومان بمحاولة تكرار نتائج 29 ورقة بحثية.
ومن ضمن محاولات التكرار الأولى، كان جيه باردنر Jay Bardned الرابحَ هنا؛ فقد استطاع أحد المختبرات التعاقدية أن يتحقق من دراسة كان باردنر شارَك بالقيام بها مع مختبر كونستانتاين ميتسايديز Constantine Mitsaides عندما كان في معهد دانا-فاربر لأمراض السرطان Dana-Farber Cancer Institute، وكان فيها يفحص مُثبطًا ينتمي إلى فئة من البروتينات تسمى برومودومينات BETـ BET BETbromodomains. وفي عام 2011 نشر باردنر وميتسيديز في المجلة سيل Cell بحثًا خلص إلى أن هذا المثبط يحجب الجين السرطاني Myc، ومن ثم يبطئ من نمو الأورام النقيية المتعددة Multiple myeloma [وهو ورم يؤثر في الخلايا البيضاء وينشأ في نقي (نخاع) العظم] في الفئران. والآن، يعمل باردنر في معهد نوفارتس للأبحاث الطبية البيولوجية ovartis Institutes for Biomedical Research في كامبردج بماساشوستس، وهو يثني على الجهود المبذولة في تكرار نتائج الأبحاث، ويصفها نجاح بحثه بأنه أمر يبعث على الاطمئنان، خصوصًا أن المُركَّب صار لتوه في مرحلة الأبحاث السريرية. ويقول أيضًا إنه ليس متفاجئًا؛ فقد كُرِّرت نتائج بحثه أيضًا في مختبرات أخرى. وهناك محاولة أخرى لتكرار النتائج، دعمت تقريرًا نشره مختبر أتول بيوت (هو اختصاصي البيولوجيا الحوسبية في ستانفورد) في المجلة ساينس للطب التجريبي Science Translational Medicine في عام 2011، وينص على أن دواء القرحة تاغميت Tagamet يبطئ من نمو أورام الرئة في الفئران.
“ترينا الصورة الكاملة أن هناك مشكلة في مسألة تكرار الأبحاث”
جون إيوانيديس – جامعة ستانفورد
وهناك محاولتان أخريان للتكرار لم تسفرا عن نتائج مُرضِية، وانتهت بنتائج غير حاسمة. وإحدي هاتين المحاولتين بُنيت على تقرير نشر في المجلة نيتشر Nature في عام 2012 خلص إلى أن الطفرات في جين يدعى الجين PREX2 يستحث نمو الورم المياليني Melanoma growth. فقد جمع المختبرُ المسؤول عن نتائج تكرار البحث عيناتٍ من خلايا جلد بشرية استخدمت في الدراسة الأصلية، والتي جرت هندستها بحيث تنتج أورامًا ببطء، وزرعوها في فئران. ولكن، في المختبر المسؤول عن تكرار النتيجة، كوَّنت كل من الخلايا السرطانية المحتوية على الطفرات PREX2 وتلك الخالية منها أورامًا خلال أسبوع، وليس خلال أسابيع كما نشرت الدراسة السابقة، وهو ما يجعل من المستحيل التأكد مما إذا كان الجين PREX2 له أثر في ذلك. أما الباحثان الرئيسان في الدراسة الأصلية -ليفي غاراواي Levi Garrawayوالذي انتقل مؤخرًا للعمل من دانا-فاربر Dana-Farber إلى إيلي ليلي Eli Lilly، وليندا تشين Lynda Chin من مركز إم دي أندرسون لأمراض السرطان MD Anderson Cancer Center في هيوستون بتكساس – فيقترحان أن جينات الخلايا التي زُرِعت على الأرجح تغيرت بمرور الوقت.
وهناك مختبر آخر واجه مشكلة مماثلة عندما حاول تكرار عمل اختصاصي بيولوجيا الخلايا الجذعية إرفينغ فايسمان Irving Weissman وزملائه، والذين نشروا تقريرًا في عام 2012 في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم Proceedings of the National Academy of Sciences مفاده أن الجسم المضاد لمُستقبِلة موجودة على سطح الخلايا الورمية تدعى المُستقبِلة CD47 يمكنه أن يبطئ من نمو الأورام في الفئران. وأما في المختبر المسؤول عن تكرار النتيجة، فقد نمت الأورام ببطء شديد في كل من الفئران المعالجة بالجسم المضاد، وتلك في مجموعة المقارنة (وفي بعض الحالات تراجع الورم تلقائيًا). ولم يستطع المكررون الجزم فيما إذا كان الجسم المضاد، والذي صار لتوه في مرحلة التجارب السريرية، قد أثّر في نمو الورم. ولكن فايسمان يقول إن هناك مختبرات أخرى كررت نتائج المُستقبِلة CD47 هذه.
أما المحاولة الساعية إلى تكرار نتائج تقرير نُشر في مجلة ساينس Science في 2010 والتي كان مفادها أن ببتيدًا يدعى الببتيد iRGD يمكنه مساعدة أدوية العلاج الكيميائي على اختراق أورام البروستاتا والتسبب في انكماشها في الفئران، فقد كانت محاولة فاشلة بشكل جازم؛ فقد وجد المختبر المتعاقد أنه لا دليل على أن الببتيد قام بأي شيء في الفئران. ولكن مختبراتٍ في ألمانيا والصين واليابان، كررت النتائج، وذلك بحسب إركي روسلاتي Erkki Ruoslahti من معهد ستانفورد-بورنام بيربيز للاكتشافات الطبية Sanford-Burnham Prebys Medical Discovery Institute في سان دييغو بكاليفورنيا، وهو الباحث الرئيسي في الورقة الأصلية. ويقول: “الآثار العلمية في هذا الشأن والتي تشير إلى أن الببتيد يجب أن يعمل لو قمت بالأمر بالشكل الصحيح قوية جدًا.” وقد أرسل روسلاتي طلبًا لبراءات اختراع الببتيد iRGD. وقد صرح ألبرخت بيبر Albrecht Piiper من جامعة فرانكفورت University of Frankfurt في ألمانيا، على سبيل المثال، أن نتائج الببتيد iRGD “كُرِّرت بشكل جيد”في مختبره.
ويقول بيبر وآخرون إن الببتيد iRGD التجاري المستخدم في المختبر المسؤول عن تكرار البحث قد يكون أحد الأسباب. وينبه روسلاتي إلى أن المختبر المتعاقد، على ما يبدو، لم يقم بأي فحص ليتأكد من أن الببتيد كان فاعلًا قبل أن يختبر أثره في الأورام. ويجيب تيم إرينغتون Tim Errington من مركز العلوم المفتوحة Center for Open Science بأن الفريق كان مجبرًا على أن يطلب إلى شركةٍ ما صنع الببتيد، لأن روسيلاتي رفض طلبهم عندما طلبوا إليه تزويدهم به. ويقول روسيلاتي إنه لا يتذكر ما إذا كان ذلك قد حدث بالفعل أو لا. ويأمل بأن ينتقل الببتيد iRGD إلى مرحلة التجارب السريرية، ولكنه قلق من أن هذه المحاولة الفاشلة لتكرار البحث قد تعيق من الحصول على التمويل المطلوب.
وبعض العلماء محبطون من قرار مشروع تكرار الأبحاث في الالتزام بالبروتوكول الصارم المسجل في مجلة eLife لكل من محاولات التكرار، والذي لا يدع مجالًا لأي عملية تتبع للأخطاء. ويقول فايسمان إن الدراستين ذواتي النتيجتين غير الحاسمتين اشتملتا على تنميةٍ لنسيج ورمي مزروع في الفئران، وهو أمر صعب ويحتاج إلى تدريب. كما يقول شون موريسون Sean Morrison من المركز الطبي Medical Center لجامعة ساثورن تكساس في دالاس، وهو محرر في مجلة eLife: “كان يمكن للمختبرات الأكاديمية أن تحاول ثانية، بطريقة مختلفة، وبجرعات مختلفة للخلايا، ولكن [المسؤولين عن التكرار] كانوا ملزمين بالتقرير المنشور.”
وتدافع إليزابيث إيورنز Elizabeth Iorns، المديرة التنفيذية لخدمة Science Exchange، وهي أيضًا اختصاصية في بيولوجيا السرطانات، عن الطريقة التي اتبعها المشروع قائلة: “يعتبر اتباع عملية كهذه بشكل علني أمرًا نادرًا. ويريد الناس حقًا أن يعرفوا ما يحدث عندما تقوم بهذه الأمور.” وبسبب مشكلات الوقت والميزانية (فقد قالت أيورنز إن طلبات مراجعي البروتوكول أضافت تجارب إضافية نسبتها ٪25)، خفّض المشروع تدريجيًا من قائمة الأبحاث التي سيكررها. وكلفت الأبحاث الخمسة الأولى 27200 دولار لكل مشروع في المعدل، وهو قريب من التقدير الأصلي 26000 دولار، ولكن التكلفة للأبحاث الأخرى ستزيد على الأرجح، بحسب ما تقول إيورنز.
إلا أن معاهد الصحة الوطنية (اختصارا: المعاهد NIH) في بيثيسدا بماريلاند-والتي ساعدت على تمويل الدراسات الأصلية- سعيدة أنها صارت محط متابعة ونظر. وقد أثنى نائب المدير الرئيسي في المعاهد NIH لورنس تاباك Lawrence Tabak على النتائج الأولى لتكرار الأبحاث، قائلًا: “إنها تركز الضوء على بعض التعقيدات الهائلة التي توفرها لنا البيولوجيا، وتذكرنا بأهمية استخدام طرق صارمة تتميز بالشفافية الكاملة.”
بداية غير جازمة
التقارير الناتجة من الجهد المبذول لتكرار عشرات الدراسات في بيولوجيا السرطانات والتي أُشير إليها بشكل واسع (سماكة الخط تتناسب مع عدد الدراسات) توفر النتائج الأولى التالية: تأكيدان، وفشل، واثنتان لم تكونا جازمتين بسبب مشكلات تقنية.