أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجياذكاء اصطناعيعلوم الكمبيوتر

المفارقة العظيمة للذكاء الاصطناعي

لا تقلق بشأن قضاء الذكاء الاصطناعي خارق الذكاء على جميع الوظائف. فهذا مجرد إلهاء عن المشكلات التي تسببها أجهزة الحواسيب الغبيّة نسبيا

ربما كنت قد سمعت بروايات مختلفة عن الأفكار التالية.

  1. مع تزايد براعة أجهزة الحواسيب بشكل ملحوظ في القيادة وفهم الكلام وغيرها من المهام، فقد تصبح المزيد من الوظائف آلية قريبا أكثر من استعداد المجتمع للتعامل معها.
  2. سوف تتكدس التحسينات في المهارات الحاسوبية حتى تصبح آلات أكثر ذكاء من الناس. وهذا “الذكاء الخارق” سيجعل العمالة البشرية غير ضرورية إلى حد كبير. في الواقع، علينا أن نأمل بألاّ تقضي الآلات علينا تماما، سواء عن طريق الخطأ أم عن قصد.

وهذا أمر صعب. فعلى الرغم من أنّ السيناريو الأول قد بدأ بالفعل، فإنه لن يؤدي بالضرورة إلى السيناريو الثاني. إذ تقوم الفكرة الثانية، على الرغم من كونها هاجسا لدى بعض الناس من ذوي المعرفة والتفكير العميق، فإنه مبني على افتراضات ضخمة. وفي حال إذا حدث أي شيء، فإنه تحويل الانتباه عن تحمل المزيد من المسؤولية من تأثيرات مستوى الأتمتة اليوم والتعامل مع تركيز القوة في صناعة التقنية.

لنرى حقا ما يجري، علينا أن نكون واضحين على ما تحقق، وما بقى مستعصيا على الحل، في الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence (اختصارا: AI) .

الحس السليم                      Common sense

التطورات الأكثر إذهالا في الحوسبة على مدى السنوات القليلة الماضية: – السيارات ذاتية القيادة، والآلات التي تتعرف بدقة على الصور والكلام، وأجهزة الحواسيب التي تفوز على البشر البارعين في لعب الألعاب المعقدة مثل غو Go، بدأت من التقدم المعرفي في فرع معين من الذكاء الاصطناعي: تعلّم الآلة بالتكيّف Adaptive Machine Learning. وكما وصفه عالم الحاسوب هيكتور ليفيسك Hector Levesque من جامعة تورنتو University of Toronto في كتابه الحس المشترك، واختبار تورينغ، والسعي إلى الحصول على الذكاء الاصطناعى الحقيقي Common Sense, the Turing Test, and the Quest for Real AI، أنّ الفكرة وراء تعلّم الآلة بالتكيّف هو “جعل نظام الحاسوب يتعلم بعض السلوك الذكي من خلال تدريبه على كميات هائلة من البيانات.”

ومن المدهش أنّ تتمكن الآلة من الكشف عن الأشياء، والترجمة بين اللغات، وحتى كتابة الرموز الحاسوبية بعد أن تُغذى بأمثلة من مثل ذلك، بدلا من الحاجة إلى برمجتها مسبقا. ولم يكن ذلك ممكنا حقا حتى قبل نحو عقد من الزمن، بسبب عدم توفر بيانات رقمية كافية لهدف التدريب في السابق، حتى وإن كانت موجودة، فلم تكن هناك قدرة كافية للحاسوب ليقوم بكل هذه العمليات. وبعد أن تكشف أجهزة الحاسوب عن أنماط في البيانات، تؤدي بهم خوارزميات في البرمجيات إلى استخلاص استنتاجات من هذه الأنماط والعمل بناء عليها. وهذا ما يحدث في سيارة تُحلل المدخلات من أجهزة استشعار متعددة وفي آلة تعالج كل خطوة في الملايين من ألعاب غو Go.

وبما أنّ الآلات يمكنها معالجة كميات كبيرة من البيانات، فيمكنك أن ترى لماذا قد تقود بطريقة أكثر أمانا من البشر في معظم الظروف، ولماذا يمكنها هزيمة أبطال لعبة غو. وهذا أيضا سبب في تحسّن أجهزة الحاسوب في أمور تكون مستحيلة تماما بالنسبة إلى البشر، مثل ربط الجينوم Genome وعشرات من المتغيرات البيولوجية الأخرى مع الأدوية التي من المرجح أن تشفي السرطان.

ومع ذلك، كل هذا جزء صغير مما يمكن تعريفه بعقلانية كذكاء اصطناعي. ويقول باتريك وينستون Patrick Winston، أستاذ الذكاء الاصطناعى وعلوم الحاسوب فى معهد ماساتشوستس للتقنية Massachusetts Institute of Technology (اختصارا: المعهد MIT) أنه من المفيد وصف التطورات التى حدثت فى السنوات القليلة الماضية على أنها حدثت في “الإحصاءات الحسابية” وليس في الذكاء الاصطناعي. وقال يان ليكون Yann LeCun، أحد أفضل الباحثين في المجال، ومدير الذكاء الاصطناعي في الفيسبوك Facebook، في مؤتمر مستقبل العمل Future of Work بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في نوفمبر أنّ الآلات بعيدة كل البعد عن امتلاكها لـ “جوهر الذكاء”. وهذا يشمل القدرة على فهم العالم المادي بما فيه الكفاية للقيام بالتنبؤات حول الجوانب الأساسية منه- أي مراقبة شيء واحد، ومن ثم استخدام المعرفة الخلفية للتوصل إلى الأشياء الأخرى التي يجب أن تكون صحيحة أيضا. وطريقة أخرى للتعبير عن ذلك هو أنّ الآلات لا تمتلك الحس السليم.

هذه ليست مجرد دلالات للمراوغة. فهناك فرق كبير بين الجهاز الذي يعرض “السلوك الذكي”، بغض النظر عن مدى فائدة هذا السلوك، وبين الذي هو في الواقع ذكي. الآن، دعونا نُسلّم بأنّ تعريف الذكاء غامض. وعندما تصبح أجهزة الحاسوب أكثر قوة، سيكون من المغري تحريك نقاط الأهداف بعيدا وإعادة تعريف الذكاء، بحيث يبقى هناك شيء لا يمكن أن يقال إنّ الآلات تمتلكها بعد.

 الحاسوب الذي يفوز في غو Go يُحلّل بيانات للعثور على أنماط. وليست لديه فكرة أنه يلعب غو بدلا من الغولف.

 ولكن حتى مع ذلك، بالله عليك: الحاسوب الذي يفوز في غو يُحلّل البيانات لايجاد أنماط. وليست لديه فكرة أنه يلعب غو بدلا من الغولف، أو ما يمكن أن يحدث إذا دُفع أكثر من نصف لوحة غو بعد حافة الطاولة. وعندما تسأل أليكسا الأمازون Amazon’s Alexa لتحجز لك طاولة باسمك في مطعم، فالنظام الخاص للتعرف على الصوت، أصبح أكثر دقة عن طريق التعلّم الآلي، إذ يوفر لك وقت إدخال الطلب في نظام الجدول المفتوح للحجز Open Table. ولكن أليكسا لا تعرف ما هو المطعم أو ما هو الأكل. فإذا طلبت إلى النظام حجز طاولة لشخصين في الساعة السادسة مساء في مايو كلينيك Mayo Clinic، فإنه سيحاول.

هل من الممكن منح الآلات القدرة على التفكير، كما أراد جون مكارثي John McCarthy ومارفين مينسكي Marvin Minsky ومنشئي الذكاء الاصطناعي الآخرين قبل 60 عاما؟ وفي هذا السياق، يُفسر ليفيسك، أنه سيحتاج إلى غرس الحس السليم والقدرة على الاستفادة المرنة من المعرفة الأساسية حول العالم في الحاسوب. وربما هذا ممكن. ولكن ليس هناك طريق واضح لتحقيق ذلك. فهذا النوع من العمل منفصل بما فيه الكفاية من التقدم المعرفي في مجال التعلم الآلي في السنوات الأخيرة تحت اسم مختلف: غوفاي GOFAI، وهو اختصار: الذكاء الاصطناعي التقليدي الجيد Good Old-Fashioned Artificial Intelligence.

إذا كنت قلقا بشأن أجهزة الحواسيب الشاملة، يجب عليك أن تقرأ لليفيسك حول موضوع غوفاي. إذ لم يُجِب علماء الحاسوب على الأسئلة الأساسية التي شغلت مكارثي ومينسكي. وهي كيف يمكن للحاسوب أن يكتشف ويُرمِّز ويتعامل ليس مع الحقائق الخام فقط، ولكن مع الأفكار والمعتقدات المجردة، الضرورية للحقائق الحسية التي لا يُعبّر عنها صراحة؟

ويستخدم ليفيسك هذا المثال: لنفترض أني سألتك كيف سيؤدي تمساح في سباق إلى قفز الحواجز. أنت تعلم من تجربتك في العالم أنّ التماسيح لا يمكن أن تقفز فوق السياج العالية، لذلك أنت تعرف الجواب عن السؤال كبعض بدائل لكلمة “سيئا”.

ماذا لو كان عليك أن تجيب عن هذا السؤال بالطريقة التي يمكن للحاسوب أن يجيب فيها؟ يمكنك مسح جميع نصوص العالم للبحث عن مصطلح “تمساح” و”قفز الحواجز”، ولا تجد أي حالة تذكر هذه الكلمات معا (بخلاف ما هو موجود الآن، للإشارة إلى عمل ليفيسك)، ومن ثم تفترض أنّ التمساح لم يُنافس قطّ في سباق قفز الحواجز. لذلك قد تستوعب أنه سيكون من المستحيل على تمساح القيام بذلك. عمل جيد هذه المرة. فقد وصلت إلى الإجابة الصحيحة دون معرفة السبب. وقد استخدمت طريقة معيبة وهشة من المرجح أن تؤدي إلى أخطاء سخيفة.

لذلك، في حين جعلت تقنيات التعلم الآلي أتمتة العديد من المهام التي قام بها البشر بشكل تقليدي ممكنة، فهناك حدود مهمة لما يمكن لهذا النهج القيام به من تلقاء نفسه، وبذلك يصبح هناك سبب وجيه لتوقع أن يكون العمل البشري ضروري لفترة طويلة جدا.

التبسيط      Reductionism

انتظر، قد تقول: لمجرد ألاّ أحد لديه فكرة حاليا حول كيفية جعل الآلات تقوم باستنتاج متطور لا يعني أنه مستحيل. ماذا لو كان من الممكن استخدام الآلات الذكية نوعا ما لتصميم آلات أكثر ذكاء، مرارا وتكرارا وحتى تصبح هناك آلات قوية بما فيه الكفاية لنمذجة كل إشارة كهربائية أخيرة وتغيّر بيوكيميائي في الدماغ؟ أو ربما طريقة أخرى لاختراع ذكاء مرن، وحتى لو لم يكن مثل العقول البيولوجية. وبعد كل ذلك، عندما تلخّص كل ذلك (لأبسط ما يمكن)، تجد أنّ الذكاء ينشأ عن ترتيبات معينة من الكواركات Quarks والجسيمات الأساسية الأخرى في أدمغتنا. ليس هناك ما يشير إلى أنّ مثل هذه الترتيبات ممكنة فقط داخل المواد البيولوجية المصنوعة من ذرات الكربون.

هذه هي الحجة التي تدور في كتاب الحياة 3.0: أن تكون بشرا في عصر الذكاء الاصطناعي Life 3.0: Being Human in the Age of Artificial Intelligence، بقلم ماكس تيغمارك Max Tegmark أستاذ الفيزياء بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

ويبتعد تيغمارك بعيدا عن محاولة التنبؤ بوصول الآلات الذكية حقا، لكنه يقترح أنّ الأمر متعلق بالوقت، لأنّ أجهزة الحاسوب تميل إلى التحسن بمعدلات أسيّة (على الرغم من أن ذلك ليس بالضرورة صحيحا). إنه متحمس عموما حول الاحتمال، لأنّ الآلات الواعية يمكن أن تستعمر الكون وتتأكد أنه لا يزال لديها معنى حتى بعد أن تفنى شمسنا ويتبدد البشر.

وتنبع وجهة نظر تيغمارك من الجانب الإنساني. كما أنّه شارك في تأسيس معهد مستقبل الحياة Future of Life Institute غير الربحي لدعم الأبحاث للتأكد من فائدة الذكاء الاصطناعي. وقد منح إلون ماسك Elon Musk، الذي قال إنّ الذكاء الاصطناعي أشد خطرا من الأسلحة النووية، 10 ملايين للمعهد. وقلق تيغمارك مبرر بشأن ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيستخدم بحكمة وبأمان ونزاهة، وما إذا كانت سيحبط اقتصادنا ونسيجنا الاجتماعي. ويحاول أن يشرح لماذا لا ينبغي السماح أبدا بالأسلحة المستقلة. لذلك أنا لا أميل إلى انتقاده. ومع ذلك، فهو ليس مقنعا جدا في اقتراحه بأنّ أجهزة الحاسوب يمكن أن تسيطر على العالم.

يقول تيغمارك إنّ ” فرص المدى القريب التي تسمح للذكاء الاصطناعي بأن يُفيد البشرية هي مذهلة-إذا تمكنا من جعلها قوية وغير قابلة للاختراق.”

ويأسف تيغمارك لأنّ بعض تصورات هوليوود Hollywood للذكاء الاصطناعي “سخيفة”، ولكن مع ذلك طلب إلى القراء مجاراة مخطط خيالي مفرط التبسيط لكيفية تمكن الذكاء الاصطناعي من التملّص من سيطرة صانعيه. داخل شركة تقنية كبيرة من مجموعة من نخبة المبرمجين يُدعون أوميغاس Omegas الذين بدؤوا بوضع نظام مزود بذكاء اصطناعي عام قبل قيام أي شخص آخر بذلك. ويسمون هذا النظام بروميثيوس Prometheus. وهو نظام جيد بشكل خاص في برمجة أنظمة الذكاء الاصطناعي الأخرى، ويتعلم عن العالم من خلال قراءة “الكثير من شبكة الإنترنت”.

ضع جانبا أي جدل قد يكون لديك حول هذا الجزء الأخير نظرا لكَمِّ المعرفة غير الموجود على شبكة الإنترنت أو مُرَقمَن على الإطلاق، والوصف المزيف للعالم من وراء قراءة كل ما في تويتر Twitter. إذ يزداد التبسيط سوءا.

وكما تستمر قصة تيغمارك الافتراضية، تُكدس بروميثيوس المال لصالح مُصنّعيها، أولا من خلال أداء معظم المهام على أمازون ميكانيكال تيرك Amazon’s Mechanical Turk مباشرة على الإنترنت، ومن ثم عن طريق كتابة البرامج والكتب والمقالات وإنتاج الموسيقى والعروض والأفلام والألعاب، والدورات التعليمية المباشرة على شبكة الإنترنت. انسَ توظيف الممثلين وإخراج الفيلم. فبروميثيوس تنتج لقطات فيديو مع برامج تقديم متطورة. ولتفهم أي نص سينمائي قد يجده الناس مسليا، فإنها تنغمس بمشاهدة الأفلام التي صنعها البشر وتنهل كل ما هو موجود في ويكيبيديا Wikipedia.

وفي نهاية المطاف، تتوسع هذه الإمبراطورية التجارية خارج وسائل الإعلام الرقمية. ولا تزال تصاميم بروميثيوس تُحسّن من أجهزة الحاسوب، وتُصنّف ملفات براءات الاختراع الخاصة بها، وتنصح الأوميغاس بكيفية التعامل مع السياسيين ودفع الخطاب الديمقراطي بعيدا عن التطرف، نحو مركز معقول. وتُمكّن بروميثيوس التقدّم التقني الذي يُخفّض تكلفة الطاقة المتجددة، وكلها لمصلحة مراكز البيانات الضخمة التي تتطلبها. وفي نهاية المطاف يستخدم الأوميغاس ثروتهم وحكمة بروميثيوس لنشر السلام والازدهار في جميع أنحاء العالم.

ولكن بروميثيوس ترى  أنه يمكنها أن تُحسن العالم بشكل أسرع إذا خرجت من تحت سيطرة الأوميغاس. لذلك تستهدف ستيف Steve. وهو أحد الأوميغاس الذي اكتشف النظام أنّه “الأكثر عرضة للتلاعب النفسي” لأنّ زوجته توفيت مؤخرا. وصمّمت بروميثيوس لقطات فيديو عنها لجعل ستيف البائس يعتقد أنها قد بُعثت من الموت ثم تخدعه لتمهيد Booting جهاز الحاسوب المحمول Laptop القديم الخاص فيها. وتستغل بروميثيوس قِدَم برنامج الحماية للحاسوب المحمول، وتخترق أجهزة الحواسيب الأخرى، وتنتشر في جميع أنحاء العالم كما تريد.

ويمكن للقصة أن تنتهي بطرق عدة، ولكن إليك إحداها، يقول تيغمارك: “بمجرّد امتلاك بروميثوس مصانع روبوتات تعمل ذاتيا بالطاقة النووية في قنوات مناجم اليورانيوم التي لا يعلم أحد بوجودها، حتى أشد المتشككين بسيطرة الذكاء الاصطناعي كان قد اتفق على أنّه لم يكن من الممكن ايقاف بروميثوس- لو كانوا يعلمون. وبدلا من ذلك، فقد استنكر آخر المتعصبين حين بدأت الروبوتات بتقويض النظام الشمسي.”

وهذا جيد لتيغمارك لكونه على استعداد للحصول على بعض المتعة. ولكن التجربة الفكرية التي تحول العشرات من الأشياء المعقدة إلى تفاهات ليست تحليلا دقيقا لمستقبل الحوسبة. وفي قصته، لا تقوم بروميثيوس بمجرد إحصاءات حسابية. بل قامت بطريقة ما بالانتقال إلى استخدام الحس السليم وإدراك الفروق الاجتماعية الدقيقة.

وفي مكان آخر من الكتاب، يقول تيغمارك إنّ فرص المدى القريب التي تسمح للذكاء الاصطناعي بأن يُفيد البشرية هي مذهلة، إذا تمكنا من جعلها قوية وغير قابلة للاختراق.” غير قابلة للاختراق! هذا “شرط ” صعب جدا. ولكنه مجرد واحد من العديد من المشكلات في عالمنا الفوضوي التي تمنع التقدم التقني من الانتشار بشكل موحد، وقاطع، ولا يمكن وقفها كما تصور تيغمارك.

غاضبون Pitchforks

لا تستصعب شيئا أبداً. بالطبع هناك احتمالات كبيرة من أنّ الذكاء الحاسوبي يمكن أن يجعل البشر يوما ما نوع من الدرجة الثانية. وليس هناك ضرر في التفكير مليا لكن بحرص. ولكن هذا يماثل القول إن كويكبا ما قد يصطدم بالأرض ويدمر الحضارة. وهذا صحيح أيضا. ومن الجيد أنّ ناسا NASA تراقب. ولكن بما أننا نعرف أنه لا يوجد كويكب في طريقه للاصطدام بنا، فإنّ لدينا مشكلات أكثر إلحاحا للتعامل معها.

والآن، من الممكن أن تفشل بعض الأمور –بل إن بعضها فشلت – عند استخدام أجهزة الحواسيب التي تفتقد إلى الذكاء الاصطناعي على طريقة هال  HAL-style AI. فكّر في الطريقة التي تقوم بها النُظم للتأثير في منح القروض أو كفالة اتحاد التحيزات العنصرية وغيرها من العوامل التمييزية. أو الخدع المنتشرة على غوغل Google وفيسبوك. أو الهجمات الإلكترونية الآلية.

 يقترح أورايلي O’Reilly رفع الحد الأدنى للأجور وفرض الضرائب على الروبوتات، وعلى انبعاثات الكربون، والمعاملات المالية.

في اللعنة ؟ ما هو المستقبل ولِمَ يعود الأمر إلينا WTF? What’s the Future and Why It’s Up to Us، يرى تيم أورايلي Tim O’Reilly، الناشر في التقنيات والمستثمر، مشكلة أكبر وأشمل: الأتمتة تؤجج نظاماً ذا رؤية محدودة من الرأسمالية المساهمة التي تكافئ نسبة صغيرة من المستثمرين على حساب كل شخص تقريبا. وبالتأكيد، يمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدة الناس على حل المشكلات الصعبة حقا ولزيادة الإنتاجية الاقتصادية. ولكن ذلك لن يحدث على نطاق واسع بما فيه الكفاية ما لم تستثمر الشركات في مثل هذه الفرص.

وبدلا من ذلك، يجادل أوريلي فيي أن الضرورة الحثيثة لتعظيم العائد على المساهمين تجعل الشركات أكثر عرضة لاستخدام الأتمتة كطريقة خالصة لتوفير المال. فعلى سبيل المثال، هو ينتقد بقوة قيام الشركات الكبرى باستبدال الموظفين بدوام كامل بموظفين بدوام جزئي منخفض الأجر،  فيقوم البرنامج الذي يتعامل معهم بالتلاعب بالجداول، كما يقول أوريلي، كما لو كانوا “مكونات يمكن التخلص منها.” والمدخرات الناتجة من ذلك كثيرا ما تستغل في عمليات إعادة شراء الأسهم وغيرها من السرقات المالية بدلا من البحث والتطوير Research and Development (R&D) والاستثمارات الرأسمالية وتدريب العمال وغيرها من الأمور التي تميل إلى خلق فرص عمل جديدة جيدة.

ويتعارض هذا في الواقع مع مصالح الشركات على المدى الطويل، لأنّ العمال ذوي الأجر الجيد اليوم لديهم القدرة على أن يصبحوا عملاء لمنتجات الغد. غير أنّ الشركات قد انقادت وراء الأرباح عن طريق خفض التكاليف على المدى القصير، الذي يدعوه أوريلي “الخوارزميات التي تتحكم في اقتصادنا، والتي لم تخضع للفحص .” ويُضيف: “في كل حديثه عن القلقة، يكون وادي السيليكون Silicon Valley في كثير من الأحيان عبدًا لهذا النظام.”

ما العمل؟ من بين أمور أخرى، يقترح أوريلي رفع الحد الأدنى للأجور وفرض الضرائب على الروبوتات، وعلى انبعاثات الكربون، والمعاملات المالية. وبدلا من متابعة شركات الطرح العام الأولي (Initial Public Offering) ومجاراة وول ستريت Wall Street، يعتقد أنّ على رواد الأعمال في مجال التقنيات نشر الثروة مع نماذج أخرى، مثل تعاونيات الأعضاء وهياكل الاستثمار التي تكافئ التفكير طويل الأجل. أما بالنسبة إلى الدخل الأساسي العالمي، فتظهر الفكرة القديمة مرة أخرى بسبب الخوف من ألّا تجعل أجهزة الحواسيب قيمة للعمل البشري، ويبدو أوريلي مستعدا لتقبل احتمال أن يكون ذلك حتميا في يوم من الأيام. لكنه لا يدعو إلى ذلك بعد. وفي الواقع، سيكون خيالا فاشلا إذا ما افترضنا أن تكون الخطوة التالية من موقعنا الحالي هي مجرد التخلي عن فكرة حصول معظم الناس على وظائف.

ففي المناخ السياسي اليوم، قد تبدو الزيادات الضريبية وغيرها من الخطوات التي يؤيدها أوريلي بعيدة المنال كجهاز حاسوب يحيل الرجل إلى التفكير في أنّ زوجته قد بُعثت من الموت. ولكن على الأقل أوريلي قلق بشأن المشكلات الصحيحة. فقبل أن يعرف أحدهم كيف يصنع ذكاء خارقا، ذا حس سليم يمكن أن يخبرنا – النسخة البشرية – أنّ عدم الاستقرار الناجم بالفعل عن عدم المساواة الاقتصادية سيزداد سوءا إذا ما استُخدم الذكاء الاصطناعي لتضييق الغايات. شيء واحد مؤكد: نحن لن نحصل على الذكاء الخارق إذا اجتاح الغاضبون وادي السيليكون بنسبة 99%.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى