انفجار الحساسية: ما الذي يسبب الحساسية وكيف نتجنبها
جميعنا سمع أن النظافة الزائدة يمكنها التسبب بالحساسية، أو أن التعرض لمسببات الحساسية قد يساعدنا على التغلب عليها. صحيح أن أغلب النصائح غير صحيحة، ولكن يبدو أن بعضها صحيح فعلا.
بقلم: بيني سارشيت Penny Sarchet
ترجمة: د. عبدالرحمن سوالمه
ما سبب زيادة الحساسيات؟
يقال إن النظافة من الإيمان، أما في حالة الأشخاص غير المتشددين في موضوع النظافة، فإن فكرة أن الوسخ قد يحمي من الحساسيات قد تروق لهم نوعا ما.
طُرِحَت فكرة “نظرية النظافة” أول ما طرحت عام 1989، وقد كان عالم الوبائيات ديفيد ستراشان David Strachan هو من طرحها. وكانت الفكرة تقوم على أن الحياة الحديثة صارت أكثر نظافة، وهو ما حدا بالأطفال إلى أن يصابوا بنسبة عداوى أقل. وهذا يجعلهم معرضين لأن يطوروا الحساسيات، ربما لأن جهازهم المناعي تدرّب تدريبا خاطئا. إذا كان الأمر كذلك، فإن الحساسيات هي الثمن الذي يدفعه الناس في الدول المتقدمة مقابل انخفاض معدل موت الأطفال الرُّضع بشكل كبير.
وهذه الفكرة ترسخت عند عامة الناس، ولكن هناك مشكلات في منطق هذه الفكرة. ونعلم الآن أن العداوى التي تصيب الأطفال لا يبدو أنها تقلل من احتمال الإصابة بالحساسية. كما أن هناك مدنا كبيرة مثل لندن ونيويورك زادت من مستوى النظافة فيها بحلول عام 1920، أي قبل اقتراح الفكرة بزمن طويل؛ فعلى سبيل المثال، إضافة الكلور إلى الماء وفصل أنظمة الصرف الصحي جعلت الكوليرا والتيفوئيد تغدو نادرة في ذلك الوقت. وإذا كانت الحياة النظيفة هي الملامة في الحساسيات، فإنه من غير المنطقي أن يحتاج الربو إلى أربعين سنة ليبدأ بالازدياد. كما أن الدول المتقدمة لم تشهد إلا القليل من التغييرات في النظافة منذ عام 1960، ومن ثم ما الذي سبَّب هذه الزيادة السريعة في الحساسيات حديثا؟
نعلم أن الأشقاء الأكبر سنا معرضون أكثر من أشقائهم الأصغر سنا للإصابة ببعض الحساسيات، وأن الأطفال الذين يترعرعون في عائلات كبيرة أو في مناطق فيها مزارع يكونون أقل عرضة لتطوير الحساسيات. ومن ثم، فإن المسألة الأهم ليست في نظافة المنزل أو الإصابة بالعداوى، وإنما يبدو أن الأهم هو قضاء الوقت مع أطفال آخرين، وكذلك كمية الوقت المقضي في الخارج في مراحل الحياة الأولى؛ ربما لأن هذا يزيد من مدى الميكروبات التي نتعرض لها في الفترة الأولى من الحياة. ومع اتجاه الناس في الغرب نحو قضاء وقت أكبر من حياتهم داخل المنازل وفي المناطق المتحضرة، كما يحدث الآن في دول مثل الصين، قد يفقد الناس التعرض لبعض المكروبات التي ساعدت على شحذ الجهاز المناعي لآلاف السنين. وهذا ما يعرف بنظرية “الأصدقاء القدامى” Old friends hypothesis.
أما عن كيفية مساعدة هذه المكروبات الصديقة على منع نظام الأجسام المضادة IgE من مهاجمة أهداف خاطئة فهو أمر لا يزال غير مفهوم في أغلبه. ولكننا بدأنا بفهم أن الجراثيم المختلفة التي تعيش في أجسادنا يمكنها أن تؤثر في العديد من جوانب الصحة، كما أنه من الممكن أن بعض الجراثيم تساعد على تهدئة بعض عناصر جهاز المناعة، مانعة إياها من فرط الاستجابة. إلا أنه من غير المحتمل أن تكون قادرا على استعادة بعض هذه الجراثيم بمجرد أن تهمل نظافتك الشخصية. وببلوغك مرحلة البلوغ لا يوجد الكثير لتقوم به من أجل تغيير الميكروبيون (الأحياء المجهرية) Microbiome عندك، من المرجح أن الوقت صار متأخرا لأن تحزم أمتعتك وتنتقل للعيش في مزرعة.
هل يمكن للتعرض أن يشفي الحساسية عندي؟
إذا كنت سمعت أن شخصا ما يدّعي أنه شفى حمى القش عن طريق قضاء بعض الوقت خارجا أو أن حصة يومية من العسل، والذي يحتوي على حبوب الطلع، قد عزز من مناعته، فلا تُخدَع بهذا الكلام. ويقول سيد حسن أرشد Syed Hasan Arshad من جامعة ساوثهامبتون University of Southampton في المملكة المتحدة: “ليس هناك الكثير من الأدلة لتدعم هذا الكلام.”
وبالمثل، فإن إجبارك نفسك على أن تأكل الفول السوداني إذا كنت مصابا بحساسية الفول السوداني لهي فكرة سيئة، مثله في ذلك مثل العيش مع حيوان أليف على أمل أن تتعايش معه بشكل سليم بمرور الوقت.
ومع ذلك، فإن هذه الفكرة قائمة على أدلة معقولة؛ فحقن جرعات طبية صغيرة متزايدة التركيز من أحد مسببات الحساسية يمكنه أن يزيل تحسس الجهاز المناعي لبعض الحساسيات. ووفقا لغراهام روبرتس Graham Roberts من جامعة ساوثهامبتون في المملكة المتحدة، فإن هذه الجرعات إن أُعطيت على مدار عدة سنوات، فإن هناك دلائل جيدة على أن هذا العلاج قد يكون فاعلا في بعض الحساسيات من مثل لسعات النحل والدبابير، وكذلك التهاب الأنف الذي يسببه طلع الحشائش أو طلع الشجر أو عث الغبار المنزليُّ.
حقيقة: يمكن للطفيليات أن تصيبك بحساسية اللحم
هناك نوع من السكريات يحمله قراد اليغموش الأمريكي Lone Star tick، والموجود في شمال أمريكا، والذي يمكنه أن يسبب الحساسية للأشخاص تجاه لحوم الثدييات التي تحتوي على نوع السكريات نفسه، وهو ما يسبب حساسية للحم الأحمر.
يبدو أن هذا العلاج، والذي شاع اسمه على أنه العلاج المناعي لمسببات الحساسية أو “حقنات الحساسية” Allergy shots، يزيد تدريجيا من كمية التعرض التي يتحملها جهاز المناعة. ولكن، بما أن هذه التقنية قد تسبب انتفاخا أو حكة قريبا من موضع الحقن، وفي بعض الحالات يسبب استجابات شديدة للحساسية، ومشكلات في التنفس وانهيار الشخص، فإنها يجب أن تعطى عن طريق طبيب في مستشفى.
وبحسب روبرتس، فإن هناك نتائج جيدة في بعض العلاجات المناعية التجريبية للفول السوداني في الأطفال، والتي نتج منها آثار دائمة، ولكن يتعين أن يستمر المرضى بأكل الفول السوداني من أجل الحفاظ على الحماية. كما يبدو أن العلاج المناعي يعمل جيدا في حساسيات القطط، ولكنه أقل فعالية في حساسيات الكلاب.
هل يمكنني منع طفلي من تطوير الحساسيات؟
وكانت هذه نصيحة طبية لا ريب فيها لمدة سنوات. فقد كانت النساء يطالَبْن ويحَفَّزْن لأن يتجنبن الأطعمة الشائعة في التسبب بالحساسية مثل الفول السوداني خلال الحمل والرضاعة، وكن يُخبَرنَ بأن أطفالهن يجب أن يتجنبوا أكل هذه الأطعمة خلال السنوات الأولى من الحياة. وكان السبب وراء هذه النصيحة هو منع الأطفال من الإصابة بالحساسيات، ولكن في السنوات الأخيرة وجدنا أن هذا كان خاطئا في أغلب الحالات.
واتضح أنه لا فرق إن أكلت النساءُ الأطعمةَ التي تسبب الحساسية خلال الحمل أو لم يأكلن، كما أنهن لم يعدن يُنصَحن بأن يتجنبن هذه الأطعمة.
ولكن، يبدو أن بعض الأشياء لها أثر بالفعل؛ ففي دراسة أجريت على ما يقرب من 6000 رضيع السنة الماضية وجدت أن الرضاعة الطبيعية خلال الأشهر الأربعة الأولى من الحياة يبدو أنها مرتبطة باحتمال منخفض من تطوير حمى القش وذلك في الأطفال ذوي نسبة الخطر المنخفضة من حيث الإصابة بالحساسية.
ولكن الرضاعة الطبيعية ما هي إلا جزء من القصة؛ فالدلائل تتزايد حول أنه من الأفضل التعرض للأطعمة خلال المراحل المبكرة في الأطفال ذوي نسبة الخطر العالية (أي أولئك المصابين بالإكزيما الشديدة أو المتوسطة، أو الذين يعاني أشقاؤهم أو آباؤهم الحساسية)، وذلك بدلا من تجنب هذه الأطعمة. أما أولئك الذين تعرضوا للفول السوداني بين عمر 4 و 11 شهرا فقد كانت احتمال تطويرهم لحساسية الفول السوداني بحلول سن الخامسة أقل بـ%81. وبالمثل، فإن الأطفال الذين بدأوا بأكل البيض في عمر 4 إلى 6 أشهر كانوا أقل احتمالا لأن يطوروا حساسيات للبيض.
هناك بعض التعليمات في الولايات المتحدة وأستراليا الآن تنصح بتعريض الرضع بشكل بطيء وحَذِر للمواد المحتملة التسبب بالحساسية بدءا من عمر 4 إلى 6 أشهر، وذلك على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية WHO لا تزال تنصح بإعطاء الأطفال فقط الحليب الطبيعي حتى عمر الستة أشهر.
يبدو أن المسألة الأهم هنا هي تعريض الجهاز المناعي للطفل لمسببات الحساسية المحتملة قبل أن تكون عندهم فرصة لتطوير الحساسيات، والنافذة الزمنية التي يجب استغلالها قصيرة نسبيا.
ولكنّ أثر هذه الطريقة لا يزال غير مفهوم، وفي العديد من الحالات تكون الدلائل متناقضة. وتناول الفول السوداني في مراحل مبكرة من الحياة قد يكون ذا فائدة، ولكن النمو في منزل يؤكل فيه الفول السوداني كثيرا يبدو أنه يزيد من احتمال الإصابة بحساسيات الفول السوداني.
الفكرة التي تقول إن نقص المكروبات “الجيدة” في الأمعاء قد يكون السبب في زيادة الحساسيات تكون قد زادت من الاهتمام في استخدام البريبايوتكس (المعينات الحيوية) Prebiotics من أجل تغيير الكائنات الجرثومية المعوية للأم أو للرضيع من أجل الحماية ضد الحساسيات. ومع ذلك ، لا يوجد دليل جيد حتى الآن على هذا التأثير.