ملف الذاكرة: هل التكنولوجيا تجعل ذاكرتك أكثر سوءًا؟
من محركات البحث إلى الانستغرام والاعتماد على الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، دخلت علاقتنا بالتكنولوجيا طور تغيير طريقة تكوين الدماغ للذكريات - نحو الأفضل كان هذا أم الأسوأ.
بقلم: هيلين ثوماسن
ترجمة : مرام سيف العنزي
هل عين البجعة أكبر من دماغها؟ كان هذا النوع من الأسئلة المعرفية في يوم من الأيام تمريناً ذهنياً، ولكن متى كانت آخر مرة تمعنت بسؤال ما بدلاً من الاستعانة بالإنترنت؟ هذا عوضًا عن أرقام هواتف أصدقائنا وتواريخ أعياد ميلادهم: معلومات كانت يوماً مخزنة في أذهاننا صارت اليوم محمولة في الهواتف الذكية بين أيدينا.
الحفظ الخارجي للذاكرة، على الورق والمفكرات على سبيل المثال، ليس بالممارسة الحديثة، لكنه صار أسهل مما كان عليه سابقًا بمساعدة الأجهزة الخارجية؛ مما يدفع البعض إلى التساؤل عمّا إذا كانت ذاكرتنا تعاني سلبًا نتيجة لذلك.
على الغالب أن أكبر مكب للمعلومات يتمثل بلقطات صور الأحداث، سواء أم كانت آلاف الصور المحملة على مواقع التواصل الاجتماعي أو تحديث حالتنا عليها والتي توثق حياتنا. وقد تظن أن تصوير ومشاركة القصص يساعدان على تخزين الأحداث في الذاكرة، لكن الأمر على العكس تمامًا. وعندما أرسلت ديانا تامر Diana Tamir وزملاؤها في جامعة برنستون Princeton University أفرادا في نزهات متنوعة، فإن قدرة اللذين شُجِعوا على أخذ الصور على تذكر النزهة في وقت لاحق كانت في الواقع أضعف.
“خلق نسخة ملموسة من تجربة ما عبر وسائل التواصل يترك نسخة ضعيفة للتجربة في رؤوسنا،” كما تقول ديانا.
والأفراد اللذين يعتمدون في تنقلهم على نظام الملاحة الرقمية هم أيضاً أسوأ في تذكر أين كانوا مقارنة بالذين يستخدمون الخرائط.
يبدو أن مجرد وعينا لتوفر المعلومات بين أيدينا له تأثيره. وعندما نكون على علم بأنه بإمكاننا الوصول إلى المعلومات فيما بعد، بغض النظر إذا سنُمتحن فيها، ينخفض معدل تذكرنا للمعلومة نفسها مقارنة بتذكرنا كيفية الوصول إليها. “هذا النوع من الدراسات يقترح أن التكنولوجيا تغير ذاكرتنا،” يقول سام غلبرت Sam Gilbert من جامعة يونيفيرسيتي كوليدج لندن University College. ” صرنا على نحو متزايد لا نحتاج إلى تذكر المحتوى، بل إلى معرفة كيفية إيجاده.”
وهذا قد يكون مفيدًا في بعض الأحيان. عندما أُعطي أفراد قائمتين من الكلمات وطلب منهم أن يحفظوهما كل على حدا خلال 20 ثانية، فإن اللذين سمح لهم بأن يحفظوا القائمة الأولى على الحاسوب بدلاً من مسحها قبل الانتقال إلى الثانية، استطاعوا تذكر معلومات أكثر من القائمة الثانية في وقتٍ لاحق. ويبدو أن التفريغ الذهني حرر موارد دماغية مهمة سمحت لهم بحفظ معلومات جديدة.
ولكن الاعتماد الكثيف على الأجهزة قد يفسد إدراكنا لمدى جودة ذاكرتنا فعلاً. إننا نصدر بشكل دائم أحكاما حول ما إذا كان شيء ما يستحق حفظه في الذاكرة أم لا. هل سأتذكره غداً؟ هل أحتاج إلى تدوينه على ورقة؟ هل أضبط المنبه لتذكيري؟ هذا يُدعى الوعي التلوي Meta-memory، والتكنولوجيا، كما يبدو، تُعطله.
وعلى سبيل المثال، الأشخاص اللذين يستخدمون الإنترنت لمساعدتهم على الإجابة عن أسئلة معلومات عامة، مثل “كيف يعمل السحاب؟” ، يبالغون في تقدير كمية المعلومات التي يتذكرونها، كما هي الحال فيما يخص معرفتهم بمواضيع أخرى بعد الاختبار، مقارنةً بأشخاص أجابوا عن الأسئلة دون الاستعانة بالإنترنت. وتفقد القدرة على التمييز، بين ما تتذكره أنت وما يأتي من الجهاز. “هذه انحيازات تفصيلية ربما لا تهمك كثيراً إذا لجأت إلى مصادر خارجية باستمرار، لكن ما ذا إذا اختفت هذه المصادر – في اختبار، أو وقوع حدث طارئ أو كارثة تكنولوجية- فإننا نقلل من شأن معاناتنا من دون. امتلاك بصيرة دقيقة حول جودة ذاكرتك أمر مهم بقدر امتلاك ذاكرة في المقام الأول،” وذلك كما يقول غلبرت.
حتى الآن، يبدو أن التكنولوجيا تغير الذاكرة بدلا من زيادة سعتها، لكن إذا زاد تعاملنا مع الأجهزة في المستقبل، “سوف يبدأ العقل فعلًا بالتأقلم بطرق لا نستطيع توقعها حتى الآن،” كما يقول مارتن كونوي، مدير مركز الذاكرة والقانون في سيتي Centre for Memory and Law at City,، بجامعة لندن University of London (انظر: هل بإمكانك شحن ذاكرتك شحنا فائقا).
إذن، إذا سُئلت مرةً أخرى عن دماغ البجعة، جرب الاستعانة بالموسوعة التي في رأسك قبل الهروع إلى هاتفك. فقط تذكر، الإجابة هي نعم.
© Copyright New Scientist Ltd.