لقاح الكوليرا يواجه اختبارا كبيرا في اليمن
خيارات صعبة يجب أن تُتَّخذ في الوقت الذي يُرسَل فيه المخزون الاحتياطي إلى بلد دمرته الحرب
بقلم: كاي كوبفيرشميدت
تخيل بلدا بحجم إسبانيا مزقته الحرب، هناك حيث يتهدد زهاءَ 20 مليونا شبحُ مرض مميت لا يبرح ينتشر من مدينة إلى أخرى. وتخيل أنك تمتلك مليون جرعة من اللقاح تحت تصرفك، فأيَّ الناس ستحاول حمايتهم؟ هذا هو السؤال الذي يواجه خبراء الصحة العامة والمجموعات الدولية التي تحارب تفشيا سريع الانتشار للكوليرا في اليمن. ففي 15 يونيو، قررت مجموعةٌ تدير المخزون العالمي المتواضع من لقاح الكوليرا أن ترسل مليون جرعة إلى هذه الدولة، وهو نحو نصف ما كان في مخازنها، ومن المقرر أن يبدأ التلقيح في بدايات يوليو. وهو ما يعتبر أحد الاختبارات الأكبر للقاح. وبحسب دومينيك ليغروس Dominique Legros، خبيرِ الكوليرا في منظمة الصحة العالمية WHO في جنيف بسويسرا، فإن مكان توزيع هذه الطعوم في اليمن يبقى محط خلاف حتى الآن.
يمتلك العاملون في مجال الصحة القليلَ من الخبرة في استخدام هذا اللقاح -والذي يتكون من بكتيريا ميتة، ويعطى بطريق الفم- في حالات الطوارئ الكبيرة. كما أن المخزون العالمي من اللقاح لم يُطوَّر إلا منذ أربع سنوات، وكان أغلب استخدامه في حملات أصغر من هذه. تقول ميليسا كو Melissa Ko من منظمة اتحاد التطعيم Vaccine Alliance in Geneva (اختصارا: المنظمة GAVI) بجنيف، والتي تموّل هذا المخزون: «كيف نستخدم اللقاح من أجل إيقاف انتشار وباء مرضيٍّ؟ لا نزال هنا في مرحلة التعلم.» أما الخبراء فقد قرروا أن يزيدوا من عدد الذين يصلهم اللقاح عن طريق إعطاء جرعة واحدة بدلا من الجرعتين الموصى بهما لكل شخص، ولكنهم لا يزالون مختلفين حول المكان الذي يجب أن يوجهوا إليه جهودهم. وبسبب محدودية فعالية اللقاح، يحذر البعض من أن الدعم حتى ولو كان كثيرا، فإن أثره قد يكون متواضعا بالنسبة إلى الوباء الكبير.
وما الكوليرا إلا آخر المآسي التي تقع باليمن؛ فمنذ 2015، والقوات التابعة لعبد ربه منصور هادي تقاتل المتمردين الحوثيين، وهم حركة تمردية متحالفة مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي أُجبر على ترك الحكم عام 2012. ويبسط المتمردون سيطرتهم على العاصمة صنعاء والأجزاء الشمالية من الدولة، وأما هادي فيتحكم بالجنوب، ومن ضمنه مدينة عدن ذات الميناء. فقد قتل هذا الصراع الآلاف، ودمر الكثير من البنى التحتية للدولة، وشل النظام الصحي. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن 14.5 مليون شخص فقدوا الوصول المنتظم للمياه النظيفة، مما خلق بيئة مثالية للبكتيريا المسماة بالضَّمَّة الكوليرية Vibrio cholerae.
لقد بدأت حالات الإصابة بالكوليرا بالارتفاع بشدة في أبريل وقد وصلت لتوها إلى ما يقدر بمئتي ألف حالة، متسببة بـ1300 حالة وفاة، أغلبهم في غرب البلاد. وهناك الآن 5000 حالة جديدة كل يوم، على جانبي الجبهة كليهما. ويقول ليغروس: «لا يميّز المرض بين الأفراد بناء على الحلف السياسي.» وتنتج الضمة الكوليرية سُمّا سرعان ما يملأ الأمعاء بالماء، متسببا بإسهال كبير جدا، ويمكن للجفاف أن يقتل الضحايا خلال ست ساعات، ولكن تعويض السوائل والأملاح، باستخدام محاليل تعويض السوائل المأخوذة بالفم، أو بالسوائل المحقونة داخل الوريد، بإمكانه إنقاذ أغلب الناس.
ويعتبر اللقاح سلاحا جديدا نسبيا، وحتى عهد قريب، لم يكن يستخدم في حالات الطوارئ إلا قليلا. ويقلق الكثيرون من أن التطعيم قد يشتت العاملين في مجال الإسعافات عن علاج المرضى وتوفير مياه الشرب السليمة. كما أن القدرة التصنيعية للقاح كانت محدودة، وأن مسألة إعطاء جرعتين يفصل بينهما أسبوعان من أجل الحماية المثلى تسببت بمشكلات لوجستية أخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإن سرعة انتشار الكوليرا جعلت من الاستهداف الصحيح للقاح أمرا صعبا، ويقول ليغروس موضحا: «رأينا العديد من الحالات التي كنّا فيها متأخرين جدا أو كنا في المكان الخاطئ.»
ولكن الثقة بدأت بالازدياد بعد النجاح الحاصل في نشر اللقاح خلال فاشية الكوليرا الضخمة بهايتي عام 2012، وازدادت أيضا سعة إنتاج اللقاح؛ ففي السنة الماضية، فتحت منشأة جديدة للقاح في كوريا، وزاد أحد المصانع في الهند من معدل إنتاج اللقاح لديه. والمجموعة الدولية للتنسيق في احتياطي اللقاح International Coordinating Group on Vaccine Provision (اختصارا: المجموعة ICG)، والتي تدير مخزون اللقاحات، تأمل بشراء أكثر من 17 مليون جرعة بأقل من دولارين لكل جرعة هذه السنة، وذلك أكثر من الكمية التي اشتريت سابقا والتي بلغ عددها مليونا جرعة في 2013. وقد وصل اللقاح خلال الأشهر الأخيرة لجنوب السودان والصومال وملاوي وموزمبيق.
لقد طلبت الحكومة اليمنية 3,5 مليون جرعة، وهو أكثر مما تمتلكه المجموعة الدولية للتنسيق في مخازنها، وأكثر بثلاث مرات من العدد الذي منحته المجموعة الدولية للتنسيق. وتقول كو: “تعاني العديد من الدول الآن الكوليرا، ويجب أن يكون تقسيم اللقاح عادلا ومنصفا”. ويظن ليغروس أن الجهود المبذولة في التطعيم يجب أن تركز على المناطق ذات الخطر العالي التي لم تتضرر بعد بشكل كبير، ويبدو أن هذه المناطق موجودة في الجنوب الشرقي من اليمن، ولكن بيانات المسوح غير موثوق بها تماما؛ فجزء من الحالات الـ200000 التي أُبلغ عنها قد تكون أنواعا أخرى من الإسهال، في حين أن بعض المناطق التي أبلغت عن أعداد أقل قد يكون فاتها العديد من الحالات. وبحسب ليغروس، فإن هناك عوامل أخرى تدخل في اتخاذ هذا القرار ومنها: إمكانية الوصول إلى المنطقة، وتوفير الجهات المحلية للمساعدة. ويقول ليغروس: «نحن الآن نحاور جهات الصراع من أجل التأكيد على حيادية العناية الصحية، وعلى حاجتنا إلى الوصول إلى الناس بغض النظر عن مكان وجودهم.»
ومن أجل زيادة حجم الفئة المستهدفة، سيستخدم أصحاب الحملة جرعة واحدة لكل شخص. علما بأن نظام الجرعتين قد يعطي حماية نسبتها %80، ولكن الدلائل المتزايدة تشير إلى أن جرعة واحدة تقوم بوظيفتها بشكل معقول على المدى القصير، وذلك بحسب لويس إيفرز Louise Ivers من Partners in Health في بوسطن، وهي مؤسسة خيرية ساعدت على القيام بعمليات التلقيح في الحملة التي أقيمت عام 2012 بهايتي.
وأشارت تجربة سريرية عشوائية التصميم أجريت في الأحياء الفقيرة في دكّا، حيث يعتبر الكوليرا داء متوطنا، إلى أن الجرعة الواحدة تحمي نحو %40 من المشاركين خلال الأشهر الستة الأولى. وفي دراسة أجريت في السودان عام 2015، أعطت الجرعة الواحدة %80 من الحماية خلال الشهرين الأولين (علما أن بعض المشاركين ربما كانوا تعرضوا للكوليرا في السنة التي سبقت الدراسة، مما ينشط اللقاح ويزيد من فعاليته).
وحتى لو كانت استراتيجية الجرعة الواحدة تعطي نسبة حماية أقل، إلا أن دراسات النمذجة تقول إن الجرعة الواحدة قد تنقذ من الحيوات أكثر من إعطاء جرعتين لنصف العدد من الناس. وفي أبريل درست “مجموعة الاستشارات الاستراتيجية من الخبراء في التطعيم” بمنظمة الصحة العالمية هذه المسألة، ولا يزال تقريرهم غير جاهز بعد، ولكن كما يقول ليغروس: «هم منفتحون جدا حول مسألة استخدام الجرعة الواحدة في الاستجابة للتفشيات المرضية.» قد تأتي الأبحاث الجارية حاليا بلقاحات تعطي مناعة أقوى وأطول أمدا، ولكن ليغروس يحذر من أنها لن تكون الحل النهائي، ويقول: «يبقى لديك بليوني شخص في العالم لا وصول عندهم للماء الآمن، وإذا كان لك أن تحل هذه المشكلة، تكن حللت مشكلة الكوليرا.»
أما بالنسبة إلى اليمن، فإن رينو بيرو Renaud Piarroux يقول إن الجهد قد يكون أقل من المطلوب والوقت قد يكون وبكل بساطة متأخرا جدا، ورينو بيرو هو اختصاصي بالأمراض المعدية من جامعة أيكس مرسيليا University of Aix-Marseille في مرسيليا بفرنسا. ويقول إنه بحلول الوقت الذي توزع فيه اللقاحات، قد تكون الكوليرا منتشرة في كل مكان، ويكمل قوله: «لن أقول لا تقوم بذلك، ولكني لست متفائلا بأنها ستغير من مسار الوباء.»
© 2017 American Association for the Advancement of Science. All rights Reserved.