الأمم المتحدة تنظر في تنقيب الجينات في أعالي البحار
محادثات حول ميثاق التنوع البيولوجي البحري الذي استحدثه الانقسام الجنوبي الشمالي حول الموارد الجينية
بقلم: إيلاي كينتِش Eli Kintisch
صورة: قناديل البحر ذات الخطوط الأرجوانية Purple-Striped Jellyfish هي من بين مئات الكائنات البحرية التي حصل حمضها النووي على براءة اختراع.
إحصائية لافتة للنظر: تمتلك شركة واحدة، الشركة الكيميائية العملاقة عبر الوطنية BASF، ما يقرب من نصف براءات الاختراع التي صدرت على ثلاثة عشر ألف تسلسل حمض نووي DNA من الكائنات البحرية. ويساعد هذا العدد الآن على إطلاق مفاوضات عالمية عالية المخاطر حول مسألة مثيرة للنزاع: كيفية تنظيم الاستغلال المتزايد للجينات التي تُجمع في المحيط المفتوح، خارج نطاق حق أي دولة.
والهدف الرئيسي للمحادثات، الذي افتُتِحت هذا الأسبوع في الأمم المتحدة بمدينة نيويورك، هو صياغة اتفاقية جديدة لحماية التنوع البيولوجي في أعالي البحار، والتي تشمل ثلثي المحيط. ومن المتوقع أن تُركّز العديد من المناقشات التي ستستمر حتى 17 سبتمبر على مقترحات طويلة الأمد لإنشاء مناطق محمية حيث يكون الصيد والتنمية فيها محدودين أو محظورين. غير أنّ المفاوضات تهدف أيضا إلى الاستعاضة عن التزاحم الحُر للجميع، اليومَ، للحصول على المصادر الجينية البحرية بنظامٍ أكثر نظامية وربما أكثر عدالة.
وتصرُّ العديد من الدول المتقدمة والمجموعات الصناعية على أن أي قاعدة جديدة لا ينبغي أن تعقّد الجهود الرامية إلى اكتشاف الجينات البحرية التي قد تساعد على إنتاج مواد كيميائية ومستحضرات تجميل ومحاصيل أفضل وتسجيل براءات الاختراع.
ولكن العديد من الدول النامية تود التوصل إلى قوانين تضمن حصولها على حصة من أي فائدة مكتشفة. والعلماء يراقبون الوضع أيضا. ويُمكن لنظام رقابي شاق أن “يؤثّر سلبيًا” في العلماء المشاركين في “الأبحاث غير التجارية في المحيطات”، كما يحذّر روبرت بلاسياك Robert Blasiak، المتخصص بالسياسة البحرية في مركز ستكهولم للمرونة Stockholm Resilience Centre.
وليست هذه المرة الأولى التي تتجادل فيها الدول حول كيفية تقاسم الموارد الجينية. وقد وافقت 105 دول بموجب بروتوكول ناغويا Nagoya Protocol لعام 2010، وهو ميثاق آخر للأمم المتحدة، على قوانين منع ما يسمى القرصنة البيولوجية Biopiracy: إزالة الموارد البيولوجية، مثل الحمض النووي للنباتات أو الحيوانات، من موائل الدولة دون إذن أو تعويض مناسب.
ولا تنطبق هذه القوانين في المياه الدولية، التي تبدأ من 200 عقدة بحرية من الشاطئ وتجذب اهتمامًا متزايدًا من الباحثين والشركات التي تبحث عن جينات قيمة. وقد مُنحت أول براءة اختراع على حمض نووي من كائن بحري في عام 1988 لتسلسل من سمك الأنقليس الأوروبي European eel، الذي يقضي جزءا من حياته في المياه العذبة. ومنذ ذلك الحين، فقد ادعت أكثر من 300 شركة وجامعة وغيرها بحقها عن تسلسل من 862 نوعاً من الكائنات البحرية، حسبما أفاد فريق بقيادة بلاسياك في عدد يونيو من دورية Science Advances. وللبكتيريا القديمة Extremophiles قيمة عالية للغاية. وعلى سبيل المثال، تُرمِّز جينات من الديدان الموجودة في فتحات الثفاثات المائية الحرارية في أعماق البحار، البوليمرات المستخدمة في مستحضرات التجميل. وحصلت شركة BASF على براءة اختراع الحمض النووي لدودة أخرى تعتقد الشركة أنها قد تساعد على تحسين إنتاجية المحاصيل. وتقول المجموعة التي تتخذ من لودفيغسهافن بألمانيا مقرًا لها إنها عثرت على معظم تسلسلاتها البالغ عددها 5700 في قواعد البيانات العامة.
ويقول بلاسياك: “لا يوجد شيء غير قانوني حول ما فعلوه، العلم يتحرك بطريقة أسرع من السياسة.” وقد ساعد هذا الاتجاه على تحفيز النقاشات العالمية حول ما إذا كان سيجري تقاسم لأي فائدة تنشأ من براءات الاختراع في أعالي البحار وكيفية فعل ذلك.
وقد يستغرق الأمر سنوات لكي توافق الدول على معاهدة للتنوع البيولوجي البحري، والمحادثات الجارية الآن هي مجرد جولة أولى. ولكن “الانقسام الأيديولوجي” بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة، حتى الآن، “أدى إلى حالة من الجمود” بشأن كيفية التعامل مع المصادر الجينية البحرية، كما تقول هارييت هاردن ديفيس Harriet Harden Davies، خبيرة في السياسة من جامعة ولونغونغ University of Wollongong في أستراليا.
وترغب معظم الدول النامية في توسيع فلسفة “الإرث المشترك” Common heritage المتضمنة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار United Nations Convention on the Law of the Sea لعام 1982، التي تعلن أنّ المصادر الموجودة في قاع البحر أو تحته، مثل المعادن، هي “إرث مشترك للبشرية”. وقال فريق تفاوض جنوب إفريقيا في بيان صدر مؤخراً إنّ تطبيق هذا المبدأ على المصادر الجينية سيعزز: “التضامن في حماية وحفظ الخير الذي نتشارك فيه جميعًا.” وبموجب هذا النهج، يمكن للمستفيدين من الجينات البحرية، على سبيل المثال، أن يدفعوا إلى صندوق عالمي لتعويض الدول الأخرى مقابل استخدام الموارد المشتركة، وربما تُستخدم المبالغ لدعم حماية المصادر أو التدريب العلمي.
لكن الدول المتقدمة، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا واليابان، تعارض توسيع نطاق أسلوب “الإرث المشترك” خوفًا من الأنظمة الشاقة وغير العملية. فهم يجادلون في أنّ الحصول على الجينات في أعالي البحار يجب أن يكون مكفولًا لجميع الدول بموجب مبدأ “حرية أعالي البحار” Freedom of the high seas، المنصوص عليها أيضاً في قانون البحار. ويقترن هذا النهج في الأساس بمن يجد شيئًا يحتفظ به، على الرغم من أنّ البلدان تتمتع تقليديا بمنفذ غير مُقيّد ومتوازن مع مبادئ أخرى، مثل أهمية الحفاظ على المصادر وتطوير قواعد للشحن وصيد السمك وغجراء الأبحاث في المياه الدولية.
ويسعى الاتحاد الأوروبي والأطراف الأخرى إلى تجنب الحوار والبحث عن أرضية مشتركة. وأحد المقترحات المؤثرة سيسمح للدول بالتنقيب عن الجينات في أعالي البحار، ولكنه يتطلب نشر التسلسلات التي تكتشفها. كما يمكن للشركات أن تختار الاحتفاظ بسرية التسلسل بشكل مؤقت، حتى تتمكن من تسجيل براءات الاختراع الخاصة بها، إذا كانت تساهم في صندوق دولي يدعم الأبحاث البحرية في الدول الفقيرة. وتقول أريانا بروغياتو Arianna Broggiato، وهي مستشارة قانونية في شركة الاستشارية eCoast ومقرها بروكسل، والتي شاركت في كتابة ورقة حول المفهوم هذا العام ونُشرت في دورية The International Journal of Marine and Coastal Law: “يجب أن يوضع الباحثون في جميع أنحاء العالم في ساحة لعب متكافئة.”
وفي الوقت نفسه، يأمل العديد من الباحثين بأنّ أي قاعدة ستوضع لن تُعيق العلم. ويشكو البعض من أن بروتوكول ناغويا، على سبيل المثال، قد أدى في بعض الأحيان إلى القيام بأعمال ورقية شاقة؛ مما يُعقد حتى الدراسات التي تهدف إلى حماية التنوع البيولوجي. والأسوأ من ذلك، كما يقول الكثيرون، هو اقتراح حديث باستخدام الميثاق لتنظيم استخدام المواد الجينية، وليس فقط، بل وأيضاً التسلسل الجيني المتاح للعامة Science, 6 July, p. 14)).
ومن المحتمل ألاّ تصل الدول في النهاية إلى اتفاقية جديدة وستحافظ على الوضع الراهن. ولكن إذا استمرت الدول المتقدمة في المطالبة بمعلومات وراثية قيّمة من أعالي البحار فلن يكون لدى الدول النامية أقل حافز لحماية تلك المياه، كما يحذّر ثيمبيلي جوييني Thembile Joyini، خبير السياسة البحرية ومستشار لحكومة جنوب إفريقيا في مدينة نيويورك. وقد قال مؤخرًا متحدثًا كفردٍ وليس ممثلاً لحكومته: ” نريد جميعًا أن نشعر بأن المحيط ملكنا.”