بقلم: جون كوهين
ترجمة: صفاء كنج
تسهم الأدوية بصورة جيدة جدا في السيطرة على فيروس نقص المناعة البشرية HIV، لكن ليس لدى جميع المصابين وليس من دون آثار جانبية. ولهذا ما زال عدد قليل ممن اصطُلح على تسميتهم متحكِّمين نخبويين Elite controllers يثيرون حيرة الباحثين واهتمامهم منذ فترة طويلة: ففيهم وحدهم نجح الجهاز المناعي في السيطرة على الفيروس HIV على امتداد عقود من دون الحاجة إلى تناول أي دواء. والآن يأمل فريق ألهمه نجاح تجربة أُجريت على الفئران، أن يمنح المصابين بالفيروس HIV خلايا مناعية مصممة خصيصا لاستهداف الفيروس. والهدف من ذلك في الواقع هو إنشاء متحكِّمين نخبويين في العيادة.
تنطوي الاستراتيجية المناعية على مخاطر، لكنها تعتمد على علاج تتزايد شعبيته؛ هو علاج مرضى السرطان بالخلايا التائية المعدلة لحمل بروتينات سطحية، تُسمى مستقبلات المستضد الخيمرية Chimeric antigen receptors (اختصاراً: المستقبلات CARs) ويمكنها التعرف على علامات على سطوح خلايا الورم فتدمر السرطان. يمكن أيضًا تصميم الخلايا التائية ذات المستقبلات الخيمرية CAR T هذه للتعرف على الخلايا المصابة بالفيروس HIV والقضاء عليها. اختُبر هذا النهج على البشر المصابين بالفيروس HIV قبل وقت طويل من إثبات نجاعة الخلايا CAR T في محاربة السرطان، لكنه مُني بفشل ذريع. يقول ستيفن ديكس Steven Deeks، اختصاصي فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز من جامعة كاليفورنيا University of California في سان فرانسيسكو، الذي كان أول من اختبر الخلايا التائية CAR T ضد الفيروس في نهاية تسعينات القرن العشرين، إن الباحثين يريدون “نقل المعرفة المكتسبة في مجال السرطان إلى مجال فيروس نقص المناعة البشرية، لتكتمل الدائرة”.
تستخدم الدراسة الحديثة – التي أجراها باحثون من جامعة بيتسبرغUniversity of Pittsburgh في ولاية بنسلفانيا؛ وشركة لنتيجن Lentigen للتكنولوجيا الحيوية في غايثرسبرغ بولاية ميريلاند؛ وكلية طب ألبرت آينشتاين Albert Einstein College of Medicine في مدينة نيويورك – مقاربة الخلايا CAR أكثر تطوراً من تلك التي استخدمها ديكس في تجاربه. يقول هانز بيتر كيم Hans-Peter Kiem، عالم أحياء الخلايا الجذعية الذي اختبر الخلايا CAR T على مرضى سرطان الدم والأورام اللمفاوية في مركز فريد هتشينسون لأبحاث السرطان Fred Hutchinson Cancer Research Center في سياتل بواشنطن: “إنها واعدة وتبدو أكثر فاعلية مما جربناه في الماضي”.
من أجل هذا البحث الجديد الذي نشره موقع ساينس ترانسليشونال مديسين Science Translational Medicine في أغسطس 2019، صمم الباحثون الخلايا التائية بحيث تتضمن جينات ترمز إلى نوعين من المستقبلات CARs، يستهدف كل منهما جزءاً مختلفاً من البروتين الموجود على غلاف الفيروس HIV. في دراسات أنبوب الاختبار، أقبلت المستقبلات الخيمرية للخلايا التائية الثنائية “duoCAR T” بقوة على قتل خلايا الدم البيضاء المصابة بمجموعة متنوعة من متغيرات الفيروس HIV، كما ذكرت المجموعة البحثية.
كذلك حقن الفريق في الوقت نفسه تقريبا خلايا CAR T وخلايا بشرية مصابة بالفيروس HIV في طحال الفئران التي عُدل جهازها المناعي ليتصرف “مثل جهاز المناعة البشري”. (لا تُصاب القوارض عادةً بفيروس الإيدز). عندما استأصل الباحثون طحال الفئران بعد أسبوع، لم يجدوا لدى خمسة من ستة منها أي أثر للحمض النووي للفيروس HIV وانخفض معدل مستويات الفيروس لديها بنسبة 97.5%.
اختبرت المجموعة عدة أشكال أخرى من الخلايا CAT T في تجارب لاحقة على الفئران للتوصل إلى أفضل مزيج من المكونات. وهي تأمل أن تحول الخلايا CAR T هذه مزيداً من الناس إلى متحكِّمين نخبويين. وربما تتمكن بمرور الوقت من شفائهم.
يقول هاريس غولدشتاين Harris Goldstein ، الخبير في علم المناعة والحمِّيات من كلية طب ألبرت آينشتاين الذي أجرى التجارب على الفئران إن الخلايا duoCAR T تبدو واعدة بالتغلب على مشكلة أعاقت جهوداً مماثلة في الماضي: يمكن للفيروس بسهولة تغيير مناطق وجود البروتين على سطحه وتجنب التعرُّف عليها من قبل الخلايا القاتلة المعدلة وراثياً. ويضيف غولدشتاين إن ربط مناطق متعددة على هذا البروتين في وقت واحد، يجعل نهج المستقبلات الثنائي Dual receptor approach “التحور والإفلات من مواقع الربط أصعب بكثير على فيروس نقص المناعة البشرية”.
إضافة إلى وضع جينات المستقبلات CAR في الخلايا التائية القاتلة – التي يمكن تمييزها بفضل البروتين السطحي CD8 – عدل الباحثون الخلايا التائية CD4 T. تعد الخلايا اللمفاوية CD4، المُنظِّمة للاستجابات المناعية، الهدف المفضل للفيروس HIV، وتدميرها هو السمة المميزة للإيدز. وجد الباحثون أن الخلايا اللمفاوية ذات المستقبِل CD4 المعدلة وراثياً لحمل المستقبلات CARs كانت شديدة المقاومة للفيروس HIV، ورجحوا أن السبب هو أن رابطات المستقبلات CART T تعرقل عملية العدوى المعقدة التي يتصل خلالها فيروس HIV أولاً بالمستقبلات CD4 ثم يعلق نفسه على مستقبِل ثانٍ.
ولكن ما ينجح في فئران التجارب أو في أنبوب الاختبار ربما لا ينجح في تجربته على البشر، وقد ينطوي على خطورة العلاج بالخلايا CAR T. يقول كيم: “لست واثقاً من أن ما لدينا جاهز للمرضى الذين لا يعانون أوراما خبيثة”. يتطلب الأمر استخدام العلاج الكيميائي السام لقتل بعض الخلايا التائية الطبيعية لدى المريض لإفساح المجال أمام الخلايا الجديدة لتغرس نفسها مكانها. إضافة إلى ذلك، في بعض مرضى السرطان، شحنت الخلايا CART T الجهاز المناعي فوق طاقته لدرجة أتلف معها العلاج أعضاء في الجسم.
يأمل ديكس إجراء تجربة صغيرة على الخلايا التائية الجديدة لدى أفراد مصابين بالفيروس HIVفي العام المقبل بعد استخدام الحد الأدنى من العلاج الكيميائي. ستستقطب الدراسة أفراداً يسيطرون على العدوى بمضادات الفيروسات القهقرية Antiretrovirals، وسيُطلب إليهم التوقف عن تناول الأدوية ورؤية ما إذا كان حقن الخلايا CAR T قد يُثبِّط الفيروس HIV. يقول ديكس: “تحرز الخلايا CAR T تقدماً هائلاً في محاربة السرطان، لذلك من المنطقي تماماً توسيع استخدامها في جهود علاج الفيروس HIV”.
وهو يعترف بأن مخاطر استخدام الخلايا CAR T قد يحظى بقبول أقل لدى المصابين بالفيروس HIV الذين يستجيبون جيداً لمضادات الفيروسات القهقرية مقارنة بمرضى السرطان الذين ليس لديهم سوى خيارات قليلة أخرى. لكن ما يحفز على المضي قدماً هو أنه إذا نجحت هذه الطريقة في العلاج، فقد يكونون قادرين على التوقف عن تناول مضادات الفيروسات القهقرية لفترات طويلة أو ربما إلى الأبد، كما يمكنهم العودة إلى تناول الأدوية إذا فشلت. يعبر ديكس عن ثقته من أنه سيجد أشخاصاً على استعداد للمغامرة، حتى لمجرد إجراء مزيد من الأبحاث حول فكرة واعدة ومساعدة الآخرين الذين يعيشون مع الفيروس.
©sciencemag.org