عذرا، ناسا لن ترسل على الأرجح رواد فضاء إلى القمر في 2024
بقلم: تشيلسا وايت
ترجمة: ألطاف الزواوي
لقد بدأ العد التنازلي. ففي الأسبوع الأخير من مارس أعلن نائب رئيس الولايات المتحدة مايك بنس Mike Pence أنه تم توجيه ناسا لوضع رواد الفضاء على القمر بحلول 2024، وهو العام الأخير من فترة حكم الرئيس دونالد ترامب Donald Trump إذا أعيد انتخابه لفترة ثانية.
إنه لهدف طموح، وهناك عدة عوائق يجب إزالتها قبل أن نستطيع رؤية طبعة حذاء جديدة على تراب القمر. والأكثر أهمية أن الوصول إلى القمر يحتاج إلى مركبة إطلاق للنقل الثقيل – وهي صاروخ يستطيع حمل من 20 إلى 50 طنا إلى المدار الأرضي المنخفض – وتستطيع حمل الطاقم والحمولة وكمية هائلة من الوقود لهذه الرحلة.
لا تمتلك ناسا مثل هذه المركبة، لكن ذلك ليس بسبب نقص الجهود. ففي عام 2010 أعطى الرئيس آنذاك باراك أوباما Barak Obama وكالةَ الفضاء الضوء الأخضر لتصميم و بناء نظام الإطلاق الفضائي Space lunch system (اختصارا: النظام SLS)، وهو صاروخ النقل الثقيل المنافس لصاروخ ساترن 5 Saturn V الذي استخدم في مهمات أبولو Apollo Missions . وفي عام 2012 تعاقدت ناسا مع بوينغ Boeing لبناء النظام SLS، بيد أن إنفاق الشركة على المشروع تجاوز المبلغ المحدد ببلايين الدولارات وواجهت تأخيرات عدة.
وكجزء من تصريحه أشار بنس إلى أن الشركات التجارية المزودة للصواريخ مثل سبيس إكس Space x تستطيع تقديم بديل، وقال: «نحن لسنا ملتزمين بمقاول واحد، إذا لم يستطع المقاولون تحقيق الهدف فسنجد آخرين لتحقيقه».
«نحن لسنا ملتزمين بمقاول واحد، إذا لم يستطع المقاولون تحقيق الهدف فسنجد آخرين لتحقيقه».
في كل الأحوال، سيكون ذلك مكلفا – ولم تُدعم المهمة الجديدة بأي وعدٍ –صعب سياسيا- بزيادة في الموازنة. «من غير المحتمل جدا أن يوافق الكونغرس Congress على ضخ الكم الهائل من الأموال المطلوبة لإنجاز هذا الهدف، سواء أطوّرت ناسا المعدات بنفسها أم اشترت الخدمات من الشركات التجارية»، كما تقول ماريسا سميث Marcia Smith التي تعمل في مجموعة سياسات الفضاء والتكنولوجيا Space and Technology Policy Group، وهي شركة تحليل للسياسات في فرجينيا.
ويتمثل جزء من المشكلة في أن نظام الإطلاق الفضائي SLS صمم بناء على الجهود الفضائية القديمة للولايات المتحدة. وطلب إلى بوينغ Boeing استخدام قطع من كل من المركبة الفضائية Space shuttle وبرنامج الكويكبات Constellation programme من أوائل القرن الـ 21، الذي ألغي العمل به. و صمم النظام SLS أيضا ليُبنى عبر سلسلة من النسخ التي تزداد قوة، والتي من من شأنها رفع 70 ثم 105 و بعد ذلك 130 طنا إلى المدار الأرضي المنخفض لكي تستخدم في بعثات القمر والمريخ.
وهذا يجعل نظام الإطلاق SLS يبدو كأنه يحاول تنفيذ الكثير من المهام، لكن التأخيرات هي في الواقع بسبب قلة ما أُنجز، كما تقول لوري غريفر Lori Garver التي خدمت كنائب مدير ناسا في الفترة من 2009 إلى 2013. و تقول أيضا على الرغم من إنفاق أكثر من ستة بلايين دولار على نظام الإطلاق SLS لم يكن ببال ناسا وجهة سفر معينة. وأضافت: «بُني نظام الإطلاق SLS من قبل المقاولين لتمديد عقودهم الخاصة.»
«بُني نظام الإطلاق SLS من قبل المقاولين لتمديد عقودهم الخاصة.»
والهدف الحالي لنظام الإطلاق SLS هو إطلاق كبسولة الطاقم أوريون Orion Crew Capsule، وهي رحلة تجريبية من دون طاقم حول القمر. وجرى تأخير الرحلة مدة سنتين، ومؤخرا قال رئيس ناسا الحالي جيم بريدنستين Jim Bridenstine إنه يتقبل فكرة استخدام صاروخ تجاري بدلا من نظام الإطلاق SLS لتحقيق تاريخ الإطلاق المخطط له في يونيو 2020.
كان بالإمكان تجنب العديد من التأخيرات. ففي العام الماضي وجد التدقيق الداخلي للحسابات الذي أجرته ناسا أن بوينغ تعثرت في بعض مراحل البناء والتوظيف مما أدى إلى ضياع وقت مدته عامان ونصف العام.
والمشكلة الأخرى التي تحدق بنظام الإطلاق SLS هي أنه حتى عند الانتهاء من بنائه فإن تشغيله سيكلف أكثر بكثير من المركبة الفضائية التجارية المرتقبة.
والصاروخ الوحيد الذي يعتبر شبه مستعد لحمل وزن كاف إلى الفضاء لمهمة القمر هو صاروخ فالكون هيفي (الثقيل) Falcon Heavy من شركة سبيس إكس، الذي كان الإطلاق الأول له في فبراير 2018، حاملا السيارة الشخصية للرئيس التنفيذي إيلون مسك Elon Musk وهي من طراز تسلا رودستر Tesla Roadster، وهبطت المعززات الصاروخية القابلة لإعادة الاستخدام على كوكب الأرض مجددا بعد عدة دقائق لاحقا. وفي أبريل 2019 حمل الصاروخ فالكون هيفي قمر الاتصالات الاصطناعي عرب سات Arabsat-6A كأول إطلاق تجاري له.
الحاجة إلى صواريخ
تقول سبيس إكس إن الصاروخ فالكون هيفي يمكنه حمل نحو 64 طنا إلى المدار الأرضي المنخفض بتكلفة 90 مليون دولار لكل رحلة. أما تقديرات نظام الإطلاق SLS فتتراوح من 500 مليون إلى أكثر من بليون دولار، وتصميم الصاروخ المتقادم في العمر لا يتضمن قِطَعا قابلة لإعادة الاستخدام مما يزيد من التكلفة.
إن إدراج معدات ذات تاريخ مُثبت سيعني أن نظام الإطلاق SLS موثوق به على الأقل، لكن هذه المعدات ربما تكون قد انتهت صلاحيتها تكنولوجيا حتى قبل الانطلاق من منصة الإقلاع؛ فمعززاتها الصاروخية تستعمل تكنولوجيا سبعينات القرن العشرين التي طُوِّرت للمكوك الفضائي، كما تقول غريفر.
لهذه الأسباب لم يعد نظام الإطلاق SLS محبذا. وأقوى نسخه القادرة على إطلاق كبسولة الطاقم أوريون ليست ضمن الموازنة المقترحة التي اقترحها ترامب لعام 2020، مما يدعو إلى خفض في ميزانية ناسا المتقلصة بالفعل. (انظر: مال للحرق)
تهمل الموازنة نظام الإطلاق SLS لصالح صواريخ تجارية أرخص من أجل البعثات المستقبلية لبناء محطة فضائية تدور حول القمر وإرسال مركبة تدور حول قمر المشتري «يوروبا» Europa.
وهذا يبدو متناقضا مع توجيهات الهبوط على القمر. فللالتزام بالموعد النهائي لرحلة أوريون التجريبية من دون طاقم في 2020، ولبعثة مدار القمر ذات طاقم المقررة لعام 2020، قد يحتاج القائمون على نظام الإطلاق SLS إلى تجاوز بعض الخطوات. فلتسريع الجدول الزمني اقترح بريدنستين تخطي اختبار السلامة المخطط له لفحص المحرك، لكن من المفارقات أن ذلك قد يكون سببا آخر للتخلص من الصاروخ.
وأحد أوجه قلق ناسا من استخدام شركات رحلات فضاء تجارية هو أنها قد تتبع إجراءات سلامة مختلفة. تقول غريفر: «رأت ناسا أنه إذا أدت العمل بنفسها فسيكون ذلك أكثر أمانا». وإذا كانت ناسا تنظر في اختصار بعض الخطوات للالتزام بالجدول الزمني، فستتداعى حجة أن استخدام صواريخ تجارية ينطوي على مخاطر أكبر –بطبيعتها.
لذا، إذا كان استخدام صواريخ تجارية أرخص وبالقدر نفسه من الأمان، فلماذا لم يُلغ مشروع نظام الإطلاق SLS حتى الآن؟ أنفقت الوكالة مبالغ كبيرة على النظام، غالبا تحت إصرار السياسيين المنتخبين من ولايات يوفّر فيها بناء الصواريخ فرصا وظيفية. وقال عضو الكونغرس روبرت إدرهولت Robert Aderholt في جلسة الموازنة في مارس 2019: «إن برامج نظام الإطلاق SLS والكبسولة أوريون مهمة لصحة قاعدة الشركات الوطنية لخدمات الملاحة الجوية».
ووفقا لغريفر فإن الأمر يعتمد أيضا على ميول مديري ناسا. إذ تقول: «إنه خليط مكون من العديد من الأشخاص الذين إما حلّقوا في الفضاء أو كانوا قادة في برنامج الفضاء، إنها مجموعة من الرجال الذين يريدون التركيز على بناء صاروخ ضخم».
ولعل من الأفضل لهم التركيز على هدف أصغر بكثير: وهو مركبة تستطيع الهبوط على القمر ثم الرجوع إلى المدار القمري. إذ يقول جوناثان ماكدويل Jonathan Mcdowell من مركز هارفارد – سميثونيان Harvard – Smithsonian للفيزياء الفلكية في ماساتشوستس: «إنك بحاجة إلى مركبة قمرية وعليك أن تظهر أن باستطاعة المركبة توليد قدر من الدفع في المدار القمري. ومثل هذه المركبة هو نوع جديد تماما من المركبات الفضائية. ومن الصعب بناء هذه المركبة خلال خمس سنوات».
«إنك بحاجة إلى مركبة قمرية وعليك أن تظهر أن باستطاعة المركبة توليد قدر من الدفع في المدار القمري. ومثل هذه المركبة هو نوع جديد تماما من المركبات الفضائية. ومن الصعب بناء هذه المركبة خلال خمس سنوات».
كانت مركبة الاتحاد السوفييتي الفضائية لونا Luna 24 – بلا طاقم- آخر مركبة تقلع من سطح القمر عائدة إلى الأرض محملة بعينات من صخور القمر في عام 1978. ولم تنفذ ناسا مثل ذلك منذ عام 1972 عندما أقلع آخر طاقم من طواقم أبولو.
أما الشركة لوكهيد مارتن Lockheed Martin ، الشركة التي تبني كبسولة أوريون، فقالت في تصريح لها إن الجدول الزمني السريع المقترح من جون “صعب لكن ربما يمكن تحقيقه”، وأن باستطاعة الشركة بناء مسبار يحمل طاقما بناء على نظم قائمة ومستعملة في أوريون.
أما شركة بلو أوريجين Blue Origin، شركة الرحلات الفضائية التي يترأسها جيف بيزوس Jeff Bezos الرئيس التنفيذي لآمازون Amazon، فلديها خطط لبناء مركبة هبوط على القمر تدعى القمر الأزرق Blue Moon، لكن هذه الخطة لا تزال في المرحلة المفاهيمية Concept phase، وهي حاليا تهدف إلى نقل البضائع وليس البشر. لكن شركة بلو أوريجين قادرة على تعديل المركبة القمرية لكي تستطيع حمل طاقم، وإن كانت لا تمتلك وسيلة لإطلاقها حتى الآن. بيد أن الشركة تبني صاروخ النقل الثقيل الخاص بها المسمى نيو غلين New Glenn الذي يستطيع حمل 45 طنا، والمقرر أن يُطلق في عام 2021.
في هذه الأثناء تبني شركة سبيس إكس صاروخ ستارشيبStarship ، وهو صاروخ أكبر من فالكون هيفي، وبينما يشك البعض في أن يكون الصاروخ جاهزا في عام 2024، فإن إيلون مسك يعتقد أنه سيكون جاهزا حينها. وعندما سئل على تويتر عما إذا كان بإمكان الصاروخ ستارشيب إرسال البشر إلى القمر خلال خمسة أعوام، أجاب قائلا: «أعتقد ذلك، بالتأكيد هذا هدف يستحق أن نبذل أفضل ما لدينا لتحقيقه».
«نظام ناسا للإطلاق الفضائي SLS قد يعفو عليه الزمن حتى قبل أن يُطلق من منصة الإقلاع».
يقول ماكدويل إن صواريخ شركة بلو أوريجين أو سبيس إكس أفضل فرصة لوكالة ناسا لإرسال البشر إلى القمر، ويضيف إنه من المحتمل أن تتمكن كلتا الشركتين من إرسال بعثة بطاقم إلى مدار حول القمر خلال خمس سنوات، لكنهما بحاجة إلى مساعدة من وكالة ناسا لتمويل خطة المركبة القمرية. على أي حال لن يتحقق هذا على الأرجح بحلول عام 2024.
ويقول ماكدويل: «على الرغم من أن تصريحات شركة ىسبيس إكس إيجابية، وأنها تقدم منتجات رائعة، فإنها لا تلتزم أبدا بالموعد الذي تحدده، في حين أن بلو أوريجين تفضل الأسلوب البطيء والثابت».
توافق غريفر على أن الصواريخ التجارية هي الطريق إلى التقدم، مضيفة إنه حتى لو لم تستطع الشركات الالتزام بالموعد النهائي لعام 2024، فإن أحدث دفعة باتجاه القمر قد تُساعد على التخلي عن نظام الإطلاق الفضائي SLS، وقالت: «حقيقة إدراك ناسا بوجود احتمالات أخرى مختلفة عن نظام الإطلاق الفضائي SLS هو أمر جيد في حد ذاته».