الشباب الخالد؟ الجِرذان الخُلدية العارية قد تعرف السر
دراسة جديدة تزعم أنّ القوارض الغريبة تضرب إحصائيات النفوق بعرض الحائط– ولكن ليس الجميع مقتنع بذلك
على مدى فترة دراسة جِرذان الخُلدية العارية Naked Mole Rats، كثيرا ما فوجئت روشيل بوفنشتاين Rochelle Buffenstein، وأحيانا صُدمت، بالسمات غير العادية لهذه القوارض غريبة الشكل. ولكن عندما أحصت مؤخرا تاريخ حياة الآلاف من الحيوانات التي وُلدت في مختبرها، توصلت إلى أكثر الاستنتاجات إذهالا حتى الآن: قد لا يكون هناك رقم يُمثّل مدة حياة الجرذ الخلدي العاري. وبينما تتقدم الحيوانات بالسن (ويمكن أن تشيخ في الواقع) لا يبدو أنّ خطر النفوق يزداد، مما يجعل مفهوم الحد الأقصى لمدة الحياة لا معنى له، كما كتبت في ورقة نُشرت في إي لايف eLife الأسبوع الماضي. وتقول بوفنشتاين التي تعمل في كاليكو Calico، وهي شركة متفرعة من شركة غوغل للتكنولوجيا الحيوية Google Biotech، تركز على طول العمر:”بالنسبة إليّ، فإن هذه البيانات التي حصلت عليها هي البيانات الأكثر إثارة إطلاقا،” وأضافت: “إنها تتعارض مع كل ما نعرفه فيما يتعلق في بيولوجيا الثدييات.”
وعلى الرغم من أنّ الباحثين الذين يدرسون الشيخوخة قد رحّبوا بمجموعة من البيانات المذكورة في الورقة، إلا أنّ الكثيرين منهم حذّر من تعميم الاستنتاجات. ويقول جواو بيدرو دي ماغالهيس João Pedro De Magalhães، وهو اختصاصي شيخوخة Gerontologist من جامعة ليفربول University of Liverpool بالمملكة المتحدة United Kingdom: “أعتقد أنه من السابق لأوانه القول إنّ الجِرذان الخُلدية العارية هي حيوانات لا تتقدم في العمر.” ومع ذلك، كما يقول: “من الواضح أنّ هناك شيئا غير عادي تماما يحدث في هذه الحيوانات.” ويقول إيوان سانت جون سميث Ewan St. John Smith، عالم الصيدلة Pharmacologist الذي يدرس الجِرذان الخُلدية العارية في جامعة كامبريدج University of Cambridge في المملكة المتحدة United Kingdom: ” تُقّدم هذه الدراسة دليلا على أنّ الجِرذان الخلدية العارية يُمكن أن تقدم حلاًّ للشيخوخة الصحية.”
قادمة من موطنها الأصلي في القرن الإفريقي Horn of Africa وكينيا Kenya ، فإن للجِرذان الخُلدية العارية تشكل انحرافا واضحا من بين الأنواع الثديية. فالقوارض الحفّارة Burrowing rodents مثل بعض النحل وتقريبا جميع النمل، هي حيوانات اجتماعية حقيقية Eusocial: كل مستعمرة لديها أنثى واحدة مُنجِبة. كما أنّ أجساد الجرذان الخلدية العارية المجعّدة والشبيه بالسجق مُقاومة لبعض أنواع الألم، ويمكنها البقاء على قيد الحياة لمدة 18 دقيقة من دون أكسجين ونادرا ما تُصاب بالسرطان.
والقلة فقط قد درست خصائصها الغريبة لمدة أطول من بوفنشتاين. وقد وُلدت بوفنشتاين في روديسيا Rhodesia – وتسمى الآن زيمبابوي Zimbabwe – وبدأت العمل مع الجِرذان الخُلدية العارية في جامعة كيب تاون University of Cape Town في جنوب إفريقيا South Africa في عام 1980، حيث درست مع عالمة التشريح جنيفر جارفيس Jennifer Jarvis، التي ذكرت لأول مرة في عام 1981 أنّ القوارض اجتماعية. وفي بعثة ميدانية إلى كينيا اصطادتا العديد من الجِرذان الخُلدية العارية معا، وبعضها أصبحت نسل مستعمرات بوفنشتاين الخاصة.
وقد ظلت بعض الحيوانات معها حتى وصولها إلى الأستاذية في جوهانسبرغ Johannesburg بجنوب إفريقيا؛ ومدينة نيويورك؛ وسان أنطونيو، وتكساس، حيث درست استقلاب Metabolism الفيتامين د، والتنظيم الحراري Thermoregulation، وتكلفة الحمل الحيوية، من بين جملة من أمور أخرى. ويقول سانت جون سميث: “لقد كانت حقا مُحفّزا في مجال بيولوجيا الجِرذان العارية،” ليس فقط من خلال مساعدة الزملاء وتشجيعهم. ويُضيف: “بل على سبيل المثال، كانت مستعدة لتقدّم لي مستعمرة سليمة كاملة من الحيوانات.”
ولدى بوفنشتاين الآن نحو ثلاثة آلاف حيوان في 147 مستعمرة، أكثر من أي باحث آخر؛ ويبيتون في سرداب على بُعد ساعة بالسيارة من مكتبها في كاليكو. ويبدو أنّ الحيوانات راضية، وتقرض بأسنانها الطويلة مساكنها المصنوعة من الزجاج المُقوى Plexiglas بصوت عالٍ، والتي تتكون من أسطوانات وصناديق تستخدمها كل مستعمرة على نحو مختلف إمّا للتخزين، أو كمرحاض، أو لتتجمع معا للنوم في كتلة وردية ضخمة. وبوفنشتاين نفسها سعيدة في كاليكو كذلك، كما تقول. “هنا أنا متحررة من كتابة المِنَح [و] وأنتم جميعا تقاتلون من أجل الهدف نفسه، ألا وهو العثور على وسيلة لإبطاء الشيخوخة.”
ويعرف الباحثون بالفعل أنّ الجِرذان الخُلدية العارية يمكن أن تكون لها حياة مديدة جدا. إذ تعيش الفئران في الأَسْر 4 سنوات على الأكثر. وعلى أساس حجمها، لا يُتوقع أن تتعدى الجِرذان الخُلدية العارية 6 سنوات. ولكن بحلول الوقت الذي انتقلت فيه بوفنشتاين إلى مدينة نيويورك في عام 2001، كان عمر العديد من حيواناتها أكثر من 15 عاما. تقول: “فكرت: واو! إنها تعيش وقتا طويلا، يجب أن نبدأ بفهم السبب.” وبالنسبة إلى الدراسة الجديدة، فقد استخرجت السجلات التي تُبيّن تاريخ ولادة ونفوق كل حيوان في رعايتها أو أنّه قُتل لإجراء تجربة، أو مُنح لباحثين آخرين.
وتقترح البيانات إلى أنه ليس فقط طول العمر الذي هو غير عادي. إذ كان يُعتقد أنّ جميع أنواع الثدييات تخضع لقانون غومبيرتز Gompertz Law، وهي معادلة رياضياتية تصف الشيخوخة نشرها عالم الرياضيات من المملكة المتحدة بنيامين غومبيرتز Benjamin Gompertz في عام 1825. فقد وجد أنّ خطر الموت Risk of dying يرتفع أضعافا مضاعفة مع التقدم في السن؛ في البشر، على سبيل المثال، يتضاعف تقريبا كل 8 سنوات بعد سن 30. وقد أظهر العلماء في وقت لاحق أنّ في معظم أنواع الثدييات، يؤدي القانون دوره عندما تصل إلى عمر يعادل من ضعف إلى خمسة أضعاف سن النضج الجنسي.
ولكن ليس في الجِرذان الخُلدية العارية. بعد أن تصل إلى مرحلة النضج الجنسي، في 6 أشهر من العمر، وجدت بوفنشتاين أنّ الفرصة اليومية للوفاة لكل حيوان كانت أكثر قليلا من واحد في 10 آلاف، وبَقِيَت تقريبا ذاتها، إلى أن انخفضت قليلا بعد أن وصلت إلى 25 ضعفَ سن النضج الجنسي. والنفوق، في الجِرذان الخُلدية العارية، هو كما تقول بوفنشتاين: “عشوائي ،” وتُضيف: “إنه مثل التحلل الإشعاعي.”
ويوافق كايلب فينش Caleb Finch، وهو اختصاصي في طب الشيخوخة الحيوية Biogerontologist من جامعة جنوب كاليفورنيا University of Southern California في لوس أنجلوس Los Angeles، على أنّ مُعدّل نفوق الحيوانات “منخفض بشكل ملحوظ.” ويقول: “في الأعمار المتقدّمة، يظل مُعدّل نفوقها أقل من أي حيوان ثديي آخر جرى توثيقه حتى الآن.” ولكن هناك حاجة إلى المزيد من البيانات عن الجِرذان الخُلدية العارية الأكبر سنا للتأكد من أنّ خطر النفوق هو حقا ثابت، كما يقول. ففي الدراسة تعدّى أقل من 50 جرذا فقط الخمس عشرة سنة من العمر، وذلك لأنّ العديد من الحيوانات قد قُتلت أو نُقلت إلى مختبرات أخرى.
وتقول بوفنشتاين إنّ بياناتها كافية لإظهار أنّ الحيوانات لا تشيخ. “إذا نظرتم إلى أي دراسة عن شيخوخة القوارض، فكل ما تحتاجون إليه لرؤية تحقّق قانون غومبيرتز للشيخوخة هو 100 من الحيوانات. وهنا لدينا 3 آلاف نقطة بيانات ولا نرى ذلك،” كما تقول. وتُضيف: “بالنسبة إليّ تُظهر البيانات أنّ هذه الحيوانات قد وجدت حقا وسيلة لإبطاء الشيخوخة.”
ومع ذلك، فإن أكبر حيوان يعيش حاليا في مختبر بوفنشتاين عمره 35 عاما، وعدد قليل منها أكبر من 30 عاما. ويقول ماتياس بلاتزر Matthias Platzer، عالم الأحياء Biologist من معهد ليبنيز للشيخوخة Leibniz Institute on Aging في جينا Jena بألمانيا Germany، إنه ما زال من غير الواضح ماذا يحصل بعد أن تتجاوز جِرذان الخُلد المُجرّدة 30 عاما. ” ربما تحدث الشيخوخة بسرعة جدا بعد ذلك؟ وحتى روشيل بوفنشتاين لا تملك البيانات عن ذلك،” كما يقول.
السؤال الكبير هو كيف للجِرذان الخُلدية العارية البقاء شابة. قد تساعدهم درجة حرارة الجسم المنخفضة التي تبلغ نحو 32° درجة مئوية على تجنب تراكم الأضرار الخلوية والجزيئية، كما يقول ماغالهيس، وهناك أدلة على أنه مقارنة بالثدييات الأخرى، لديها أفضل نظام لإصلاح للحمض النووي المُتضرر، وهو أكثر كفاءة في التخلص من البروتينات المتشابكة. وتقول بوفنشتاين أنها تأمل بتحديد المفتاح الرئيسي الذي يُسيطر على جميع هذه التدابير المُضادة للشيخوخة. وأضافت: “إننا واثقون تماما من أنه مع وجود الكثير من الأمور المختلفة، يجب أن يكون هناك مُنظِّم أعلى يُنظّم العملية برمتها.”
وعلى الرغم من أنّ الجِرذان الخُلية العارية هي حالة خاصة، فإنه يمكن التوصّل عن طريقها إلى مفتاح فهم الشيخوخة في الثدييات الأخرى، بما في ذلك البشر، كما تقول بوفنشتاين، تماما كما ساعدت دراسةُ المحاور العملاقة للحبار Squid Giant Axons علماءَ الأعصاب Neuroscientists على فهم كيفية عمل الخلايا العصبية. وتقول: “قد أجادل في أنّ معظم اكتشافاتنا الكبرى في علم الأحياء جاءت نتيجة دراسة الحيوانات الاستثنائية.”