ما الذي يُميّزُ المعرفة العلميّة؟
بقلم: مايكل بروكس
ربما تكون هناك تنانين وحيوانات أحادية القرن ووحش في بحيرة “لوخ نس”. إلا أن العلم لا يستطيع العلم إثبات العكس، لكن هذا ليس سببا يجعلنا نفقد ثقتنا به.
“ NULLIUS in verba: Take nobody’s word for it: لا تأخذ بكلام أحد دون دليل” هو شعار الجمعية الملكيّة Royal Society – أكاديمية المملكة المتحدة للعلوم- الذي يغلّف روح البحث العلمي. قم بإجراء تجربة، وسجّل نتائجها بأمانة وموضوعيّة، واجعل هذا السجل متاحا للمشكّكين. ويعني العمل بهذه الطريقة أنه إذا عُرِّفت المعرفة بأنها الطريق إلى الحقيقة، فإن العلم هو طريق سريع نحو التنوير. وبفضل ما يُخبرنا به العلم عن فسيولوجيّة الإنسان وتاريخ الكون وقوى الطبيعة وجيولوجية الأرض والنباتات والحيوانات، فإننا نعرف أن الأرض غير مسطّحة، وأن عمر الكون يبلغ نحو 14 بليون سنة، وأنه لا توجد تنانين أو حيوانات أحادي القرن. نحن نعيش لفترة أطول، وفي راحة أكبر، ونستطيع إرسال المسابير الفضائية إلى حافّة النظام الشمسي. أمرٌ مميزٌ جدا، أليس كذلك؟
ولكن دعونا ننظر نظرة أكثر نقدية، ولنبدأ بـ “نحن” هذه. يعتقد البعض أن الأرض مسطّحة، ويقول آخرون إن عمر الكون هو ستة آلاف سنة، فيما يشكّك البعض في نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي، أو واقع التغير المناخي بفعل الأنشطة البشرية. “نحن” لا تمثّل الجميع.
حيوانات أحادية القرن في بحيرة لوخ نس
من المغري القول إن هذه مشكلتهم لا مشكلة العلم. لكن العلم محدود هو الآخر فيما يستطيع قوله، فهو لا يستطيع إثبات العكس: ربما تكون هناك تنانين وحيوانات أحادي القرن ووحش في بحيرة “لوخ نس” وإله. إنه لا يستطيع حتى أن يكون حاسما بشأن جميع الأمور المؤكّدة.
وتقول جينيفر ناجل Jennifer Nagel من جامعة تورنتو University of Toronto بكندا: “قد تترُكنا الأدلة في بعض الأحيان قادرين على إصدار أحكام احتماليّة فقط، وربّما نقتصر أحيانا على القول إن من المرّجح أن تكون نتيجة أو نظريّة معيّنة صحيحة.”
ويزداد هذا الضعف كلما قمنا بتوسيع المنهج العلمي لمجالات أكثر تعقيدا تحمل المزيد من المتغيّرات وعدم اليقين، مثل العلوم الاجتماعيّة أو تغيّر المناخ. ويتقدّم العلم بشكلٍ موثوق به من خلال التكهنات والافتراضات، ولكن إلى أن تُختبر هذه التكهنات بالتجربة، فإن نظرة المتشدّدين إلى أي معرفةٍ تخرج منها هي معرفةٌ يجبُ وصفها بدقة على أنها مؤقتة. إنه ضعف (أو قوة، اعتمادا على وجهة نظرك) يستغلّه المشكّكون في تغيير المناخ، من بين أمور أخرى، بمتعة كبيرة. لكنّه يشير إلى حقيقةٍ صريحة: إذا كنت ترى المعرفة العلميّة مميّزة، فأنت ضمن جماعتهم. إننا نتشرّب المعتقدات النابعة من بيئتنا الثقافية أثناء نشأتِنا، وقد يعني هذا قبول المعرفة العلميّة بالنسبة إلى البعض، أو المعرفة “السماوية” من الكتاب المقدّس مثلا، بالنسبة إلى البعض الآخر. لكن إليك هذا: بالنسبة إلى كل تلك الثرثرة بشأن “الأدلّة”؛ إذا كنت مؤمنا بالعلم فأنت تأخذه كلّه تقريبا عن ثقةٍ فقط، دون دليل. وتقول بريجيت نيرليش Brigitte Nerlich من جامعة نوتنغهام University of Nottingham في المملكة المتحدة: “ينبغي أن يكون الجميع قادرا، من ناحية المبدأ، على تكرار النتائج العلمية حين توفّر الوقت والمال والتدريب، لكنّ مصادم الهدرونات الكبير Large Hadron Collider (LHC) وحاسوب محاكاة المناخ (نمذجة المناخ) Climate-modelling computer لا يتوفّران لكل شخص.” أنت فقط تأخذ بكلام شخص ما حول الموضوع. ومثل غيره من أشكال المعرفة؛ يتعلّق معظم العلم بالثقة في المصدر.” إذن، إنه ليس مميزا؟ ربّما، عدا أن العلم يوفّر أيضا آلياتٍ لتبرير الثقة في المعرفة التي يولّدها. ويقول الفيلسوف إدوارد هول Edward Hall، من جامعة هارفارد Harvard University: “تُكتَسب السلطة في العلوم – على الأقل عندما تعمل الأوساط العلميّة بشكل جيّد – من خلال النجاح في التنبّؤ بالظواهر التجريبيّة، وعند تحليلها، بصورة أعمّ.”
وتُقبل الاستنتاجات العلميّة عندما تتناسب مع تجربتنا في العالم المادّي، وتُهمل عندما تفشل في ذلك. ويجعلُ هذا من الثّقة في العلم اعتقادا حقيقيا مُبرّرا، ومن المعرفة التي يولّدها ذلك العلم الحقيقيّ أفضل من غيرها. فقط لا تأخذ بكلامي هذا.