أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فيزياءفيزياء نظرية

بحث أرضي مبكر عن أصول الذهب الكوني

مصنع ناشئ للنوى الثقيلة يحصل على دعم من اكتشاف اندماج نجوم نيوترونية

في الشهر الماضي بَهَر علماءُ الفلك العالَمَ عندما أعلنوا أنهم شاهدوا نجمين نيوترونيين Neutron Stars يندمجان ويخلقان عناصر ثقيلة Heavy Elements، على ما يبدو، مثل الذهب والبلاتين وينفثانها إلى الفضاء. وهلّل الفيزيائيون النوويون هنا في جامعة ولاية ميشيغان Michigan State University (اختصارت: الجامعة MSU) أيضا لهذا الاكتشاف. فهم يبنون مُحطّم الذَّرة Atom smasher، وهو مَرفق بقيمة 730 مليون دولار، لحزم النظائر النادرة Facility for Rare Isotope Beams (اختصارا: المرفق FRIB)، الذي يُمكن أن يُفسّر كيف شُكّلت هذه العناصر في الجحيم بالضبط. ويقول ويتولد نازاروفيتش Witold Nazarewicz، وهو فيزيائي نظري من الجامعة MSU، وكبير علماء المرفق FRIB: ”كنا نأمل بأن نرى حدثا مثل هذا في يوم من الأيام.“

ففي عام 1999 اقتُرح المشروع لأول، مرة ولكنه لم يحصل على الضوء الأخضر للبناء من إدارة الطاقة Department of Energy (اختصارا: الإدارة DOE) إلا في عام 2014. ولكن منذ ذلك الحين، كان التقدم سريعا. والآن يعلو البناء ذو 200 متر طولا مُهيبا على ما كان مساحة عشبية خلف مختبر الفيزياء النووية التابع للجامعة MSU. وفي القبو، يقوم الفنيون بتثبيت القسم الأول من المسرّع الخطي الخطي Linear Accelerator الذي يبلغ طوله 500 متر، والذي سيطلق إشعاعات من نوى تتراوح بين الهيدروجين إلى اليورانيوم على هدف من الغرافيت Graphite لإطلاق نظائر Isotopes جديدة قصيرة الأجل. والنظير، في هذا السياق، هو مجرد كلمة أخرى للنواة Nucleus، مما يجعله اختصارا أفضل.

وكما يقول توماس غلاسْماخر Thomas Glasmacher، مدير المشروع FRIB، إنّ تنفيذ المشروع هو ضمن الميزانية وقبل الموعد المحدد، وقد حل الفريق معظم الألغاز التكنولوجية الرئيسية. ويقول: ”لا يوجد لدينا أي شيء لا نعرف كيف نقوم به.“ وأَعرب الفيزيائيون الآخرون عن إعجابهم بالتقدم المحرز. وتقول كيت جونز Kate Jones، عالمة الفيزياء النووية التجريبية Experimental Nuclear Physicist من جامعة تينيسي University of Tennessee في نوكسفيل: ”ما أن سمح لهم، انطلقوا بسرعة لإنجاز هذا المشروع.  إنه أمر مبهر جدا عندما تنظر إلى الطابق السفلي وترى كل المعدات التي لديهم.“

وسوف تكون نواة المرفق  FRIB المفتاح لفهم كيفية تكوّن العناصر الثقيلة من اندماج النجوم النيوترونية. وقد نتج من التصادم العنيف الذي رصدته أجهزة الكشف عن موجات الجاذبية Gravitational Wave Detectors في الولايات المتحدة وإيطاليا والتليسكوبات في جميع أنحاء العالم، وهجٌ قد تحوّل على مدى أيام من اللون الأزرق الساطع إلى الأحمر الباهت (Science, 20 October, p. 282).

وقد توافقت المشاهدات الضوئية مع نموذج علماء الفيزياء الفلكية الذي يُدعى الكيلونوفا Kilonova: تقذف النجوم النيوترونية المتحللة المواد الغنية بالنيوترونات في الفضاء. ويتوقع النموذج أنّ توجد في الحطام سلسلة من التفاعلات النووية المعروفة بعملية التقاط النيوترونات السريعةR-Process ، وأن هذه العملية تولِّد بسرعة معظم العناصر الأثقل من الحديد. (تتولّد عناصر أخرى من انفجارات السوبرنوفا (المستعر الأعظم) Supernova وموت النجوم الأصغر حجما، ومن تفاعلات الأشعة الكونية Cosmic Ray، وكذلك من بقايا الانفجار الكبير Big Bang).

فبالنسبة إلى علماء الفيزياء الفلكية، كان هذا الرصد انتصارا لنموذج الكيلونوفا. أمّا بالنسبة إلى علماء الفيزياء النووية، فهي مجرد بداية. ففي عملية التقاط النيترونات السريعة R-Process ، تكسب النواة وزنا بالتهام نيوترون واحد تلو الآخر. وفي الوقت نفسه، يمكن للنواة تغيير هويتها الكيميائية من خلال تحلل بيتا المشع Radioactive Beta Decay، الذي يحوّل النيوترون إلى بروتون Proton ويرتقي بموضع النواة في الجدول الدوري للعناصر Periodic Table of Elements. ويعتمد تطور النواة تحديدا على سرعة التحلل ومدى احتمال امتصاصها لنيوترون آخر.

وهذه المعايير غير معروفة جيدا. ويقول هندريك شاتز Hendrik Schatz، عالم الفيزياء الفلكية النووية: ”بصراحة، الفيزياء النووية ليست في حالة جيدة.“ وأضاف: ”لم يتعرف العلماء إلى معظم النوى المُشاركة ولم تُطوّر النظرية بعد.“  ويهدف المرفق FRIB إلى تغيير ذلك من خلال إنتاج أكبر عدد ممكن من النوى المُحمّلة بالنيوترونات وقياس كُتلها ومُدّة حياتها. وقد يبدو ذلك كأنه مهمة ميؤوس منها، إذ إن عملية التقاط النيترونات السريعة تنطوي على عشرات من النوى المتوسطة. ومع ذلك، فإن عددا قليلا فقط من النوى الرئيسية – أبطأ النوى المتحللة والممتصة، – يجب أن تكون بمثابة عنق الزجاجة للسيطرة على العملية وتُحدِّد أي العناصر سيولد بأكبر قدر من الوفرة، كما يُوضّح شاتز.

ومن شأن هذه البيانات أن تَحُدَّ بشكل أفضل نماذجَ إنتاج العناصر الثقيلة في عمليات اندماج النجوم النيوترونية. ومن ثم يمكن مقارنة الوفرة بتلك التي رُصدت في الكون لتحديد ما إذا كان اندماج النجوم النيوترونية هي المواقع الفيزيائية الفلكية الوحيدة لعملية التقاط النيترونات السريعة R-Process، كما تقول جونز. وقد اقترح العديدُ من علماء الفيزياء الفلكية الكثيرَ من المواقع، ولكن هذه قفزة، كما تقول. ”إنه لمن السهل جدا أن نقول: أوه، لقد عثرنا على موقع لعملية التقاط النيترونات السريعة R-Process  حسنا فعلت!، في الواقع هذا مجرد بداية.“

أما الفيزيائيون الألف وأربعمئة الذين وقّعوا لحجز وقت لاستخدام المرفق FRIB فسيجرون العديد من التجارب الأخرى، بدءا من محاصرة نواة واحدة غرائبية وقياس خصائصها، إلى قياس وابل من النوى الجديدة المتشتتة من نواة هدف معين. وسوف تُغذي البيانات من التجارب نظريةً أكثر شمولا من بنية النواة، كما يقول نازاروفيتش. فلدى الفيزيائيين بالفعل نظرية أساسية لمكونات البروتونات والنيوترونات الداخلية، وهي جسيمات تُسمى الكواركات Quarks والغلوونات Gluons، وكيف تتفاعل. ولكن استخدام هذه النظرية، والمعروفة بالديناميكا اللونية الكمية  Quantum Chromodynamics، للتنبؤ بالهيكل النووي مستحيل فعليا: إنه معقد حسابيا بحيث تكون هناك حاجة إلى الحواسيب الفائقة Supercomputers فقط لمحاكاة البروتون والنيوترون.

ولنمذجة سلوك النوى، يعتمد الفيزيائيون النظريون الآن على مختلف النظريات الفعّالة Effective Theories التقريبية التي تنطبق على بعض النوى، ولكن ليس سواها. ويقول نازارفيتش إنّ الهدف الأكبر للمرفق FRIB هو تطوير فهم أعمق يُمكّن النظريين من نسج هذه النظريات، المتباينة والمتناقضة في بعض الأحيان، معا في كُلٍ متماسك.

أولا، يجب على الباحثين إنهاء المُسرّع. وفي سبتمبر، أطلقوا شعاع اختبار من خلال القسم الأول منه، والمصنوع من تجاويف نحاسية تعمل في درجة حرارة الغرفة. وهم الآن يقومون بتثبيت الوحدات الرئيسية المُعجِّلة والمصنوعة من النيوبيوم فائق التوصيل Niobium Superconducting التي يجب أن تكون مُبرّدة بالهليوم السائل إلى درجة 2 كلفن. ويأمل الباحثون بإرسال الحِزَم من خلال المُعجِّل البارد العام المقبل. كما يخططون لهدم الجدار وربط المُعجِّل النهائي بالمختبر الحالي بحيث يمكن للتجارب الجديدة أن تبدأ في عام 2021.

وقد يكون أكبر تهديد لاستكمال المرفق FRIB في الوقت المحدد سياسيا. إذ دعا البيت الأبيض في طلب الميزانية للسنة المالية 2018، الذي بدأ في الأول من أكتوبر، إلى خفض تمويل المرفق FRIB من 100 مليون دولار إلى 80 مليون دولار، وإلى تمديد فترة البناء – وهو أحد التخفيضات الكثيرة المقترحة التي من شأنها أن تقلل الميزانية العلمية لوزارة الطاقة والبالغة 5.4 بليون دولار أمريكي بفارق 900 مليون دولار .

إلاّ أنّ صُناع الميزانية في مجلسي الكونغرس عارضوا التخفيضات، وأصدرت لجنة العلوم Science Committee  في مجلس النواب هذا الأسبوع مشروع قانون يدعو إلى تمويل كامل للمرفق FRIB. ولا تزال الميزانية النهائية لعام 2018 مُعلَّقة. ويُركّز الباحثون في المرفق FRIB على العمل الموجود بين أيديهم ويتجاهلون احتمال حدوث تأخير، ويقول غلاسماخر: ”إنّ قاعدتي الأساسية هي التمسك بالخطة حتى تكون هناك معلومات قابلة للتنفيذ.“ وأضاف: ”سنتعامل مع الأمر في حينه.“

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى