تحدّي الخرف
بقلم : كايت سوكيل
ترجمة: آية علي
إنّ التقدّم في السنّ لا يعني بالضرورة إصابتك بالخرف. صحيح أن حالات الإصابة به آخذةٌ بالارتفاع مع ازدياد عدد كبار السن، إلّا أنّ أسبابه مُختلَفٌ فيها، ويمكنك مقاومتها.
الخرف Dementia أمر غيرُ حتميّ، فبإمكان الدماغ البشريّ أن يبقى متّقدًا حتى بعد 100 عامٍ من الحياة. نعم، يُبطّئنا التقدّم في السّن؛ فتتقلّص أجزاء الدماغ المرتبطة بالذاكرة والوظيفة التنفيذيّة، وتبدأ أغماد المايلين المحيطة بالخلايا العصبيّة لدينا بالتآكل، ويؤدّي تباطؤ الإشارات وضيق الشرايين إلى تناقص إمدادات الدّم. لكن هذه الأمور تؤثر بشكل رئيسي في السرعة، فعندما يُمنَح كبارُ السّن الأصحّاء وقتًا إضافيا لأداء المهام المعرفية، فإن نتائجهم تكون مساوية لنتائج الأشخاص الأصغر سنًّا. في المقابل، يغيّر الخرَفُ مجالَ الأداء المعرفيّ Cognitive، فإضافة إلى تأثيره في الذاكرة، فإنّه يسبّب مشكلات في فهم المرء للغة أو في تعبيره بها، ومشكلات في الإدراك الحسّي، واضطرابات في الوظيفة التنفيذيّة التي قد تقوّض الاستقلاليّة اليوميّة. كما أن الخرف ليس شيئاً واحداً، “فالناس يستخدمون الخرف وآلزايمر بالمعنى نفسه أحيانا، لكن هذا غير صحيح”. كما يقول جون هاغا John Haaga، مدير الأبحاث السلوكية والاجتماعية في المعهد الوطني الأمريكي للشيخوخة Behavioral and Social Research at the US National Institute on Aging (انظر: أنواع الخرف المختلفة). وتؤدي الجيناتُ دورًا مهمّا في أنواعٍ مختلفة من الخرف، إذ تزيد احتمال الإصابة إذا كان أحد الوالدين أو الأقارب مصابًا به. وهناك أكثر من 20 نوعًا من الجينات المعروفة بتأثيرها في قابليّة الإصابة.
تؤدي الظروف المختلفة إلى ظهور أعراض مشابهة بوسائل مختلفة، فيمكن أن يحدث الخرف الوعائي مثلا نتيجة أمراض القلب والأوعية الدمويّة أو السّكتة الدماغيّة التي تحدّ من تدفّق الدمّ وتدمّر أنسجة المخ.
ويتميّز مرض آلزايمر، وهو أكثر أسباب الخرف شيوعا، بتراكم لويحات صلبة من بروتين أميلويد بيتا Beta-amyloid بين خلايا الدماغ، وعُقد من بروتين تاو Tau بداخلها. وتشيرُ فرضيّة الأميلويد Amyloid hypothesis، وهي الفكرة الرائدة لكيفيّة تسبّب اللويحات بالضعف الإدراكي، إلى إنّ تراكم اللويحات يسبّب التهابًا في الدّماغ، الأمر الذي يحفّز تطوّر بروتين التاو، مما يؤدّي إلى تعطيل خلايا الدماغ ومن ثمّ قتلها. وهذا يسفر في النهاية عن حدوث التشوّس وفقدان الذاكرة، وأعراض أخرى.
ويدعمُ هذه الفرضيّة عددٌ من الأبحاث التي أجريت على الأسر التي تعاني الإصابة بآلزايمر في وقتٍ مبكّر، حيث يصيبهم قبل عمر 65، وكانت النتيجة أن هناك متغيّرات جينيّة تتداخل مع القدرة على إزالة الأميلويد لدى العديد من هذه الأسر. وهذه هي أيضا الآليّة التي يمكن من خلالها لمتغيّرٍ معيّن لجين APOE الذي يرمز لأبوليبوبروتين E – وهو البروتين المرتبط بإزالة الأميلويد بيتا والمؤثّر فيه – أن يزيد من خطر الإصابة بمرض آلزايمر.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هيمنة فرضيّة الأميلويد، فليس هناك اتفاق على السبب المطلق للآلزايمر. ففي البداية، كشف التشريح عن أن الكثير من الناس يموتون وهناك كمية كبيرة من الأميلويد في أدمغتهم، دون أن يكون قد ظهر عليهم أيّ أعراض مشابهة للخرف. وقد أظهرت الأدوية الواعدة لإزالة الأميلويد فشلا ذريعًا في التجارب السريريّة التي تشمل أشخاصا في مراحلهم المتأخرة من المرض. ومع ذلك فإن معظم الباحثين في هذا المجال لا يزالون مقتنعين بمركزيّة الأميلويد بيتا في حكاية آلزايمر، حتى وإن لم يخبرنا بالقصّة كاملة، وذلك كما تقول لوري رايان Laurie Ryan، مديرة برنامج التجارب السريرية لمرض آلزايمر في المعهد الوطني الأمريكي للشيخوخة. وتتحدث رايان عن وجود أدلة على أنه ربما يكون «داء السكريّ للدماغ»، فتضعف القدرة على استخدام الغلوكوز، وهو الوقود الأساسي للدماغ. وفي حالة معقّدة مثل آلزايمر، كما هي الحال مع أشكالٍ أخرى من الخرف، فإنّ العديد من العوامل الأخرى المختلفة قد تكون لها يدٌ في حدوثه.
سبب ازدياد حالات مرض آلزايمر
إنّنا نُصابُ بالآلزايمر بعد سنوات الإنجاب، لذا فالتفكير الثابت هو أنه لم يكن هناك أيُّ ضغطٍ تطوّريٍ للتخلص منه، وأنّ انتشاره قد ازداد ببساطة لأنّنا نعيش لفترةٍ أطول. لكنّ الأمور ربما لا تكون بهذه البساطة. وتقول «فرضيّة الجدّة» إن المساعدة في تربية أحفادك تعزّز من فرص تمرير الجينات إلى الأجيال التالية. لذا فإن أيّ جين يمكّنك من القيام بذلك عبر منع حدوث الآلزايمر يوفّر ميزة تطوّريّة. وقد أشارت الأبحاث السّابقة إلى أن هذه الجينات توفّر الحماية عبر تعزيز نشاط الإستروجين المضاد للالتهابات في الدّماغ. والآن، فإن لدى مولي فوكس Molly Fox من جامعة كاليفورنياUniversity of California في لوس أنجلوس بعض الأدلّة لدعم هذه الفكرة، فقد قام فريقها بحساب مدى تعرض 81 امرأة ممن تجاوزن عمر السبعين للإستروجين طوال حياتهنّ، وذلك بالنّظر في بداية سن البلوغ والحمل والعمر في سن اليأس، وعوامل أخرى. وقد أسفرت النتيجة عن ارتباط كلّ شهرٍ إضافيّ من الإستروجين بانخفاضٍ في خطر الإصابة بآلزايمر بلغ نسبة %0.5. ويشير هذا إلى احتمال ارتباط تغيير التعرّض للهرمون – بسبب وجود أطفال أقل، أو بسبب عوامل أخرى – بازدياد حالات مرض الآلزايمر.