عقار غير متوقع للتّعافي من السّكتة الدّماغية
يستهدف عقار فيروس مرض الإيدز، أو نقص المناعة المكتسبة HIV، البروتين الذي قد يعيق إعادة نمو أنسجة الدماغ بعد تلفها
بقلم: كيلي سيرفيك
ترجمة: محمد قبازرد
لا تزال العلاجات التي تستهدف السكتة الدماغية في سباق مع الزمن. ومن أحدثها المعالجة بواسطة المحفّز الإنزيمي البلازمينوجين Plasminogen Activator (اختصارا: المحفّز tPA) المسيّل لجلطات الأوعية الدّموية، الذي يحدّ من تلف الدماغ بعد سويعات من السكتة الدماغية. لكن عند حدوث تلف كهذا، لا توجد عقاقير طبية معروفة لتحفز عملية الشفاء. وتفترض دراسات حديثة أنّ بمقدور علاجات كهذه أن يكون مصدرها هدفا غير مألوف، كالبروتين الخلوي الذي يسمّى CCR5، والذي يسمح لفيروس مرض نقص المناعة المكتسبة أن يصيب الخلايا. وجد العلماء ذلك في الفئران؛ إذ إنّ تعطيل البروتين CCR5 يساعد خلايا الأعصاب الناجية السليمة على صنع روابط نسيجية جديدة، وقد يتعافى من يحملون تحويرا بنيويّا أو طفرة جينية في البروتين ذاته CCR5 من سكتتهم الدماغية بشكل أفضل.
يقول آرغي هيليس Argye Hillis عالم الأعصاب والسكتات الدماغية في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University في بالتيمور بولاية ميريلاند، الذي لم يشارك في العمل: “هذا العامل الجزيئي يعد الأول من نوعه المطوّر للتعافي بعد السكتة الدماغية”. وقريبا ستختبر تجربة إكلينيكية وعد العقار بإعطاء المصابين بالسكتة الدماغية عقارا يستخدم لعلاج الفيروس HIV يحصر البروتين CCR5.
تعرض كرياتُ الدم البيضاء White Blood Cells البروتينَ CCR5 على سطح خلاياها لتعترض الإشارات العصبية القادمة من جزيئات تعرف بالكيموكاينز Chemokines، فتنظّم الاستجابة المناعية. ولكن الفيروس HIV يستغلّ البروتين CCR5 فيتشبث به لينفذ من خلاله إلى الخلايا السليمة ويصيبها بالعدوى. إنّ الحاملين للطفرة الوراثية التي تُعطب الجين الخاص بالبروتين CCR5 محفوظون من العدوى، وهو الأمر الذي يفسر سبب شروع العالم الصيني هي جيانكو He Jiankui بـتحوير البروتين CCR5 في تجربته البشرية المثيرة للجدل مؤخّرا (Science, 30 November 2018,p. 978).
بدأت الاكتشافات الجديدة الخاصة بالبروتين CCR5 بتعقب ما يسمّى “الفئران الذكية” Smart Mice وهي حيوانات حاملة لطفرات جينية معززة يبدو أنها تعزز قدرتها على التعلّم والتذكّر. أراد عالم الأعصاب آلسينو سيلفا Alcino Silva وفريقه البحثي في جامعة كاليفورنيا (اختصارا: الجامعة UCLA) في لوس أنجلوس أن يتبيّنوا أيّا من السّلالات الـ 148 من الفئران الذكية التي لديها تلك التّحسينات. وفي عام 2016، أفاد سيلفا وفريقه أنّ المعدّلات المنخفضة من البروتين CCR5 في أدمغة الفئران الصحيحة السليمة عزّزت عمليتي التعلّم وتكوين الذاكرة لديها.
أثار هذا فضول زميلهم في الجامعة UCLA طبيب أعصاب السكتات الدماغية توماس كارمايكل Thomas Carmichael الذي قال : “حينما ترصد مرضى يتعافون من سكتات دماغية، فإنّ الأمر يبدو كما لو كانوا يتعلمون المشي أو اللغة من جديد”. بالطبع، فإنّ العصبونات (الخلايا العصبية) Neurons الناجية المجاورة للأنسجة المصابة تنبت محاليق لتشكّل وصلات جديدة عبر الدماغ. بدا كأن عقارا كيميائيا معينا يستهدف البروتين CCR5 هو عقار واعد للشفاء من السكتة، وهو عقار متوفر. فالعقار مارافيروك Maraviroc– الذي يحصر البروتين CCR5 – عقار رخصته الجهات المعنية في الولايات المتحدة في عام 2007 للاستخدام جنبا إلى جنب مع عقاقير أخرى مقاومة للفيروسات القهقرية Retroviruses لعلاج العدوى بالفيروس HIV.
نشر العالمان سيلفا وكارمايكل وزملاؤهم في مجلة “الخلية” Cell في عدد فبراير 2019، أنّ معدّلات البروتين CCR5 في العصبونات في الفئران تتزايد بشكل كبير بعد السكتة الدماغية، وقد تظلّ محافظة على معدّلات عالية التركيز لأسابيع عدة، كما يبدو أن البروتين يعيق عملية التعافي. حصر فريق البحث البروتين CCR5 بواسطة العقار مارافيروك أو بواسطة تثبيط التركيب الجيني الوراثي المتداخل مع عملية إنتاجه في الدماغ، ثم أخضعوا الفئران لاختبارات القدرة الحركية، مثلا من خلال إحصاء عدد المرّات التي انزلقت أقدامها أثناء مرورها عبر شبكة معدنيّة. أبدت الفئران المعالجة – أي التي ثـبّـط لديها إنتاج البروتين CCR5 – تحسنا حركيّا أعظم من الفئران العادية في نهاية الأسابيع التسعة من مدة التجربة.
ار الحاصر مارافيروك، تحسّن أداء الفئران المعالجة. وفقا لعالم الأعصاب المختصّ في السكتات الدماغية ديل كوربيت Dale Corbett من جامعة أوتاوا University of Ottawa فإن الدراسات السابقة لم تقدم شيئا واعدًا مثل هذا من قبل. ويقول إن الأبحاث الجديدة تقترح ” إمكان إعادة فتح نافذة التعافي هذه لدى البشر”.
بدا أن حصر البروتين CCR5 يساعد على الإبقاء على الروابط بين العصبونات السليمة المجاورة للمناطق المصابة، ويدفع العصبونات في المناطق الحركية إلى أن تنبت امتدادات أكثر باتجاه الجهة المقابلة من الدماغ، وهي عملية قد تساعد الفأر على إعادة تعلّم الحركات المفقودة.
إنّ ما يفعله البروتين CCR5 في الفترة ما بعد السكتة الدماغية غير واضح. فوفقا لخبير علم المناعة العصبية في كلية الطب بجامعة واشنطن Washington University في سانت لويس بولاية ميسوري روبين كلاين Robyn Klein، فإنّ الارتفاع الكبير في تركيز البروتين CCR5 هو جزء من الاستجابة الالتهابية للسكتة الدماغية؛ إذ قد تحفّز الجزيئاتُ الالتهابية العصبونات للتعبير عن كميات أكبر من مستقبل الكيموكاينز Chemokine receptor هذا. من المعروف أن الكيموكاينزات تؤثر أثناء نمو الدماغ في كيفية هجرة العصبونات وارتباطها ببعضها بعضا. أما بعد التعرّض للسكتة الدماغية فيبدو أنّ مستقبلات الكيموكاينز تخفّض عدد مواقع الرّوابط العصبية على سطوح العصبونات القريبة من مناطق الأنسجة التالفة. (إنّ كيفية عرقلة هذه العملية لإعادة النمو والتعافي غير واضحة.)
يلاحظ كارمايكل أنّ حصر البروتين CCR5 دفع العصبونات إلى أن تعبر عن جينات تزيد من استثارتهاExcitability ، جاعلة إياها تقدح الإشارات العصبية بشكل أكثر جهوزية. ويشكّ كارمايكل في أنّ العصبونات تعزّز كميات البروتين CCR5 بعد السكتة الدماغية لتعطّل نشاطها وتبقي نفسها بمنأى عن ظاهرة مميتة تعرف بالتّسمّم الاستثاري Excitotoxicity. لكن نظرا لكون البروتين يظل باقيا بعد ذلك، فإنّ تلك الميكانيكية الدّفاعية – تعترض سبيل التعافي.
عادة ما تبدو النتائج المختبرية المجراة على تجارب الفئران – غير ذات جدوى في البشر، لكن عندما تعاون فريق كارمايكل مع الباحثين في مركز تل أبيب للسكتات الدماغية المستعصية Tel Aviv Brain Acute Stroke Cohort (اختصارا: المركز TABASCO)، وجدوا أدلة مشجّعة. فلدى نحو 10% من الأوروبيين تعديل في المسح الجيني يعوق إنتاج البروتين CCR5، والنسبة أكبر لدى اليهود المتحدرين من أصول أوروبية شرقية. حدَّد فريق المركز TABASCO 68 مصابا في مجموعتهم Cohor من المصابين النّاجين من السكتات الدماغية ممن لديهم على الأقل نسخة جينية واحدة من الطّفرة الخاصة بالبروتين CCR5. ووجدت الدراسة الجديدة أنه مقارنة بمن لا يمتلكون الطفرة كان أداء المجموعة الأولى أفضل بقليل من حيث المهارات الحركة والحسية المعرفية، سواء بعد سّتّة أشهر أو سنة من الإصابة بالسكتة الدماغية.
يقول خبير الأعصاب من جامعة كاليفورنيا في إيرفن UC Irvine ستيفن كريمر Steve Cramer الذي درس الجينات المرتبطة بعملية التعافي من السكتة الدماغية: “لم يكن تحسنّا كبيرا جدا، لكن .. حقيقة أنهم اكتشفوا شيئا هو أمر مثير للإعجاب.”
الآن يصمّم كارمايكل وزملاؤه تجربة إكلينيكية (سريرية) تعالج 30 مريضا بعقار مارافيروك بدءا من مغادرتهم وحدة إعادة التأهيل- وذلك بعد أربعة أسابيع من تعرّضهم للسكتة الدماغية. يأمل الفريق الشّروع في هذه التجربة العام الحالي.
في الوقت نفسه، يتوقّع بعض الباحثين أن يلهم موضوع البروتين CCR5 أبحاثا أشمل حول استراتيجيات علاج الدماغ قائمة على جينات التعلّم والذاكرة. ويقول كوربيت: ” كنا دائما نتحاور بشأن امتلاكنا لآلية عمل شبيهة بآلية المحفّز tPA للتعافي من السكتة الدماغية، لا أعلم ما إذا كان موضوع البروتين CCR5 هو العلاج أو غيره، لكنه على الأقل يمنحنا الأمل.”