أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فلك وعلم الكونياتفيزياءفيزياء نظرية

جائزة نوبل للفيزياء تكرم مهندس الكوزمولوجيا الحديثة، ومكتشفو العوالم الأخرى

بقلم: أدريان تشو ودانييل كليري

تكرم جائزة نوبل للفيزياء لهذا العام (2019) الرغبة الإنسانية في فهم الطبيعة

الأساسية للكون Universe  وخصائص الكواكب. يذهب نصف قيمة الجائزة البالغة 900 ألف دولار إلى عالم الكوزمولوجيا في جامعة برينستون Princeton University، جيمس بيبلز James Peebles، لوضعه أسس علم الكوزمولوجيا الحديثة والتنبؤ بالمكونات الأساسية للكون. وسيتقاسم النصف الآخر الفلكيان ميشال مايورMichel Mayor  وديدييه كيلوز Didier Queloz.  ففي عام 1995 اكتشف هذان العالمان في جامعة جنيف بسويسرا University of Geneva، أول كوكب يدور حول نجم يشبه الشمس، فاتحين بذلك الأبواب لاكتشاف آلاف الكواكب الخارجية (خارج النظام الشمسي) Exoplanets الأخرى من جميع الأشكال.

أثبتت العديد من التنبؤات النظرية لبيبلز أنه نافذ البصيرة. في البدء، في عام 1965، تنبأ بأن الانفجار الكبير (العظيم)  Big bang الذي حدث قبل 14 بليون عام كان يجب أن يترك توهجًا Afterglow، وهو الإشعاع الذي سيتمطط إلى أطوال الموجات الميكروية مع توسع الكون. في العام نفسه، تم اكتشاف إشعاع الخلفية الكونية الميكروي -أو الخلفية الميكروية الكونية Cosmic microwave background -(اختصارا: الاشعاع CMB)، الذي ثبت أنه لا يقدر بثمن لفك رموز الكون. يقول جوزيف سيلك Joseph Silk، عالم الكوزمولوجيا من جامعة أكسفورد University of Oxford  بالمملكة المتحدة: «كان المُعلِّم في تلك الأيام الأولى… لقد وضع الفيزياء في علم الكوزمولوجيا».

وعلى الرغم من أن آخرين كانوا قد اقترحوا الوهج اللاحق للانفجار الكبير فإن بيبلز أرسى التفاصيل. لقد أظهر الكيفية التي يتم بها تثبيت درجة الحرارة بسبب وفرة العناصر الضوئية في الكوزموس Cosmos . كما تنبأ بأن التفاعلات المائجة بين الإشعاع والمادة العادية والمادة المعتمة – الأشياء غير المرئية التي كان يعتقد أنها تربط المجرات بعضها بعضا – من شأنها أن تتسبب في تغير درجة حرارة الإشعاع CMB من نقطة إلى أخرى عبر السماء. في نهاية المطاف، رصد قمر الوكالة ناسا الاصطناعي مستكشف الخلفية الكونية Cosmic Background Explorer satellite – الذي أطلق في عام 1989 – هذه التقلبات الصغيرة.

ولكي يحصل على الحجم الصحيح من هذه التقلبات، لم يكن على بيبلز أن يدرج في هذا العمل النظري المادة المعتمة فحسب، ولكن أيضًا الطاقة الممتدة في الفضاء الخالي. فقد أحيا فكرة آلبرت آينشتاين المنبوذة عن الثابت الكوني Cosmological constant، وهو شكل من أشكال الطاقة المعتمة المنسوجة في الفضاء نفسه. وقد تعززت هذه الخطوة باكتشاف جرى عام 1998 أظهر أن توسع الكون يتسارع، كما لو كان مدفوعا بالطاقة المعتمة.

خلال العقدين الماضيين، تمكنت البعثات الفضائية متزايدة الكفاءة المرسلة لدراسة الإشعاع CMB -مثل مسبار ويلكينسون لتباين الأشعة الكونية Wilkinson Microwave Anistropy Probe  (اختصارا: المسبار WMAP ) التابع للوكالة ناسا، ومركبة بلانك الفضائية Planck spacecraft  الأوروبية- من تحسين دقة تقدير علماء الكوزمولوجيا لما يتألف منه الكون:  5% مادة عادية، 26% مادة معتمة، و69% طاقة معتمة. «عندما رأيت للمرة الأولى نتيجة المسبار WMAP، كان ملخّصي للموضوع يتألف من جملة واحدة هي: جيم بيبلز على حق»، كما يقول ديفيد سبيرغل David Spergel، عالم الكوزمولوجيا من جامعة برينستون Princeton University، الذي عمل مع هذه البعثة.

ومن المفارقات أن بيبلز يقول إنه كطالب دراسات عليا في جامعة برينستون في أواخر خمسينات القرن العشرين، كان مترددا في دخول مجال علم الكوزمولوجيا. وقال وهو يتحدث عبر الهاتف إلى المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه عن الجائزة: «كنت غير مرتاح تماما من الدخول في علم الكوزمولوجيا لأن البيانات التجريبية كانت متواضعة جدا. فقد نما المجال وكبرت معه». أما تشاك بينيت Chuck Bennett، عالم الكوزمولوجيا من جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University  في بالتيمور، ماريلاند، فيشير إلى أن: جائزة بيبلز هي «جائزة إنجاز استمر على مدى الحياة أكثر منها جائزة “لضربة معلم” واحدة».

في المقابل، غيّر مايور وكيلوز علم الفلك بضربة معلم واحدة – على الرغم من أنه في ذلك الوقت تساءل الاثنان عما إذا كان اكتشافهما حقيقيًا. وكان كوكبا لم يكن أحد يعتقد أنه ممكن الوجود: عملاق غازي يعادل نصف كتلة كوكب المشتري، لكنه يدور حول نجمه لدرجة أنه بدا كأنه يلمس سطحه تقريبًا. في ذلك الوقت، اعتقد الفلكيون أن الكواكب الكبيرة لا توجد إلا في نظام شمسي. يقول الفلكي نيكو مادوسودهان Nikku Madhusudhan  من جامعة كيمبريدج بالمملكة المتحدة University of Cambridge: «لقد استغرقا وقتًا طويلاً لإقناع أنفسهما بأنهما عثرا بالفعل على كوكب في ذلك المدار».

الآن، وبعد أقل من عقدين ونصف من الزمن، انتقلت الكواكب الخارجية Exoplanets «من الغامض والهامشي والمضحك إلى الجدير بجائزة نوبل»، كما تقول الفلكية سارة سيغر Sara Seager من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا  Massachusetts Institute of Technology  في كيمبريدج، التي تصف الجائزة بأنها «تكريم عظيم لجميع الأفراد عبر العالم ممن جعلوا الكواكب الخارجية حقيقة قائمة». الآن يعرف علماء الفلك أن جميع النجوم في درب التبانة تقريبًا تحتوي على مجموعة متنوعة من الكواكب. وأكثر أنواع الكوكب شيوعًا هو النوع غير الموجود في نظامنا الشمسي: شيء ما بين حجم الأرض ونبتون.

   ومنذ أن صارت لديهم تلسكوبات، يبحث الفلكيون عن كواكب حول نجوم أخرى تقريبًا. لكن التحديات هائلة: قد يكون النجم أكثر إشراقًا بملايين المرات من الكواكب المحيطة به، ونظرا إلى المدى الشاسع للمسافات بين النجمية، فإن الفاصل الظاهر بين النجوم والكواكب يكون ضئيلًا. وفي ثمانينات القرن العشرين، بدأ الفلكيون في محاولة اكتشافها بطريقة غير مباشرة باستخدام التحليل الطيفي الدقيق Precision spectroscopy. يمكن لجاذبية كوكب كبير، وهو يدور حوله، أن يجر نجمه معه. ومن ثم يمكن للفلكيين البحث عن انزياحات دوبلر Doppler shifts  دورية في الأطوال الموجية لضوء النجم وهو يتحرك في مداره فيقترب من الأرض ويبتعد عنها.

وفي أبريل 1994، بدأ مايور وكيلوز يرصدان 142 نجمًا تشبه الشمس بحثا عن أدلة التأرجح في الإضاءة باستخدام مطياف جديد في مرصد هوت بروفنس Haute-Provence Observatory  بفرنسا. ومستشعر المطياف هذا يستطيع رصد حركات نجمية بطيئة مثل 13 مترًا في الثانية، حركات أسرع قليلاً من العداء يوسين بولت Usain Bolt. بدا أن العديد من النجوم تظهر حركة ولكن نجمًا واحدًا يدعى 51 Pegasi قدم إشارات واضحة. وبناء على فترة وسعة التذبذب وكتلة النجم، حسبا أن الكوكب، وهو عملاق غاز يسمى 51 Pegasi b، كان مثل «كوكب مشتري حار» يدور في مدار يبتعد عن نجمه بما يعادل سبع مسافة مدار عطارد حول الشمس. يقول مادوسودهان: «لم تتنبأ نظرية تكوين الكواكب Planet formation theory [ في ذلك الوقت] بوجود مثل هذا الكوكب».

وبعد ذلك عثرت فرق أخرى على كواكب مشتري ساخنة أخرى تدور حول نجوم متذبذبة الإضاءة، وبدأ الفلكيون يشيرون إلى أن الكواكب العملاقة قد تتشكل بعيدًا عن نجومها ولكن يمكنها الهجرة إلى الداخل. بعد ذلك، في عام 2000، وجد الفلكيون طريقة جديدة لاكتشاف الكواكب: من خلال مراقبة الخفوت الدوري في ضوء النجم، وهي علامة على أن كوكبًا قد مر أمام النجم، أو «عبر» Transited. وبينما كشفت التذبذبات عن عدة مئات من الكواكب الخارجية، فإن منهج العبور، الذي طبقه قمر ناسا الاصطناعي كيبلر Kepler بثقة كبيرة، حصد عدة آلاف منها. تكشف هاتان التقنيتان عن كتلة الكوكب ونصف قطره، على التوالي، بحيث يمكن حساب كثافته – ويمكن للفلكيين استنتاج ما إذا كان العالَم البعيد صخريًا أم غازيًا.

يمكنهم أيضًا استكشاف أجواء الكواكب الخارجية من خلال البحث عن أنماط الامتصاص Absorption patterns  التي خلفتها جزيئات الغاز في طيف ضوء النجم الذي مر من عند الكوكب. ستحصل هذه التقنية – التي طُبقت على عدد قليل من الكواكب الخارجية حتى الآن – على المزيد من الدعم مع إطلاق تلسكوب جيمس ويب الفضائي James Webb Space Telescope  في عام 2021.

اكتشف مايور وفريقه نحو 200 كوكب آخر. وعلى الرغم من تقاعده رسميًا، فإنه يواصل الرصد. أما كيلوز؛ الذي يعمل حاليا في كيمبريدج، فيواصل مطاردة الكواكب الخارجية ويشارك في مشروع البحث عن الكواكب الصالحة للحياة  Eclipsing Ultra-cool Stars (اختصارا: المشروع SPECULOOS)، وهو عبارة عن مجموعة من التلسكوبات التي تستكشف الكواكب حول أصغر النجوم باستخدام انزياح دوبلر. وفقًا لرئيس المشروع SPECULOOS، مايكل غيلون Michaël Gillon من جامعة لييج في بلجيكا University of Liège، كان كيلوز حاضرا أحد اجتماعات الفريق عندما استأذن لإجراء مكالمة هاتفية. بعد دقائق شاهدوا جميعهم إعلانًا على شبكة الإنترنت عن الجائزة الممنوحة لزميلهم الغائب. يقول غيلون، الذي حصل على زمالة ما بعد الدكتوراه في جنيف مع مايور وكويلوز: «إنه أمر يستحقه حقًا. سيكون العقد المقبل مثيرًا جدا لهذا المجال».

©sciencemag.org

 

 

 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Back to top button