هل يجعلنا الحليب نمتلك عظاما وأدمغة صحية؟
بقلم: تيفاني أوكالاهان
ترجمة: آية علي
إنه خليط غذائي غني بالسكر والبروتين والفيتامينات والمعادن والدهون.
يحتاجه الرّضع، أما بالنسبة إلى البقية فالدليل على ذلك شبه معدوم.
الحليب خليط مغذٍ غنيٌّ بالماء والسكر والبروتين والفيتامينات والمعادن والدهون المشبعة والكوليسترول، تُنتجه جميع الثدييات، لكن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستمر بشربه حتى بعد تخطيه سنواته الأولى؛ لكن هل ينبغي لنا ذلك؟
يقول أندي بيرنشتاين Andy Bernstein، وهو طبيب أطفال من جامعة نورث وسترن Northwestern University في إيفانستون بإلينوي، إن حليب الثدي – أو النسخ الصناعية منه – يقدّم «التوازن المثالي من المواد المغذّية» للرّضع في عامهم الأول. وبعد ذلك، يُنصح بتناول حليب البقر كامل الدسم باعتباره مصدرا جيدا للدهون الضرورية لنمو الدماغ. وبعد السنة الثانية، يُخفض مستوى الدهون في الحليب ليكون بنسبة 1 أو 2 %.
وعلى الرغم من أن البرامج التي أعطت الحليب للأطفال في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قد ارتبطت بمنافع صحية كبيرة، إلا أن السبب وراء ذلك غير واضح. وتعلق أندريا وايلي Andrea Wiley من جامعة إنديانا University of Indiana في بلومينغتون على ذلك قائلة: « نحن لا نعلم ما إذا كان هنالك شيء محدد أو مميز بشأن الحليب، أم هي مجرد حقيقة أن أولئك الأطفال يحصلون على المزيد من السعرات الحرارية والبروتين والمواد المغذية بشكل عام.» وقد وجدت دراسة حديثة أُجريت على الأطفال في كينيا أن الحليب التكميلي ساعد الأطفال الذين يعانون تأخر نمو في الطول، لكنّه لم يقدم للأطفال الطبيعيين أي فائدة تتجاوز ما تقدمه المكملات الغذائية التي لا تحتوي على الحليب.
وبالنسبة إلى البالغين فإن الفوائد مشكوك فيها أكثر، فليس هنالك دليل مثلا على أن الحصول على كالسيوم إضافي من الحليب هو أمر حيوي للحفاظ على صحة العظام أو تجنب الكسور. وإلى جانب الحليب، فإن هنالك أطعمة أخرى غنية بالكالسيوم بشكل كبير مثل الحبوب والخضراوات. ويقول معظم الباحثين الآن إن اتباع نظام غذائي صحي بشكل عام، إضافة إلى الكثير من الأنشطة البدنية المعتمدة على حمل الأوزان هو ما يُبقي على صحة العظام.
وربما يجدر بنا الحذر من الإفراط في تناول المواد البيضاء. فقد وجدت دراسة سويدية نشرت عام 2014 أن شرب ثلاثة أكواب من الحليب على مدار نحو 20 عاما قد زاد العدد الإجمالي للوفيات، مقارنة بشرب كأس واحدة فقط، في حين أظهرت أن تناول منتجات الحليب المخمّرة، مثل الزبادي والأجبان، قد قلل كلّا من مخاطر الكسور والعدد الإجمالي للوفيات. لكن واضعي هذه الدراسة أوصوا بتوخّي الحذر أثناء تفسير هذه النتائج، حيث يحتمل وجود عوامل خارجية confounding factors لم تُؤخذ في الحسبان. وتقول إيمي لانو Amy Lanou من جامعة كارولاينا الشمالية University of North Carolina في آشفيل، إن النتائج بشأن التخمير غير مفهومة بشكل كامل هي الأخرى، على الرغم من أنها قد تكون متعلقة بانخفاض سكر اللاكتوز الموجود في الحليب أثناء الاختمار.
حليب الصويا
إذا لم يكن حليب البقر صحيا لتلك الدرجة، فماذا عن بديله الأكثر شيوعا؟ يحتوي حليب الصويا على دهون أقل بقليل من حليب البقر، لكنه كثيرا ما يأتي مُحلّىً، أي إنه يُحتسب ضمن كمية السكر الحر المستهلكة. كما أن السمعة التي اكتسبها عن كونه يخفّض الكوليسترول الضار LDL مبالغ فيها، فحتى ولو شربتَ ثمانية أكواب يوميا، فإن هذا من شأنه خفض ما يعادل 3 % فقط من الكوليسترول الضار.
وترجع المنافع الصحية الأخرى المفترضة لحليب الصويا – مثل منع سرطان الثدي والبروستاتا، والحد من مخاطر الإصابة بهشاشة العظام والهبات الساخنة المرتبطة بانقطاع الطمث – إلى احتوائه على مستويات عالية من المكونات المعروفة بالفيتويستروجينات Phytoestrogens. وتستطيع هذه المكونات محاكاة تأثير هرمون الإستروجين أو منعه في حالات أخرى. لكن لم تتأكد أي من هذه الآثار بصورة مقنعة في التجارب، في حين أشارت بعض الدراسات الأخرى إلى أن استهلاك حليب الصويا قد يزيد في الواقع من خطر الإصابة بمرض السرطان.
عضوي أم غير عضوي؟
يحتوي الحليب العضوي على مستويات أعلى من أحماض أوميغا 3 الدهنية، أكثر مما يحتوي عليه الحليب غير العضوي؛ فهو يأتي من الأبقار التي تأكل المزيد من الأعشاب التي تحتوي على نسب مرتفعة من هذه الأحماض. ولكن حتى مع هذه الدفعة، فإن معدلات الأوميغا 3 لا تزال منخفضة في الحليب العضوي. كما لا يُسمح لأي من النوعين بالاحتواء على آثار من مضادات الجراثيم. وأحد الأسباب الأخرى الشائعة للتوجه إلى الحليب العضوي هو الخوف من مستوى الهرمونات في الحليب غير العضوي. وتحتوي كل أنواع الحليب على هرمونات طبيعية، لكن المشكلة تكمن في المناطق التي تُعالج فيها الأبقار بهرمونات النمو -مثلما يحدث في أجزاء من الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ليس في الاتحاد الأوروبي ولا كندا ولا أستراليا ولا نيوزيلندا. وقد يحتوي الحليب غير العضوي على مستويات أعلى من عامل نمو شبيه بالأنسولين، وهو هرمون مرتبط بزيادة خطر بعض المشكلات الصحية. لكن إدارة الغذاء والدواء Food and Drug Administration الأمريكية كانت قد خلصت إلى أنه لا يشكّل أي خطر صحي ضمن مستوياته الموجودة في الحليب الحالي المُنتج وفق عمليات الإنتاج الضخم.