كيف نفكر في … الجينات
كيف يمكن لما لا يزيد على 20000 من الجينات أن تشكل إنسانا مميزا؟ وحتى عند إعادة التفكير كليا في كيفية عملها، فإننا مازلنا نواجه صعوبة في استيعاب تعقيدات الـحمض النووي DNA.
سواء أ كانت الأشياء الحية بشرا أم نباتات البازلاء، فإنها شكلها والطريقة التي تتصرف بها ترتبط ببعضها ارتباطا وثيقا. وفكرة الجينات وعملها كانت قد تطورت بشكل كبير خلال المئة سنة الماضية منذ صياغة هذه الكلمة.
إنها بسيطة في الجوهر. إذ تقول ستايسي غابرييل Stacey Gabriel من معهد بورد Broad Institute في كامبردج بولاية ماساتسوستش: “الجين هو امتداد أحرف الحمض النووي DNA التي تحمل شيفرة الوحدات المنفردة أو البروتينات.” ففي خلايانا هناك سلاسل ثنائية من DNA المرتبطة ببعضها Double-stranded DNA، والتي تُفكَّك باستمرار وتُنسَخ إلى سلاسل منفردة من الحمض النووي RNA تقوم بأعمال الخلية أو يمكن استخدامها كنموذج لتركيب البروتينات التي تشكل ما نحن عليه.
ولذا، فإن الجينات هي الوحدات العالمية للوراثة. ولديك بشكل عام نسختان من كل جين، واحدة من أمك والأخرى من أبيك. ولكل جين نسخٌ مختلفة تتمايز عن بعضها نوعا ما على المستوى الجزيئي منتجة آثارا ظاهرية مختلفة: عيون بنية أو زرقاء، مثلا.
وقد اعتقدنا لزمن طويل أنه يجب أن يكون هناك جين لكلّ سمة ظاهرية، إلا أن هذا الاعتقاد فشل في أن يصمد أمام اختبار الزمن. وقد كشف مشروع الجينوم البشري Human genome project الذي استكمل في عام 2003، أن الجينات تشكل واحداً في المئة من الحمض النووي DNA الخاصة بنا، بينما البقية “خردة” Junk. إن لدينا 20000 جين – وهذا عدد قليل جدا لفكرة أن لكلِّ جينٍ واحدٍ عملٌ واحدٌ.
وقد اتضح أن الجينات تقوم بأعمال مختلفة اعتمادا على عوامل مثل أين ومتى يُعبَّر عنها. ويقول تيم فرايلنغTim Frayling ، اختصاصي الجينات من جامعة إيكستر University of Exeter بالمملكة المتحدة: “يمكن أن تُقسَّم Spliced الجينات بشكل بديل، مما يعني أنه القطع المختلفة منها تُرمِّز لبروتينات مختلفة.” وبمعنى آخر، بدلا من ترميز جيني لبروتين واحد، يمكن تقطيع أجزاء مختلفة من الشيفرة الجينية لصنع بروتينات مختلفة. ويخضع كل هذا إلى جزيئات مُنظِّمة ولا تحتوي على معلومات ترميزية من الحمضين النوويين DNA وRNA وبروتنيات أخرى، مما يؤدي إلى إضعاف الاستقلال الجيني في تصنيع بروتين ما.
هذا يعني أنه قد يكون من الصعب جدا تحديد أي من الجينات مسؤول عن أي شيء محدد. وتقول غابرييل: “من النادر جدا أن يكون هناك جين لشيء ما،” حتى من أجل سمة بسيطة مثل لون العين.
كما غيّرت اكتشافات أخرى طريقة تفكيرنا عن الأشياء أيضا. فجين واحد يتألف من فقرات من DNA، إلا أن فقرة واحدة تساهم في أكثر من جين واحد، مما يعني أنه قد تكون للجينات حدودا متداخلة. وقد وُجد في بعض الكائنات الحية أن فقرات من الجين نفسه تتناثر متباعدة عن بعضها مبعثرة في الجينوم. وإضافة إلى ذلك، ليست كل شيفرات الجينات مخصصة للبروتينات – فكثير منها شيفرات لأنواع من جزيئات الحمض النووي RNA.
وفوق كل ذلك هناك علم التخلّق Epigenetics الوليد: إدراك أنه يمكن للجينات أن تشتغل أو تتوقف عن العمل بحسب عوامل بيئية مثل الإجهاد أو الحِمية، بمعنى أن تأثير بعضا من هذه الجينات يختفي في بعض الأجيال ليعود إلى الظهور في أجيال لاحقة أخرى.
إذا أخذنا كل ذلك بعين الاعتبار، فهل من المفيد التفكير في الجينات كوحدات قائمة بذاتها على الإطلاق؟ تقول غابرييل “بالتأكيد” عندما نعتبر كل ما تقوم به. غير أن البعض يؤمن بأنه يتعين علينا أن نعيد تعريف الجينات. يجادل بيتر بورتن Peter Portin، عالِم الجينات من جامعة توركو University of Turku في فنلندا، في أن التفكير في جين على أنه الوحدة العالمية للوراثة تفكيرٌ فيه تبسيط كبير. ويقول: “من المفيد في كثير من الحالات التفكير في الجينات كأسنان عجلات صغيرة في آلة أكبر بكثير.”