بقلم: جون كوهين Jon Cohen
اختفاء الوباء في الأمريكتين- على الأقل في الوقت الراهن
“واحد”. هذا هو العدد الإجمالي لحالات فيروس زيكا Zika المؤكدة والمنقولة محليا في الولايات المتحدة ككل اعتبارا من منتصف أغسطس من هذه السنة. وهذه هي الحالة الوحيدة التي سُجّلت في 26 يوليو في مقاطعة هيدالغو Hidalgo ، في تكساس، والتي تحد المكسيك شمالا، على خلاف مئات الحالات المنقولة محليا في العام الماضي.
فلا تُفسر عملية تحسين السيطرة على ناقلات زيكا، أي بعوض أيديس إيجيبتي aegypti Aedes التي يزدهر في الأجزاء الجنوبية الحارة من البلاد، ندرةَ الحالات. ولا يوجد كذلك تأثير لعوامل أخرى مثل تغير المناخ، كما يقول الخبراء. وبدلا من ذلك، فقد انخفضت حالات الإصابة بفيروس زيكا في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، حيث احتدم الفيروس على مدى العامين الماضيين، كما أنّ معظم السكان محصنون الآن من ذلك.
ويعني هذا بدوره عددا أقل من المصابين الذين يدخلون الولايات المتحدة، مما يحد من فُرص نشر البعوض للفيروس ونقله إلى الأشخاص المعرضين للإصابة. ويقول الخبراء إن فترة الركود قد تستمر لسنوات. ومع أنّ فيروس زيكا قد انتشر في إفريقيا وآسيا لعقود، وهو عضو في عائلة فيروسات فلافيفيروس Flavivirus، فإنه لم يُشاهَد قط في الأمريكتين من قبل ظهوره في البرازيل عام 2015. وقد اعتُبر غير ضار نسبيا، حتى فبراير 2016 عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية World Health Organization (اختصارا: المنظمة WHO) في جنيف بسويسرا، حالة طوارئ مثيرة للقلق على مستوى الصحة العامة دوليا، وذلك بعد أدلة دامغة قدمتها البرازيل تربط الفيروس بأضرار مدمرة للمخ في آلاف الأطفال الذين أصيبت أمهاتهم بالفيروس أثناء الحمل. إلا أن خبراء الأمراض المعدية توقعوا أنّه مثل معظم الفلافيفيروس التي تنتقل عن طريق البعوض (تتسبب عائلة الفلافيفيروس بأمراض من بينها حمى الضنك Dengue، وحمى غرب النيل West Nile، والحمى الصفراء Yellow fever) سوف تجتاح السكان في البداية ولكن ستتلاشى بعد ذلك في الخلفية عندما يُكوّن الناس مناعة ضدها. غير أنّ قِلّة منهم قد توقعوا أن تختفي الحالات فجأة. وقال أنتوني فوسي Anthony Fauci مدير المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية National Institute of Allergy and Infectious Diseases (اختصارا: المعهد NIAID) في بيثيسدا Bethesda بولاية ميريلاند Maryland، «لم أفاجأ تماما بالاتخفاض الشديد، ولكننى متعجب من مدى انحدار ميلان خط التراجع.» وربما غدت مجموعات كبيرة من السكان محصنة ضد الفيروس؛ وقد خفّضت “حصانة السرب” Herd immunity عدد الأفراد المعرضين للإصابة بالفيروس لدرجة أنّه لم يعد من السهل انتقاله ما بين البشر والبعوض.
وانخفضت الحالات. حيث كانت البرازيلُ البلدَ الأكثر تضررا، بعدد وصل إلى 205578 إصابة محتملة في 2016، وفقا لوزارة الصحة. ولم يكن هناك سوى 253 13 بلاغا لهذا العام منذ 26 يوليو، وقد وقعت جميع البلاغات في منتصف أبريل (أي في فصل الخريف بنصف الكرة الجنوبي). وقد سُجّلت انخفاضات مماثلة في جميع أنحاء الأمريكتين. وكذلك سجلت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها for Disease Control and Prevention Centers (اختصارا: المراكز CDC) في العام الماضي بالولايات المتحدة 224 حالة محتملة أو مؤكدة انتقلت محليا- جميعها في ولاية فلوريدا وتكساس- و4830 حالة مرتبطة بالانتقال أثناء السفر. وفي هذا العام، لم تسجل المراكز CDC سوى 200 حالة مرتبطة بالانتقال أثناء السفر، ومجرد انتقال واحد محلي في ولاية تكساس.
ويقول نيل فيرغسون Neil Ferguson، عالم البيولوجيا الرياضياتية Mathematical biologist في إمبريال كوليدج لندن Imperial College London: «أعتقد أنه من غير المحتمل جدا أن نرى أي استئناف لعملية انتقال مُعتبر للعدوى في أقل من عقد من الزمن.» وقد شارك في كتابة دراسة نُشرت في مجلة ساينس Science في العدد الصادر في 22 يوليو 2016، الذي ناقش “الاختفاء الكبير” لوباء زيكا بحلول عام 2018. غير أنّ عالم الإحصاء الحيوي أيرا لونجيني Ira Longini، الذي يعمل على نمذجة الأمراض Disease modeler في جامعة فلوريدا University of Florida بغينسفيل، لا يوافق على ذلك.
إذ تشير نمذجاته إلى أنّ زيكا سيتفشى في السكان المعرضين له الذين ستضربهم الموجة الأولى من انتقال العدوى مما يؤدي إلى «تفجّر في الحالات في مواضع متفرقة،» كما يقول. ويتفق أليساندرو فيسبيناني Alessandro Vespignani الذي يتعاون مع لونجيني، الذي يعمل بدوره على نمذجة الأمراض بجامعة نورث إيسترن Northeastern University في بوسطن، مع استمرارية انتقاله بمستوى منخفض ولكن ثابت في بعض أرجاء أمريكا اللاتينية، بما في ذلك المكسيك وبيرو وكولومبيا.
والحالات المسجّلة هي مجرد غيض من فيض لأن 80% من المصابين لا يظهر عليهم أي عرض، كما يقول. ويتابع قائلا: «إذا كان عدد الحالات قليل جدا، فلن يكون لديك أي إشارة.»
كما أنّ المحاولات لتتبع انتشار زيكا تلتبس بفعل فيروس الضنك، وهو فيروس قريب جدا من مرض زيكا وتشيكونغونيا Chikungunya – كلاهما ينتقل أيضا بواسطة بعوضة أيه. إيجيبتي A. Agyptie وهي أمراض مستوطنة في كثير من أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. والأجسام المضادة لفيروسي حمى الضنك وزيكا متشابهة جدا لدرجة أنّه لا يمكن لـ”اختبارات التشخيص القياسية تمييزها عن بعضها البعض. (مما يجعل قياس مدى حصانة السرب بدقة أمرا صعبا.) وفي دراسة نُشرت هذا الربيع في دورية نيو إنغلاند للطب The New England Journal of Medicine ، يشير عالم الأوبئة Epidemiologist كريستوفر داي Christopher Dye من المنظمة WHO، والمؤلفون المشاركون إلى أنّ العديد من حالات تشيكونغونيا قد صُنِّفت على أنها زيكا في البرازيل عام 2016، لأنّ كلا الفيروسين يسبب الحمى والطفح الجلدي، وفي بعض الأحيان، حالات عصبية في البالغين تسمى متلازمة غيلان باريه Guillain-Barré syndrome. ويقول داي: «هناك لبس حقيقي بين زيكا وتشيكونغونيا وحمى الضنك.»
ويقول لايل بيترسن Lyle Petersen، الذي يرأس قسم الأمراض المنقولة بالنواقل vector-borne disease division التابع للمراكز CDC في فورت كولينز Fort Collins بكولورادو إن أنماط انتقال هذه الفيروسات الثلاثة في الأمريكتين تشير إلى أنه من المبكر شطب زيكا، «فهذه الأمراض عرضية جدا ويصعب التنبؤ بها،» وغالبا ما تنحسر ثم تنفجر مرة أخرى، كما يقول. وأشار لايل أيضا إلى أن حالات زيكا قد ازدادت فى شمال المكسيك هذا العام، إذ يقول إنّ «ذلك مقلق جدا» لأن ذلك قد يؤدي إلى التفشّي في تكساس على الحدود خلال الأشهر القليلة القادمة.
ويقول: «بمجرد أنّ تنخفض الحالات، فهذا لا يعني أننا يجب أن نتوقف عن القلق حيال ذلك.» وأضاف: ينبغي أن نكون يقظين.»
ولا يقلل الانخفاض الحاد في حالات زيكا من الحاجة إلى لقاح، كما يقول بيترسن وآخرون. ولكنه الانخفاض يعرقل التجارب السريرية ،إذ لا يمكنها اختبار فعالية اللقاح إذا لم يكن المرض منتشرا. فاللقاح الذي أنتجه المعهد NIAID قد تَقدَّم إلى مراحل أبعد من البقية، فقد يدخل الآن مرحلة دراسة فاعلية من خلال تجربة مُتحكّم فيها بالغفل Placebo-controlled study، وتطبق على عدد 2400 فرد في المواقع المتضررة من زيكا في الولايات المتحدة وبيرو والبرازيل وكوستاريكا وبنما والمكسيك. ولكن مع انتشار الفيروس انتشارا محدودا جدا، فقد يكون أمل التجارب «بالنجاح أملا ضئيلا جدا،» كما يقول لونجيني الذي يساعد على تصميم تجارب اللقاحات.
ويقول فوسي إن دائرة تطبيق التجارب قد تتسع إلى 5000 فرد إذا لزم الأمر، ويمكن للمعهد NIAID “إعادة تعيين الأماكن” بسرعة إلى أماكن تفشي المرض. ونوه إلى ظهور عدة “إشارات” في بيرو تشير إلى ظهور حالات مؤخرا. وأضاف فوسي: «هناك فرصة معقولة لانتشار منخفض إلى معتدل قد يؤدي إلى إشارة تدّل على فاعلية اللقاح.» ويقول إنه في أسوأ الحالات، سيكون فريق المعهد NIAID قادرا على جمع قدر من بيانات الاستجابات المناعية والسلامة التي يمكن أن يضيفها إلى المعلومات المستقاة من الدراسات المجراة على الحيوانات. وقد يكون ذلك كافيا للحصول على ترخيص للقاح زيكا، و سوف يتفشى المرض بالتأكيد في مكان ما في العالم مرة أخرى.
©2017 The American Association for the advancement of Sciences.
All right reserved.
حقوق الترجمة العربية محفوظة لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي