فحص الدم قد يتنبأ بفوائد العلاج المناعي للسرطان
عَدُّ طفرات الورم قد يُحدِّد العلاجَ الصحيح
تُولّد بعض أنواع السرطان بذور تدمير نفسها. إذ إن بعض الطفرات Mutations العشوائية التي تتراكم في الخلايا السرطانية المُنقسمة بسرعة قد تُحفّز جهازَ المناعة لمهاجمة السرطان. ويدرك الباحثون الآن أنّ مدى هذه الطفرات يمكن أن يتنبأ بما إذا كان السرطان سيستجيب للعلاجات الجديدة القوية والقائمة على المناعة. ويمكن أن يساعد اختبار الدم، الذي كُشف عنه مؤخرًا لما يُسمى بعبء الأورام الطفري Tumor Mutational Burden (اختصاره: اختبار العبء TMB)،- على أن يجعل الطفرات أداة عملية لتوجيه علاج السرطان.
ويمكن للباحثين في مجال السرطان بالفعل قياس اختبار العبء TMB عن طريق سَلْسَلَة مقطع من الجينات المختارة في الأنسجة المُختزعة، وهو أسلوب أظهر مؤخرًا قوة تنبؤية قوية في تجربة كبيرة أُجريت على سرطان الرئة. إذ يستخدم بعض أطباء السرطان الآن اختبارات العبء TMB للأنسجة في حالات مختارة. ولكن اختبار الدم الأقل توسعاً، والذي يُحلِّل حمض الورم النووي DNA المستخلص من الدورة الدموية للمريض، قد يكشف عن العبء TMB في العديد من المرضى حين لا يقدم اختبار الأنسجة نتائج مفيدة. ويقول نايير رضوي Naiyer Rizvi، اختصاصي الأورام من المركز الطبي بجامعة كولومبيا Columbia University Medical Center: “سنرى المزيد والمزيد من خلال نتائج اختبار العبء TMB “. ويضيف قائلا إنّ اختبار العبء TMB حاليا يستغرق وقتًا طويلاً جدًا لا يجعله مفيدا في الإجراءات السريرية الروتينية، ويتساءل البعض في مجال السرطان عن مدى فائدته في النهاية.
وهناك حاجة ماسة إلى إجراء اختبارات يمكنها التنبؤ بما إذا كان العلاج المناعي Immunotherapy ينفع للمريض، خاصة بالنسبة إلى ما يسمى مثبطات نقاط التفتيش Checkpoint Inhibitors، والتي تُطلق ما يوقف الخلايا المناعية يمنعها من مهاجمة الأورام. ومنذ أن وافقت إدارة الغذاء والدواء Food and Drug Administration (اختصارها: الإدارة FDA) في عام 2014 على أوّل دواء أجسام مضادة Antibody Drug يستهدف بروتين “نقطة التفتيش”، الذي يسمى العقار PD-1، تغيّرت رعاية مرضى السرطان. ويلاحظ أنتوني ريباس Antoni Ribas اختصاصي علم الأورام من جامعة كاليفورنيا University of California (اختصارها: الجامعة UC) بولاية لوس أنجلوس، أنّ نصف مرضى السرطان الذين دخلوا إلى مستشفاه في شهر مايو قد تلقوا مثبطات نقاط التفتيش في الأشهر الستة السابقة. وكما يقول: “إنه شيء رائع أننا صرنا نستخدم هذه العوامل بمثل هذا الانتشار.” ففي بعض المرضى تكون الاستجابة دراماتيكية، ولكن معظمهم لا يزالون غير مستفيدين من ذلك، والبعض الآخر لم توصف لهم الأدوية قط. وباستثناء نسبة 4% من المرضى الذين تكون لأورامهم عيوب إصلاح الحمض النووي معينة (Science, 16 June 2017, p. 1111)، لا يمكن للأطباء معرفة من سيستفيد على نحو يعول عليه.
وعند تطبيق اختبارات العبء TMB، فإنّ معظم التحاليل سيقدّر عدد طفرات تغيير البروتين في الورم Protein-Altering Mutations من خلال سلسلة عدد محدود من الجينات من حمضه النووي. ومن المحتمل أن يعكس هذا العدد كثافة شظايا البروتين الطافرة على سطح الخلايا السرطانية والمعروفة بالمستضِدّات المستحدَثة Neoantigens. إذ تُعيق مثل هذه الشظايا نمو الورم. فهي مجرد منتج ثانوي لانقسام الخلايا السرطانية المعرضة للخطأ. ولكن فعليا هي تبدو أجساما غريبة بالنسبة إلى الجهاز المناعي – وكلما ازداد عدد المستضدات المستحدثة، ازداد معها احتمال نجاح العلاج المناعي في تقليص الورم، ومن ثم القضاء عليه.
وفي تجربة سرطان الرئة، التي صُرّح عن نتائجها في أبريل في الاجتماع السنوي للرابطة الأمريكية لأبحاث السرطان American Association for Cancer Research (اختصارها: الرابطة AACR) في شيكاغو بولاية إلينوي، وجد الباحثون أنّ العبء الطفري في أنسجة الورم يتنبأ بما إذا كان مزيج مثبطات نقطة التفتيش سيساعد مرضى سرطان الرئة أكثر من العلاج الكيميائي القياسي. وأظهرت نتائج الدراسة أن أكثر من 40% من سرطانات الرئة هي ذات نسبة عالية من العبء TMB، وفي المتوسط، كانت استجابة المرضى الذين يعانون هذه الأورام للعلاج المناعي استجابة أفضل بكثير.
ويقول رضوي إنّ تجربة المرحلة الثالثة لعدد 1739 مريضاً ينبغي أن تفضي إلى موافقة الإدارة FDA على الاختبار القائم على الأنسجة، والذي طوّرته مؤسسة الطب Foundation Medicine، وهي شركة في كامبريدج بولاية ماساتشوستس، لاستخدامها في سرطان الرئة. (وافقت شركة الأدوية السويسرية العملاقة روشيه Roche على الاستحواذ على الشركة في منتصف يونيو).
وظهر المزيد من الأدلة على القيمة التنبؤية للعبء TMB في الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لعلم الأورام السريري American Society of Clinical Oncology (اختصارا: الجمعية ASCO) في يونيو 2018 في شيكاغو. وقد أفاد ديفيد غاندارا David Gandara، اختصاصي الأورام من جامعة كاليفورنيا في ديفيس، أنه في مراجعة تالية لنتائج تحليل سبع تجارب مختلفة لمثبط نقاط التفتيش في سرطانات الرئة والمثانة والجلد وأورام أخرى، وعندما كانت نسبة العبء TMB عالية، حسبما اتضح في اختبار الأنسجة ذاته، تضاعف معدل استجابة الورم للدواء. وقال غاندارا في اجتماع الجمعية ASCO: “المستقبل من هذه اللحظة هو لاختبار العبء TMB”.
ومع ذلك فإنّ اختبار العبء TMB للأنسجة اختبار “مُكلف جدا، ويتطلب الكثير من الأنسجة، كما أنه غير قياسي (معياري) بعد،” كما يقول خبير الأمراض من جامعة ييل Yale University ديفيد ريم David Rimm. وفي التجربة المُبلّغ عنها في الرابطة AACR، لم يحصل الأطباء على ما يكفي من أنسجة الأورام إلا من 58% من المرضى. ويضيف رضوي أنّ العملية برمتها يمكن أن تستغرق ثلاثة أسابيع، وهو وقت انتظار طويل للغاية للمرضى الذين شُخّصوا حديثًا.
واختبار العبء TMB، أيضا المطوّر من قبل شركة مؤسسة الطب، قد يثبت فعاليتة كاختبار أنسجة. وقد عرض فامسيدهار فيلشيتي Vamsidhar Velchti -من كليفلاند كلينك Cleveland Clinic في ولاية أوهايو في اجتماع الجمعية ASCO- نتائج المبكرة لتجربة مأمولة لعقار تيسينرك Tecentriq في مرضى سرطان الرئة الذين أجروا اختبار العبء TMB. وقد تسبب العقار بانكماش أكثر من 36% من الأورام التي تحمل عبئًا طفريًا عاليًا، و 6% فقط من الأورام منخفضة العبء. وعاش المرضى الذين يعانون الأورام ذات العبء TMB العالي ثلاث مرات أطول من دون نمو السرطان مجددا مقارنة بأولئك الذين لديهم أورام منخفضة العب TMB.
وقد نبّه حسين بورغاي Hossein Borghaei، طبيب الأورام من مركز فوكس تشيس للسرطان Fox Chase Cancer Center في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا، في مؤتمر صحفي أنّ فيلشيتي أبلغ عن أول 58 مريضا، مما يجعل أي استنتاج غير مؤكد. وحاليا تجري تجربة لعدد 580 مريضًا. ويوافق ريم على أنّ النتائج الأولية تحتاج إلى التحقق. “إنهم يجرون دراسات تجريبية فقط ويقولون: واو! انظروا إلى ما وجدناه . وما وجدوه أمر رائع.”
وفي أبريل، وصفت الإدارة FDA اختبار الدم TMB “كأداة متقدمة” تستحق أولوية المراجعة. ولكن سواء من الدم أم الخزعات، ليس واضحًا إذا ما كان اختبار العبء TMB سيُعطي الأطباءَ والمرضى النتائجَ أو اليقين الذي يتوقون إليه. ويشير ريم إلى أنّ التجارب لم تظهر بعد أنّ المرضى الذين يمتلكون نتائج مرتفعة في اختبار العبء TMB يعيشون فترة أطول على العلاج المناعي مقارنةً بالعلاج الكيميائي. ويتنبأ ريباس بأنّ الاختبار TMB “سيكون أحد مكونات” مزيج العلامات الحيوية المستقبلي.