التجسس على الحيتان: الحقيقة المهولة عن البشر والحيتان
على الرغم من عقود من الصيد التجاري للحيتان، فإنّ معرفتنا بأكبر مخلوق عاش على وجه الأرض هي معرفة ضئيلة بشكل مذهل، وذلك بحسب كتاب جديد ألّفه عالم الحيان الرائد.
بقلم: ساندرين سورستمون Sandrine Ceurstemont
ترجمة: آية علي
ربما من الأفضل أن نعتبر الحيتان كمخلوقات فضائية، فهي تعيش على الكوكب نفسه الذي نعيش فيه، لكن مساراتنا نادرا ما تتقاطع؛ فتظل غامضة نظرا لكونها تختبئ في أعماق المحيط.
لننظر إلى حجمها. الحيتان الزرقاء أكبر الأنواع التي عاشت على الإطلاق، متجاوزة بذلك حجم أي نوع من الديناصورات. وقد بلغ وزن أثقل عينة قيست بطريقة موثوقة 163.4 طنا، أي أكثر من وزن طائرة بوينغ عملاقة، ولكن كيف تحصل على ما يكفي من الطعام لإعالة أنفسها؟
هذه الأسئلة لا تمثّل سوى جزءٍ صغير من الأسئلة الكبيرة التي يحاول نيك بينسون Nick Pyenson، أمين قسم الثدييات البحرية الأحفورية في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي National Museum of Natural History التابع لمؤسسة سميثسونيان Smithsonian الإجابة عنها. وفي كتابه المذهل التجسس على الحيتان Spying On Whales، نتابع مغامراته من القارة القطبية الجنوبية إلى ألاسكا لوسم الحيتان أو اكتشاف الأحافير أو الوصول إلى أجسام الحيتان النافقة التي يصعب الحصول عليها.
غالبا ما تُقرأ حكايات العمل الميداني لبينسون كما لو كانت قصصا بوليسية. لنأخذ الأحداث في موقع سيرو بالينا Cerro Balena، وهي المرادف الإسباني لـ “تل الحيتان”. وقد كشفت عن هذا الموقع شركة إنشاءات تعمل على توسيع طريق سريع عابر للقارة الأمريكية Pan-American Highway في صحراء أتاكاما Atacama Desert في تشيلي، إلى جانب عشرات الهياكل العظمية الكاملة من الحيتان وحيوانات الفقمة والكسلان. فقد اضطر بينسون وفريقه إلى خوض سباق مع الزمن لدراستها، فقد كان من المقرر أن تبدأ أعمال الطرق في أقل من شهر.
ونقل الأحافير الضخمة والحفاظ عليها ليسا بالمهمة سهلة، هذا إلى جانب حقيقة أن نقلها من مكانها سيُفقد الفريق أدلة قيّمة تتعلق بالكيفية التي انتهت بها الهياكل العظمية للحيتان في ذلك المكان. هل كانت هذه هجرة جماعية؟ هل كانت هنالك كارثة أخرى؟ أم هل تراكمت مع مرور الوقت؟
ينقّب كتاب التجسس على الحيتان عميقا في التاريخ التطوري لهذه الثدييات البحرية الغامضة، من بداياتها على الأرض حتى انتقالها إلى البحر على مدى عشرة ملايين سنة. وقد تفسد التفسيرات أحيانا السرد الروائي للقصة، ولكن ما يبرزه بينسون على نحو جيّد هو النضال في سبيل معالجة جهلنا الفظيع ولدرجة الصدمة، فهنالك مثلا بعض الأجزاء من تشريح الحيتان والعديد من وظائف جسمها التي لا تزال غير معروفة. ويصف بينسون اكتشافه الشخصي العرضي لعضو حسّي غريب في فصيلة الهراكلة Rorqual من الحيتان أثناء عمله في محطة لصيد الحيتان في هفافيوردور بأيسلندا.
وفي حين يعتمد تقدمنا المعرفي في الغالب على عمل التخصصات المختلفة معا، فإنّ مهمّة بينسون في أيسلندا قد تضمّنت شراكة غير مريحة. فقد حُظر صيد الحيتان على النطاق الصناعي في معظم البلدان منذ عام 1986، بعد أن قُضي على نحو ثلاثة ملايين من الحيتانيات خلال القرن الماضي من أجل الحصول على لحومها وزيوتها ودهنها.
لكن أيسلندا واصلت الصيد، وإن كان بحصة سنوية محدّدة. أعطى هذا بينسون فرصة نادرة للوصول إلى الحيتان النافقة، وقد تقبّل وضعه بأن أخبر نفسه أنّ الحيتان ستُقتل على أي حال، وأنّه على الأقل لن يجعل وفاتها تذهب هباءً منثورا.
ومع ذلك، فإن عواقب صيد الحيتان تطاردنا ونحن نتطلع إلى المستقبل، فقد تعافت بعض أعداد الحيتان، مثل حيتان المنك Minke whales، ولكنّ بعضها الآخر، مثل الحيتان الزرقاء Blue whale، لا يزال معرّضا للخطر. كما أنّ عدم قدرتنا على إصلاح آثار أفعالنا في التغير المناخي والتلوث يراكم التحديات في وجه بقائها على قيد الحياة، وليس أمامها سوى التكيّف، “فهي تقع تحت رحمة الحضارة الإنسانية وبطشها.”
تفاصيل الكتاب
التجسس على الحيتان: ماضي أروع المخلوقات وحاضرها ومستقبلها
Spying on Whales: The past, present, and future of Earth’s most awesome creatures
تأليف: نيك بينسون Nick Pyenson
منشورات فايكينغ Viking