الروعة المذهلة: العاطفة التي تمنحنا قوى عظمى – Awesome awe: The emotion that gives us superpowers
بقلم: جو مارشانت Jo Marchant
ترجمة: روان دشتي
الإحساس بالروعة قوي جدا لدرجة أنه يغير إحساسك الذاتي، فيربطك بالإنسانية ويعزز قدراتك العقلية والجسدية. وهناك طريقة مدهشة للحصول على المزيد من هذا الإحساس
Awesome awe-The emotion that gives us superpowers
هل سبق لك أن توقفت عن مسيرك لمشاهدة منظر مذهل، أو أَثار اتساعُ سماء الليل دهشتك؟ هل كنت مأخوذا لدرجة أنك شعرت بأنك انتقلت إلى مكان آخر بفعل تصاعد صوت الموسيقى، أو أمام نظرية علمية كبيرة، أو شخص شديدة الكاريزما؟ إذا كان الأمر كذلك، فسوف تفهم استجابة الروائي الأمريكي جون ستاينبيك John Steinbeck لمنظر أشجار الخشب الأحمر العملاقة في كاليفورنيا، التي قد ترتفع إلى أكثر من مئة متر ممتمدة نحو السماء. فكتب: «إنها تترك علامة أو تخلق رؤيا تبقى معك دائما”. إذ ينبع منها الصمت والروعة.»
منذ زمن طويل افتتن الفلاسفة والكتاب باستجابتنا للأمور الجليلة، ولكن حتى عدة سنوات ماضية، بالكاد درس العلماء هذا الإحساس. أما الآن، فإنهم يدركون -بسرعة- أن ستاينبيك كان على حق فيما يتعلق بآثارها العميقة. فالشعور بذهول الروعة Awestruck يمكن أن يذيب إحساسنا بذواتنا، وبذلك يجلب مجموعة من الفوائد من خفض التوتر وتعزيز الإبداع إلى جعلنا أشخاصا أكثر لطفا.
ولكن في العالم الحديث، تدّنت قيمة وصف “مدهش” Awesome – فهو الآن يطلق على كل شيء تقريبا. لكن في الوقت نفسه، فإننا نخاطر بفقدان الاتصال بأقوى المصادر الباعثة على الشعور بالروعة. لكن الخبر السار هو أن هناك طرقا لحقن المزيد من هذه المشاعر في حياتنا اليومية. فكل ما تحتاج إليه هو عقل متفتح.
ولكن ما هو بالضبط إحساس الروعة ومن أين ينبع؟ «إنه شعور شخصي متجذر في الجسم ،» وفقا لعالم النفس والباحث في مجال الروعة Awe الباحث داشر كيلتنر Dacher Keltner من جامعة – كاليفورنيا ببيركلي. ففي عام 2003، قام هو وجوناثان هيدت Jonathan Haidt، الباحث حاليا من جامعة نيويورك، بنشر التعريف العلمي الأول لمشاعر الروعة. إذ وصفا الروعة بالشعور الذي نحصل عليه عند مواجهتنا لشيء شاسع، يتجاوز إطارنا المرجعي Frame of reference فنصارع لفهمه. إنها العاطفة التي تجمع بين الاندهاش Amazement وقدر من الإحساس بالخوف Fear. فالتعجب Wonder، على النقيض من ذلك، هو حالة أكثر فكرية – إنها حالة معرفية تحاول فيها فهم الغموض.
وقد تعتقد أن البحث في مثل هذه التجربة العميقة يشكل تحديا، ولكن كيلتنر يصر على أنه ليس من الصعب جدا. ويقول: «يمكننا أن ننتج الروعة بشكل موثوق به. فيمكنك توجيه الأفراد إلى الذهاب إلى مشاهدة مشهد جميل في الطبيعة، أو وضعهم في كاتدرائية، أو أمام هيكل عظمي لديناصور، وسيشعرون بالروعة بشكل مذهل.» ومن ثم، كل ما تحتاجه إليه هو مقياس عددي يمكن للأفراد استخدامه الإبلاغ عن مقدار الروعة التي شعروا بها. كما أن الدراسات آخذة -على نحو متزايد- بإضافة مقاييس فسيولوجية أيضا، مثل ظهور تحبب الجِلد [بفعل القُشَعْريرة]- فالروعة هي العاطفة الأكثر احتمالا التي قد تتسبب بذلك، والمصدر الثاني له هو البرد فقط.
وبهذه الطريقة، وجد كيلتنر وآخرون أنه حتى الإحساس الطفيف بالروعة يمكن أن يغير مواقفنا وسلوكنا. مثلا، الأفراد الذين شاهدوا مقطع فيديو لمشاهد طبيعية أثارت شعورهم بالروعة -بدلا من غيرها من المشاعر الإيجابية مثل السعادة أو الفخر- في وقت لاحق كانوا أخلاقيين أكثر، وأكثر سخاء، ووصفوا أنفسهم بأنهم أكثر ارتباطا بالأفراد بشكل عام. فالنظر إلى أشجار الأوكالبتوس المرتفعة طويلة القامة ترك الآخرين أكثر عرضة لمساعدة شخص تعثر أمامهم. وبعد الوقوف أمام هيكل عظمي لديناصور تيرانوسورس ريكس Tyrannosaurus rex كان الأفراد أكثر عرضة لوصف أنفسهم كجزء من مجموعة. وقد يبدو من غير المنطقي أن المشاعر التي غالبا ما نحسّ بها بشكل فردي تزيد من تركيزنا على الآخرين. لكن كيلتنر يعتقد أن الأمر يرجع إلى أن الشعور بالروعة يوسّع مداركنا لتشمل صورة أكبر، مما يقلل من إحساسنا بالذات.
«الصحراء كبيرة جدا، والأفق بعيد جدا، مما يُشعر الإنسان بأنه صغير جدا،» كما كتب باولو كويلو Paulo Coelho في روايته الخيميائي The Alchemist. فقد كان على حق. ففي دراسة كبيرة، وجد كيلتنر أنه بعد إلهام إحساس الروعة في أشخاص من الولايات المتحدة والصين، قاموا بتوقيع أسمائهم بخط أصغر وورسموا أنفسهم بشكل أصغر، ولكن من دون أي تدنٍ في شعورهم بالثقة بالنفس أو احترام الذات. وبالمثل، وجدت ميشيل فان إلك Michiel van Elk، عالمة الأعصاب من جامعة أمستردام بهولندا أن الأفراد الذين شاهدوا مقاطع فيديو باعثة على الشعور بالروعة قد قدروا أن أجسادهم أقل حجما من أولئك الذين شاهدوا مقاطع فيديو مضحكة أو محايدة.
وقد يكمن سبب هذا التأثير في الدماغ. ففي الاجتماع السنوي لمنظمة رسم خرائط الدماغ البشري Organization for Human Brain Mapping في فانكوفر بكندا، في يونيو 2017، قدمت فان إلك صورا لمسح بالرنين المغناطيسي MRI تدل على أن الإحساس بالروعة تُخفّف من نشاط الشبكة مقارنة بالأوضاع العادية، وتتضمن الشبكة أجزاء من الفص الأمامي Frontal lobes والقشرة Cortex، الأجزاء التي يعتقد أنها تتعلق بمعنى الذات. «الشعور بالروعة يؤدي إلى تلاشي الذات،» كما يقول كيلتنر. ويتابع قائلا: «الصوت في رأسك، والمصلحة الذاتية، والوعي الذاتي، كلها تختفي. نحن أمام مشاعر تُخمد جزءا مهما حقا من هويتنا .» ونتيجة لذلك، كما يقول، نشعر بالاتصال بشكل أكبر بمجموعات أكبر.
لقد ارتبطت فكرة تجاوز الذات -تقليديا- بالدين أو التجربة الروحانية الفريدة. «الانغماس، اللانهائية، عدم القدرة على الوصف، هي بعض الخصائص الكلاسيكية للتجارب الروحانية التي تطبع في الشخص شعورا قويا جدا بالروعة،» كما يقول عالم الأعصاب أندرو نيوبيرغ Andrew Newberg من جامعة بنسلفانيا، الذي يدرس كيف يؤثر الدين في الدماغ. وبالنسبة إلى كيلتنر، فإن هذا هو أحد أسباب أن الشعور بالروعة لم يدرس إلا قليلا جدا حتى وقت قريب. «شعر الأفراد بأن إحساس الشعور بالروعة
هو حقا بفعل الدين، وكان علماء النفس يكرهون دراسة الدين،» كما يقول. ولكن بعد سؤال الآلاف من الأفراد من جميع أنحاء العالم حول تجاربهم، صار يعتقد أن من الخطأ النظرَ إلى الشعور بالروعة على أنه لا ينفصل عن الرب. ويقول: «حتى في البلدان المتدينة حقا، يشعر الأفراد بشعور بالروعة بشكل رئيسي كاستجابة للعظماء وللطبيعة. فقد شعر الأفراد دوما بمشاعر الروعة كاستجابة لأشياء غير دينية. فالملحدون يشعرون بكامل قوة هذا الشعور.» ونيوبيرغ، الذي يدرس إحساس الشعور بالروعة عند رواد الفضاء (انظر الإطار: خارج هذا العالم)، يوافقه الرأي، إذ يقول:«لا يتطلب الأمر أن تكون لديك أي منظومة اعتقاد معين لتمرَّ بمثل هذه التجارب،» كما يقول.
وبدلا من ذلك، يعتقد كيلتنر أن الشعور بالروعة يسبق الأديان بملايين السنين. ومن الصعب دعم الأفكار المتعلقة بالتطور، لكنه يجادل في أن الاستجابة للقوى القوية في الطبيعة وفي المجتمع من خلال الترابط الجماعي كانت لها قيمة للبقاء. فتظهر الشمبانزي علامات الشعور بالروعة، مثل تحببات الجلد خلال العواصف الرعدية، كما ينوه. ويتابع قائلا: «أعتقد أن الفكرة المركزية للشعور بالروعة هي إسكات أهمية الذات للحظة واحدة، وانغماسنا في المجتمع الجمعي.
إنها غريزة اُختيرت على مرِّ التاريخ لتحقيق أهداف سياسية، مثلا إنشاء البُنى الضخمة من أهرامات مصر إلى كنيسة القديس بطرس في مدينة الفاتيكان، أو حتى برج ترامب. «الفن المذهل والهندسة المعمارية كانا منذ فترة طويلة جزءا من الآلية التي يُسيطر بها على الأفراد، اجتماعيا ونفسيا، ويُحجّمون بها الجموع،» كما يقول بنيامين سميث Benjamin Smith، خبير الفنون الصخرية من جامعة غرب أستراليا. ويضيف قائلا:«إن الاستنتاج [الذي توصل إليه] من أن الشعور بالروعة يُقلل من إحساسنا بالذات يتناسب تماما مع هذا التاريخ.»
على الرغم من هذه الارتباطات القاتمة، فهناك أدلة متزايدة على أن الشعور بالروعة له أيضا فوائد شخصية. أولا، التركيز على الصورة الأكبر بدلا من شواغلنا الخاصة تبدو كوسيلة قوية لتحسين الصحة ونوعية الحياة. فقد وجد فريق كيلتنر أن الشعور بالروعة يجعل الأفراد أكثر سعادة وأقل قلقا، حتى بعد أسابيع من تعرضهم للموقف، وأنه يساعد الجهاز المناعي على تثبيط إنتاج السيتوكينات Cytokines التي تعزز الالتهاب. وفي الوقت نفسه، وجد فريق من جامعة ولاية أريزونا أن الشعور بالروعة ينشط الجهاز العصبي الباراسمبتاوي (الجهاز العصبي نظير الودي) Parasympathetic، الذي يعمل على تهدئة استجابة القتال أو الفرار. واكتشف الباحثون من جامعة ستانفورد بكاليفورنيا أن بالشعور بالروعة يجعل الأفراد يشعرون وكأن لديهم المزيد من الوقت – ويغدون أكثر استعدادا لإعطاء جزء أكبر من وقتهم لمساعدة الآخرين.
يبدو أن الشعور بالروعة أيضا يساعدنا على كسر أنماط التفكير المعتادة. فقد اكتشف فريق جامعة أريزونا أنه بعد الشعور بالروعة، كان الأفراد أكثر قدرة على تذكر تفاصيل قصة قصيرة. وعادة، تتلون ذكرياتنا بتوقعاتنا وافتراضاتنا، ولكن الشعور بالروعة يُقلل من هذا الميل، ويُحسّن من تركيزنا على ما يحدث في الواقع. وكما أبلغ الباحثون عن زيادات في الفضول والإبداع. ففي إحدى الدراسات، بعد مشاهدة صور لكوكب الأرض، أجاب المتطوعون أجوبة مبتكرة في الاختبارات أكثر من غيرهم، وعبّروا عن اهتمام أكبر بلوحات الفن التجريدي واستمروا لفترة أطول بحل الألغاز الصعبة، مقارنة بمجموعة التّحكم (الضابطة) Control Group.
وعلى الرغم من ذلك، ففي العالم الحديث، فإن احتمال تحديقنا في شاشات هواتفنا الذكية أكبر بكثير من النظر إلى أشجار الخشب الأحمر العملاقة أو السماء المرصعة بالنجوم. ويشعر كيلتنر بالقلق إزاء تأثير زيادة انقطاعنا عن الطبيعة، واحدة من أقوى مصادر الشعور بالروعة. فيقول:«صعقت من كيف يمكن للشعور بالروعة أن جعلنا أكثر تواضعنا و محبين للأعمال الخيرية. هل هذا هو السبب في زيادة الفظاظة والكراهية الآن في الولايات المتحدة؟ أعتقد أنه يتعين علينا أن نطرح هذا النوع من الأسئلة .»
“الشعور بالروعة يجعل الأفراد أكثر سعادة، وأقل إجهادا، حتى بعد أسابيع”
ويحذر كيلتنر من عدم وجود فرص للشعور بالروعة في المجتمعات الفقيرة، وكذلك في التعليم الذي يُركِّز على نتائج الاختبار بدلا من الاستكشاف. ويقول: «نحن نسلب هذا الإحساس من أطفالنا وهذه مشكلة خطيرة جدا .»
أما كينيث توبر Kenneth Tupper، فيلسوف التعليم من جامعة كولومبيا البريطانية، كندا، فيوافقه الرأي. إذ يقول: «إن المؤسسة التعليمية الحديثة مُصممة بشكل لا يثير تجارب التعجب والشعور بالروعة.» وهذا قد يثير سأم المراهقين، مجردين من شعور الاتصال بأي شيء أكبر من أنفسهم. ولمواجهة هذا الاغتراب Alienation، يقترح توبر، أن تتبع المجتمعاتُ الغربية المهووسة بذاتها وسيلةً غير تقليدية لإحياء الشعور بالروعة، وأخذ درس من المجتمعات التقليدية.
خارج هذا العالم Out of this world
عندما خطا كريس هادفيلد Chris Hadfield -رائد الفضاء التابع لوكالة ناسا – إلى الخارج من محطة الفضاء الدولية في رحلته الأولى للمشي في الفضاء، كان ذلك تتويجا لعقود من التحضير. لكنه كان غير مستعد تماما لـ «الجمال الخام، في كل مكان» على كوكبنا. «كان الأمر محيرا،» كما قال للجمهور في لندن عام 2014. وتابع قائلا: «يتوقف عقلك عن العمل تماما.»
لم يكن هادفيلد الوحيد الذي سلبت رحلة إلى الفضاء ألبابه. وفي الواقع، فإن هذه ظاهرة شائعة للغاية ولديها اسم: تأثير النظرة العامة Overview effect. وهي مثال قوي للإحساس بالروعة وفقا لعالم الأعصاب أندرو نيوبيرغ من جامعة بنسلفانيا. إذ قام بتوثيق تجارب رواد الفضاء الذين تعرضوا لهذه الظاهرة، وقال إنه يأمل الآن بالعمل مع شركات الطيران الفضائي التجارية لدراسة تأثير مثل هذه التجارب في أدمغة المسافرين. فيقول: «لقد وضعنا الأفكار.» وأحد الاحتمالات سيكون مسح أدمغة الأفراد قبل وبعد رحلة الفضاء لمعرفة التغييرات التي تحدث عليها. وهناك احتمال آخر سيكون تطوير طريقة لمسح أدمعتهم بينما هم في الفضاء الخارجي.
وفي الوقت نفسه، فإن الباحثين، في معهد المحاكاة والتدريب Institute for Simulation and Training بجامعة سنترال فلوريدا University of Central Florida، يعيدون تأثير النظرة العامة إلى الأرض. فقد أخذوا أكثر من 100شخص في رحلة افتراضية إلى الفضاء، ووجدوا أنهم ذكروا آثار مماثلة لتلك التي وصفها رواد الفضاء، بما في ذلك الهدوء والانتعاش وزيادة الإيثار والشعور بالصغر. ووجدوا أن عرض مشاهد لسطح الأرض أثارت شعورا بالروعة أقوى من مناظر الفضاء السحيق.
وهناك إدراك متزايد بأن الشعور بالروعة يسبغ كل أنواع الفوائد على الأفراد والمجتمع. وسواء من خلال السياحة الفضائية أم الواقع الافتراضي، ويأمل نيوبيرغ بأن تجربة المزيد من الأفراد الإحساسَ بالروعة عند النظر إلى مشاهد من الفضاء قد يؤدي إلى مزيد من التراحم وإلى مجمع أكثر تعاونا أكثر على الأرض. فكما يقول هادفيلد: «نحن جميعا طاقم على سفينة الفضاء نفسها. كلما سارعنا برؤية أنفسنا بهذه الطريقة، تقدمنا تقدما هائلا .»
جو مارشانت Jo Marchant مستشارة لدى نيوساينتيست، مقيمة في لندن.
نشرت المقالة في مجلة نيوساينتيست، العدد 3136، 29 يوليو 2017.