لماذا تندر إصابة الفيلة بالسرطان؟
ربما يتساءل المستمع الكريم ما العلاقة بين الفيلة والأمراض السرطانية، ولكن هناك العديد من الأبحاث العلمية التي تشير إلى أن الفيلة نادراً ما تصاب بأمراض سرطانية. وهذا يثير الدهشة نوعاً ما وذلك نظراً لحجمها الكبير والمدة الزمنية الطويلة التي تعيشها الفيلة مما يعني أنه بالمقارنة بكائنات أخرى، فإن جسم الفيل يحتوي على كمية من الخلايا أكبر بكثير من حيوانات أخرى. فبالتالي وبسبب العمر الطويل للفيل فإن احتمالية أن يتعرض الحمض النووي DNA لخلايا الفيل لخللٍ ما، ومن ثم تعرضها للإصابة بالسرطان تصبح أكبر بكثير من باقي الكائنات الحية.
كذلك فقد أشارت دراسة علمية أجريت على 650 فيل نافق بسبب المرض، أن نسبة ما يمكن إيعازه من نفوق تلك الفيلة إلى حالات سرطانية لا يتعدى 4.8 %. أما في الإنسان فنسبة الوفيات المرتبطة بالأمراض السرطانية تتراوح ما بين 11 و 25 %. ولهذا فقد اجتهدت العديد من مراكز الأبحاث العالمية لمعرفة سبب هذه المناعة الطبيعية لدى الفيلة تجاه الأمراض السرطانية، حيث أن معرفة أسباب هذه المناعة قد تفيد كثيراً في تطوير طرق وأساليب مكافحة الأمراض السرطانية التي تصيب الانسان.
وفي هذا الاتجاه فقد أشارت دراسة حديثة قام بها فريق بحثي من كلية الطب في جامعة يوتاه الأمريكية، ونُشرِت نتائجُها في 14 أغسطس 2018 في الدورية العلمية Cell Reports أشارت إلى أن أسباب هذه المناعة الطبيعية ربما تكمن في وجود مُورِّثيَن أو جِينَين مُعَيّنَين ظهرا في سلسلة الحمض النووي DNA للفيلة منذ 59 مليون سنة. وقام فريق البحث بتسمية الجين الأول ب LIF6 وتسمية الثاني ب TP53. وأوضحت الدراسات أن الجين LIF6 المذكور، وعن طريق عدة عمليات كيميائية حيوية معقدة، يستطيع الإحساس بأن هناك خللاً ما في الحمض النووي لبعض خلايا الفيل، وأنها تتعرض لتغيرات بيولوجية قد تؤدي بها أن تتحول إلى خلايا سرطانية. فبالتالي فإن جين LIF6 يصدر أوامره لتلك الخلايا، إما بإصلاح نفسها أو بأن تدمر نفسها. ومن المثير للفضول العلمي هو أن الحمض النووي لخلايا أغلب الكائنات الحية بما فيها الانسان يحتوي بالفعل على نسخة واحدة من هذا الجين، إلا أن الدراسة المذكورة أثبتت أن الحمض النووي لخلايا الفيل تحتوي على 20 نسخة من نفس الجين.
ولعل الأبحاث والتجارب القادمة حول فهم آلية قدرة الفيلة على مقاومة السرطان تميط اللثام عما يسمى بلغز نظرية بيتو، والتي ابتدعها عالم الأوبئة البريطاني ريتشارد بيتو في منتصف السبعينيات، والتي تنص على أن نسبة حالات الإصابة بالسرطان بين أنواع الكائنات الحية لا تزيد بزيادة الحجم أو طول العمر. فعلى سبيل المثال فإن عدد خلايا الإنسان أكثر من عدد خلايا الفأر بألف ضعف، بسبب فارق الحجم. وأن عمر الإنسان أطول من عمر الفأر بثلاثين ضعف، ولذلك وبسبب هذا الفارق، فإن إحتمالية نسبة الخلل في ال DNA ومن ثم التطور إلى سرطان، ممكن أن تكون أعلى بكثير لدى الإنسان مقارنةً بالفأر. ومع ذلك فقد أثبت بيتو أن إحتمالية الإصابة بالسرطان بين الفأر والإنسان تقريباً شبه متساوية. وعليه فقد استنتج أن الكائنات الحية الكبيرة الحجم ذات العمر الطويل لابد وأنها تحتوي على آليات فسيولوجية مجهولة تستطيع من خلالها اكتشاف بداية تكون الخلل السرطاني في الخلايا ومن ثم وأده مبكراً قبل أن يتطور.
ولذا يبدو أن المجتمع الطبي بحاجة ماسة لمزيد من الدراسات العلمية حول كيفية وآلية عمل هذه الجينات المكتشفة حديثاً من الناحية الكيميائية الحيوية في منظومة الحمض النووي لخلايا الفيل من جهة، وكذلك معرفة آلية مقاومتها للأورام السرطانية من جهة أخرى، للإستفادة منها في تطوير مكافحة هذا المرض الخبيث على المستوى الجيني في الإنسان.