وجود الطحالب يُشير إلى أنّ الخلايا الحقيقية النوى تحصل على العديد من الهدايا من الحمض النووي البكتيري
تحليل يُحيي الجدل حول "النقل الأفقي للجينات"
أخبار التطور
بقلم: إليزابيث بينسي Elizabeth Pennisi
الطحالب Algae التي وجدت في الينابيع الحرارية وغيرها من البيئات القصوى ألهبت نقاشًا طال أمده: هل تحصل الكائنات الحية الحقيقية النوى Eukaryotes في بعض الأحيان على دفعة تطورية في شكل جينات منقولة من البكتيريا؟ توحي جينومات بعض الطحالب الحمراء Red algae، كائنات وحيدة الخلية حقيقية النواة، بأنّ الإجابة هي: نعم. إذ يحتوي نحو 1% من جيناتها على أصول دخيلة، ويمكن أن تساعد الجيناتُ المُقترَضة الطحالبَ على التكيف مع بيئتها القاسية.
ولم يُقنع البحث الجديد الذي نُشر الأسبوع الماضي كورقة أولية على موقع بايو أركايف bioRxiv الرأي الأشد صخبًا الناقد لفكرة أنّ حقيقيات النوى تتلقى بانتظام الحمض النووي البكتيري النافع، إلا أنه أقنع علماء آخرين. ويقول أندرو روجر Andrew Roger، الاختصاصي في علم الأوليات والجينوم من جامعة دالهوزي Dalhousie University في هاليفاكس بكندا، إنّ المجموعة توفر “دليلاً أنيقاً وقوياً جداً على النقل الأفقي للجينات” إلى حقيقيات النوى.
وأظهرت العديد من دراسات الجينومات أنّ بدائيات النوى Prokaryotes – البكتيريا والعتائق Archaea – تتبادل الجينات بحريّةٍ بين الأنواع مما يؤثر في تطورها. وأشار التسلسل الأولي للجينوم البشري إلى أنّ جنسنا اكتسب أيضا جينات جرثومية. لكن المزيد من البحث برهن على أنّ مثل هذه الجينات الموجودة في جينومات الفقاريات Vertebrate كانت في كثير من الأحيان ملوثات أضيفت أثناء سَلْسَلة الحمض النووي.
في عام 2015، بعد تحليل الملايين من التسلسلات البروتينية عبر العديد من الأنواع الحية، استنتج ويليام مارتن William Martin، الاختصاصي في علم البيولوجيا من جامعة دوسلدورف University of Dusseldorf (اختصارًا: الجامعة DU) في ألمانيا، وزملاؤه في بحث نُشر في مجلة نيتشر Nature عدم وجود نقل مستمر وبكميات كبيرة لجينات بدائيات النوى إلى حقيقيات النوى. ويعتقد مارتن أنّ أي عملية نقل كهذه حدثت عرضيًّا فقط في زمن مبكر من تطور حقيقيات النوى، وقد اندمجت فيها البكتيريا التي صارت في نهاية المطاف عضيات Organelles مثل الميتوكوندريا Mitochondria أو البلاستيدات الخضراء Chloroplasts. وإذا كانت الجينات البكتيرية تنتقل باستمرار إلى حقيقيات النوى لتستخدمها، كما يقول مارتن، فيجب أن يكون نمط مثل هذا التراكم الجيني ظاهراً ضمن شجرة عائلة حقيقية النوى، لكننا لا نشاهد ذلك.
ألقى ديباشيش بهاتاشاريا Debashish Bhattacharya، الاختصاصي في علم الجينات التطوري من جامعة روتغرز Rutgers University في نيوبرونزويك بولاية نيوجيرسي، وأندرياس ويبر Andreas Weber، الاختصاصي في علم الكيمياء الحيوية للنبات من الجامعة UD، نظرة فاحصة على حالة محتملة لنقل الجينات من البكتيريا إلى حقيقية النوى، والتي اعترض مارتن على فكرتها. وأشارت السلسلة المبدئية لجينومات نوعين من الطحالب الحمراء تُسمى سيانيديوفايسي Cyanidiophyceae إلى أنّ ما يصل إلى نحو 6% من حمضها النووي DNA احتوى على أصل من بدائيات النوى. ولا تستطيع هذه الكائنات المُحبّة للظروف القاسية Extremophiles، التي تعيش في الينابيع الحمضية الحارة وحتى داخل الصخور، أن تُحافظ على الحمض النووي الفائض. ويبدو أنها تحتوي فقط على الجينات اللازمة للبقاء على قيد الحياة، ويقول بهاتاشاريا: “عندما نعثر على جين بكتيري، نعرف أنّ لها وظيفة مهمة وإلا لما عثرنا عليه” في الجينوم.
وقد تحوّل بهاتاشاريا وويبر إلى تقنية أحدث تفك شيفرات أجزاء طويلة من الحمض النووي. وتحتوي الجينومات البالغ عددها 13 جينوماً من الطحالب الحمراء التي درسوها على 96 جينًا دخيلا، معظمها تقريباً محشور بين جينات طحلبية نموذجية في سلسلة الحمض النووي، لذا من غير المحتمل أنها أُدخلت عن طريق الخطأ في المختبر. ويقول جيرالد شونكنيخت Gerald Schoenknecht، الاختصاصي في علم فسيولوجيا النبات من جامعة ولاية أوكلاهوما Oklahoma State University في ستيلووتر: “على الأقل، هذه الحجة التي تفترض أنّ الجينات المنقولة هي تلوثٌ، يجب أن نتخلى عنها نهائيًا.”
يبدو أنّ الجينات التي انتقلت تتخلص من المعادن الثقيلة أو تنقلها، أو تساعد الطحالب على استخلاص المغذِّيات من البيئة أو التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة وغير ذلك من الظروف المجهدة. ويقول شونكنيخت: “باكتساب الطحالب الحمراء الجيناتِ من الكائنات بدائيات النوى المُحبّة للظروف القاسية فإنها تكيفت مع البيئات الأشد قسوة.”
لكن مارتن يقول إنّ الأدلة الجديدة لا تقنعه. ويؤكد قائلاً: “إنهم يبذلون قصارى جهدهم للعثور بالضبط على ما قلت إنهم سيجدونه إذا كان نقل الجينات الأفقي إلى حقيقيات النوى حقيقياً، لكنهم لم يجدوا ذلك.” ويجادل آخرون في أنّ نقل الجينات إلى حقيقيات النوى نادر جدًا، ويُعد الضغط التطوري للتخلص من أي جينات ما عدا الجينات المُستعارة بالغة الأهمية قويا جدًّا، إلى درجة أنّ الجينات المنقولة ربما لا تتراكم بمرور الوقت، كما يتوقع مارتن.
وبالطبع، كما يقول روجر: “ما يحدث في الطحالب الحمراء ربما لا يحدث في البشر.” فالبشر وجميع الكائنات الأخرى المتعددة النوى، بما في ذلك النباتات، لديها خلايا تناسلية متخصصة، مثل الحيوانات المنوية أو البيض أو الخلايا الجذعية، والجينات البكتيرية التي اكتسبتها تلك الخلايا فقط هي التي يمكن توريثها.
وعلى الرغم من هذا العائق، يقول العديد من الباحثين في مجال الحشرات إنهم يرون أدلة على مثل نقل الجينات هذا. وجون ماكوتشيون John McCutcheon، الاختصاصي في علم الأحياء من جامعة ولاية مونتانا Montana State University في ميسولا، الذي يدرس البق الدقيقي Mealy Bugs، هو أحدهم. “لقد انتقلت إلى أبعد من التساؤل عما إذا كانت الجينات البكتيرية موجودة، إلى التساؤل عن كيفية عملها،” كما يقول، ويضيف إنّ الطحالب الحمراء “هي حالة واضحة جدا.”
©sciencemag.org