12 رؤية أساسية في الابتكار
على مدار عقود والباحثون ينشرون ما توصلوا إليه من نتائج حول الابتكار في مجلة MIT Sloan Management Review. وفي هذا المقال نستعرض أفضل اثنتي عشرة عِبْرة.
يمثل الابتكار تحديًا مستمرًّا يُواجه الإدارة. ولهذا، منذ عقود ومجلة MIT Sloan Management Review (اختصارا: المجلة MIT SMR) تنشر الأبحاث والرؤى الجديدة حول الابتكار، لأبرز الباحثين في كليات إدارة الأعمال، وكذلك أبرز المسؤولين التنفيذيين والمستشارين في عالَم الأعمال.
ولهذا المقال، استعنَّا بقاعدة المعرفة تلك. فبحثنا في أرشيف المجلة عن مقالات قديمة تدور حول الرؤى الابتكارية التي ربما غابت عن القُرَّاء لكنها لا تزال مهمة عبر قطاعات واسعة. بعد ذلك قلصنا قائمة المقالات وشرعنا في استخلاص اثنتى عشرة رؤية ابتكارية من أرشيف المجلة لنقدمها في هذا الشكل الموجز.
ونقدم هنا هذه الاختيارات بإيجاز حتى يتسنى لك تصفحها بسهولة. ولكن يمكن أن تتعمق في أي منها، فقد جمعنا جميع المقالات المذكورة على الرابط التالي: http://sloanreview.mit.edu/tag/essential-innovation-insights.
الرؤية الابتكارية الأولى
الابتكار ليس بالضرورة اختراع منتج جديد، وإنما تقديم قيمة جديدة.
لا يدور الابتكار حول تطوير منتجات جديدة أو تكنولوجيا جديدة فحسب. ففي المقالة التي نشرتها المجلة MIT SMR في عام 2006 بعنوان: 12 طريقة مختلفة أمام الشركات للابتكارThe 12 Different Ways for Companies to Innovate (http://sloanreview.mit.edu/article/the-different-ways-for-companies-to-innovate/)،1 حثَّ كل من موهانبير ساني Mohanbir Sawhney وروبرت سي. وولكوت Robert C. Wolcott وإنيجو أرونيز Inigo Arroniz، الرؤساءَ التنفيذيين على التفكير واسع الأفق فيما هي الأنواع المحتملة للابتكار. وقد أشار المؤلفون إلى أن الشركات، التي تعمل في الصناعة نفسها «تميل إلى الابتكار في إطار الأبعاد نفسها»، سواء أ كانت هذه الأبعاد هي البحث والتطوير Reserch and Development (اختصارا: R&D)، أم الابتكار في العمليات، أو العلامة التجارية. إلا أن النظرة للابتكار من هذا المنظور الضيق «تحجب عن الشركات رؤيةَ الفرص المتاحة، وتتركها فريسة سهلة لمنافسين يتمتعون بمنظور أوسع.» وقد استخدم سَاني وولكوت وأرونيز أمثلة مثل ستاربكس Starbucks التي ابتكرت نفسها، ليس من خلال تقديم منتج مختلف، وإنما من خلال توليد تجربة مستخدم من نوع مختلف، وهو ما وصفته الشركة بأنه توفير “مكان ثالث” للقاءات في مكان بين المنزل والعمل.
وقد شدَّد المؤلفون على أن الابتكار في العمل يرتبط بتقديم قيمة جديدة، وليس بالضرورة أشياء جديدة، كما أنه يأتي في صور مختلفة. وقدم المؤلفون ما يُطلَق عليه “رادار الابتكار” Innovation radar، حتى يتسنى للشركات التفكير في 12 مجالًا مختلفًا يمكنهم الابتكار فيها، بدءًا من طريقة اقتناص القيمة Method of vaue capture إلى عمليات التشغيل إلى المنصات. وخَلُصَ المؤلفون إلى أنه «عندما تحدد الشركة بعدًا جديدًا ومُهملا للابتكار وتسعى إلى تحقيقه، فإنها يمكن أن تغير الأساس الذي تقوم عليه المنافسة، وتترك الشركات الأخرى في موقف غير مؤاتٍ بشكل جليّ».
الرؤية الابتكارية الثانية
تَحدَّ المنافسين بلعب لعبة جديدة.
القلقة التكنولوجية Technological disruption هي أحدى وسائل قلب السوق رأسًا على عقب، ولكنها ليست الوسيلة الوحيدة لذلك. فبالنسبة إلى بعض الشركات يَكْمُن السر في تغيير قواعد اللعبة، وذلك وفقا لكونستانتينوس ماركيدز Constantinos Markides من كلية لندن لإدارة الأعمال London Business School.
لقد درس ماركيدز –أثناء إجراء الأبحاث التي استند عليها في كتابة مقالته الابتكار الاستراتيجي Strategic Innovation (http://sloanreview.mit.edu/article/strategic-innovation/)2 الذي نُشِر في عام 1997– أكثر من 30 شركة نجحت في الهجوم على رواد الصناعة دون أن تكون لديها ميزة ابتكار تكنولوجي خارق. وقد توصل ماركيدز إلى أن العامل المشترك في مثل ذلك النجاح هو أن المهاجم غيَّر قواعد اللعبة، وهي ظاهرة أطلق عليها ماركيدز “الابتكار الاستراتيجي” Strategic innovation. فعلى سبيل المثال، غيرت شركة الخطوط الجوية ساوث ويست Southwest Airlines قواعد صناعة الخطوط الجوية عندما قررت أن تنظم رحلات من نقطة إلى نقطة Point-to-point مباشرة عوضا عن السفر عبر المدن/مراكز التجمع. وقد كتب ماركيدز: «يحدث الابتكار الاستراتيجي عندما تحدد إحدى الشركات الفجوات في خريطة تموضع الصناعة، وتُقرر ملء تلك الفجوات، ثم تكبر تلك الفجوات لتصبح سوقًا جديدة واسعة النطاق.»
قدم ماركيدز إطارا للتفكير في الابتكار الاستراتيجي قائما على ثلاثة أسئلة رئيسية: من هم عملاؤك؟ وما المنتجات أو الخدمات التي يتعين أن تقدمها لهم؟ وكيف يتعين عليك تقديمها إليهم؟ ويشير ماركيدز إلى أنه، لتغيير قواعد اللعبة في صناعتهم يمكن للشركات إما إعادة تعريف الأعمال، أو إعادة تعريف هوية من هم عملائهم، أو إعادة تعريف المنتجات التي يقدمونها للعملاء، أو إعادة تعريف كيفية إدارة الأعمال، أو بدء عملية التفكير الاستراتيجي من نقطة مختلفة–على سبيل المثال- الإمكانات الفريدة التي تتمتع بها المؤسسة.
وبالطبع، فإن التوصل إلى أفكار جديدة للابتكار الاستراتيجي لا يضمن النجاح، إذ يقول ماركيدز: «من المُجدي إعادة التأكيد على أن ابتكار أفكار جديدة شيء، والنجاح في السوق شيء آخر.»
الرؤية الابتكارية الثالثة
ركِّز على تحديد مواضع اللايقين في مشروعات الابتكار وحلِّها.
أشار كل من مارك بي. رايس Mark P. Rice وجينا كولاريلي أوكونور Gina Colarelli O’Connor ورونالد بيرانتوزي Ronald Pierantozzi، في مقالتهم المنشورة في عام 2008 بعنوان “تطبيق خطة تعلُّم لمواجهة اللايقين المشروعات”Implementing a Learning Plan to Counter Project Uncertainty (http://sloanreview.mit.edu/article/implementing-a-learning-plan-to-counter-project-uncertainty/)،3 إلى أن مشروعات الابتكار التي تمثل إنجازات إبتكارية خارقة، تتضمن بالضرورة درجة عالية من اللايقين. ومن ثمَّ، بدلًا من محاولة تطبيق تقنيات تخطيط شديدة التنظيم على مثل مشروعات الابتكار تلك، اقترحوا أن تركز الشركات على تحديد نقاط اللايقين التي تحتاج إلى حلّها وترتيب أولوياتها.
طوَّر المؤلفون إطار عمل Framework لتحويل نقاط اللايقين إلى تجارب تعلُّم، من خلال دراسة مشروعات الابتكار الكبرى في 10 شركات نطاق عملها التكنولوجيا بشكل مكثف، من بينها جنرال إلكتريك GE، وآي بي إم IBM، وذلك لمدة سبع سنوات. وخلص المؤلفون إلى أنه في المشروعات ذات الإنجازات الخارقة التي يكون فيها شكل السوق مستقبلًا لم يتحدد بعد، ولم يكن من الواضح بعد أي التطبيقات ستلقى ستنجح، فإن تحديد المراحل الأساسية Milestones قد لا يكون المقاربة الأفضل. إذ كتب رايس وأوكنور وبيرانتوزي: «في مثل هذه السيناريوهات، قد يكون الأكثر منطقية وفائدة أكثر تحديد نقاط اللايقين التي تحتاج إلى حلّها وترتيب أولوياتها لتعريف المقاربات البديلة لاستكشافها، وللتقييم المستمر لقيمة التعلُّم التراكمي، مقارنة بالتكاليف المُتكبَّدة».
واقترح رايس وأوكونور وبيرانتوزي أن تقوم الشركات بتطوير ما أطلقوا عليه “خطة تعلُّم” Learning plan، لمساعدة فرق العمل على دراسة أربعة أنواع من اللايقين: التقني، والسوق، والتنظيمي، والموارد. وقد تُستخدم هذه الآلية «لاستكشاف الثغرات في المعرفة، ووضع سجل لما هو معروف، ولتحديد أولويات نقاط اللايقين الأشد خطورة، ، واقتراح افتراضات بديلة حول واقع كل نقطة لا يقين، والتوصل إلى طرق لاختبار الافتراضات وحل نقاط اللايقين بأقصى سرعة وأقل تكلفة مُمكنتين.»
وقد قدم المؤلفون بعض الاقتراحات المفيدة حول كيفية تطبيق مقاربتهم بفعالية. فبدلًا من التعامل بأسلوب خطِّي Linear fashion، اقترحوا تطبيق مسارات متعددة، أو “حلقات تعلُّم” Learning loops، كي تُتاح لفرق العمل مراجعة النتائج، وتوضيح الافتراضات، وتحديد اختبارات جديدة لإطلاقها. وجادل المؤلفون بأن الجانب شديد الأهمية لهذه المقاربة هو الإشراف المناسب من قبل أشخاص لديهم خبرة في مشروعات تنطوي على نسبة كبيرة من اللايقين. وأحد مخاطر الاعتماد على أفراد يفتقرون إلى مثل سهذه الخبرة، هي أنهم قد يتسببون في القضاء على المشروعات الواعدة في المراحل المبكرة جدا.
الرؤية الابتكارية الرابعة
تذكر أن كونك الأول في الوصول إلى السوق ليس ضمانًا بالنجاح.
واحدة من أكثر البديهيات Axioms صمودًا في عالم الأعمال هي: أنه بغض النظر عمَّا إذا كنت تدير شركة ناشئة Startup أو شركة مؤسسة، فإن الوصول إلى السوق أولا أمر مربح. ولكن، كما يقول المؤلفان جيرالد جيه. تيليس Gerald J. Tellis وبيتر إن. غولدر Peter N. Golder في مقالتهما المنشورة في عام 1996 بعنوان “الأول في السوق، الأول في الفشل؟ الأسباب الحقيقية للاستمرار في ريادة السوق” First to Market, First to Fail? Real Causes of Enduring Market Leadership (http://sloanreview.mit.edu/article/first-to-market-first-to-fail-real-causes-of-enduringmarket-leadership//)،4 فإن قضية الدخول إلى السوق قبل الجميع يمكن أن تكون -بل غالبًا ما تكون- قضية مبالغً فيه ومشوَّهًا بسبب طبيعة البيانات. إذ أشار المؤلفان إلى أن الدراسات السابقة-التي وجدت أن الشركات الرائدة حازت على ميزة الدخول المبكر لم تستطلع سوى الشركات التي نجحت في البقاء والاستمرار.
لقد درس المؤلفان تاريخ 50 فئة من شركات منتجات المستهلكين، وتوصَّلا إلى أن معدل الإخفاق لدى الشركات الرائدة في دخول السوق أولًا، وصل إلى 47 %. والأهم من ذلك، أن المؤلفَين وجدا أن دخول إحدى الشركات مبكرًا إلى السوق لم يكُن ميزة، من منظور الحصة السوقية Market-share، مقارنة بما أطلقوا عليه “القائد المبكر” Early leader، وهي الشركة التي تدخل إلى السوق بعد الشركات الرائدة، ولكنها تتولى قيادة السوق في مرحلة النمو المبكر للسوق. ويشير المؤلفان إلى أن القادة المبكرين غالبًا ما يكون لديهم معدل إخفاق أقل وحصة سوقية أعلى من الشركات الأولى.
وجد تيليس وغولدر في دراستهما أن القادة المبكرين مقارنة بالشركات الرائدة تميزوا، بخمسة عوامل: فكانت لديهم «رؤية للسوق العامة» للمنتج، كما أنهم كانوا يتميزون بالمثابرة في مواجهة التحديات الأعمال، وكانت لديهم القدرة على توفير الموارد لتحقيق رؤيتهم، وكانوا يبتكرون بلا هوادة، حتى ولو أن هذا يعني المخاطرة بمنتجاتهم الأخرى (أو حتى “إلتهامها”) كما أنهم أحسنوا استغلال أصولهم. فعلى سبيل المثال، في سوق الحفاضات ذات الاستعمال الواحد، كان هناك منتج يُطلَق عليه «تشاكس» Chux يحظى بتقييمات جيدة، سبق بعقود طرح منتج «بامبرز» من قبل شركة بروكتر آند غامبل Procer & Gamble في عام 1961. إلاّ أن شركة بروكتر آند غامبل نجحت في الاستفادة من مواردها التقنية والمالية في بناء مكانة لها في السوق العامة. وبالمثل، في السوق الأمريكية للبيرة الخفيفة، سبقت منتجات عدة طرحَ المنتج “ميلر لايت” Miller Lite في سبعينات القرن العشرين. وللاستحواذ على حصة سوقية لمنتج ميلر لايت، كانت الشركة الأم على استعداد للإنفاق بسخاء على الدعاية والإعلان (وهو ما لم تفعله شركة غابلنغرز Gablinger’s، إحدى الشركات الرائدة في تلك السوق).
ويخلص تيليس وغولدر إلى أن الدرس المستفاد ليس أنه من الأفضل أن تكون تابعًا بدلًا من أن تكون رائدًا، وإنما أن الاهتمام بعوامل القيادة الخمسة سيكون له تأثير أكبر في النجاح طويل المدى، سواء كانت الشركة أول من دخل إلى السوق أم لا. وكتبا: «إن دخول السوق أولًا لا يعني بالضرورة أن هذه ميزة مكتسبة، ولكنه يتيح الفرصة.»
الرؤية الابتكارية الخامسة
دعْ عملاءك يطوِّرون المنتج القادم.
عند تطوير منتجات جديدة، كيف تحدد ما يريده العملاء وما يحتاجون إليه؟ هذا بالطبع أحد التحديات الكلاسيكية، وهو التحدي الذي اجتهد المديرون للتغلب عليه على مدار سنوات عدَّة. ولكن، في مقالة منشورة في عام 1977 بعنوان “هل طوَّر أحد العملاء منتجك القادم بالفعل؟”Has a Customer Already Developed Your Next Product? (http://sloanreview.mit.edu/article/has-a-customer-already-developed-your-next-product//(5 أشار إيريك أيه. فون هيبل Eric A. von Hippel من كلية إم آي تي سلون للإدارة MIT Sloan School of Management إلى أن العديد من الشركات تخفق في أن تضع في اعتبارها المعلومات الحيوية المتاحة لها. وعند دراسة مصنِّعي الأدوات والمعدات العلمية، حدد فون هيبل نمطًا معينًا: «معظم المنتجات المبتكرة التي يُسوَّق لها تجاريًّا في تلك الصناعات، اخترعها وجربها واستخدمها في ذلك المجال مستخدمون مبتكرون، قبل أن تقوم شركات تصنيع المعدات أو الأدوات بتوفيرها تجاريًّا في الأسواق.» بل توصل فون هيبل أيضًا إلى أن «الشركة المُصنِّعة، التي تستفيد من جهود المستخدمين، لا تحتاج إلى سوى المشاركة بهندسة المنتجات، للحصول على ميزة ابتكار المنتج وطرحه في الأسواق أولًا.»
وكتب فون هيبل في مقالته أن المستخدمين مستعدون لتنفيذ الأعمال المبتكرة وتقديم معلومات قيِّمة، إذا كانوا يحتاجون إلى المنتج الجديد «بقدر ما تحتاج إليه أنت أو أكثر». وهذا قد يوفر على الشركات قدرًا كبيرًا من المال. إلا أن التحدي الكبير يتمثل بإقناع الأفراد داخل الشركة بتقبل موثوقية وقيمة المعلومات والأفكار التي تأتي من الخارج.
بعد ذلك تناول فون هيبل بعمق أكثر فكرة “ابتكار المستخدمين” User innovation في مقالات لاحقة نُشرِت في المجلة MIT SMR، من بينها مقال “عصر المستهلك المبتكر” The Age of the Consumer-Innovator (http://sloanreview.mit.edu/article/the-age-of-the-consumer-innovator/)6 الذي شارك في تأليفه مع كل من سوسومو أوغاوا Susumu Ogawa وجيرون بي. جيه. دى يونغ Jeroen P.J. de Jong في عام 2011. وفي تلك المقالة، أورد فون هيبل وأوغاوا و دي يونغ نتائجَ استقصاءات وطنية جديدة، تشير إلى أن المستهلكين الأفراد يؤدون دورًا مهمًّا في ابتكار وتعديل المنتجات. والأهم من ذلك، كما لاحظ المؤلفان، هو أن التقدم في مجالات مثل أدوات التصميم بمساعدة الحاسوب والطباعة ثلاثية الأبعاد، يعني أن «المستهلكين يجب أن يدركوا أن تصميم وصنع ما يحتاجون بأنفسهم يصبح أكثر سهولة يومًا بعد يوم.» وينصح فون هيبل وأوغاوا ودى يونغ الشركات بأنها «تحتاج إلى التفكير في كيفية إعادة ترتيب أنظمة تطوير المنتجات لديها، كي تتمكن بفعالية من تبني وتطوير النماذج الأولية، التي طوّرها المستخدمون.»
الرؤية الابتكارية السادسة
انظر إلى الابتكار باعتباره عملية خلق مزيج جديد من العناصر، مع نتائج ذات توزيع منحرف Skewed distribution.
في مقالة رائعة كتبها لي فليمنغ Lee Fleming في عام 2007 بعنوان الاختراقات والذيل الطويل للابتكار Breakthroughs and the ‘Long Tail’ of Innovation (http://sloanreview.mit.edu/article/breakthroughs-and-the-long-tail-of-innovation/)،7 استكشف فليمنغ ديناميكيات الابتكار. وبعد أن عرَّف فليمنج الابتكار على أنه «مزيج جديد من المكونات أو الأفكار أو العمليات،» أوضح أن عينات الابتكار تعكس توزيعًا منحرفا، إذ إن معظم الاختراعات غير ذات فائدة، وللقليل بعض القيمة، والقليل جدا هي إنجازات خارقة Breakthrough.
نتيجة لذلك، يجادل فليمنغ في أنه إذا كانت الشركات تريد تحقيق إنجازات خارقة يجب عليها (1) تنفيذ الكثير من محاولات “إصابة الهدف” Shots on goal، نظرًا لأن عددًا قليلًا للغاية فقط من اختراعاتها فقط إنجازات خارقة، (2) محاولة زيادة متوسط قيمة كل اختراع، (3) زيادة التباين في الأفكار التي تستكشفها، أي، بعبارة أخرى، «القيام بالكثير من المحاولات تجاه تحقيق هدف ثمين (أو ربما من الأفضل مجموعة أهداف ثمينة) لما كان نطاق تجارب أوسع سيتضمن على الأرجح أهدافًا ذات قيمة قصوى».
وإن القيام بمثل هذه المحاولات الجامحة هي إحدى بوابات دخول المخترعين الأفراد. ويشير بحث فليمنغ إلى أن المخترعين «الذين يعملون بمفردهم قد يكونون مصدرًا لمزيد من الإخفاقات وكذلك لمزيد من الإنجازات الخارقة.» وفي المتوسط، لا يكون المخترعون الأفراد على القدر نفسه من إبداع أونجاح فرق الابتكار-ولكن، للمفارقة، فإنهم يكونون على الأرجح مصدر للإنجازات الخارقة، لأن قيمة اختراعاتهم تكون متباينة بشدة. وهكذا، فأحد التحديات التي تواجه الشركات هي التوصل إلى طرق لدعم وإدارة المخترعين الأفراد لديها.
الرؤي الابتكارية السابعة
افهم الخيارات المتاحة أمامك للعمل مع المبتكرين الخارجيين.
إن معرفة متى وكيف تتاح إمكانية تطوير المنتجات لآخرين من خارج شركتك أمر صعب. فأي المقاربتين أفضل: العمل مع المبتكرين الخارجيين الذين ينظمون أنفسهم في مجتمعات تعاونية Collaborative communities (وهو النموذج الذي تجسده أنظمة لينكس Linux وغيرها من مشروعات البرمجيات مفتوحة المصدر Open-source software)، أم الاستفادة من سوق العمل التنافسي للحصول على المنتجات والخدمات، التي تكمل منتجك؟ وفقًا لما يقوله كيفن جيه. بودرو Kevin J. Boudreau وكريم آر. لاخاني Karim R. Lakhani، فالأمر يعتمد على معطيات عدة. إذ كتب المؤلفان في مقالة لهما نُشِرت في عام 2009 بعنوان “كيفية إدارة الابتكار الخارجي” How to Manage Outside Innovation (http://sloanreview.mit.edu/article/how-to-manage-
outside-innovation/)8 إلى أن القرارات التي تتخذها الشركات حول الابتكار الخارجي يجب أن تستند على الوضوح في (1) نوع الابتكارات التي يحتاجون إليها من المبتكرين الخارجيين، (2) دوافع المبتكرين الخارجيين، (3) طبيعة نموذج العمل الذي تطبقه الشركة.
نوع الابتكار The Type of Innovation
بعض نماذج الابتكار تكون أكثر بساطة في إدارتها من غيرها. ويشير بودرو ولاخاني في مقالتهما إلى أنه عندما تكون التكنولوجيا وتفضيلات المستهلك واضحة، فإن الشركات بصورة عامة لا تحتاج إلى الابتكار الخارجي: فهي قادرة على تطوير المنتجات داخليًا أو التعاقد مع متعهدين لأداء المهمة. ولكن، في الحالات التي تكون فيها بعض عناصر التصميم لاتزال في مرحلة التحديد، فإن إتاحة فرص الابتكار للجميع يمكن أن يثمر عن فوائد جمة. فالمجتمعات التعاونية بصورة عامة تقدم أفضل أداء لها عند التعامل مع المشكلات التي تعتمد على المعرفة التراكمية، والتي تتجاوز حدود ما يعرفه الأفراد على الأرجح. ووفقًا لبودرو ولاخاني، فإن الأسواق التنافسية تناسب أكثر التعامل مع المشكلات التي ستستفيد من «نطاق تجارب أوسع عبر مجموعة من المقاربات التقنية أو مجموعات المستخدمين.»
دوافع المبتكرين The Innovators’ Motivations
مثلما أن هناك أشكالًا مختلفة للابتكار الخارجي، يتعين على المديرين إدراك أن الدوافع التي تحرك المبتكرين الخارجيين مختلفة كذلك. المشاركون في الأسواق التنافسية عادةً ما تكون دوافعهم عوامل خارجية، مثل المكافآت المالية، في حين أن المجتمعات التعاونية تنطوي على اهتمام أكبر بالمكافآت الداخلية، مثل التحدي الفكري. ولذا، عند تقييم ما إذا كانت الشركة ستلجأ للتعامل مع المجتمعات التعاونية أو الأسواق التنافسية، يجب أن تكون على دراية بالدوافع المختلفة، وتدرس نوع الآليات، التي تحتاج إليها لتحقيق التوافق.
نموذج العمل The Business Model
القضية الثالثة التي يحتاج المديرون إلى وضعها في الاعتبار، عند اتخاذ قرار فتح أبواب منتجاتهم أمام الابتكار الخارجي، هي كيف سيؤثر ذلك في نموذج العمل بالشركة. وقد أوضح المؤلفان أنه عند اختيار ما إذا كانت الشركة ستتعاون مع أحد المجتمعات التعاونية أو السوق التنافسي، فسيساعدها كثيرًا أن تطرح سؤال: «من يبيع المنتج لمن؟» إذ إن إجابة هذا السؤال ستؤثر في التدفقات في الدخل income streams، وعلاقة الشركة بالمستهلكين، والدور المستقبلي الذي سيؤديه المبتكرون الخارجيون.
ويوضح بودرو ولاخاني أن إتاحة منتجات الشركة للابتكار الخارجي يعني أنه سيصبح منصة، ويجب أن يقرر المسؤولون التنفيذيون ما نوع نموذج منصة الأعمال الأمثل بالنسبة إلى شركتهم. ويمكن للشركات إما تضمين عمل المبتكرين الخارجيين في المنصة الخاصة بهم، أو السماح لهم ببيع المنتجات من خلال المنصة، أو خلق أسواق ثنائية الاتجاه تتيح التفاعل بين المبتكرين الخارجيين والمستهلكين.
ولحسن الحظ، كما يشير المؤلفَان، فإن استراتيجية الابتكار في الشركة لا يجب أن تكون «ثابتة لا تقبل التغيير»، فمع تغيُّر احتياجات العمل، يمكن أن تتغير استراتيجية الابتكار كذلك. فعلى سبيل المثال، في البداية كانت لدى شركة أبل Apple مجموعة صغيرة من الشركاء الذين يقومون بإنتاج تطبيقات لهاتفها آيفون iPhone، ولكن في غضون شهور فحسب، طوّر المطورون الخارجيون أكثر من مئة تطبيق غير مرخص، مما دفع أبل إلى إعادة التفكير في قرارها، ووضع شروط ترخيص وإعداد اتفاقيات لمشاركة العائدات. والدرس المستفاد من هذه التجربة، كما يوضح المؤلفان، هو أن «الشركة تحتاج إلى تصميم نهجها المحدد، بحيث يتناسب مع سياق طبيعة عملها.»
الرؤية الابتكارية الثامنة
اخلق بنية وأنظمة تدعم الابتكار المستمر.
تعرف الشركات الأكثر ابتكارا، كيف يمكنها تقديم أكثر من مجرد طرح منتجات ناجحة من حين إلى آخر. وكما أوضح سكوت دي. أنتوني Scott D. Anthony ومارك دبليو. جونسون Mark W. Johnson وجوزيف في. سينفيلد Joseph V. Sinfield في مقالتهم المنشورة في عام 2008 بعنوان “الابتكار في إطار مؤسسي” Institutionalizing Innovation (http://sloanreview.mit.edu/article/institutionalizing-innovation/)،9 فإن الشركات المتمرسة في الابتكار، تكون لديها مجموعة من الإمكانات التي يمكن أن تنقلها من مرحلة وضع خطة النمو وحتى التنفيذ.
وقد طوّر المؤلفون أفكارهم حول الابتكار من خلال إجراء لقاءات وحوارات في أكثر من 40 مؤسسة تعمل في صناعات مختلفة، وإجراء مسح، وكذلك العمل الميداني في أكثر من 50 شركة. وتوصلوا إلى أن «الشركات التي تضع مخططات أولية للنمو، وتصنع محركات للابتكار، وتدعم تلك المحركات بتوفير الأنظمة والأفكار المناسبة، يمكنها توفير الظروف المثلى للتوصل إلى ابتكارات جوهرية.»
كيف يمكن، إذًا، للشركات أن تسير في هذا الاتجاه؟ بادئا ذي بدء، تحتاج الإدارة إلى وضع “مخطط نمو” Growth blueprint يحدد بالضبط ما تسعى الشركة إلى تحقيقه، وكذلك الاختيارات المحددة، التي ستدرسها أو التي ستتجنبها، لتحقيق أهدافها.
ووفقًا لأنتوني وجونسون وسينفيلد، هناك عنصر آخر شديد الأهمية، ألا وهو تحديد كيف تريد الشركة تخصيص مواردها -الوقت والمال لتحقيق أهدافها المتعلقة بالنمو. وإحدى المقاربات هي تحقيق التوازن بين محفظة الابتكار Innovation portfolio ومزيج من التحسينات على الأعمال الأساسية Core business والإضافات الملحقة به ومبادرات النمو في مجالات جديدة. وإذا ما أخفقت إحدى الشركات في تقسيم موارد الابتكار بين الأنواع المختلفة من المشروعات، بصورة مناسبة تنمُّ عن إدراك وفهم تامَّين، فسينتهي الأمر بها غالبًا بمشروعات ابتكار ذات فائدة بسيطة. بل وأكثر من ذلك، «إذا ما تعرض العمل الأساسي لمشكلات، فستواجه الشركة إغراءً قويًّا لاستخدام الموارد، التي خصصتها الشركة للمشروعات، التي تنطوي على مخاطرة، في سبيل إنقاذ الشركة. وعلى المدى القصير، قد يبدو هذا الأمر منطقيًّا، لكنه على المدى البعيد قد يكون كارثيًّا.»
وعلى الرغم من أن أنتوني وجونسون وسينفيلد قد سلّطا الضوء على العديد من الأسئلة التي يحتاج المبتكرون المستقبليون إلى التعامل معها، فقد كانوا حريصين على ألا تكون إجاباتهم تقريرية تحدد بالضبط ما عليهم فعله، وأضافوا أنه، حتى داخل الشركة الواحدة، يجب أن يكون المديرون مستعدين لإدارة وقياس الأنواع المختلفة من فرص النمو بصورة متباينة.
كما تحتاج الشركات أيضًا إلى تصميم ما أسماه المؤلفون “محرك ابتكار” Innovation engine يتضمن بنية لتقييم ودراسة وتطوير المشروعات الابتكارية والإشراف عليها. وإضافة إلى هذا، أشار المؤلفون إلى أنّ هناك عددا من النماذج المختلفة لبُنى الابتكار التي يمكن للشركات استخدامها.
الرؤية الابتكارية التاسعة
حقِّق التواصل بين الأشخاص، الذين يمكنهم ابتكار أفكار جديدة، وأولئك الذين يمكنهم تسويقها تجاريًّا.
تسعى الشركات باستمرار إلى استقطاب الأفكار الخارجية ودمجها في عمليات الابتكار لديها، غير أن تنفيذ هذا بفعالية وكفاءة يحتاج إلى فهم نوعَين من وسطاء الابتكار، وذلك بحسب ما يراه كل من إوين ويلان Eoin Whelan وسالفاتور باريس Salvatore Parise وجاسبر دى فالك Jasper de Valk وريك ألبيرس Rick Aalbers. ففي مقالتهم المنشورة في عام 2011 بعنوان “خلق شبكة بين الموظفين تولد الابتكارات المفتوحة” Creating Employee Networks That
Deliver Open Innovation (http://sloanreview.mit.edu/article/creating-employee-networks-that-deliver-open-innovation/)،10 اعتمد المؤلفون على أبحاث أجروها حول بثِّ الأفكار المبتكرة من خلال الشبكات الشخصية في الشركات. وقد أوضح المؤلفون أهمية كل من “مستطلعي الأفكار” Idea scouts و “موصلي الأفكار”Idea connectors. إذ يبرع الفريق الأول في تحديد الأفكار الخارجية الجديدة، وغالبًا ما يكون ذلك عن طريق الإنترنت، ولكن التطبيق الفعال لهذه الأفكار يتطلب أن يكتمل التركيز الخارجي لمستطلعي الأفكار بالتفاعل مع الموظفين الذين لديهم شبكات مكثفة وتأثير كبير داخل الشركة، وكذلك قاعدة معرفة واسعة النطاق، وهي المجموعة التي أطلق عليها المؤلفون “موصلي الأفكار”.
ويميل العديد من قادة البحث والتطوير، الذين يسعون وراء الأفكار الخارجية من خلال الابتكار واسع الأفق، إلى التأكيد فقط على أهمية دور مستطلعي الأفكار، وهو ما يرى المؤلفون أنه خطأ، وكانت نصيحتهم أن الشركات يجب أن تفكر في الآليات الرسمية التي تجمع بين مستطلعي الأفكار وموصلي الأفكار معًا. وكتب المؤلفون في مقالهم: «الأفكار الواعدة لن تنضج إلى نتائج مبتكرة إلا إذا وصلت إلى تلك العناصر من شبكة الموظفين التي لديها الخبرة والسلطة لاستغلالها.»
الرؤية الابتكارية العاشرة
ليس من الضروري أن يتمخض الابتكار عن إنجازات خارقة هائلة، بل ربما يتضمن تسريع تطوير المنتجات وتقليل تكلفته.
بحسب بيتر جيه. ويليامسون Peter J. Williamson وإيدن ين Eden Yin، فإن الشركات الصينية تتعامل مع الابتكار بطريقة مختلفة اختلافًا جوهريًّا، فبدلًا من التوجه نحو الإنجازات الخارقة الكبرى، فإنها تستهدف دورات تطوير أسرع. ولكتابة مقالتهما المنشورة في عام 2014 بعنوان “تسريع عجلة الابتكار: التحدي الجديد من الصين” Accelerated Innovation: The New Challenge From China (http://sloanreview.mit.edu/article/accelerated-innovation-the-new-challenge-from-china/)،11– درس ويليامسون وين أكثر من 20 شركة صينية تعمل في صناعات مختلفة، وتوصَّلا إلى أنه، من خلال تحليل عملية الابتكار إلى خطوات بسيطة وتقسيمها على فرق العمل، تمكنت الشركات من إنهاء المشروعات وتقديم نتائج أسرع. وقد أوضح المؤلفان في مقالتهما أن تلك الشركات «تدفع بحدود التنظيم المنهجي بعيدًا وتنتقل إلى مستوى جديد تمامًا في مجهوداتها لتسريع عجلة الابتكار، والاستفادة من إمكانات فريق هائل من الفنيين والمهندسين الأكفاء، ولكن غير المميزين، ومن تقليل التكاليف.»
على سبيل المثال، استطاعت شركة متعهدين outsourcing، تقدم خدماتها لصناعات المستحضرات الدوائية والمستحضرات الدوائية البيولوجية والمعدات الطبية، أن تنتهي من مشروعات مرَّتَين إلى خمس مرَّات أسرع من المشروعات المماثلة باستخدام التقنيات التقليدية. كما حققت مجموعة لينوفو المحدودة Lenovo Group Ltd. التي استحوذت على قطاع أجهزة الحاسوب الشخصية لشركة آي بي إم IBM مكاسب مماثلة. فمن خلال تقسيم تصميمات المنتج إلى وحدات تتولى القيام بها فرق صغيرة تعمل بالتوازي مع بعضها، تمكنت الشركة من تقليص وقت دورة تطوير المنتج الجديد إلى النصف. كما أقرَّ ويليامسون وين أن العديد من العمليات والتقنيات التي تستخدمها الشركات الصينية، توظفها شركات التكنولوجيا في أماكن مثل وادي السيليكون Silicon Valley. ومن المثير للاهتمام حقًّا، كما أوضح المؤلفان في المقال، كيف أن الشركات الصينية تدخل «الابتكار سريع الخطى مع التوسع السريع والجودة وانخفاض التكلفة» إلى العديد من الصناعات المختلفة.
الرؤية الابتكارية الحادية عشرة
اجعل مجتمعات المستهلكين حلفاءك.
من الشائع أن تلتمس الشركات الأفكار والتقييمات والآراء من المستهلكين، ثم تعمل على دمج ما جمعته من معلومات في المنتجات والخدمات المستقبلية التي تقدمها، غير أن عددًا محدودًا فحسب من الشركات تتعامل مع فكرة اطِّلاع ووعي العملاء بجدية كبيرة، مثلما فعلت مجموعة ليغو Lego Group. ففي السنوات الأخيرة، قامت شركة ألعاب الأطفال الدنماركية التي حازت ألعاب البناء البلاستيكية الملونة التي تنتجها، شهرةً كبيرةً لدى الأطفال، على مدار عقود- باستكشاف طرق جديدة ومنتجة للتفاعل مع مستخدمي منتجاتها. ففي مقالة نُشِرت في عام 2012 بعنوان “التعاون مع مجتمعات المستهلكين: دروس مستفادة من مجموعة ليغو” Collaborating With Customer Communities: Lessons From the Lego Group (http://sloanreview.mit.edu/article/collaborating-with-customercommunities-lessons-from-the-lego-group/)12، كتب المؤلفون يون مي أنتوريني Yun Mi Antorini وألبرت إم. ميونز جونيور Albert M. Muñiz Jr. وتورمود أسكيلدسن Tormod Askildsen: «من خلال التجربة والخطأ، طوَّرت شركة ليغو فهمًا راسخًا لما يتطلبه بناء علاقة تعاونية مفيدة ومدرَّة للأرباح مع المستخدمين والحفاظ عليها،» وهذا التعاون دفع شركة ليغو إلى أبعاد جديدة مثيرة للدهشة من النمو والتوسُّع.
وعلى مدار التاريخ، كانت شركة ليغو تصمم منتجات للأطفال الصغار، ولكن في تسعينات القرن العشرين، أزاحت الستار عن سلسلة جديدة من المنتجات التي لاقت إعجابًا ورواجًا بين المستخدمين الأكبر سنًّا. وفي الوقت نفسه، سهَّل الإنترنت نمو مجموعات مستخدمي ليغو، والتي تتكون من محبي لعبة ليغو من الكبار، ثم اتسعت مجموعات المستخدمين عالميًّا، وبدأت منتجات مبتكرة من إنتاج المستخدمين -على سبيل المثال، برنامج تصميم بمساعدة الحاسوب لتصميم نماذج ليغو- على الانتشار. وكما أشار المؤلفون في مقالهم، فإن العديد من الابتكارات التي صممها جمهور ليغو«ساعدت على تحسين وتطوير نظام بناء لعبة ليغو، أو قدمت طرقًا جديدة لاستخدامها تتماشى تمامًا مع الطريقة، التي فكرت فيها شركة ليغو نفسها في منتجاتها.» وبدأت الشركة بالتواصل مع جمهور اللعبة بحثًا عن أفكار تسويقية أو آراء حول المنتجات قيد التطوير.
غير أن التعاون مع المستخدمين ينطوي على تحديات أيضًا، ففي بعض الأحيان وجدت إدارة ليغو أن جمهور اللعبة من الكبار غابت عن أذهانهم حقيقة أن المستخدم النهائي الرئيسي لمنتجات الشركة هم الأطفال وليس الكبار، وفي بعض الحالات كان الجمهور يقترح تطبيقات «تتجاوز معايير ما صُمِّمت المنتجات من أجله في الأساس».
ومن خبرتها في التعاون مع مجموعات المستخدمين، طورت شركة ليغو عددًا من المبادئ للتعاون مع المستهلكين في تطوير المنتجات. وأحد الدروس الرئيسية هو أهمية أن يكون للتوقعات إطار يتميز بالواقعية، ففي النهاية ربما يرغب المستخدمون في المساهمة بوقتهم، ولكن لكل منهم حياة ينهمك بها. (وهذا يتضمن الوضوح قدر المستطاع فيما يتعلق بمعايير الشركة حول متى من المتوقع أن تبدأ المشروعات وتنتهي). وثمَّة درس آخر، تعلمته الإدارة في هذا الشأن، وهو أن العلاقات لا يمكن أن تكون أحادية الجانب، إذ يتعين ألا تكون هذه العلاقة مفيدة للشركة فحسب، ولكن أيضًا أن تعود بالنفع على المستخدمين. ويقول المؤلفون في مقالهم: «بدلًا من اعتبار التعاون شيئًا يتعين إدارته حصريًّا من جانب الشركة، من المثمر أن ننظر إليه باعتباره حوارا مستمرّا بين طرفَين متحالفَين، إذ يشارك كل من الطرفَين بموارد مهمة تخدم هدفًا مشتركًا. وكثيرًا ما نجد أن المجموعتَين من الموارد تكمل كل منهما الأخرى، وتساعد على دعم التعاون ودفع الحوار إلى الأمام.»
الفكرة الابتكارية الثانية عشرة
لا تُعادِ الموظفين المبتكرين.
في الماضي كان مديرو الشركات غالبًا يشقون طريقهم إلى القمة من أسفل، ومن ثمَّ كانوا يتمتعون بخبرة كبيرة في الأنشطة التي يتولون الإشراف عليها، غير أن التغيرات السريعة، التي جاءت بها التكنولوجيا، تمخضت عن خلق هوَّة متزايدة الاتساع بين خبرة المديرين والموظفين التقنيين المتخصصين، وهو ما دفع روبرت دي. أوستن Robert D. Austin وريتشارد إل. نولان Richard L. Nolan إلى تحذير أن الشركات التي تطمح إلى أن تكون مبتكرة على المستوى التكنولوجي، ستحتاج للتعامل معه أو ستضطر إلى مواجهة عواقبه. وفي مقالتهما المنشورة في عام 2007 بعنوان “رأب الصدع بين المديرين والموظفين التقنيين” Bridging the Gap Between Stewards and Creators (http://sloanreview.mit.edu/article/bridging-the-gap-between-stewards-and-creators/)،13 كتب المؤلفان: «المشرف الجيد عادة ما يشجع الممارسات السليمة في العمل، ويعمل على إدخال تغييرات على تلك الممارسات مع تغير الظروف… لكن الآن أصبحت التغيرات تأتي أحيانًا من الموظفين الرئيسيين الذين لا يفهم المديرون عملهم جيدًا.»
النزاعات بين المديرين الذين ينصبُّ تركيزهم على العمل، والموظفين التقنيين ليست جديدة، فقبل 50 عامًا تقريبًا سلَّط الخبير الرائد في مجال الإدارة بيتر دراكر Peter Drucker الضوء على أهمية الموظفين الذين يتسلحون بالمعرفة والتحديات التي تواجهها الشركات في إدارتهم. وقد أوضح أوستن ونولان، من خلال دراسة لتطوُّر الإنترنت وإجراء مقابلات مع رواد شبكة الإنترنت، كيف أن سوء التفاهم بين المديرين الذين ينصبُّ تركيزهم على الأعمال، والموظفين التقنيين شديدي المهارة، تسبب في تأخر تبني التكنولوجيات الجديدة. فقد كان أبرز ما يشغل المديرين هو التوزيع الفعال للموارد، في حين أن الموظفين التقنيين كانوا أقل اهتمامًا بالكفاءة العامة وما تنطوي عليه خطة العمل، وأكثر تركيزًا على ما يرون أنه “الهدف الأسمى” والرؤية.
وقد توصل أوستن ونولان إلى أن النزاعات بين المديرين والموظفين التقنيين إلى حد ما تمثل جزءًا حتميًّا -بل وربما مفيدًا- من عملية الابتكار، غير أن التحدي الحقيقي هو تعلُّم كيفية إدارة هذا الخلاف، وقد اقترحا مجموعة من الإرشادات لتحقيق هذا الغرض. ومن بين الإرشادات التي وجهها المؤلفان إلى المديرين، هو تجنب مُعاداة الموظفين التقنيين، حتى لو أن هذا يعني تحمل وتقبل شخص تصعب إدارته، فإن محاولة التخلص من شخص واحد قد تتفاقم إلى خسارة شخصين أو ثلاثة، مما يترك الشركة تفتقر إلى المهارات الإبداعية. وكما كتب أوستن ونولان: «فإنّ تحمل قدر محدود من السلوكيات المثيرة للحنق من قبل الموظفين التقنيين قد يكون ثمنًا مقبولًا للاحتفاظ بالمهارات المتميزة.» وكما اقترح المؤلفان أيضًا الاستعانة بأشخاص يمكنهم فهم لغة الطرفَين، إذ يمكن أن يساعد هؤلاء على التوسط في النزاعات والخلافات الداخلية.
وأشار المؤلفان إلى أن «التحديات في إدارة شخص لا يريد أبدا القيام بالأمر نفسه مرَّتَين، ويسعى دائمًا إلى استكشاف أفكار جديدة، هي تحديات جوهرية، وتختلف عن التحديات التقليدية» التي يواجهها المديرون، غير أن المديرين، الذين لا يتعلمون كيفية إدارة الموظفين التقنيين، يخاطرون بإضاعة فرص هائلة، كما أنهم «لن يستمتعوا بالعمل أيضًا».