تغيير اللون عند الحرباء
تعتبر الحرباء من الكائنات الغريبة في مملكة الحيوان، ومن أوائل الناس الذين وصفوها بدقة هو الفيلسوف اليوناني أرسطو والذي وصفها بأنها تتمتع ببعض الخصائص التي لا يوجد لها مثيل في الحيوانات الأخرى، كقدرتها على تحريك عينيها باتجاهين مختلفين في نفس الوقت. وتتميز كذلك بلسانها الطويل جداً ذو الطرف اللزق الذي يمكنها من اصطياد الحشرات من مسافات لا بأس بها. بالإضافة إلى قدرتها الإستثنائية بتغيير لونها في أي لحظة.
ومن أهم وظائف تغيير اللون في الحرباء هو التخفي والتمويه في الدرجة الأولى. بالإضافة إلى أن تغيير اللون يلعب دوراً اجتماعياً هاماً في إعطاء إشارات لضبط العلاقات الاجتماعية مع الأفراد الآخرين من نفس النوع. كما أن هذه الخاصية تتيح للحرباء أيضاً التحكم في درجة حرارة الجسم كونها من الحيوانات ذوات الدم المتغير أو كما كان يطلق عليهم قديماً، من ذوات الدم البارد.
وكمثال على صلة اللون بالعلاقات الاجتماعية، فإن لون الحرباء يتغير إلى اللون الفاتح الفاقع عند إظهار السلوك العدواني ضد حرباء أخرى، بينما يتغير إلى اللون الداكن عند إظهار سلوك الاستسلام والرضوخ.
أما بالنسبة لعلاقة اللون بالتحكم بدرجة حرارة الجسم، فإن حرباء ناماكوا التي تعيش في الصحاري تمتلك نظام تبريد قائم على التحكم بلون الجسم حيث يتحول لونها إلى الأسود خلال فترة الصباح الباردة وذلك لامتصاص دفء أشعة الشمس بكفاءة عالية. ثم ومع ارتفاع درجة حرارة النهار، يتحول لون الحرباء إلى اللون الرمادي الفاتح حتى يعكس حرارة أشعة الشمس.
وفي مملكة الحيوان يوجد العديد من الحيوانات التي تتحكم بلونها ولنفس أسباب الحرباء للتمويه والإختباء أو للتواصل الاجتماعي فيما بينها، أو للتحكم بدرجة حرارة الجسم، مثل بعض الزواحف الأخرى والأسماك وكذلك الأخطبوط. ولكن الاختلاف كبير جداً بين الآليات الفسيولوجية للتحكم باللون ما بين الحرباء وباقي الحيوانات، حيث تلجأ بقية الحيوانات الى التحكم بلون جلدها عن طريق تركيز أو تشتيت صبغات متواجدة داخل عُضيات تسمى ميلانوسومات وهي من مكونات طبقة الجلد.
وتبعاً لذلك ولفترة طويلة كان يعتقد أن عملية التحكم باللون لدى الحرباء تتبع نفس نظام تركيز أو تشتيت صبغات الميلانوسايت في خلايا الجلد، كأغلب الحيوانات التي لديها القدرة على تغيير لونها. ولكن أظهرت البحوث التي أجريت في عام 2014 على الحرباء النمر أن جلد الحرباء يتكون من طبقتين فوق بعضهما، وأن الطبقة السميكة العليا للجلد مكونة من خلايا تسمى إيريدوفورز وهي تشكل في مجموعها هيكل يحتوي على كريستالات بحجم نانوي متناهي الصغر من مادة الجوانين. وهذه المادة تتواجد طبيعياً في بقايا خروج الطيور وكذلك هي جزء من التركيبة الطبيعية لقشور الأسماك، حيث أنها هي المسئولة عن اللون اللامع لقشور الأسماك. فطبيعة مادة الجوانين تشبه في خواصها مادة الزجاج حيث أنها من ناحية التركيب الكيميائي فكل جزئ من الجوانين يتكون من عدة طبقات شفافة ذات عامل انحراف ضوئي كبير يؤدي إلى انحراف الضوء وعكسه باتجاهات مختلفة عند مروره خلال هذه الطبقات. وبسبب خاصية اللمعان هذه، فمادة الجوانين تستخدم في صناعات المساحيق التجميلية وطلاء الأظافر لتعطي لوناً لؤلؤياً لامعاً.
ومن الأشياء الغريبة المتعلقة بالاستجابة العصبية لهذه الخلايا، فإنه عند إثارة طبقة الجوانين يمكن التحكم بالمسافات بين طبقات الكريستالات النانوية ومن ثم يتأثر الطول الموجي للضوء عند اختراقه لها على حسب التباعد بين هذه الطبقات، فإما يتم امتصاصه أو يتم انعكاسه. ولذلك فإن الحرباء عندما تكون هادئة فإن المسافة بين الكريستالات في طبقة الجوانين تكون متقاربة فبالتالي تعكس اللونين الأزرق والأخضر وهذا هو اللون الشائع للحرباء، ولكن عندما يتم إثارة الحرباء، فإنها بطريقة غير معروفة تتحكم بالمسافة بين طبقات الجوانين مما يتسبب في أن الألوان ذات الطول الموجي الكبير مثل الأصفر، البرتقالي، الأخضر والأحمر يتم عكسها الى الخارج مما يعطي الحرباء لونها المتغير.
أما الطبقة الدنيا العميقة من جلد الحرباء فأيضاً تتكون من خلايا إيريدوفورز وتحتوي على كريستالات نانوية ولكنها أكبر حجماً من مثيلاتها في الطبقة العليا للجلد وتلعب دوراً فسيولوجياً مختلفاً. فهي تتميز بقدرتها على التعامل مع أشعة الشمس، إما بامتصاص الموجات الضوئية تحت الحمراء أو عكسها، حيث أن من خصائص هذه الموجات توليد الحرارة، فبالتالي تستطيع الحرباء التحكم بدرجة حرارتها بكفاءة عالية.
إن جلد الحرباء المتكون بهذه الطريقة والتركيبة، ووجود طبقتين من الإيريدوفورز متشابهتين تكوينياً وبيولوجياً، ولكنهما مختلفتين وظيفياً، إنما يشكل فائدة تطورية كبيرة للحرباء، بحيث أنه يجمع بين الكفاءة في التمويه والتخفي مع قدرات كبيرة لتغيير اللون حسب الحاجة الاجتماعية، وبالإضافة لكل هذا فإن منظومة تغيير اللون هذه قادرة في نفس الوقت على التخفيف من الآثار الحرارية للإشعاعات الشمسية المكثفة. فما أغرب هذا الحيوان الذي ما أنفك العلماء والباحثين من دراسة تكوينه البيولوجي الفريد.