الحدّ الأقصى الذي قد تصل إليه معرفة أي شخص
بقلم: ريتشارد ويب
يشبه الدماغ وحدة الذاكر (الفلاش) Memory stick بسعة واحد بيتابايت، ولم يتمكن أحدٌ قطّ من ملء ذاكرتها. هناك مشكلة واحدة فقط: انخفاض عرض النطاق Bandwidth لدينا بصورةٍ هائلة.
كان أرسطو بالطبع هو “آخر شخص يعرف كلّ شيء” -كلّ شيء عن العالم تكون معرفته مفيدة في حياته.
كلا انتظر، كان ذلك ليوناردو دا فنشي. أم كان غوته، أم معاصره التيوتوني -المساوي له في العبقرية- ألكسندر فون همبولدت؟
إن مجاز “آخر عالم موسوعيّ عالميّ” هو مجازٌ شائع، إضافة إلى الفكرة القائلة إنه كلما نمت الخلاصة المعرفيّة لدينا، فإنها عند نقطة ما ستتجاوز قدرة الدماغ الاستيعابية على احتواءها.
إذا كان الأمر كذلك فقد حدث هذا منذ زمن طويل، وذلك وفقا لكريس سترينغر Chris Stringer، عالم الأحافير البشرية من متحف التاريخ الطبيعي Natural History Museum في لندن، والذي يضيف قائلا: “نظرا للبيئات المتنوّعة التي عاش فيها البشر، حتى قبل الهجرة من إفريقيا، فإني أشكّ في أن شخصا واحدا قد حفظ جميع المعلومات المطلوبة للبقاء على قيد الحياة عبر المدى البشري.”
لا يزال هناك قيد “تجريبي” Experential مماثل، ولكن في عالم اليوم، فإن الكمية الهائلة من المعلومات الأولية التي يتعين معالجتها، تفوق بلا شك، قدرة أي شخص على المعالجة. ويمتلك الدماغ البشري قرابة مئة بليون خليّةٍ عصبيّة تتصل ببعضها بمتاهة من مئة تيريليون وصلة عصبيّة. ووفقا للتقدير الصادر عام 2015 عن معهد سالك Salk Institute بالقرب من سان دييغو، فإن هذا يساوي، بمقياس سعة وحدة تخزين المعلومات التي تقاس بالبيتابايت: ملايين من الجيجابايت. وبالمقارنة، فإن مصادم الهادرونات الكبير، الذي يحطم الجسيمات في سيرن CERN بالقرب من جنيف بسويسرا، يضخ نحو 30 بيتابايت من البيانات في سنة واحدة فقط. وقد نشر اثنان من أجهزة القياس الرئيسية في مصادم الهادرونات الكبير – وهما الكشّاف أطلسATLAS، وكشّاف الميونات CM- بالتعاون فيما بينهما، ورقة بحثية تعد أعجوبة صغيرة، وقد نُسب فضل إنتاج وتحليل البيانات إلى 5000 شخص.
إن مثل هذه المقارنة هي مقارنة مبسّطة بالتأكيد. فخلقُ المعرفة هو أكثر بكثير من مجرّد استيعاب البيانات، كما أن عقلك ليس وحدة ذاكرة (فلاش) بسعة واحد بيتابيت فارغة. ولو كان كذلك لكنتَ أعدّته إلى المتجر، مصابا بخيبة أمل من معدّل تحميله البطيء.
والمشكلة المتعلّقة بمحاولة استنباط مقدار المعرفة الذي قد يصل إليه أي دماغ فردي هي أنه لم يسبق لأي دماغ أن امتلأ من قبل، فنحن نصل دائما إلى حدٍّ زمنيّ قبل وصولنا إلى حدٍّ للمعالجة. انظر إلى متعدد اللغات ألكسندر أرغيلس Alexander Arguelles المتمرّس في 50 لغة بالفعل، فهو يقول: “أعطني الحرّية الكاملة لوقتي، وسأستطيع التمرّس في 100 لغة،” لكنّ هذا سيكون على حساب كل شيء آخر في حياته.
وقد أطلق سيزر هيدالغو César Hidalgo من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT اسم “بيرسونبايت” Personbyte على الكمّية التي يمكن للشخص تعلّمها واقعيّا في حياته. إن المعرفة التي تحتاج إليها لصناعة وعاء فخّاري جميل هي أقل من 1 بيرسونبايت. ولكن إذا أردت بناء الطائرة المقاتلة رابتور F-22 بشكل كامل، وبداخلها أنظمة لتوجيه الصواريخ، فإنك ستحتاج إلى عدة آلاف من البيرسونبايت. لن يستطيع أرسطو معرفة من أين يبدأ.
لكن يجب ألا ندع عرض النطاق الترددي الضئيل لأدمغتنا يخيّب آمالنا. فإذا كان مقدار وتعقيد المعرفة البشرية قد زاد مع مرور الوقت، فإن وسائل الحصول عليها قد تحسنت باطراد أيضا، فهناك اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة والطباعة، والآن، الإنترنت. وبوجود هذا الكمّ الهائل من المعلومات، فإن حاجز التقدم لا يكمن في كمية المعرفة التي يمكن لأدمغتنا الاحتفاظ بها، بل في جودتها.