أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئيةالعلوم الطبيعيةبيولوجيافيزياءكيمياء

أسياد الدمى المُتحكِّمة بالحياة داخل المحيطات

لدى العناصرِ النادرة القدرةُ على نشوء الحياة وسلبها. وللمرة الأولى نقترب من معرفة مصدرها وسلوكها.

مياه البحر عبارة عن كوكتيل من العناصر. فبعض تلك العناصر، كالصوديوم والكلور التي تُؤلف الملح، وفيرٌ، في حين أن بعضها الآخر يُوجد بكميات قليلة جداً لكنّ أثره هائل. ويُحدد الحديدُ المناطقَ التي يُمكن للحياة أن تُولد فيها، في حين لدى الزئبق القدرة على إنهاء تلك الحياة، كما أنّ توازناً دقيقاً لمستويات عنصر السيلينيوم قد يقود إلى انفجار في التنوع البيولوجي، أو حتى إلى حوادث انقراض عظيمة.

وكما هي الحال مع المتحكمين في الألعاب المختفين من المشهد، تتحكم هذه العناصر قليلة الكميات في كل الأشياء الحية الموجودة في المحيطات، ومازالت من ناحيةِ أخرى تقاوم أفضل محاولات كشفنا لها. الآن وللمرة الأولى تكشف دراسات توضيحية النقاب عن مصدر تلك العناصر والقبضة التي تُسلطها على الأنظمة البيئية للمحيطات.

الحديد Iron

حتى في أكثر أماكنه وفرة في المحيطات، فإنّ نسبته تصل إلى 20 نانوغراما في الكيلوغرام الواحد من مياه البحر. لكنّ هذا العنصر مهم جداً إلى درجة أنّه يُمثل العامل الأساسي الذي يجعل من الحياة موجودة في ثلث المحيط فقط، فكل الأشياء الحية بحاجة إلى الحديد لتنجو، وهو جوهري لعملية البناء الضوئي Photosynthesis أيضاً. وهذه الأهمية قادت إلى مجموعة من الاقتراحات بينها ضرورة تخصيب المحيطات بالحديد لتعزيز نمو البلانكتون Plankton، وإيقاف التغير المناخي.

ومنذ بزوغ العصر الصناعي امتصت المحيطات نحو 40% من ثاني أكسيد الكربون الذي أنتجناه، وهي تواصل ذلك كل عام. وينحل قسم من ثاني أكسيد الكربون في المياه، لكن امتصاص ما تبقى منه من قبل الكائنات الدقيقة (phytoplankton) يجري أثناء عملية التركيب الضوئي.

ولمعرفة ما إذا كانت إضافة الحديد إلى الأمواج سيؤدي إلى تعزيز امتصاص ثاني أكسيد الكربون، فنحن بحاجة إلى فهم دورة الحديد في المحيطات. ففي الحقيقة، لدينا معرفة بالأساسيات منذ عقود، لكنّ الدراسات الحديثة ألقت إلينا بمجموعة من المفاجآت. وعلى سبيل المثال، اعتدنا التفكير على أنّ المصدر الأساسي للحديد هو عملية تآكل الصخور على الأرض، والمتبوعة بحمل الحديد إلى المحيطات عبر الرياح، أو على الأقل بواسطة الأنهار. أمّا الآن، فنحن نعرف أنّ ذلك جزء من القصة فقط.

ويهدف مشروع جيوتريسورز GEOTRACES، وهو عبارة عن تعاون دولي مؤلف من مصوري محيطات، إلى وضع خريطة لتحركات العناصر النادرة في المحيطات. وقد نشر هذا التعاون في شهر أغسطس الماضي نتائج السنوات العشر الأولى لهذا الجهد، وشملت تلك النتائج نحو 2000 عينة قادمة من أعماق تتجاوز 2000 متر، وهو تطور كبير مقارنة بالقراءات السابقة للحديد والتي جرى جمعها خلال عشر سنوات من أعماق المحيطات.

 

المداخن السود Black smokers هي مصادر مفاجئة للحديد.

كشفت الرحلات البحرية التي جرت في المحيط الأطلسي والمحيط الهادي ومحيطي القطبين الشمالي والجنوبي أنّ النفاثات الحرارية الموجودة في الأعماق تضخ كميات ضخمة من الحديد إلى الماء. لا يبقى هذا الحديد في الماء لفترة طويلة من الزمن -بضع سنوات على الأكثر- وإنما يتسرب إلى قاع البحر، مما يجعل من توزعه غير منتظم، ويقترح أن تخصيب المياه بالحديد سيكون أكثر فعالية في بعض المناطق مقارنةً بأخرى.

النيتروجين Nitrogen

لم تغب أهمية النيتروجين عن مهندسي الثورة الخضراء في القرن العشرين والذين رصدوا زيادة في استخدام الأسمدة النيتروجينية وبزوغ فجر الزراعة المُكثفة. ولا يُمكن للكائنات الحية أن تُصنّع البروتينات في غياب النيتروجين، وفي الكثير من الأنظمة البيئية تُعتبر كمية النيتروجين المتاحة للنباتات العامل الرئيسي الذي يضع حداً على مقدار نجاة الحياة، وقد أدرك علماء الزراعة في القرن العشرين أن ذلك يعني إمكانية تعزيز المحصول الزراعي عبر إضافة المزيد من النيتروجين إلى التربة.

ويتمثل الثمن الذي ندفعه لذلك بوصول كميات كبيرة من النيتروجين إلى الأراضي والأنهار والمحيطات. وبصرف النظر عن مدى مبالغتنا في شحن دورة النيتروجين، فنحن لا نعرف إلا القليل عما سيحصل حالما يدخل العنصر إلى المحيطات. وتقترح الدراسات الحالية أنه يتأثر بما يعرف بمفعول كوريوليس Coriolis effect الذي يتمثل بانحراف تيارات المحيطات نتيجةً لدوران الأرض، وفي الحقيقة لا نعرف أبعد من ذلك بكثير، فكيفية تحرك العنصر داخل البحار لاتزال لغزاً نوعاً ما.

ما نحن متأكدون منه هو أنّ وجود كميات كبيرة جدا من النيتروجين في المحيطات سيؤدي إلى مشكلة، فتلك الكميات الزائدة ستؤدي إلى انفجار في نمو الطحالب نموا كبيرا بشكلٍ كافٍ لتخنق أي شيءٍ آخر، وهذا يتجلى في النهاية بتشكل منطقة ميتة Dead zone. وقد يسوء الأمر أكثر من ذلك، إذ بيّنت دراسة نُشرت في يوليو الماضي أن معدلات زيادة العنصر في مياه الأمطار، والتي جرى التنبؤ بها نتيجة للتغير المناخي، ستؤدي إلى إضافة المزيد من النيتروجين إلى المحيطات.

وهذه الدورة ضارة أيضاً، فإضافة إلى تأثرها بالتغير المناخي، فإنّ مستويات النيتروجين في المحيطات تؤثر بدورها في المناخ. فعلى سبيل المثال، تنفذ كميات المياه الغنية بالنيتروجين بسبب الزراعة، وهذا يساعد على تشكل أكسيد النيروجين الذي ينتهي المطاف بقسم منه نحو الغلاف الجوي، ومن ثم يقود إلى تأثير سيِّئ كونه أحد غازات الدفيئة ويستنزف الأوزون. وينتج ثلث أكسيد النيتروجين في الجو من المحيطات وهذا يُلقي بدوره الضوء على تأثير العناصر النادرة الموجودة في المحيطات بالحياة في العالم.

“نحن بحاجة إلى السيلينيوم لبناء الحمض النووي،

لكنّ مستوياته المرتفعة قد تكون ضارة”

الفوسفور Phosphorus

الفوسفور جزء من تركيب الحمض النووي، وأغشية الخلايا، وكذلك جزيء الطاقة ATP. ونتيجة لذلك، فإنّ درجة توفره، إضافة إلى الحديد والنيتروجين، تضع حّداً على مدى انتشار الحياة في المحيطات. تاريخياً، لطالما كان النيتروجين العامل الأهم ونتيجة لمستوياته اختفت الحياة من 60 إلى 70% من المحيطات. لكن أهمية الفوسفور تزداد لأنّ استخدام الأسمدة المكثفة على الأرض يُطلق المزيد من النيتروجين نحو المحيطات. وكنتيجة لذلك، لدى بعض المحيطات، مثل المحيط الهادي المداري، كميات وفيرة من النيتروجين.

هنالك نحو ثلاثة غرامات من الملح في ليتر من ماء البحار وهو موجود على شكل كلور الصوديوم. فالعناصر النادرة قليلة جداً لكن تأثيرها في الحياة في المحيطات كبير.

  • غرام Grams
  • ميلغرام  Milligram
  • نانوغرام Nanogram
  • كلوريد الصوديوم Sodium CLoride
  • نيتروجين (غاز) nitrogen gas
  • نيتروجين (نترات) Nitrogen  nitrate
  • فسفور Phosphorus
  • سيلينيوم Selenium
  • حديد iron
  •  نيوديميوم Neodymium
  • رصاص Lead
  • زئبق Mercury

الأشياء أكثر تعقيداً بقليل في الأماكن الأخرى. ففي بعض الأنظمة البيئية يضع هذان المغذيان (النيتروجين والفوسفور) حدّا أعلى يقيد من تنوع الحياة في موقع واحد وفي الوقت نفسه، وقد يكون ذلك ناجمٌ من المتطلبات المختلفة للكائنات الحية التي تعيش في تلك المناطق، وتقترح التقديرات الحالية أنّ 5 إلى 10% من سطح المحيط يخضع للقيود الناتجة عن نسب الفوسفور والنيتروجين معاً.

ويتزايد اكتشاف الباحثون أن التفاعلات الكائنة بين هذين العنصرين المغذيين هي تفاعلات مُسيْطِرة. ويُعلق مارك مور Mark Moore من جامعة ساوثمبتون University of Southampton قائلاً: “كلما أجرينا المزيد من التجارب، نكتشف المزيد من الأنظمة المقيدة بهذين العنصرين معاً، ومن ثم فهذا الأمر منتشر أكثر مما نعتقد.” ويدرس فريق مور القيد المشترك co-limitation  الناتج من وجود العنصرين، باستخراج كميات كبيرة من الكائنات الدقيقة من البحر ومن ثمّ إضافة المغذيّات إليها لدراسة ما يحصل، ويُضيف مور: “إنها نوع من أنواع علم أحياء ‘الدلو’، فكل ما تحتاجه هو دلوٌ نظيف لأنّ عملنا يُركز على معادن نادرة.”

السيلينيوم Selenium

هناك مجال ضيق جداً تكون نسب هذه المغذيات الدقيقة Micronutrient ملائمة لظهور الحياة -ويُمكنك دعوتها بمنطقة غولديلوكس Goldilocks zone الخاصة بالسيلينيوم. فهذا العنصر أساسي لمعظم الكائنات الحية بما في ذلك نحن، ونحصل عليه من أغذية مختلفة -كمعظم أنواع السمك- ومن ثمّ يُستخدم في بناء البروتينات التي نحتاج إليها لتشكيل الحمض النووي، إضافة إلى أهميته في التكاثر وتنظيم مستويات الهرمونات وأشياء كثيرة أخرى. وقد ساعد هذا العنصر على حصول الانفجار الكمبري Cambrian explosion قبل نحو 500 مليون سنة حين ظهرت معظم مجموعات الحيوانات على الأرض.

لكنّ التراكيز الكبيرة من هذا المُغذي قد تكون سامة. يقول غريغ كاتر Greg Cutter من جامعة أولد دومينيون Old Dominion University في فيرجينيا: “هذه هي الحال في خليج سان فرانسيسكو وبعض البحيرات والمياه الجوفية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم،” حيث يُنتزع السيلينيوم في أعالي جبال سان فرانسيسكو من الصخور ويُحمل إلى الخليج، وهي رحلة يجري تضخيم أثرها بفعل عمليات الري الزراعي، كما أنّ مصافي النفط القريبة تُصرف الكثير من النفايات السائلة الغنية بالسيلينيوم داخل النظام البيئي.

ونتيجة لذلك وُضعت حدود لمستويات هذا العنصر بهدف إيقاف وصول السيلينيوم، وجرى ذلك بعد اكتشاف بطٍ وحيوانات أخرى مشوهة في المحميات الطبيعية عند السفوح في ثمانيات القرن الماضي، غير أنّ الدراسات الحديثة تقترح أن تلك الحدود لاتزال مرتفعة جداً، مما يدعو إلى إجراءات أكثر صرامة. فالتوازن الدقيق للسيلينيوم يتسبب بالفوضى أيضاً عند الطرف الآخر من سلم القياس -أي إذا كانت كمياته قليلة جداً- فمستوياته المنخفضة رُبطت بثلاثة أحداث انقراض عظيمة على الأقل: في نهاية العصر الأردوفيسي Ordovician والعصر الديفوني Devonian والترياسي Triassic. وفي تلك العصور، حصلت ثلاثة انقراضات عظيمة، وأثناء حدوث ذلك انخفضت مستويات السيلينيوم داخل المحيط مرتبتين تقريباً مقارنةً بمستوياته الحالية، وهي مستويات أقل من تلك اللازمة لدعم حياة الحيوانات.

الزئبق Mercury

الزئبق ليس بالقوة الجيدة، فلا عمل له داخل الخلايا كما أنه سام بالنسبة إلى الأنظمة العصبية، وقد اكتُشِفت تراكيز تقترب من المستويات السامة في المحيطات والبحيرات، وهي تتراكم على شكل ميثيل الزئبق داخل الكائنات الحية المائية، وتتسبب في الإضرار بالدماغ وتشوهات خلقية للمواليد، إضافة إلى تسببها في انخفاض معدلات التكاثر، وحتى الآن فمن غير الواضح الكمية الموجودة منه، ولا ما سينتهي إليه المطاف.

بسبب الطبيعة الخطيرة للزئبق، وقَّعت 128 دولة على اتفاقية ميناماتا Minamata Convention لكبح معدلات إطلاقه. وفي أبريل الماضي، نُشر جرد عالمي لمعدلات تصريف الزئبق بين عامي 1850 و2010، وقد بيّن هذا الإحصاء أنّ كميات الزئبق الناتجة من النشاطات البشرية وحدها والتي جرى إطلاقها بلغت نحو 1.5 مليون طن، وهذا يعني أن كميات الزئبق الناجمة من عمليات حرق الوقود الأحفوري تفوق تلك القادمة من المصادر الطبيعية بنحو 78 مرة، وهي نسبة أكبر بكثير مما اعتقدناه في السابق.

وتقول إلسي سوندرلاند Elsie Sunderland من جامعة هارفارد Harvard University وهي من المساهمين في إجراء الإحصاء: “حالما ينطلق الزئبق نحو البيئة، فإنه يبقى هناك لفترة طويلة من الزمن: فترة تمتد من مئات إلى آلاف الأعوام،” ولذلك فإنّ كل الزئبق الذي نتج من الثورة الصناعية لايزال موجود وقد يؤثر فينا اليوم. لم تتمثل المفاجأة بكميات الزئبق الناتجة من النشاطات البشرية فقط، وإنما تٌسلط النتائج الأخيرة الضوء على مصدره أيضاً. ووفقاً لعملية الجرد السابقة، فإنّ احتراق الفحم ساهم بنحو 38 ألف طن، وقد ساد سابقاً اعتقاد أنّ هذه العملية هي النشاط البشري الرئيسي الذي يُصدر الزئبق، لكن تبين وجود جناة أكبر بكثير تتمثل في عملية إنتاج الذهب المسؤولة عن نحو 221 ألف طن، وإنتاج الفضة بنحو 365 ألف طن.

وتقول سوندرلاند: “يعتقد معظم الناس أن النشاط البشري قاد إلى اضطراب جذري في دورة الكربون،” وتتابع قائلا: “ولكن، لم يُسقط هذا الإدراك على الكثير من دورات العناصر الأخرى التي نستخدمها في نشاطاتنا. لا أعني القول إنه هناك الكثير من التركيز على الكربون، وإنما يجب التركيز على ما هو أكثر من ذلك.”

الرصاص Lead

ومثل الزئبق، يتراكم الرصاص في السلسلة الغذائية. يجري امتصاص هذا العنصر من قبل البلانكتون، وبعدها ينتقل إلى آكلات الأعشاب Herbivores والحيوانات التي تتغذى بها، وهذا العنصر يُمكن أن يكون ساماً بالنسبة إلى كل هذه الكائنات، وفي نهاية المطاف سيكون كذلك بالنسبة إلى الحيوانات التي تتربع على قمة السلسلة الغذائية: أي نحن. ولأنّ مستوياته تصبح أعلى كلما انتقل نحو قمة السلسلة الغذائية، فذلك يعني أن كميات صغيرة منه في مياه البحار قد تقود إلى عواقب خطيرة بالنسبة إلى المفترسات الكبيرة. ويتداخل الرصاص في عمل الإنزيمات وكيفية عمل خلايانا، ومن ثم فهو ضار لقلوبنا وكِلانا، ومن المحتمل أن يتسبب في تلف دماغي غير قابل للإصلاح.

“من المحتمل أن الزئبق الناجم عن الثورة الصناعية

لايزال يُؤثر فينا حتى يومنا هذا”

ينتج معظم الزئبق الموجود في المحيطات من النشاطات البشرية. وفي الوقت نفسه، فإنّ عملية قياسه مراوغة؛ فعلى مدار أعوام كثيرة طُليت السفن بطلاء رصاصي، واحتوت أجهزة جمع العينات المائية على الرصاص، بل يوجد هذا العنصر أيضاً في الهواء المحيط بالسفينة نتيجة للأبخرة الصادرة عنها. ويقول إد بويل Ed Boyle من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology: “إنه موجود في كل بيئة الإنسان تقريباً.”

وللحصول على قياسات دقيقة لكميات الرصاص في مياه البحر، وضع الباحثون بروتوكولات معقدة، ويُعلق فويب لام Phoebe Lam من جامعة كاليفورنيا University of California في سانتا كروز على الأمر قائلاً: “بشكل عام، لا نجمع العينات من مسافة نحو عشرين مترا العليا لأن هذه المنطقة مغمورة بشكل أساسي بعصارات السفينة.” تُخزن أنابيب جمع العينات في حاويات مملوءة بهواء مُرشح ومضغوط؛ ويجب فتح أبواب الحاويات، المصنوعة من المعدن، من قبل شخص لن يلمس تلك الأنابيب. أما اﻷطر المعدنية التي تُثبت الأنابيب فمطلية بمسحوق، كما أن الكابلات الفولاذية التي تدعم تلك الأطر موجودة داخل ألياف قوية. وإضافة إلى ذلك، هناك تحدٍ يتمثل بكشف كميات صغيرة جداً من الذرات الموجودة في عينات مياه البحر. ويقول بويل: “يُشكل الملح نحو 3% من المياه.” قارن ذلك مع الكمية الصغيرة للرصاص (انظر الشكل)، وستكون حينها “تبحث عن إبرة في كومة قش إذا ما أردت رؤية ذرة رصاص داخل كل هذه الكمية من كلور الصوديوم هذا،” وفقاً لبويل.

وفي نهاية المطاف أثمرت المحاولات، فقد اكتشف الباحثون أنه منذ حظر كل من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا والمكسيك للرصاص داخل المنتجات النفطية في تسعينات القرن الماضي والعقد الأول من هذه الألفية، انخفض مستويات الرصاص عشر مرات في المحيط الأطلسي الشمالي. لكن الأخبار ليست بهذه الجودة في أماكنٍ أخرى من العالم. ففي المحيط الهادي الشمالي، جرى تجاوز الانحفاضات الابتدائية نتيجة للانبعاثات الحالية القادمة من الصين والناتجة بشكلٍ رئيسي من حرق الفحم.

النيوديميوم Neodymium

بعض العناصر النادرة ليست مغذية ولا سامة أيضاً، واهتمامنا بها نابع بما تخبرنا إياه عن بقية العناصر النادرة. فعلى سبيل المثال، يُساعدنا العنصر النادر المعروف بالنيوديميوم على تتبع رحلة العناصر الأخرى. أو يرتبط ذلك بعمر النيوديميوم الموجود في الصخور. فكلما كانت الصخرة أكثر شباباً،

كانت نسبة النظيرين (نيوديميوم 143 ونيوديميوم 144) أكبر. وعندما تتآكل صخرة ما، فإنّ الغبار المنطلق نحو المحيط يحمل معه بصمة النيوديميوم كعلامة زمنية.

ويقول بوب انديرسون Bob Anderson من مرصد الأرض  لامونت-دوهيرتي Lamont- Doherty Earth Observatory في جامعة كولومبيا: “جرى وضع خرائط لعمر الصخور في العالم،” وذلك يعني أنه حين يجد الباحثون النيوديميوم في المحيط، فإنه بإمكانهم النظر إلى بصمته الزمنية ومن ثم معرفة المكان الذي يتمتع بالعمر ذاته فوق الأرض، مما يُعطينا مؤشرا قويا على مصدر هذا النيوديميوم. ويساعدنا ذلك على تحديد المصادر المحتملة للعناصر الأخرى مثل الحديد لأن العناصر النادرة غالبا ما تتحرك معاً.

إن تحديد المصادر الرئيسية فوق الأرض قد يُساعدنا على حماية المحيطات. فعلى سبيل المثال، قد تساهم عمليات فلاحة مساحات جديدة، أو إنشاء طرق ومنازل في الحفاظ على الغبار. وإذا ما عرفنا المناطق التي ينتج منها الغبار، فذلك يعني اكتشافنا لمصدر مهم للحديد الموجود في المحيطات، ومن ثمّ باستطاعتنا تفادي تجويع المحيطات التي تبعد آلاف الكيلومترات عن تلك المناطق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى