نصف بليون دولار لمواجهة الأمراض الناشئة
تجمّع حديث لإنتاج اللقاحات حصل على التمويل واختار أهدافه المبكرة
بقلم: جون كوهن
يهدف تجمّع طبي حديث إلى تطوير لقاحات جديدة للأمراض المعدية الناشئة. ومن أجل ذلك، فقد تمكن من حشد مبلغ أولي يقرب من نصف بليون دولار في خزينته للتصدي لأمراض ثلاثة أولى تقف أمام ناظريه.
في غضون الخمس سنوات القادمة، يخطط اتحاد الاستعدادات المبتكرة لمواجهة الأوبئة Coalition for Epidemic Preparedness Innovations (اختصارا: الاتحاد CEPI) للحصول على تمويل تطوير لقاحات مضادة لثلاثة تهديدات فيروسية هي: فيروس كورونا الشرق الأوسط (أو متلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS)، وفيروس لاسا Lassa، وفيروس نيبا Nipah وذلك بهدف منع أي فرصة تسمح للتفشيات الوبائية الصغيرة لأن تصبح أمراضاً وبائية جائحة. تشكّل الاتحاد CEPI في السنة الماضية من دون أي تمويل جدي يدعمه، لكنه قد تلقى الآن التزامات مالية بقيمة 100 مليون دولار من صندوق ويلكام Wellcome Trust ومؤسسة بيل وميليندا غيتس Bill & Melinda Gates Foundation، كما تعهدت حكومات اليابان وألمانيا والنرويج بالمساهمة بقيمة 260 مليون دولار إضافية. وفي الوقت الذي مضى فيه هذا العدد من مجلة ساينس إلى الطباعة، كان الاتحاد CEPI قد خطط للإعلان عن هذه الالتزامات المالية في منتدى الاقتصاد العالمي World Economic Forum الذي يعقد هذا الأسبوع في دافوس Davos، بسويسرا.
ويذكر خبير الأوبئة جون-آرنيه روتينغن John-Arne Røttingen، وهو الرئيس المؤقت لاتحاد CEPI خلال عام 2017، والمقيم في أوسلو، أن مزيداً من الدول أيضاً سيسهم الآن بالدعم المالي. ويقول روتينغن: “إن الاتحاد CEPI هو عمل جماعي يقدم ضريبة عالية من أجل سلامة الصحة العالمية.”
لقد أدى تفشي وباء إيبولا الوبيل في دول إفريقية الغربية في عام 2014 إلى تشكيل الاتحاد CEPI. عندما بدأ إيبولا ينتشر كانت لقاحاته التجريبية موجودة في أجهزة التبريد في المختبرات دون أن يكون لها سوق تجارية، ولم تكن قد اختبرت مطلقاً على البشر. ومع أن التجارب السريرية بدأت بسرعة في شهر سبتمبر 2014، إلاّ أن تطوير اللقاح هو عملية متعددة المراحل تتطلب أولاً إجراء تجارب صغيرة النطاق تهدف إلى معرفة ردة فعل جهاز المناعة عند المئات من الناس غير المعرضين لخطر الإصابة بالمرض وضمان سلامتهم. بعد ذلك تنقل اللقاحات التي اجتازت الاختبارات إلى مرحلة تجارب حقيقية تهدف إلى معرفة قوة تأثيرها وفعاليتها على آلاف المتطوعين. وفي الوقت الذي أثبت فيه أحد لقاحات مرض إيبولا أهميته وجدواه في شهر يوليو، 2015، كانت جهود الاحتواء العادية للمرض قد وصلت به إلى حالة ثبات.
وقد شارك جيريمي فارار Jeremy Farrar -رئيس صندوق ويلكام في لندن- بتقديم منظور مؤثر في عدد 23 يوليو 2015، من صحيفة مجلة نيوإنغلاند للطب The New England Journal of Medicine، أوضح فيه الحاجة إلى جهد عالمي منسق للمساعدة على تطوير لقاحات مضادة لأمراض معدية خطيرة تجاهلتها الصناعة الدوائية بسبب مخادعة الأسواق. اقترحت مقالته أخذ اللقاح المبتكر من خلال اختبارات بشرية أولية قبل وقوع حالات التفشي المرضي الحتمية، وهي الفكرة التي تطورت لتصبح الآن الاتحاد CEPI الذي يشارك فارار في عضوية هيئته الإدارية المؤقتة، ويقول: “لدينا الآن مال كاف لنبيّن للعالم أن هذا بوسعه إنقاذ الناس.”
وسيقوم الاتحاد CEPI الآن بطلب اقتراحات من باحثين أكاديميين وصناعيين من أجل تطوير لقاحات مرشحة لمواجهة ثلاثة فيروسات مستهدفة. وسيهدف التجمّع في غضون خمس سنوات قادمة إلى إعطاء لقاحين اثنين لكل فيروس من خلال دراسات بشرية أولية، لتكون جاهزة لاختبار حقيقي فور عودة أحد هذه الفيروسات للظهور ثانية. وينوي الاتحاد CEPI أيضاً أن يموّل منصات لقاحية vaccine “platforms” -عبارة عن تقنيات مثل جزيء حمض RNA الرسول، أو حاملات فيروسية غير مؤذية يمكن أن تخدم كأساس لأنواع مختلفة من اللقاحات.
وقد اختار الاتحاد CEPI أهدافه الأولى بعد تحليل أثر عدة أمراض في الصحة العامة ضمن قائمة محددة من الأولويات أعدتها منظمة الصحة العالمية WHO في عام 2016. وجميع هذه الأمراض الثلاثة هي تهديدات جدية: فمرض الجهاز التنفسي الذي تسببه متلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS يواصل تفشيه في منطقة الشرق الأوسط، كما تسبب حمى لاسا Lassa fever مرضاً نزفياً مهدداً للحياة في مناطق غرب إفريقية، فيما يؤدي فيروس نيبا Nipah في بلدان آسيا إلى حالات التهاب دماغية بنسبة وفيات مرتفعة. وعلى الرغم من غياب اللقاحات لجميع تلك الفيروسات يعتقد مستشارو الاتحاد CEPI أن هذا لا يشكل أي عائق فني واضح، وأنها (أي اللقاحات) في متناول اليد.
أما حكومة الولايات المتحدة، التي هي أحد أكبر مستثمري العالم في صناعة اللقاحات المضادة للأمراض الوبائية الصاعدة، فما زال عليها الالتزام بأي دعم ممكن لاتحاد CEPI. لكن روتينغن يقول إنه سيحاول معها مرة أخرى مع انتهاء الانتخابات الرئاسية الآن، ويذكر أن الاتحاد CEPI لديه حالياً علاقات تعاون والتزام قوية جداً مع وكالات أمريكية بما فيها معاهد الصحة الوطنية National Institutes of Health (اختصارا: المعاهد NIH). ويقول آنثوني فوسي Anthony Fauci، وهو رئيس المعهد الوطني للحساسية والأمراض الوبائية National Institute of Allergy and Infectious Diseases التابع لمعاهد NIH في بيثيسدا ببولاية ميريلاند: “لا أستطيع دعمهم بالمال، لكنني مهتم جداً بالتعاون معهم عندما يجربون اللقاحات، وهم سيحصلون منا على مساهمات عينية. كما أن النصف بليون دولار التي نهضوا بها في منتدى دافوس ستجذب متبرعين آخرين.”
وبحلول ومع نهاية عام 2017، يهدف الاتحاد CEPI إلى جمع مبلغ بقيمة بليون دولار أمريكي يحتاج إليها كي يموّل بدرجة كافية سنوات عمله الخمس الأولى. ويقول فارار: “يوجد هناك نحو 50 عاملاً جرثومياً مُمرِضاً يمكن أن تتفشى، ونحن نرغب في أن يكون عمل الاتحاد CEPI ناجحاً جداً لدرجة نرى معها أنه يوجد بحوزتنا بعد 10 أو 20 سنة لقاحاً لكل واحد منها.” ويذكر أنه بالنسبة إلى الوقت الحالي فمن المهم جداً إثبات إمكانية تحقيق هذا مع الأهداف الثلاثة الأولى، ويقول: “أنت ستفعل أكثر من مجرد تصنيع وإنتاج ثلاثة لقاحات. أنت ستغير الطريقة التي نفكر بها بشأن اللقاحات والتقنيات التي لاتزال موضع التطوير.”