أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فلك وعلم الكونيات

مجرة كبيرة كامنة اكتُشِفت على الجانب البعيد من درب التبانة

المجرة أنتليا 2 تُنافس سحابة ماجلان الكبرى في الحجم ولكنها خافتة بشكل غريب يُحيّر العلماء النظريين

بقلم: آدم مان Adam Mann، صحفي في أوكلاند بولاية كاليفورنيا

ترجمة: مي منصور بورسلي

    عملاق متخفٍ يحوم حول مجرتنا؛ إذ اكتشف علماء الفلك مجرة قزمة Dwarf Galaxy، تدعى مجرة أنتليا 2 -Antlia 2، بثلث مساحة درب التبانة Milky Way. وعلى الرغم من أنها بحجم سحابة ماجلان الكبرى Large Magellanic Cloud، أكبر رفيق لمجرتنا، إلا أنّ مجرة أنتليا 2 استعصت على الرصد حتى الآن، وذلك لأنها أكثر خفوتًا بمقدار 10 آلاف مرة. وبذلك يتحدى هذا الوحش الغريب نماذج تكوين المجرات والمادة المعتمة Dark Matter، وهي الأشياء غير المرئية التي تساعد على تماسك المجرات معًا.

    ويقول أندري كرافتسوف Andrey Kravtsov، من جامعة شيكاغو University of Chicago في إلينوي، والذي لم يشارك في هذا العمل: “إنه جرم غريب جدًا ومثير نوعًا ما لأننا لا نعرف حتى الآن كيف نفسّر جميع خصائصه.”

     اكتُشِفت المجرة بواسطة بيانات من القمر الاصطناعي غايا Gaia Satellite التابع لوكالة الفضاء الأوروبية European Space Agency، وهو تلسكوب فضائي يقيس حركات وخصائص أكثر من بليون نجم داخل وحول مجرة درب التبانة. وقد قرّر غابرييل توريالبا Gabriel Torrealba، وهو باحث لما بعد الدكتوراه في علم الفلك من الأكاديمية سينيكا Academia Sinica في تايبيه، التدقيق في البيانات بحثًا عن نجوم متغيرات RR القيثارةStars  RR Lyrae. إذ تتألق هذه النجوم القديمة التي غالبًا ما توجد في المجرات القزمية، بضوء أزرق خفّاق ينبض بمعدل يشير إلى سطوعها المتأصل؛ مما يسمح للباحثين بتحديد بُعدها.

        ويقول فاسيلي بيلوكوروف Vasily Belokurov، اختصاصي علم الفلك من جامعة كيمبردج University of Cambridge في المملكة المتحدة والمشارك في هذا الاكتشاف: “نجوم متغيرات RR القيثارة نادرة للغاية في هذه المسافات، حتى لو رأيت اثنين، ستتساءل عن سبب وجودهما معًا.” وعندما وجد الفريق ثلاثة من هذه النجوم، على بعد 420 ألف سنة ضوئية، كانت “إشارة غامرة” لعنقود كبير من النجوم في ذلك الموقع، كما يقول بيلوكوروف. ولكن لأنّ النجوم RR القيثارة تقع على الجانب البعيد من قرص درب التبانة وبسبب إعتام ستائر النجوم والغاز، فإن العثور على رفاقها لم يكن سهلاً.

    وقد ساعدت بياناتُ القمرِ غايا الفريقَ على رؤية ما بعد النجوم الأمامية. والأجرام الموجودة في قرص درب التبانة قريبة منها بما يكفي لتقيس اختلاف الوضع الظاهري Parallax: تحول في موقعها الظاهر بينما تتحرك الأرض حول الشمس. إذ تظهر النجوم البعيدة ثابتة في موضع واحد. وبعد استبعاد نجوم السلوك الظاهري، حدد الباحثون أكثر من 100 نجم عملاق أحمر Red Giant تتحرك معاً في كوكبة أنتليا (كوكبة مفرغة الهواء) Constellation Antlia، كما أفادوا في ورقة نُشرت على الموقع الإلكتروني للخادم ما قبل الطباعة arXiv هذا الأسبوع. وتُشير النجوم العملاقة إلى مجرة مترامية الأطراف، أقل حجمًا بمئة مرة من أي شيء ذي مساحة مماثلة، مع نجوم أقل بكثير.

“إنه … مثير نوعًا ما لأننا لا نعرف حتى الآن كيف نفسّر جميع خصائصها.”

أندري كرافتسوف،

 من جامعة شيكاغو

    ولتفسير هذه المجرة المُخفّفة الكثافة، يقترح بيلوكوروف أنه في بداية تاريخ مجرة أنتليا 2، انفجرت العديد من النجوم الشابة مثل سوبرنوفا (مستعرات فائقة) عنيفة. وهذا من شأنه أن ينفث الغاز والغبار خارج المجرة، مما يضعف جاذبيتها بحيث تنتفخ. وتضيف وفرة العناصر الثقيلة المتناثرة من أحشاء النجوم المتفجرة مصداقية لهذه الفكرة، كما يقول شيا غاريسون – كيميل Shea Garrison-Kimmel، اختصاصي علم الفيزياء الفلكية من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا California Institute of Technology في باسادينا. وقد تكون مجرة أنتليا 2 أيضًا قد فقدت المادة نظرا لانجذاب النجوم بعيدًا بفِعل قوى مد الجذب أثناء دورانها حول المجرة الأكبر درب التبانة.

    ومع ذلك، يصعب تفسير حجمها الكبير. ويُعتقد أنّ المجرات تتشكل عندما تسحب جاذبية الكتل الهائلة من المادة المعتمة ما يكفي من المادة العادية لتغذية ولادة النجوم. ويُخمّن الفريق أنّ مجرة أنتليا 2 ربما تكون قد ولدت من مادة معتمة من نوع “منفوش” وأكثر سرعة مما تفترضه النمذجات الحالية.

    وبالنسبة إلى غاريسون – كيميل، لا يكفي مثال واحد للجزم بأنّ المادة المعتمة في مجرة أنتليا 2 تختلف عن تلك الموجودة في مجرة درب التبانة وتوابعها الأخرى. “لا يوجد شيء في هذه المجرة يشير إلى أننا نحتاج إلى إعادة النظر في المادة المعتمة،”، كما يقول. ويُضيف مردفا: “لكن إذا كان هناك الكثير من هذه، فقد نحتاج إلى الرجوع خطوة إلى الوراء لنتساءل عما يحدث.”

    ومن المحتمل أن يحدث ذلك الآن بما أنّ علماء الفلك يعرفون كيفية العثور على المرافقين الكبار والمراوغين. ويقول كرافتسوف: “أعتقد أنّ هذا الجرم بشير،” ويُضيف قائلًا: “إنه علامة مبكرة لما ستؤول إليه الأمور القادمة.”

Ósciencemag.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى