كتاب: سيلفي: كيف أصبحنا مهووسين بالذات وما الذي يفعله بنا
تحديد النزعة الغربية للانغماس الذاتي عبر ألفي سنة من التاريخ
“Selfie: How We Became So Self-Obsessed and What It’s Doing to Us”
Anthony Gottlieb تأليف: آنثوني غوتليب
صفحة: 403
منشورات: The Overlook Press
بقلم: ويل ستور
ترجمة: مي منصور بورسلي
إنّ القلق حيال نرجسية المرء أمر يتّسم بلمحة من التناقض. وإذا كنا نعاني هوس الذات self-obsession، فهل يتعين علينا تغذية المرض من خلال تأليف كتاب آخر عن أنفسنا؟ حسنا، ربما كتاب واحد آخر فقط.
“سيلفي: كيف أصبحنا مهووسين بالذات وما الذي يفعله بنا Selfie: How We Became So Self-Obsessed and What It’s Doing to Us”، بقلم ويل ستور Will Storr، الصحافي والروائي البريطاني، هو مغامرة مثيرة للاستكتشاف الذاتي، في مَعنَيين. ففي البداية يروي قصة شخصية. إذ يعترف ستور بهدر جُلِّ وقته وهو في حالة من كراهية الذات، ويود أن يعرف السبب وراء ذلك. وفي بحثه عن استكشاف احترام الذات ونقيضه، يقابل أصنافًا عديدةً من الناس، ابتداءً بامرأة أمريكية شابة تدعى سي جاي CJ، تدور حياتها حول التقاط الصور الذاتية ومعالجتها ونشر مئات الآلاف منها، إلى جون John، عضو شرير في عصابة لندنية قد تاب من أساليبه الأنانية، ربما بسبب تضرّع والدته في الدعاء إلى القديس جود. ويشارك الكاتب في مجموعات لقاء في كاليفورنيا، ويستجوب راهبًا بنديكتينيًا منعزلًا في دير بلسكاردن Pluscarden Abbey في أسكتلندا، ويحمل علماء النفس الأكاديميون على التحدث بصراحة حول عملهم. وجانب ستور من المحادثات التي يرويها تميل إلى أن تكون فظة وفضولية ومليئة بالشتائم البريطانية. والقارئ كثيرا ما يستلطفه حتى وإن لم يستلطف ستور نفسه في كثير من الأحيان.
ويُعَدّ الكتاب أيضا سعيًا إلى تتبع فكرة الذات Self في الفكر الغربي. بدءاً بالفردانية Individualism اليونانية القديمة والمفاهيم البطولية، ثم نتقدم عبر الذات المسيحية “شديدة الصرامة”، مرورًا بمساهمات سيغي (فرويد Freud) وبعض المعالجين المنافسين له، وإلى تأملات بعض علماء الأعصاب والفلاسفة الذين اقترحوا حديثًا أنّ الذات، وإرادتها الحرة المُفترضة، ما هي إلّا أسطورة.
ويركز ستور أساسا على بعض الممارسات التي ظهرت في الستينات القرن العشرين، خاصة من معهد إيسالين Esalen Institute في بيغ سور بولاية كاليفورنيا. وقد كان المعهد محورًا للثقافة المضادة Counterculture في عصره. وكذلك موطنًا لما صار يُعرف بحركة الإمكانات البشرية Human Potential Movement، التي روّجت فكرة أنّ العلل الشخصية والمجتمعية يمكن علاجها من خلال فك القيود المفروضة من قبل الأديان والعلاجات التقليدية لإطلاق العنان للطاقات المحبوسة في داخلنا. وكل ما تحتاج إليه هو الحب، خاصة الذي تعطيه لنفسك. ويقترح ستور أنّ بدعة احترام الذات التي سادت في أواخر ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، تطورت إلى وباء الانغماس بالذات المعزز رقميًا الذي يقال إننا نعانيه اليوم.
وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ إحدى النتائج الراسخة نوعا ما من بحث ستور هي أنّ طفرة احترام الذات قد أثاره ما قد يرقى إلى الخداع. وجاء تعليل ذلك بالتذكير بمدى سهولة تضليل الجمهور-الذين لديهم استعداد- حول فحوى الدراسات العلمية.
في عام 1986 أقنع جون فاسكونسيلوس John Vasconcellos- عضو مجلس تشريعي في ولاية كاليفورنيا والمُعذّب إلى، والذي حضر دروسًا في إيسالن- حاكمَ الولاية جورج ديوكميجيان George Deukmejian بتمويل “فرقة عمل لتعزيز احترام الذات والمسؤولية الشخصية والاجتماعية”. وكان على الأساتذة من جامعة كاليفورنيا دراسة العلاقة بين احترام الذات والتنمية الشخصية الصحية. ويمكن لولاية كاليفورنيا – بل العالَم – تصميم برامج للقضاء على التشرد وتعاطي المخدرات والجريمة في مهدها، وذلك بتعليم الناس احترام أنفسهم واستخدام إمكاناتهم. وقد نالت فرقة العمل في البداية نصيبًا من السخرية. كما تعرضت للانتقاد من غاري ترودو Garry Trudeau في الرسوم الكاريكاتورية “دونزبيري” Doonesbury: شخصية باربرا آن “بوبسي” بوبستين Barbara Ann “Boopsie” Boopstein خدمت كعضو في فريق العمل، عندما لا تكون مشغولة بتعزيز إحدى صور تجلياتها السابقة. وقد انضم جوني كارسون Johnny Carson، من صحيفة الوول ستريت جورنال وغيره الكثيرين إلى هذا المزاح.
وقد صبّت كل هذه الدعاية السيئة في صالحهم حيث سمِع الجميع عن فرقة العمل، ولذلك حينما أُعلِن عن النتائج الأولى، التي توصل إليها أساتذة جامعة كاليفورنيا في يناير 1989، كان الخبر أمرا عظيما. وتناقلت النشرات الإخبارية السلكية القصة القائلة إن الأبحاث الأكاديمية التي لا تشوبها شائبة قد وجدت الارتباطات التي أرادتها فرقة العمل: انخفاض احترام الذات مرتبط بالمشكلات الاجتماعية. وانتشر خبر تلك البيانات في كل مكان، وخبر أنّ هؤلاء الكاليفورنيين الذين يتبعون أساليب غير تقليدية قد أثبتوا أنهم على حق.
وفي عام 1990 أيَّد كلٌّ أوبرا وينفري وبيل كلينتون، من بين أخرين، التقريرَ النهائي لفريق العمل. إذ وجد استطلاع للرأي العام Gallup Poll أُجري في عام 1992، أنّ 89% من الأمريكيين اعتبروا احترام الذات “مهمًا جدًا” للنجاح في الحياة، وسرعان ما انشغلت المدارس في أمريكا وبريطانيا بمحاولة غرسه.
ولكن في الواقع لم يثبت صواب الكاليفورنيين غير التقليديين. إذ وجد البحث الأكاديمي بعض الارتباطات، ولكن من دون أدلة قوية على الأسباب: كإدمان الكحول، على سبيل المثال، الذي قد يتسبب في تدني احترام الذات بدلاً من النقيض. ولأن فاسكونسيلوس كان رئيس لجنة السُّبل والوسائل Ways and Means Committee التابعة لمجلس الولاية، فقد كان في وضع يُمكّنه من تصعيب الأمور لجامعة كاليفورنيا. ويبدو أنّ الأساتذة المسؤولين عن البحث لم يرغبوا في إثارة المشكلات من خلال الإشارة إلى أنّ أعمالهم مُثّلت بشكل خاطئ من قبل إعلاميي فرقة العمل. وربما كان لدى المتورطين في الخداع فرطٌ من احترام الذات قد دفعهم إلى الخجل مما قد ارتكبوه.
ولطالما كان لحركة الإمكانات البشرية جانب مظلم. إذا كان الموقف الإيجابي والشعور بقيمة الذات هما جوهر النجاح، فإن الفشل هو خطؤُك أنت. ويجادل ستور في أنّ هذه الحد غير الرحيم من الاحترام الذاتي يتوافق مع الأفكار الاقتصادية لآين راند Ayn Rand والفردية التنافسية بين أتباعها في السياسة الليبرالية الجديدة Neoliberal. وقد عمل ناثانيل براندين Nathaniel Branden، مساعد راند، مع فرقة العمل على نحو وثيق وألّف كتاب سيكولوجيا احترام الذات The Psychology of Self-Esteem الأكثر مبيعاً. وكما يصفه ستور بطريقة مبهجة، فإن جنون احترام الذات كان “تزاوجا بهيجا بين أفكار آين راند وإيسالن والليبرالية الجديدة.”
ووفقا لما يقوله ستور: “إن كذبة عصر الكمال هي أننا نستطيع أن نكون أي شيء نريد أن نكون عليه.” وفي نهاية سعيه، فقد قرر أنه يتعين علينا أن نتوقف عن محاولة تغيير أنفسنا والتركيز بدلاً من ذلك على وسائل نافعة لتغيير العالَم. ولم يتطرق روسو Rousseau إلى هذا في أي موضع من وصفه للأفكار الغربية عن الذات، وهذا إغفال كبير؛ لأنّ روسو لم يكن فقط المفكر الأول الذي محّص احترام الذات تمحيصا عميقا، ولكنه خلص أيضا إلى استنتاجات مماثلة لستور.
يُميّز روسو بين شكلين من أشكال حب الذات، وهما حب الذات amour de soi واحترام الذات amour-propre. الأول هو الرغبة الطبيعية للحفاظ على النفس، وهو مفيد دائما. والأخير ينشأ عن المجتمع، ويتعلق بعلاقاتنا بالآخرين، ويأتي في أشكال جيدة وسيئة. ومثل فريق العمل في كاليفورنيا، اعتقد روسو أنّ احترام الذات مُكوّن ضروري للألفة والحياة المكتملة، على الرغم من أنه كان على دراية تامة بالغرور المُدمّر الذي يمكن أن يؤدي إليه. إذ يمنح الغرور “قيمةً لما لا قيمة له،” في حين أنّ الكبرياء، وهو شكل جيد من أشكال احترام الذات “يتكون من استخلاص احترام الذات من الأمور الجديرة بالاحترام.” بمعنى آخر: إذا كنت تريد احترام الذات، فعليك أن تعمل على كسبه.
©2018 The New York Times
Distributed by The New York Times Syndicate