كيف يتعلم الجسم أن يتألم
بقلم: إيميلي أندروود
ترجمة: مريانا حيدر
الخلايا الدبقية تزيد شدة الألم
بعد 50 عاما، أصبح لدى علم الأعصاب الألم عنصرٌ مؤثر جديد، ففي عام 1966 تتبع الباحثون كيفية تعلم الدماغ من المحاكاة المتكررة. فقد وجدوا أن تحفّيز عصبونات (الخلايا العصبية) Neurons في جزء من أجزاء الحصين Hippocampus -جزء صغير من نسيج الدماغ وله دور أساسي في الذاكرة- يمكنه أن يزيد من احتمال قدح Fire العصبونات البعيدة والمُرتَبِطة ببعدها لعدة ساعات بعد الاستثارة المبدئية، وهي ظاهرة تعرف بالتآزر طويل الأمد Long-term potentiation (اختصارا: التآزر LTP). ويترك التآزر LTP أثرها من خلال تقوية بعض الروابط بين المشتبكات العصبية Synapses- وهي مواضع الاتصال بين خلايا الدماغ- دون أخرى. ووجد الباحثون الآن نوعا جديدا من التآزر LTP قد يفسر كيف يُعلِّم الألمُ الدماغَ.
لا يقود النشاطُ العصبوني التآزرَ LTP المرتبط بالألم، بل بفعل خلايا دبقية Glia- غير عصبية- تحمي العصبونات من الأذى، من بين جملة من الوظائف الأخرى. فقد ذكر فريق البحث هذا الأسبوع عبر الموقع الإلكتروني لمجلة Science، أنه عبر إطلاق جزيئات التهابية Inflammatory molecules إلى السائل الدماغي الشوكي، يمكن للخلايا الدبقية أن تُقوي بشكل كبير المشتبكات العصبية بين العصبونات الحساسة للألم في النخاع الشوكي. ويمثل دور الخلايا الدبقية “نظرة جديدة مهمة تغير النموذج المنهجي Paradigm الحالي”، على حد قول نيلز آيجكيلكامب Niels Eijkelkamp، عالم أعصاب في جامعة أوتريخت Utrecht University بهولندا، كما يمكن أن يساعد ذلك على تفسير سبب شعور الناس غالبا بألم مزمن أو حساسية مضاعفة بعيدا عن موضع الإصابة.
ومن المعروف أن عمليات التآزر LTP التقليدية في النخاع الشوكي تضخم النشاط العصبوني. لكنه تأثيرها ينتشر ضمن نطاق ميكرومترات قليلة يشكلها موقع المشتبك العصبي، وذلك ليس كافيا أبدا ليكون مسؤولا عن الألم مرتفع الشدة الذي يحسّ به بعض الأفراد بعد الإصابة، أو أعراض الانسحاب بعد الإقلاع عن تناول المواد الأفيونية. فهناك أدلة متزايدة تشير إلى مسؤولية الخلايا الدبقية عن هذه الحالات (Science, 4 November, p. 569)، لذلك تساءل يورغين ساندكولر Jürgen Sandkühler من الجامعة الطبية في فيينا Medical University of Vienna وزملاؤه عما إذا كانت الخلايا الدبقية تحفّز النوع الخاص بها من التآزر LTP، فشرّح ساندكولر وفريقه فئرانا أزالوا فيها -بحذر- جزءا من القرن الظهري للنخاع الشوكي حيث تلتقي فيه العصبونات التي تنقل إشارات الألم من الأطراف. ولإبقاء الخلايا حيَّة غمر الفريقُ الحبالَ الشوكية والألياف العصبية المتصلة بها في سائل دماغي شوكي صناعي بارد، ثم أدخلوا أقطابا دقيقة (إلكترودات) جدا إلى العصبونات لقياس نشاطها.
عندما تحدث إصابة حقيقية (في الواقع) تطلق العصبوناتُ سيلاً من جزيئات الطاقة الخلوية المعروفة بالأدينوزين ثلاثي الفوسفات (اختصارا: الجزيء ATP)، وتستجيب الخلايا الدبقية للجزيئات ATP عبر تحرير سيل من الجزيئات الالتهابية وجزيئات الإشارة الأخرى، يمكنها أن تنتقل مسافات طويلة بعيدا عن أماكن إطلاقها. ولمحاكاة هذا التأثير، أضاف ساندكولر وزملاؤه إلى حوض الغمر جزيئا اصطناعيا من ATP يرتبط فقط بنوعين من الخلايا الدبق، وهي: الخلايا الدبقية الصغيرة Microglia، والخلايا النجمية Astrocytes. فقد أطلقت الخلايا الدبقية المُثارة موادَّ التهابية، قامت بدورها بتحفّيز التآزر LTP في عصبونات القرن الظهري بنسبة تتراوح ما بين 50 ٪ حتى 150 ٪، وهو مستوى تضخيم مشابه جدا للتآزر LTP التقليدي المحفّز بالنشاط، على حد قوله. وبمنع الجزيئات ATP الاصطناعية من الارتباط بالخلايا الدبقية فإنه يؤدي إلى إنهاء ذلك التأثير، كما أمكن تحقيق التأثير نفسه بالتدخل في وظيفة جزيئين تطلقهما الخلايا هما: دي-سيرين D-serine وهو حمض أميني يساعد على تنظيم التطور المشتبك العصبي، والجزيء الثاني هو عامِلُ نَخَرِ الوَرَم Tumor necrosis factor، وهو بروتين التهابي. وقد أثبتت تجارب اللاحقة أن المواد المشتقة من الخلايا الدبقية حفّزت حالات التآزر LTP في الحبال الشوكية للحيوانات الحية، وتقول عالمة الأعصاب كاغلا إيروغلو Cgla Eroglu في جامعة ديوك Duke University في دورهام في كاولينا الشمالية، إن الخطوة الأساسية التالية ستكون تحديد أهمية جزيئات معينة مثل دي-سيرين في الاستجابة عند الحيوانات الحية، وبمجرد التعرف على العوامل الجزيئية المُحدَّدة، قد يكون بالإمكان تطوير أدوية تحاصرها لتهدئة العصبونات الحساسة للألم.
لكن ساندكولر يُشكك في أن دواء وحيدا سيكون فعالا، فيقول: “لقد رأينا أبحاثا كثيرة منشورة تقول إن حصر Blocking هدف وحيد ألغى أو خفّض الاستجابة للألم عند الحيوانات، لكنه لم يقم بذلك في البشر،” ويقول إن الخلايا الدبقية هي مجرد جزء واحد من لغز معقد.
The ©2016 American Association for the advancement of Sciences. All right reserved.