وسط مخاوف من سرقة الأفكار، المعاهد الوطنية للصحة تستهدف روابط التمويل الأجنبية
الوكالة تُذكّر المتقدمين للإفصاح عن جميع مصادر التمويل وتحذّر من انتهاك سرية مراجعة الأقران
بقلم: جوسيلين كايسر Jocelyn Kaiser وديفيد مالاكوف David Malakoff
ترجمة: مي منصور بورسلي
وصلت المخاوف من قيام الحكومات الأجنبية بالاستيلاء على معلومات قيمة من الأبحاث التي تمولها الولايات المتحدة، إلى أكبر مُموِّل للأبحاث في البلاد، وهي وكالة المعاهد الوطنية للصحة National Institutes of Health (اختصارا: الوكالة NIH) في بيثيسدا بولاية ميريلاند. وفي الأسبوع الماضي بعثت الوكالة NIH رسالة إلى أكثر من عشرة آلاف مؤسسة بحثية لحثّها على التأكد من أنّ المُموَّلين من الوكالة NIH يُبلِغون عن علاقاتهم الخارجية بشكل صحيح. كما قالت الوكالة إنها تحقق في نحو ست حالات قد يكون الباحثون المُمَوّلون من قبل الوكالة NIH انتهكوا قواعد الافصاح، كما أنها ذكّرت الباحثين الذين يراجعون طلبات المِنح بعدم تسريب معلومات الاقتراحات المُقدمة للتمويل إلى أطراف خارجية.
وفي جلسة استماع للجنة مجلس الشيوخ Senate حول إشراف الوكالة NIH الأسبوع الماضي على الأبحاث، قال مدير الوكالة NIH فرانسيس كولينز Francis Collins: “إنّ سلامة مشاريع الأبحاث الطبية الحيوية تتعرض لتهديد دائم” و “حجم هذه المخاطر يتزايد،” على الرغم من أنه لم يذكر حوادث محددة. واستكمل قائلا إنه إضافة إلى الخطاب المُرسل بتاريخ 20 أغسطس الذي يطلب إلى المؤسسات المساعدة على الحد من “الانتهاكات غير المقبولة للثقة والسرية،” أنشأت الوكالة NIH مجموعة استشارية جديدة لمساعدة الوكالة على تشديد الإجراءات.
ويضغط الكونغرس على الوكالة NIH لإحكام إشرافها. وفي الجلسة أشاد رئيس لجنة الصحة في مجلس الشيوخ السيناتور لامار ألكساندر Lamar Alexander (جمهوري – تكساس) بمساهمات العلماء الأجانب لصالح الولايات المتحدة، إلّا أنّه قلق من “الأطراف السيئة.” وتعكس تعليقاته تجدد المخاوف بشأن محاولة منافسي الولايات المتحدة الأجانب – خاصة الصين وروسيا وإيران – جني ثمار الاستثمارات الفيدرالية في العلوم الأكاديمية. وقد اتهم المدعون الفيدراليون في مارس تسعة إيرانيين بتهمة اختراق حسابات ما يقرب من أربعة آلاف أستاذ في 144 جامعة أمريكية وسرقة بيانات كلّف تطويرها 3.4 بليون دولار. وفي قضية أخرى، ادعى بروفيسور في جامعة ديوك Duke University، في دورهام بولاية نورث كارولينا، أن طالب الدكتوراه الصيني الذي يعمل في مختبره على أبحاث مواد لـ”إخفاء” أجسام عن الموجات الكهرومغناطيسية كان قد عاد إلى الصين مع نتائج حساسة ممولة من الحكومة واستخدمها لإنشاء شركة تكنولوجية ناجحة. ودفعت مثل هذه الوقائع مكتب التحقيقات الفيدرالي للبدء بمقابلة مسؤولي الجامعة لاطلاعهم على قضايا أمن المعلومات.
ومما يزيد من المخاوف هو تزايد عدد الباحثين الذين يتلقون تمويلاً – ويديرون المختبرات- من الولايات المتحدة والدول الأخرى، مما قد يؤدي إلى فتح قناة لتسريب البيانات والتكنولوجيا. والعلماء المقيمون في الولايات المتحدة مستهدفون أيضا بما يسمى برامج توظيف المواهب التي تقدم التمويل المربح وتديرها الصين وغيرها.
وبشكل عام، لا تمنع الوكالة NIHومموِّلو الأبحاث الفيدراليون مُتلقي المِنح في الولايات المتحدة من قبول التمويل الأجنبي، وكثيراً ما ترعى الأبحاث التي تُجرى بالاشتراك مع علماء في دول أخرى، وتشجّع مُتلقي المِنح على مشاركة نتائج الأبحاث الممولة بحرية ما لم تُحتِّم عليها الحكومة بالسرية. ولكن يتعين على مُتلقي المِنح إبلاغ الحكومة ما إذا سبق وأن سجّلوا حقوق الملكية الفكرية لاكتشافات بحثية، إضافة إلى ضرورة الإفصاح عن جميع مصادر التمويل عند التقدم للحصول على منحة.
وقد صرّح كولينز لمجلة ساينس Science أنّ اهتمام الوكالة NIH بالمشكلة لم يكن مدفوعًا بـ “بواقعة كبيرة” تنطوي على انتهاك لهذه القواعد، ولكن “مجرد شعور متزايد بأن الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات بهذا الشأن.” وقد رصد مسؤولو الوكالة أوراقًا بحثية مولتها الوكالة NIH أُقرّ فيها المؤلفون بحصول أبحاثهم على دعم أجنبي، إلّا أنّ الدعم لم يُفصح عنه بشكل صحيح للوكالة NIH، على سبيل المثال. كما تشعر الوكالة بالقلق إزاء العلماء الذين تموّلهم الوكالة NIH الذين يقضون عدة شهور خلال العام في بلدهم الأصلي فيما أسماه كولينز بمختبرات الظل؛ مما يصعب معه معرفة البلد الذي يمول اكتشافاته. ولن تسمي الوكالة NIH المؤسساتِ الست أو نحو ذلك التي تحقق فيها، ولكن كولينز يقول إنّ الوكالة قلقة من أن بعض الباحثين قد أخفى علاقاته الخارجية؛ لأنهم ينوون عرض معلومات محمية بحقوق الملكية الفكرية أو المعلومات خاصة بالبحث مع الدول الأخرى. ولكنه يقول: “قد يتبين لنا أنّ كل شيء على ما يرام – وأنهم فقط نسوا أن يخبرونا بذلك.”
كما تتحرك الوكالةNIH للدفاع عن نظامها لمراجعة الأقران الذي يستخدم الآلاف من المراجعين المتطوعين سنوياً لتقييم أكثر من ثمانين ألف طلب – يتضمن العديد منها نتائج غير منشورة. وهناك مصدر قلق خاص، كما تقول الرسالة، وهو “مناقشة المراجعون الأقران المعلوماتِ السرية لطلبات المِنح المُقدَّمة للوكالة NIH مع آخرين، بمن في ذلك الكيانات الأجنبية.”
وسقول الأكاديميون أنهم يشاطرون الوكالة NIH مخاوفها؛ إذ تقول ليزا نيكولز Lisa Nichols، من مجلس العلاقات الحكومية Council of Governmental Relations في واشنطن العاصمة، الذي يتتبع القضايا التنظيمية للجامعات: “تتطلع الجامعات إلى العمل مع الوكالة NIH للعثور على فُرص التخفيف من الانتهاكات والمساعدة على ضمان دقة التبليغ.” ويقول توبين سميث Tobin Smith، من رابطة الجامعات الأمريكية Association of American Universities في واشنطن العاصمة: “لا يمكنهم الكشف دائمًا عن الروابط الخارجية المُسبِّبة للمشكلات بأنفسهم. وسنضطر إلى القيام بعمل أفضل للتأكد من أنّ أعضاء هيئة التدريس يؤدون عملهم بأمانة.”
ويودّ بعض المُشرّعين في الكونغرس أن يروا إشرافًا أكثر صرامة على المشاريع المُنفَّذة في الجامعات الأمريكية والممولة من الخارج. وعلى سبيل المثال، سمح تعديل مشروع قانون الإنفاق الدفاعي الأخير للبنتاغون بمنع تمويل الباحثين الأمريكيين الذين تلقوا الدعم من برامج توظيف المواهب التي تمولها الحكومات الأجنبية. وكان النص الذي يُنظر إليه على أنه استهداف للصين – قد عُلّق في نهاية المطاف لصالح استخدام عبارات تطلب إلى وزارة الدفاع Department of Defense العمل مع الجامعات لفحص مخاطر ومنافع مثل هذه الترتيبات.