اكتشاف مذهل لأحافير قد تكون أولى ضحايا النيزك الذي أباد الديناصورات
بقلم: مايكل مارشال
ترجمة: صفاء كنج
توفر رواسب متأحفرة مثيرة للاهتمام عثر عليها في نورث داكوتا سجلاً غير مسبوق على ما يبدو للانقراض الجماعي الذي قضى على معظم الديناصورات قبل 66 مليون سنة. ويبدو أن هذه أحافير حيوانات نفقت في غضون دقائق إثر ارتطام كويكب بالأرض، في فيضان عارم نجم عن تأثيره المدمر. ويقول عالم الأحياء القديمة فيل مانينغ Phil Manning من جامعة مانشستر University of Manchester في المملكة المتحدة وعضو الفريق الذي يدرس المتأحفرات: «لم أرَ في حياتي موقعاً كهذا من قبل. وكأنك تشاهد ما حدث يجري أمام عينيك.»
«لم أرَ في حياتي موقعاً كهذا من قبل. وكأنك تشاهد ما حدث يجري أمام عينيك.» فيل مانينغ Phil Manning من جامعة مانشستر و عضو فريق دراسة المتأحفرات
في الأسبوع الأخير من شهر مارس نشرت النتائج في مجلة «نيويوركر» New Yorker، وليس في نشرة علمية تقليدية. وأدى هذا بالعديد من علماء الأحياء القديمة إلى التشكيك علانية في كل من العمل والباحثين الذين يقفون وراءه. ولكن لم تلبث أن نشرت مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم Proceedings of the National Academy of Sciences (اختصاراً: مجلة PNAS) ورقة بحثية عن الاكتشاف دفعت الباحثين إلى التعبير عن تحمسهم للأمر، وإن بحذر.
اكتشاف وعاصفة إعلامية
قضى الانقراض الجماعي الذي عرفه العالم قبل 66 مليون سنة على مجموعة كبيرة من الأنواع الحية. وخلافاً للاعتقاد السائد، فهو لم يطمس الديناصورات، إذ إن الطيور نوع من الديناصورات وهي لا تزال تعيش بيننا. ومع ذلك لم ينجُ منه أي ديناصور من غير فصيلة الطيور. وسمح انقراض الديناصورات بتكاثر الثدييات وهو ما مهد الطريق لتطور القردة، وكذلك ظهور البشر.
ويبدو أن السبب الرئيسي وراءه كويكب عرضه عشرة كيلومترات ارتطم بالأرض فيما يسمى الآن فوهة تشيكشولوب Chicxulub في شبه جزيرة يوكاتان بالمكسيك. وكان الانفجار الفوري كاسحاً، لكن أعقبته كذلك سنوات خيم خلالها على الأرض طقس بارد بسبب انتشار كميات هائلة من الغبار في الهواء أدت إلى حجب أشعة الشمس عنها. وحدثت كذلك ثورات بركانية هائلة فيما بات حاليا الهند، وهو ربما ساهم أيضاً في عملية الانقراض.
يُعتقد أن ارتطام الكويكب نجمت عنه اهتزازات قوية ارتجت لها أنحاء الكرة الأرضية، محدثة زلازل وفيضانات على نطاق واسع. وتحفظ رواسب الأحافير موضع الجدل موقع نهر شهد على الأرجح فيضاناً صاعقاً مع تدفق المياه باتجاه الداخل. إنه مزيج من الطين والرمل يحتوي على مجموعة كثيفة من الأسماك المتأحفرة وغيرها من الكائنات المتأحفرة. ويبدو كأن موجة فيضانية رسبت كل هذه المتأحفرات في حركة واحدة.
في عام 2012 دَرس الموقع للمرة الأولى عالم الأحياء القديمة روبرت دي بالما Robert DePalma من متحف بالم بيتش للتاريخ الطبيعي Palm Beach Museum of Natural History في فلوريدا بعد أن عثر عليه جامع الأحافير في هيل كريك في ولاية نورث داكوتا. وفي العام التالي، وبعد أن تكونت لديه قناعة بأن الأمر ناجم عن تأثير ارتطام كويكب بالأرض، اتصل دي بالما بصحافي في مجلة نيويوركر عمل على كتابة القصة على امتداد عدة سنوات. وأخيراً، كتب دي بالما وزملاؤه ورقة بحيثة جاهزة للنشر. ويشرح مانينغ أن مجلة نيويوركر ومجلة PNAS اتفقتا على أن تنشرا مقاليهما في الوقت نفسه يوم الاثنين في الأول من أبريل. ومع ذلك، فقد صدرت مقالة نيويوركر في يوم الجمعة الذي سبقه، فأحدثت ضجة إعلامية. ويوضح مانينغ: «علمت بالأمر بعد ذلك بثوانٍ عندما بدأت الاتصالات الهاتفية تنهال عليَّ.» وخلاصة ما حدث، وفق مانينغ، أن مجلة منافسة حصلت على قصة نيويوركر فوافقت مجلة PNAS على أن تنشر قبلها لتفادي خسارة السبق الصحفي.
لكن، في غياب تفسير واضح لهذه الحيثيات، بادرت الجامعات المعنية بنشر بياناتها الصحافية، ما تسبب باتهامها بإثارة الكثير من الضجيج.
من الناحية النظرية، يُحتمل ألاI يكون لهذا الموقع أي صلة بارتطام تشيكشولوب؛ فالفيضانات تحدث باستمرار. ولكن فريق الباحثين جمع عدة خيوط من الأدلة تربطه بارتطام الكويكب بالأرض، ومنها احتواء الرواسب على كمية كبيرة من «التكتَيْت» Tektites وهي قطع صغيرة من الزجاج الطبيعي الذائب المتحجر التي تتشكل في مواقع ارتطام النيازك بالأرض وتكون منتشرة على نطاق واسع. وتتطابق هذه القطع الزجاجية المتحجرة مع نيزك تشيكشولوب من حيث تكوينها الكيميائي. ويحتوي العديد من الأسماك على قطع من التكتَيْت في خياشيمها وهو ما يشير إلى أن هذه القطع الزجاجية كانت تطفو في الماء. وأخيراً، تتوضع فوق الرواسب طبقة صخرية مميزة يُعرف أنها على صلة بحدث الانقراض.
ويقول مانينغ: «من الصعب استنتاج أي شيء آخر غير أن هذه الحزمة من الرواسب ترسبت بسرعة مباشرة بعد الارتطام.»
ويقول ستيفن بروسات Stephen Brusatte من جامعة أدنبره University of Edinburgh في المملكة المتحدة: «يبدو التفسير الجيولوجي ذا مصداقية كبيرة بالنسبة إلي، ويبدو أن أحافير الأسماك تسجل حدثاً كارثيّاً لحظة ارتطام الكويكب، أو قريباً منها.» ويضيف «أنا متحمس جدّاً لهذا الاكتشاف.» ولكن الأمر الوحيد غير المريح بالنسبة إلى بروسات هو أن الورقة لا تصف أي أحفورة ديناصورية، في حين أن مقالة نيويوركر أوحت أن الموقع يمثل «مقبرة للديناصورات» فيها عظام وريش وبيض، إضافة إلى جُحرٍ حفره حيوان لبون. ويقول مانينغ إن هذه المقالة ركزت على إقامة صلة بين الموقع وارتطام الكويكب وأن التفاصيل المتعلقة بالأحافير سترد لاحقاً. وإذا كان الأمر كذلك، فإن موقع نورث داكوتا سيثري على مدار السنوات القليلة المقبلة فهمنا بشكل كبير لأحد أكثر الأحداث عنفاً في تاريخ الأرض.
المصدر العلمي:
PNAS, DOI: 10.1073/pnas.1817407116
.