كيف تُبقي عقلَكَ مُكافحا؟
بقلم: كايت سوكيل
انخفض عدد المصابين بالخرف في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرهما من الدول الغنية في السنوات الأخيرة: يمكن لنمط الحياة الصّحيّ أن يُحدث فرقًا.
ربما يكون عددُ الأشخاص المصابين بالخرف في ازدياد، لكن الاختصاصيين يعزون هذا – إلى حدٍّ كبير – إلى كوننا نعيش لفترةٍ أطول. فقد انخفضت نسبة إصابة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاما بالخرف بنسبة %20 في بريطانيا وويلز، وذلك بين فترة أواخر الثمانينات وعام 2011. وأما مل بين عامي 2000 إلى 2012، فإنّ مُعدّلات الخرف قد انخفضت في تلك الفئة العمرية بنسبة %24 في الولايات المتحدة، وقد وُجِدت حالات مماثلة في بُلدانٍ أخرى مُتقدّمة. ويقول كينيث لانغا Kenneth Langa، من مركز ميشيغان لديموغرافيّة الشيخوخة Michigan Center on the Demography of Aging، الذي تتبّع الاتجاه الأمريكي: “هناك عاملان مُحرّكان: هما ارتفاع التحصيل العلمي، والتحكم بشكل أفضل في مشكلات القلب والأوعية الدموية.”
بعد الحرب العالميّة الثانية، كانت هناك زيادة في التعليم بلغت نحو عام إضافي لسكان الولايات المتحدة. وتشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين حظوا بمزيدٍ من التعليم، أو فعلوا أمورًا كتعلّم لغة جديدة أو العزف على آلة موسيقيّة قد يكونون مقاومين لأعراض الخرف.
وهذا لا يعني أن بمقدورهم الهرب من ويلات الخرف الوعائي Vascular dementia أو لويحات Plaques آلزايمر، لكنّهم قد يتعاملون بشكل أفضل مع الضرر الواقع. ويقول لانغا: “يمكنك خلق دماغٍ أكثر صحّة ولياقة عبر تحدّي الدماغ أثناء التعليم، وهذا يمكّنه من التعويض عن المشكلات التي تحدث أثناء التقدّم في العمر.”
ويُعتَقد أن زيادة الاحتياطي المعرفي تساعد بطريقتين: هما تحسين قدرة الدماغ على العمل في المناطق المتضرّرة، وتعزيزُ معالجةٍ أكثر كفاءة. وقد يفسّرُ هذا أيضًا سبب الانحدار السريع للأشخاص الذين حظوا بمزيدٍ من التعليم: ليس الأمر وكأن آلزايمر يأتي بشكل مفاجئ، لكن في الوقت الذي تتمظهر في الأعراض فإن المرض يكون بالفعل في حالةٍ متأخّرة.
هزيمة الخرف
ربّما أسهمت التحسينات التي أجريت على التعليم وصحة القلب في المملكة المتحدة في التقليل من معدّلات الخرَف، مع أن النساء يبقين الأكثر عرضة له، ويُحتمل أن يرجع هذا إلى كونِهنّ يعشن لمدةٍ أطول.
أمّا بالنسبة إلى عوامل الخطر القلبيّة الوعائيّة، وبينما يزداد معدّل الإصابة بحالات مثل داء السكري وارتفاع ضغط الدم، فإن هناك أيضًا زيادة في العلاجات التي قد تحدّ من أضرارها.
لكنّ البلدان الأكثر فقرًا لم تشهد هذا التقدّم. وعلى الرّغم من التحسينات المبذولة في الدول الأكثر ثراءً، فمن المحتمل أن يبقى عدد حالات الخرف المُطلق في صعود – وانخفاض الانتشار ليس حادًا بما يكفي للتعويض عن المدّ المتزايد للشيخوخة – كما يقول جون هاغا John Haaga، من المعهد الوطني الأمريكي للشيخوخة US National Institute on Aging، والذي يضيف قائلا: “أصبح الناس يعيشون لفترةٍ أطول، وهذا أمر عظيم. إنّنا نعيش أيضا بذكائنا الأولي لفترةٍ أطول بكثير، لكنّنا لا نستطيع إنكار أن لدينا عددا أكبر بكثير من السكّان المسنّين الذين يتعين علينا رعايتهم في المستقبل.” إضافة إلى ذلك، لا يوجد اليوم فرقٌ كبير بين التحصيل العلمي للشخص البالغ 65 عاما وبين البالغ 25 عاما، إضافة إلى كون الأمراض الأيضيّة مثل داء السّكري آخذة بالارتفاع. وهذا يعني أن المكاسب التي نحقّقها ربما لا تستمر على الوتيرة نفسها.
ومن المهمّ كذلك الاعتراف بأن الكثير من مخاطر الخرف يرجع أصلها إلى الوراثة، فقد كان لها دور في نحو %70 من حالات آلزايمر، وذلك كما يقول جوناثان شوت Jonathan Schott، من مركز أبحاث الخرف في كلية لندن الجامعية Dementia Research Centre at University College London. وهو يرى في كثيرٍ من الأحيان مرضى يلومون أنفسهم لكونهم لم يفعلوا ما يكفي لمنع ذلك، ولكن لا يمكنك فعل الكثير. إذ يضيف شوت: “إننا نعلم أن هناك أشخاصا لديهم عوامل خطر وراثية قويّة تجعلهم عرضةً للإصابة ببعض أشكال الخرف، سواءً أكانوا يعيشون حياة صحّية أم لا.”
ومع ذلك، إذا كان %30 أو أكثر من مخاطر الخرف تعود إلى نمط الحياة والعوامل البيئيّة، فإن هناك فرصةً لإحداث فرق. إن الحفاظ على العلاقات الاجتماعيّة، واتّباع نظامٍ غذائيّ صحيّ، وممارسة الرياضة بانتظام، واتّباع عادات نومٍ جيّدة، ومواصلة التحدّيات الفكريّة، كلّها عوامل قد تسهم معًا في تأخير أعراض الخرف أو تخفيفها في وقتٍ لاحقٍ في الحياة. ويقول لانغا: “امشِ وتحدّث واقرأ.” افعل ذلك الآن، “فلهذه التغييرات أثرٌ أكبر عندما تبدأ بتطبيقها في وقتٍ مبكّرٍ من حياتك.”
قد يكون النشاط البدني هو الأكثر أهمّية، فممارسة التمارين الرياضيّة بصورةٍ منتظمة لا تعالج عوامل الخطر كالوزن وصحة القلب والأوعية الدمويّة فحسب، بل تزيد من تكوين خلايا الدّماغ والرّوابط بين الخلايا العصبيّة وإنتاج عوامل نموّ الأعصاب والناقلات العصبية، وذلك وفقا لآرثر كرامر Arthur Kramer من جامعة إلينوي University of Illinois في أوربانا شامبين. ليس عليك أن تركض مسافات طويلة، فساعة مشي واحدة لعدة مرات في الأسبوع قد تُحدث فرقًا.
هل يجبُ عليك فحصُ جيناتك؟
مع وجود نحو 24 جينا مسؤولا عن زيادة خطر آلزايمر بنسبة %70 – وهو النوع الوحيد من الخرف الذي نستطيع إجراء اختبارات جينيّة لتحديده – فإن إجراء الاختبار قد يبدو كأنّه خيارٌ بسيط. لكن مع عدم وجود علاج يلوح في الأفق، ما عساك تفعلُ بالنتائج؟
إنّ وجود المتغيّر الجيني APOE4 مثلا يعني أن لديك خطرا أكبر للإصابة بمرض آلزايمر، وليس معناه أنك ستصاب حقا به. إن الجينات المرتبطة ببداية ظهور آلزايمر، مثل بعض الطفرات APP وPSEN1 وPSEN2 هي الأكثر حسما.
ولكن حتى أولئك الذين لديهم تاريخ عائلي من الإصابة بالمرض يختبرون صراعا داخليا بشأن الخضوع للفحص. فقد كانت كارول جينينغز Carol Jennings تعلم بأن لديها احتمال الإصابة بجين APP المعيب بنسبة %50، لكنّها لم تخضع للفحص. فما الفائدة من ذلك إذا لم يكن العلاج متوفّرًا؟
لم تخضع كارول للاختبار إلا عندما بدأت الأعراض بالظهور. أما الآن، فيواجه ابناها البالغان، اللذان قد يحملان الطفرة نفسها، هذا القرار الصّعب. ولا يريد أحدهما الخضوع للاختبار، لكن الآخر يأمل بأن تساعده النتائج على وضع خططٍ مستقبليّة.
ومن المفهوم أن الاختبار الجيني يستحثّ مشاعر مختلطة، لكنّ فائدته اليوم تكمن في تحديد المرشّحين للتجارب السريريّة، وفي مساعدة الباحثين على فهم المرض والعلاجات المُحتملة، وذلك وفقا لما تقوله لوري ريان Laurie Ryan، من المعهد الوطني للشيخوخة في الولايات المتحدة الأمريكية US National Institute on Aging. وتضيف ريان قائلة: “إن الاختبارات لا تخبرنا عن أشياء مثل (إذا كان لديك هذا المتغيّر فنحن بحاجة إلى فعل ذلك من أجل مساعدتك).”
ما العلامات التحذيريّة؟
عندما يتعلّق الأمر بالذّاكرة، فإنّ كلّ واحدٍ منّا يصيبه الصّدأ شيئا فشيئا أثناء تقدّمه في العمر، فمن الشائع نسيان كلمة محدّدة كنت تبحث عنها، أو التغيّب عن موعدك أو وضع مفاتيح سيارتك في مكان مختلف. “وهذا أمر يحدث لنا جميعا،” كما يقول سوبي بانيرجي Sube Banerjee، من جامعة برايتون University of Brighton في المملكة المتحدة.
إذن، متى تكون مسألة الذاكرة أكثر من مجرّد صدأ إضافي؟ يصعب التنبّه إلى التحذيرات الأوّلية للخرف، وذلك بسبب التباين الكبير في الأعراض وحدّتها، والذي يرجع إلى المسبّبات المختلفة والمتنوّعة للمرض. لكن العلامات الشائعة تشمل مشكلات في الذاكرة قصيرة المدى، وفي التفكير المجرد، وفي القدرة على التركيز والتواصل والإدراك البصري.
لا داعي للقلق إذا كنت تختبر تلك اللحظة الغريبة من النسيان، والمشابهة لما يحدث لكبار السّن Senior moment.
ويقول جوزيف ماسديو Joseph Masdeu، مدير مركز نانتز الوطني آلزايمر في مستشفى هيوستن ميثوديست Nantz National Alzheimer Center at Houston Methodist Hospital بولاية تكساس، إن هذا يرجع من ناحية إلى الاختلاف الموجود في الذاكرة بين الأشخاص من جميع الأعمار. كما يرجع إلى تباطؤنا، فبعض المهارات تتغيّر أثناء تقدّمنا في العمر. ويقول جيسون برانت Jason Brandt، مدير قسم علم النفس الطبي في جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University في بالتيمور بولاية ماريلاند: “إن تعدد المهام – أي القدرة على الاهتمام بعدّة أشياء في الوقت نفسه – يصبح أكثر صعوبة.”
قد تكون عدم القدرة على استدعاء ذكرى معيّنة – حتى مع تحفيزها – واحدة من العلامات التحذيريّة، فقد يستغرق الأمرُ وقتا أطول للتذكّر في حالة الشيخوخة الطبيعيّة، ولكن الوقت الإضافي لن يجدي نفعا في الحالات المبكّرة من آلزايمر، وذلك لكون “المعلومات قد تدهورت”. عندما يحدث هذا النوع من التغيّرات، أو تبدأ المشكلات المعرفية بالتداخل في الحياة اليوميّة، فإن الوقت يكون قد حان لاستشارة الطبيب.
يمتلكُ اختصاصيّو الرعايةِ الصحية أدوات تساعد على اكتشاف المشكلات في وقت مبكّر. ويستخدم معظمهم نسخةً من اختبار الحالة العقليّة المصغّرة لتقييم المرضى الذين تجاوزت أعمارهم 60 عاما. ويتكوّن هذا الاختبار من أسئلةٍ بسيطة تتعلّق بالزّمن والمكان، وهي مصمَّمة لقياس الضعف الإدراكي. ويمكن للأطباء أيضا اختبار الذاكرة العاملة عن طريق الطلب إلى الأشخاص العدّ التنازلي من رقم 100 في سبع ثوان، أو تذكّر ثلاثة أشياء لا علاقة لها ببعضها البعض بعد مرور فترة من الزمن. فإذا كانت نتيجتك سيئة في هذه الأنواع من الاختبارات، فمن المتوقّع إحالتك للخضوع لمزيد من الفحص.
أما بالنسبة إلى الأشخاص الذين يريدون الحصول على نتائج شخصيّة وهم في المنزل، فإن برانت وفريقه طوّروا أداة على الإنترنت. وتتضمّن هذه الأداة سلسلةً من اختبارات الذّاكرة، فضلًا عن استبانة بشأن عوامل الخطر المختلفة للخرف. “وهذا يتيح للناس فعل شيء وهم يتمتعون بالخصوصيّة في منازلهم،” كما يقول برانت. وإذا كان هناك ما يستدعي القلق، فإن هذه الأداة توجّهك للمتابعة مع طبيبك. ويمكنك إيجاد الاختبار على موقع alzcast.org.
هل سنجدُ علاجًا؟
يبدو أن عناوين الأخبار تعلنُ في كل شهر عن علاجات جديدة واعدة للخرف. ولكن بينما ساعدت العديد من الأدوية على منع أو عكس الباثولوجيا المشابهة للخرف في النماذج الحيوانيّة، فإنها لم تنجح حتى الآن بالقيام بذلك في التجارب السريريّة.
وبالنسبة للآلزايمر فإن الأدوية ركّزت على إزالة بيتا الأميلويد الزائدة من الدماغ، لكنّ عدّة تجارب سريرة قد ألغيت نتيجة الأداء الباهت.
وفي الحقيقة، فإن الأدوية بالكاد ساعدت أولئك الذين اختبروها عليهم، وذلك وفقا لجوزيف ماسديوJoseph Masdeu من مستشفى هيوستن ميثوديست Houston Methodist Hospital في ولاية تكساس، والذي أضاف قائلا: “لم تُعطَ الأدوية للمشاركين إلا عندما أصبح لديهم بالفعل مشكلات إدراكية. وكان الضرر قد وقع.” لكن العديد من الباحثين كانوا على ثقة بأن الأدوية ستحدث فرقا إذا أُعطيت للأشخاص الذين لا يعانون أيّ ضعف.
ويمكن رؤية كل من بروتين بيتا الأميلويد وبروتين تاو في صور أشعّة الدماغ، وذلك قبل عقود من ظهور المشكلات المعرفيّة، مما يوفّر فرصة للتدخّل. ولكن من هم الأفراد الذين ينبغي استهدافهم في هذه الأنواع من التدابير؟ هناك الآن مجال من البحوث المكثّفة والمعنيّة بتحديد العلامات الحاسمة للخرف في الجسم. إن العثور على معادلٍ للكوليسترول، وهو، على الرغم من عدم كماله، عبارة عن علامة بيولوجية تساعد الأطباء على معرفة الأشخاص لخطر الإصابة بأمراض قلبية، سيكون نقطة تحوّل. ويقول لانغا إنه سيسمح للأطباء بفحص المرضى في وقت مبكّر لتحديد المرض المحتمل، وسيحدّد المستفيدين من الأساليب الوقائية المختلفة.
إن عدم إحراز التقدم لم ينتج من عدم المحاولة، فهناك دراسات على الأسر والمجموعات المصابة بآلزايمر مبكّر، وأكبرها ما يعرف بـ “مجموعة كولومبيا” Colombia cohort”. وتعملُ الفِرَق على البحث عن العوامل الجينية والبيئية التي تؤثر في مخاطر الإصابة بالخرف. فهناك تحليل للدراسات طويلة الأجل، مثل ذلك الذي يتتبّع مجموعة وُلدت في المملكة المتحدة عام 1946. كما توجد تجارب تشمل الأشخاص الذين يحملون المتغيّر الجيني APOE4، والمعروف بكونه يزيد من خطر ظهور آلزايمر؛ خاصّة في النساء. وهناك جهود لاستخدام التصوير العصبي من أجل تحديد تراكم الأميلويد. كما تبحث الفرق عن طرق لعلاج الالتهابات التي قد تسبّب أعراض الخرف المعرفيّة بعد تراكم الأميلويد، إضافة إلى تركيزها على العوامل التي قد توفر الحماية للأعصاب أو قد تعمل على تكوينها.
تقول لوري ريان، من المعهد الوطني للشيخوخة: “هناك الكثير من القطع لهذه الأُحجية. من المحتمل وجود علاجات وتدخلات متنوعة لمختلف المرضى، وذلك إذا أردنا حقا إحداث تغيير على المدى الطويل.” يوافقها لانغا الرأي، ويضيف قائلا: “إن السنوات العشر إلى العشرين المقبلة ستكون مثيرة جدا للاهتمام. يمكننا بذل المزيد من الجهد في سبيل الوصول إلى هناك والتدخّل للحد من خطر وانتشار الخرف. إننا نقوم بهذا العمل.”
كايت سوكيل Kayt Sukel: كاتب يقيم في هيوستن بتكساس