كيف يُمكن للعلل التقنية أن تقتل الآلاف في مستشفياتنا؟
بدءًا من جرعات الدواء المحسوبة خطأً إلى أخطاء إدخال المعلومات، بدأت للتو بالظهور الضريبةُ الحقيقية لمواطِن الخلل في تكنولوجيا المعلومات الطبية، ولكن إصلاحات واضحة برزت معها
بدأ كل ذلك بورقة ملاحظات لاصقة. فقد كان هارولد ثيمبليبي Harol Thimbleby يزور أحد تلاميذه في المستشفي، عندما لاحظ وسط الزهور وعناقيد العنب وبطاقات الزيارة مضخة السوائل infusion pump في ركن الغرفة. فهذا الجهاز يُستخدم لإدخال السوائل والعقاقير عبر الأوعية الدموية للمريض.و قرأ ملاحظة مكتوبة على الجهاز: “لا تضغط على هذه الأزرار.” تحذير محرج يشير إلى أن موظفي المستشفى يواجهون مشكلة في استخدام الجهاز بالطريقة المنشودة.
تنتشر التكنولوجيا في كل مكان في منظومة الرعاية الصحية، وهي مصدر محتمل لأخطاء مميتة لا تقل عن أي فيروس يجوب خفية في دهاليز المستشفى. وقد برز ذلك بوضوح في المملكة المتحدة أوائل هذا الشهر، عندما أعلن جيريمي هنت Jeremy Hunt وزير الصحة أمام البرلمان أن خللًا في أجهزة الحاسوب قد تسبب في عدم دعوة ما يقدّر بنحو 450 الف امرأة ممن كان يجب دعوتهن لمواعيد الفحص الدوري لاكتشاف سرطان الثدي منذ عام 2009. وقال هنت: ” يا للمأساة، كان من المحتمل أن بعض النساء من هذه المجموعة كن سيكن أحياءً اليوم، لو لم يحدث هذا الفشل.”
وحتى الآن يبدو ثيمبليبي، عالم حاسوب من جامعة سوانزي Swansea University، إلى حد ما الصوت الوحيد الذي يحذر من أخطار الاستخدام السيئ للتكنولوجيا في مجال الرعاية الصحية. ولكن إذا كان تحليله صحيحا، فإن المشكلة تتعدى بكثير فحوص اكتشاف السرطان الدورية، وربما تعرض سنويًا آلاف الأرواح للخطر في مستشفيات المملكة المتحدة وحدها.
كان ما سبق هو الأخبار السيئة. لكن الأنباء الجيدة هي حتى لدينا الفرصة أن نتخلص من مواطن الخلل تلك ونستبدلها بأشياء جيدة، إذا ألقينا نظرة متأنية على أوضاع تكنولوجيا المستشفيات واستخلصنا الدروس من الصناعات الأخرى التي يمثل الأمان فيها قضية حيوية.
تمتلئ المستشفيات بأكوام الأسلاك، الشبيهة بتشابكات مكرونة الاسباجيتي التي تربط أنظمة رقمية مختلفة. هناك الحواسيب التي تتحكم في أجهزة أشعة الرنين المغناطيسي MRIو وأجهزة الأشعة السينية، وهناك دوائر أكثر تواضعًا تتحكم في المضخات والميكروسكوبات، وقواعد المعلومات، والشاشات التي تسجل وتعرض سجلات المرضى ونتائج التحاليل. إنها لا تختلف عن أي مكان عصري للعمل، سوى أن حياة البشر تكون على المحك إذا ساءت الأمور.
ولكن يظل أن نرى إلى أي مدى بالضبط كان تأثير خطأ الفحص الدوري لاكتشاف السرطان؟ كانت أعمار النساء المستهدفات في الستينات المتأخرة. وفي هذا العمر تشير المخاطر العالية للنتائج الإيجابية الكاذبة False positives إلى أن مزايا فحوص الكشف الدورية لسرطان الثدي مازالت تحت التقييم. ولكن نظرًا لاعتمادنا على التكنولوجيا، يصبح أي تصميم رديء أو وجود أخطاء في كود الحاسوب يُصعِّب من استخدام البشر للأجهزة والأنظمة الطبية بدقة ذو عواقب وخيمة. وكم من مرة أدى ذلك إلى أضرار خطيرة أو الموت!
وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن إدارة الخدمات الصحية الوطنية National Health Service (اختصارا: الإدارة NHS) إلى وجود نحو 10 آلاف خطأ سنويًا من كل الأنواع كان يمكن تجنبها. أدت تلك الأخطاء إلى أضرار جسيمة أو الموت. فقد جُمِعت تلك الأرقام عن طريق الإبلاغ الذاتي التطوعي الذي – بدوره وبالدليل القاطع- يسجل فقط 7-15% من تلك الحالات. وهذا يعني أن الرقم الحقيقي قد يصل ربما إلى 100 ألف حالة. والرقم الأخير قد يتناسب تقريبًا مع إحصائيات الولايات المتحدة، حيث تتسبب الأخطاء الممكن تجنبها في المستشفيات في وفاة 440 ألف شخص سنويًا ، ممَّا يجعلها ثالث أعلى سبب للوفاة بعد أمراض القلب والسرطان.
خلل الحواسيب يمكن أن يقتل أو يصيب بضرر جسيم أكثر من 2000 شخص سنويا في المملكة المتحدة
ليس أمرًا سهلًا معرفة الجواب عن سؤال كم من هذه الأخطاء المترتبة على خلل الحاسوب. فلا توجد أرقام رسمية، والدراسات واسعة النطاق القيِّمة قليلة. فقد اتصلت مجلة نيوساينيتست بمختلف هيئات الصحة الوطنية، ولم تقل واحدة منها إنها تحتفظ بمعلومات حول قضايا التصميم التكنولوجي التي تؤدي إلى الإضرار بالمريض.
ومصادفة ثيمبليبي بورقة الملاحظات اللاصقة في عام 2002 جعله يخوض غمار هذه المشكلة. فبدأ باستقراء دراسات صغيرة عن أخطاء الحاسوب في مجال الرعاية الصحية ليحصل على فهم لمدى المشكلة. وكانت الأرقام المتحصلة من تلك الدراسات متباينة للغاية. من ناحية، فقد وجدت إحدى الدراسات المُجراة في عام 2006 أن 25% تقريبا من 176 ألف خطأ في تعاطي الدواء قد سُجلت- وفقًا لبيانات الإبلاغ الذاتي التطوعي في دليل الأدوية للولايات المتحدة United States Pharmacopeia- كانت أسباب تتعلق بالحاسوب. ومن ناحية أخرى، فقد ذكرت دراسة أجريت في الوقت نفسه تقريبًا على عينة من 43 ألف حالة مسجلة تطوعيًا في أستراليا أن 99 حالة فقط أو %0.2 ارتبطت بأخطاء الحاسوب. وقد يكون ذلك تقليلا من واقع أن أخطاء الحاسوب ليست أول ما يطرأ على ذهن الطبيب بعد حدوث مضاعفات خطيرة للمريض.
ويقترح ثيمليبي أنه علينا أن نفترض بتحفظ أن 1% من أخطاء المستشفيات التي تسبب ضررا فادحًا أو موتًا، كانت بسبب خلل الحاسوب أو أخطاء تكنولوجية أخرى. أي ما يقرب من 2000 حالة سنويًا في المملكة المتحدة وحدها. وفي ورقة بحثية صدرت في فبراير، يُنبّه ثيمبليبي ومارتن توماس Martyn Thomas، استشاري برمجيات مستقل، إلى “القاتل غير الملحوظ”، ويقارنان بين تأثيره وتأثير حريق برج “غرين فيل” في لندن عام 2017 الذي قتل 71 شخصًا وتحول إلى قضية رأي عام.
وكشف هذا الثنائي عمّا يقولان إنه يمثل أمثلة خاصة مسببة للقلق لمشكلات الأجهزة الطبية. وعلى سبيل المثال يسبب الضغط على زر ما في بعض مضخات إدخال السوائل والعقاقير عبر الأوعية الدموية رقمًا غير متوقع على شاشة العرض. وهذا بدوره قد ينتج منه مصادفةً قيام الطبيب ببرمجة خاطئة لمعدل التدفق، فيحصل المريض على جرعات زائدة أو قليلة للغاية من الدواء أو السوائل. وتبرز مشكلة أخرى ألا هي ” ارتداد المفتاح”، إذ ينتج من الضغط على الزر مرة واحدة إدخال رقم مرتين أو أكثر. وهذه أمثلة واضحة لأنواع الخلل الذي يشيران إليه. لكن صانعي الأجهزة يشككون في ادعاءاتهما.
هذه قضية كبرى محتملة لأن الأطباء يضعون ثقتهم في هذه الأنظمة. ويقول مارتن إليوت Martin Elliott، جراح أطفال سابق وأستاذ في جامعة يونيفرسيتي كوليدج University College London: “أنت بحاجة إلى أن تثق بالآلة التي تستعملها.” وحتى الأخطاء الصغيرة قد تكون خطيرة. على سبيل المثال في حالة قياس جرعات دقيقة للغاية من الدواء للرُضع والأطفال. ويقول: “كل شيء يتم ترشيحه عبر الإلكترونيات.” ويفترض معظم الأطباء والممرضات أن التكنولوجيا الطبية يمكن الاعتماد عليها والوثوق بها.
نحتاج إلى تغيير مشابه لما حدث في مجال السيارات منذ أكثر من خمسين عاما، كما يقول ثيمبليبي. وحتى ذلك الوقت كان الناس يتقبلون بشكل عام أن السيارات خطيرة وتتسبب أحيانا في قتل البشر. وظل ذلك حتى صدور كتاب غير آمنة بأي سرعة Unsafe At Any Speed للناشط رالف نادر Ralph Nader في عام 1966، عندما اتهم فيه صانعي السيارات بمقاومة إدخال مواصفات الأمان كأحزمة المقاعد. فقد ساعد ذلك بقوة على إحداث تغيير بتحميل مصنعي السيارات مسؤولية جعل السيارات أكثر أمنًا.
ومنذ زمن ليس بعيد، تعرض ابن ثيمبليبي لحادث سيارة. ويقول ثيمبليبي: “لو أنه تعرض للحادث نفسه في أعوام الستينات، لكان في عداد القتلى. لكن السيارات الآن مجهزة بوسائد هوائية وأحزمة مقاعد ومناطق تحطم لامتصاص الصدمات.”
“أنت لا تختبر متانة منزل بالقفز على سقفه. أنت تجعله آمنًا بالتصميم الصحيح”
يُمكننا تغيير الأمور بطريقة مماثلة كي يمنع تصميم الأجهزة الطبية كثيرًا من الأخطاء بقدر الإمكان، وهذا لن يكون صعب التحقيق. هذا هو الأمر الذي يدرسه ثيمبليبي في عمله اليومي. قد يعني ذلك ضبط شاشات عرض الأجهزة باستخدام بالدحرجة Scroller، كما لو كنت تقوم بالبحث بفأرة الحاسوب، بدلًا من استخدام لوحة ذات عشرة مفاتيح مثلًا.
جزء مهم من أي تغيير من هذا القبيل سيكون الوكالات التي تنظم أجهزة الرعاية الصحية، مثل وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية Medicines and Healthcare products Regulatory Agency (اختصارا: الوكالة MHRA) في المملكة المتحدة. وعلى سبيل المثال، الآن يُنظم إنتاج وبيع الأجهزة بطرق مختلفة: جودة الأوقية الذكرية لا تُراقب بشكل مُحكم، وكذلك الحال التي بالنسبة إلى مفاصل الوِرك الاصطناعية. وبالنسبة إلى الأجهزة، كمضخات الحقن في الأوردة، سيكون لزامًا على المُصنعين أن يحصلوا على علامة CE، وما يتضمنه ذلك من دفع رسوم رمزية وتقديم نتائج اختبارات الأمان والسلامة. ولكن هذه الاختبارات ستقوم بها الشركات المصنعة نفسها قبل تقديم نتائجها إلى شركات معتمدة للخدمات الصحية، اتفقت معها الوكالة MHRA لإجراء المراجعة. ولا حاجة إلى أن تقوم هيئة خارجية بالاختبار الفيزيائي لتلك الأجهزة.
وقد صرح متحدث باسم وكالة MHRA إنه يُمكن تقديم الشكوى ضد الأجهزة عبر بوابة على شبكة الانترنت تُسمى منظومة الكارت الأصفر Yellow Card Scheme. ولكن ثيمبليبي يدعو إلى تنظيم أكثر إحكامًا وإشرافًا أفضل على عملية تصميم التقنيات الطبية، وربما يكون استخدام البرمجيات للتأكد التلقائي من قيام الأجهزة بوظيفتها المنشودة حلًا.
حتى لو كان كل جهاز من الأجهزة مأمونا، تظل هناك مشكلة أعمق: كيف تُعالج المعلومات؟ يتضح ذلك في محاكمة ممرضتين في المملكة المتحدة في عام 2015، واللتين دفعتا بأنهما غير مذنبتين بالإهمال المتعمد لتزوير سجلات المرضى. فقد ركزت القضية على البيانات المتحصلة من أجهزة قياس السكر Glucometers، وهي الأجهزة المستخدمة لقياس مستوى السكر في دم المريض. واتضح أن سجلات تلك القراءات، المحفوظة مركزيًا في النظام الحاسوبي للمستشفى، كانت مختلفة عن الملاحظات المُدونة بخط اليد حول القياسات، والتي أضافتهما الممرضتان في سجلات المرضى.
لقد قررت المحكمة أن الأجهزة نفسها كانت تعمل بشكل صحيح. ولكن ثيمبليبي الذي كان خبيرًا شاهدًا في القضية، فقد أشار إلى أن الممرضتين واجهتا مشكلات متكررة في مسح بطاقات الهوية الخاصة بالمرضى إلكترونيًا، لذا استخدمتا بطاقتيهما الشخصيتين لأخذ القراءات على جهاز قياس السكر. وهذا يعني أن نتائج المريض لن تُحفظ بشكل صحيح في سجلات المستشفى الإلكترونية. يستطيع التدخل اليدوي أن يصلح ذلك لكن لم يكن هناك “بروتوكول” متفق عليه يوضح كيف يمكن القيام بذلك. قرر القاضي في تلك القضية أن الأدلة ضد الممرضتين لا يمكن الوثوق بها، ومن ثم أخلى سراحهما.
كيف يمكن لمثل تلك المشكلات “المعلوماتية” التي تبرز في المجالات الإكلينيكية أن تكون مخادعة؟ ووجود نتائج على شاشة تتطلب من الطبيب أن يحركها إلى أسفل، قد يعني عدم ملاحظة بعضها. أيضًا، قد يتسبب تأخير بسيط في رفع التقارير الإلكترونية في حدوث خطأ بالتشخيص. والأخطاء المطبعية في السجلات بدورها قد تعني عدم القدرة على استرجاع معلومات حرجة عند استفسار الطبيب.
قد تكون تلك المشكلات خفية، لكننا صرنا اليوم أكثر إدراكا لها. ففرح مغربي Farah Magrabi، من المعهد الأسترالي للابتكارات الصحية Australian Institute of Health Innovation في مدينة سيدني، درست لسنوات عديدة المشكلات التي تسببها تكنولوجيا معلومات الرعاية الصحية. فالدراسة التي قادتها فرح في عام 2015 فحصت حالات بُلغ عنها ذاتيًا حول أخطاء تكنولوجيا المعلومات كان لها تأثيرها الواضح في تقديم الخدمة الصحية. كانت هناك 90 حالة سُجلت بواسطة 87 طبيبًا في ولاية أسترالية واحدة ما بين مايو 2012 ونوفمبر 2013. وفي إحدى تلك الحالات حُقن مريض بضعف الجرعة المقررة من الدواء، بسبب التأخير في المسح الإلكتروني لمعلومات الجرعة الدوائية.
ويقول توماس إننا لا يجب أن نعيش مع خطر كهذا، على الأقل عندما يتعلق الأمر ببرمجيات منفردة في المستشفيات. وهو يدعو إلى ما يطلق عليه مقاربة هندسية Engineering approach في تصميم البرمجيات. فهي طريقة تشبه بناء منزل. أنت لا تبني منزلًا، ثم تقوم باختباره بالقفز على سطحه حتى تتأكد من أنه لن ينهار! أنت تصممه وفق معادلة معينة حتى تتأكد من أنه لن ينهار.
هناك الكثير من السوابق لتصميم برمجيات مثل تلك المستخدمة في صناعة أخرى تكون فيها السلامة أمرا حيويا: مراقبة الملاحة الجوية. فلنأخذ مثلًا النظام iFACTs المستخدم في المطارات البريطانية الذي يسمح للمراقبين الجويين برؤية مسارات الطائرات لمدة تصل إلى 18 دقيقة في المستقبل. من الأهمية بمكان أن تكون التنبؤات صحيحة، لأن خطأ ما قد يتسبب في اصطدام. ولأجل هذا الغرض، بُني النظام iFACTs، بحيث إنه عندما يتم تحديثه يمكن اختباره سريعًا عبر سلسلة من البراهين الرياضياتية للتأكد من أنه لا يزال يعمل كما ينبغي. نظريًا، فإن هذا يجعل أخطاء البرمجة أقل احتمالا. وتستخدم المقاربة نفسها في عدد مختلف من سياقات السلامة الحيوية، بما فيها أنظمة الطائرات الحربية، ولكن ليس عمومًا في مجال الرعاية الصحية.
ربما كان السبب، في حقل تقنيات الرعاية الصحية، هو أنه لا توجد ميزة تنافسية لتطبيق هذا المنهج وكذلك انعدام الدوافع التنظيمية لتغيير الحالة الراهنة. فتوماس المالك السابق للشركة المُطوِّرة للنظام iFACTs يقول: “لن يتغير شيء، إلى أن تكون هناك تكلفة حقيقية لمسؤولية البرمجيات المعيبة.”
وفي المملكة المتحدة، كان هناك جهد منفرد لتحسين هذا الوضع. ففي سنوات الألفية الثالثة المبكرة طلب مشروع يديره مورين بيكر Maureen Baker – رئيس مجلس الإدارة السابق للكلية الملكية للممارسين العامين Royal College of General Practitioners- إلى الأطباء المعالجين إجراء مراجعة منهجية لكل أنواع إجراءات المستشفيات التي تستخدم تكنولوجيا المعلومات وتحديد الخطوات التي يمكن أن تتسرب إليها الأخطاء. بعد ذلك طوّر فريق المشروع تصويبات أو إجراءات قياسية، تُسمى الآن نظام إدارة السلامة الإكلينيكية لإدارة الصحة الوطنية بالمملكة المتحدة NHS clinical safety management system، والتي يُمكنها تقليل مخاطر الخطأ. وعلى سبيل المثال، قواميس الأدوية للأطباء لا تحدد بدقة الأدوية الموجودة في الصيدليات ومن المحتمل أن ينتج من ذلك صرف دواء بالخطأ. فقد أصلح فريق بيكر هذا بإدخال برمجية توضح أي عدم تطابق.
ووجدت المراجعة التي أجرتها مغربي في عام 2013 أن بحث بيكر كان تحليل الرعاية الصحية الأول والوحيد من نوعه الذي راجع كل الأنظمة ككل: البشر والتكنولوجيا. وتقول مغربي:” ولاتزال هذه هي الحال.”
ولا عجب، نظرا للعدد الكبير من الأجهزة وقواعد البيانات والأطباء والممرضات في مستشفى واحد. ويعتقد البعض أن الطريق لتبسيط هذه المشكلة ليس بالتركيز على التكنولوجيا، ولكن على البشر: حتى نجد طرقا لإرشاد التفاعلات البشرية مع التقنيات للتقليل من أخطار الأخطاء.
وأحد الحلول، يبدو بسيطًا لدرجة مضحكة، هو إعداد قوائم. ففي عام 2009 نشر الجراح والمؤلف أتول غاواندي Atul Gawande إعلان قائمة التدقيق The Checklist Manifesto التي تصف كيف يمكن لاتباع الخطط خطوة بخطوة في المواقف المعقدة أن يساعد على تجنب حدوث كارثة.
ووجدت دراسة نشرت في عام 2009، وكان غاواندي المؤلف المشارك فيها، أن استخدام قائمة تدقيق بالسلامة أدت إلى انخفاض معدل الوفيات إلى النصف من %1.5 إلى %0.8 وذلك في المرضى الذين أُجريت لهم عمليات جراحية في ثماني مستشفيات في مختلف أنحاء العالم. وفحصت الدراسة نتائج 7500 مريض، نصفهم تقريبا عولجوا بعد تطبيق نظام قائمة التدقيق.
قوائم التدقيق والأرصدة
لا تُستخدم في الوقت الحاضر قوائم التدقيق للتأكد من مخرجات نظم المعلومات، ولكن يمكن استخدامها لذلك الغرض. فقد دُرِّب الأطباء على القيام بتدقيق يعتمد على حدسهم المنطقي لحسابات الجرعة الدوائية. ووجود قائمة تدقيق قد يذكرهم بالقيام بذلك في لحظة حرجة فنتجنب الأخطاء التي تعتري مضخات الحقن، على سبيل المثال.
ولكن الاستخدام المبالغ فيه لقوائم التدقيق يُخاطر باستنزاف قوى العاملين. كما سيسهل علينا تحديد تلك المواقف الحرجة التي قد تستفيد أكثر ما يكون إذا استعرنا حيلة أخرى من صناعة الطيران. فتدقيق سلامة العمليات الخطية Line Operations Safety Audit هو إجراء مستخدم لتسجيل كيف يعمل طاقم الطائرة ومعداتهم والحاسوب معًا. ويمكن استخدام هذا الإجراء لتحديد الفروق بين ما يجري في الواقع وسير العمل المثالي، بما فيها الأخطاء. وتلك التبصرة بدورها يمكنها أن تُثري عملية التدريب.
وفي عام 2017 اختبرت مجموعة من طلبة الطب نسخة معدلة من قائمة تدقيق في مستشفى إنجليزي. فقد وجدوا مشكلات عديدة، بما في ذلك تلك المتعلقة بعدم توفر المعدات، وأخطار التعثر بكابلات الأسلاك في غرف العمليات، ومسائل الحفاظ على سرية معلومات المرضى عندما تترك مرئيةً على شاشة الحاسوب.
وليس التدقيق مشرطًا فضيًا لبتر الأخطاء والتخلص منها. ولكن بالمزاوجة بينها وبين قوائم التدقيق، ومع هندسة أكثر ذكاءً، وبرفع الوعي بالمخاطر المحتملة قد نكون قادرين على الحد من الضرر الذي تسببه أخطاء المستشفيات. وعلى أقل تقدير يجب أن تكون أفضل من ورقة ملاحظات لاصقة.