أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

نداء للعمل ضد الفيروس القهقري الآخر

فيروس HTLV-1 الذي اكتُشِف قبل فيروس نقص المناعة البشري HIV، وكاد يكون طي النسيان، يصيب الملايين ويسبب السرطان

لقد كان اكتشاف أول فيروس قهقري Retrovirus في عام 1980 ذا أثر علمي بسيط. إذ عرف الباحثون بوجود الفيروسات القهقرية – التي تنسخ جينوم حمضها النووي RNA إلى حمض نووي DNA وتدمجه في جينوم الخلية المُضيفَة – في الحيوانات. ولكن، شكك البعض في أنّ الفيروسات القهقرية تصيب البشر، إلى أن وجد روبرت غالو Robert Gallo، الذي كان في ذلك الوقت في المعهد القومي للسرطان National Cancer Institute في بيثيسدا بولاية ميريلاند ، الخلايا التائية T-cell لفيروس سرطان الدم البشري Leukemia Virus-1 (اختصارا: الفيروس HTLV-1)،. غير أنّ بعد فترة وجيزة، أفل الفيروس HTLV-1 أمام فيروس قهقري آخر يواصل قتل أكثر من 35 مليون شخص ويستمر بشغل أجيال من العلماء: فيروس نقص المناعة البشري (اختصارا: الفيروس HIV). ويقول خبير الأوبئة Epidemiologist أنطوان غيسين Antoine Gessain من معهد باستور Pasteur Institute في باريس: “إذا كنت تعمل على الفيروسات القهقرية، فستُحوّل عملك إلى فيروس نقص المناعة البشري.”

    ولكن في رسالة مفتوحة بتاريخ 10 مايو [2018] إلى مدير عام منظمة الصحة العالمية World Health Organization (اختصارا: المنظمة WHO)، فإن تيدروس أدانوم غبريسوس Tedros Adhanom Ghebreyesus، وغالو و 59 آخرين من علماء الفيروسات وعلماء الأوبئة ومناصري المرضى، يدعون إلى جهد عالمي للقضاء على الفيروس HTLV-1، الذي يصيب الملايين ويسبب السرطان وعدة أمراض أخرى. إذ ينتشر فيروس HTLV-1 تماما مثل فيروس نقص المناعة البشري HIV، من خلال الدم والسائل المنوي وحليب الثدي، وتؤكد الرسالة أنه يجب استخدام استراتيجيات الاختبار والوقاية المستخدمة ضد فيروس نقص المناعة البشري لوقف الفيروس HTLV-1.

    وفيروس HTLV-1 غير موجود بين العشرات من الأمراض في نشرات الحقائق Fact Sheets على موقع منظمة الصحة العالمية على شبكة الإنترنت؛ ولا يُعتَرف بها كمرض استوائي مهم،, وليس ضمن قائمة منظمة الصحة العالمية للأمراض المنقولة جنسيًا أيضًا. ويقول غراهام تايلور Graham Taylor، الذي يَدْرُس فيروس HTLV-1 في إمبريال كوليدج لندن Imperial College London: “مازلت محتارا حول كيفية تمكننا من البقاء على هوامش فيروس نقص المناعة البشري والصحة الجنسية.”

   ربما انتقل الفيروس من القردة إلى البشر في مكان ما في إفريقيا قبل عشرات الآلاف من السنين. وساعدت تجارة الرقيق في نشره حول العالم. ويقدّر العلماء اليوم أنّ ما بين 5 إلى 10 ملايين شخص مصاب، لكن العدد الحقيقي ربما يكون أعلى من ذلك بكثير، كما يقول تايلور. وإحدى البُؤر الساخنة هي جنوب اليابان ، حيث وُجد أنّ 6% من النساء الحوامل يحملن الفيروس. ولكن غالو يقول إنّ الدول الفقيرة هي الأكثر تضررا، وهو ما يفسّر جزئيا الإهمال. ففي جامايكا وجزر الكاريبي الأخرى، قد يحمل نحو 6 % من السكان جميعهم الفيروس. وقد أظهرت دراسة حديثة أنّ لدى أجزاء من البرازيل معدلات مرتفعة، وملايين المصابين في إفريقيا، وأمّا في بعض مجتمعات السكان الأصليين في أستراليا ، فإنّ ما يقرب من نصف الأشخاص فوق سن الخمسين مصاب به. ولا تستطيع أوروبا والولايات المتحدة أن تطمئن، إذ يقول تايلور: “إذا لم نكن حذرين، فقد يصبح هذا أكثر انتشارًا في مجتمعاتنا من دون أن ندرك… ولكن مع السيطرة على الإصابات الأخرى مثل فيروس نقص المناعة البشري، فقد يتغير سلوك الأفراد [نحو الفيروسات الأخرى].”

    ومعظم المصابين بفيروس HTLV-1 ليست لديهم أعراض أبدًا، ولكن نحو 3% إلى 5% من البالغين يصابون بلوكيميا الخلايا التائية T-cell leukemia، وهو سرطان يؤدي إلى الوفاة بعد 8 إلى 10 أشهر في المتوسط إذ لم يتحسن العلاج خلال ربع القرن الماضي. وهناك 4% أخرى تتطور إلى خزل سفلي تشنجي استوائي Tropical Spastic Paraparesis، وهو مرض شبيه بالتصلب المتعدد Multiple Sclerosis. كما أُبلِغ عن أمراض التهابية أخرى ونقص في المناعة، وأظهرت دراسة أسترالية نُشرت في مارس أنّ المصابين بفيروس HTLV-1 هم أكثر عرضة للإصابة بتوسع الشّعب Bronchiectasis، وهو مرض تتوسع فيه أجزاء من المسالك الهوائية، مما يؤدي إلى الوفاة.

     ومع ذلك، فإنّ عدد الوفيات المتواضع نتيجة الإصابة بفيروس HTLV-1، والعقود التي غالباً ما تمر بين العدوى والمرض، قد أبقى ذلك خارج دائرة الضوء. ورداً على الرسالة، أشار أحد المتحدثين باسم منظمة الصحة العالمية إلى أنّ فيروسًا آخر، وهو الالتهاب الكبدي الوبائي باء Hepatitis B، يسبب أكثر من 400 ألف حالة سرطان سنوياً في جميع أنحاء العالم. وفي المقابل، فإن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان International Agency for Research on Cancer تُقدر أنّ 3 آلاف تشخيص للسرطان سنويا فقط يرتبط مباشرة بفيروس HTLV-1. ويعتقد تايلور أنّ العدد الحقيقي أعلى من ذلك، لكنه يقول: “لا أرى أن يجب أن يتحول هذا إلى ‘مرضي أكثر أهمية من مرضك’.”

    ويجب أن يكون الاختبار الروتيني لـفيروس HTLV-1 متاحًا في عيادات الصحة الجنسية في كل مكان، كما يطلب الباحثون في الرسالة، ويجب أن تخضع الأمهات في المناطق الموبوءة  للفحص بشكل روتيني، ويُنصح بعدم الرضاعة الطبيعية إذا كانت مصابة. ومنذ تطبيق اختبار ما قبل الولادة في منطقة ناغازاكي في اليابان في عام 1987، انخفض معدل الإصابة بين السكان من 7.2 % إلى 1 %. وتدعو الرسالة أيضا إلى اختبار عالمي لفيروس HTLV-1 للمتبرعين بالدم والأعضاء، لأنّ عمليات زرع الأعضاء قد نقلت الفيروس، حتى وإن كان نادرا. ويقول تايلور: “أعتقد بصدق أنه لا ينبغي على أي شخص إجراء عملية زرع إن لم يُجرى للمتبرع اختبار لـفيروس HTLV-1 .” (حتى عام 2009، قامت الولايات المتحدة بفحص المتبرعين بالأعضاء، ولكن هذه الممارسة توقفت لأنّ النتائج الإيجابية الكاذبة كانت تستبعد الكثير من الأعضاء السليمة.)

    ويعتقد غالو أنّ تجديد الاهتمام بـفيروس HTLV-1 قد تكون له فوائد أوسع. ففي أوائل الثمانينات من القرن الماضي عجّل الفيروس عملية اكتشاف فيروس نقص المناعة البشري HIV، كما يقول، لأنه نبه العلماء لاحتمال أن يكون الفيروس القهقري يسبب متلازمة جديدة غامضة تدعى الإيدز AIDS. والفهم الأفضل اليوم للخصائص المسرطنة القوية للفيروس HTLV1 قد تقود الباحثين إلى رؤى جديدة حول السرطان، كما يقول غالو.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Back to top button