أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئيةعلم المحيطات

رقعة جديدة من المياه الدافئة تهدد نظم المحيط الهادي الإيكولوجية

يرصد العلماءُ علاماتٍ على انتقال موجة حرارية بحرية مدمرة ويستعدون للمواجهة

بقلم: وارن كورنوال

ترجمة: صفاء كنج

في خريف عام 2014 ذُهلت الإيكولوجية البحرية جينيفر فيشر Jennifer Fisher عندما ملأت قناديل البحر والقشريات الصغيرة شباكها قبالة ساحل ولاية أوريغون الأمريكية الشمالية الغربية المطلة على المحيط الهادي، علماً بأن الحيوانات البحرية هذه توجد عادةً في المياه الدافئة. وكان وجود هذه الحيوانات البحرية غير المألوف في شباكها مجرد علامة من بين عدة علامات على وصول كتلة كبيرة من المياه الدافئة باتت تُعرف بـ«الرقعة» The Blob إلى المنطقة. و«الرقعة» مصطلح أُطلق على موجة بحرية دافئة ضخمة استمرت ثلاث سنوات وزعزعت توازن النظم الإيكولوجية ومصايد الأسماك على طول ساحل المحيط الهادي في أمريكا الشمالية (Science, 3 April 2015, p. 17).

ومع تحذير علماء المحيطات من احتمال تشكل رقعة جديدة في المحيط الهادي، استعدت فيشر من جديد لمواجهة أحداث غريبة قبل توجهها في رحلة بحثية في نهاية شهر سبتمبر 2019. وتقول فيشر التي تعمل في مركز هاتفيلد للعلوم البحرية Hatfield Marine Science Center  بجامعة ولاية أوريغون Oregon State University في نيوبورت: «نحن أمام وضع مشابه جدا».

ولكن هذه المرة، تقول فيشر وعلماء آخرون إن الكتلة الدافئة لن تأخذهم على حين غرة. وهم يستعدون لمشاركة البيانات حول تأثيرات الموجة الحارة بسرعة أكبر فيما بينهم ومع المديرين الذين قد يضطرون إلى فرض قيود جديدة على الصيد لحماية المصايد القيِّمة. ويتذكر توبي غارفيلد Toby Garfield، عالم فيزياء المحيطات من مركز علوم المصايد الجنوبي الغربي Southwest Fisheries Science Center في سان دييغو بكاليفورنيا التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي National Oceanic and Atmospheric Administration (اختصارًا: الإدارة NOAA)، أنه عندما وصلت الكتلة المائية قبل خمس سنوات، «لم ندرك تأثيرها»، ويضيف قائلًا: «سنكون مستعدين هذه المرة».

لاحظ علماء الإدارة NOAA لأول مرة تمدد رقعة مريبة في المياه الدافئة في شمال المحيط الهادي في أغسطس 2019؛ وهي تغطي الآن مساحة بحجم أستراليا تمتد من جزر هاواي إلى خليج ألاسكا. وفي أقصى الشمال، يشهد بحر بيرينغ بين ألاسكا وروسيا موجة حرارية بحرية قياسية، نتجت من الصيف الحار الذي شهده عام 2018 والنقص في الجليد البحري الشتوي (Science, 1 February, p. 442).

هناك بالفعل بعض العلامات التي تدل على آثار محتملة لهذه الموجة مثل الطحالب السامة غير المألوفة التي ملأت مؤخراً الشواطئ الممتدة من كاليفورنيا إلى واشنطن. وفي هاواي، بدأت بعض الشعاب المرجانية تبيضُّ ويبهت لونها في حين تطرد الشعاب المرجانية الطحالب التكافلية الملونة كردة فعل على الإجهاد الحراري. وتتوقع الإدارة NOAA ابيضاض المرجان ونفوقه على نطاق واسع في هاواي خلال الأسابيع الـ12 المقبلة من عام 2019.

وفي بحرَيْ بيرينغ وتشوكشي إلى الشمال منه، أعلنت الإدارة NOAA في 13 سبتمبر 2019 أنها تحقق في نفوق نحو 300 فقمة منذ يونيو 2018، وهو عدد يفوق المتوسط المسجل بخمسة أضعاف. وأشارت الإدارة NOAA إلى المياه الأكثر دفئاً كعامل محتمل في ظاهرة نفوق الحيوانات البحرية على هذا النحو غير المعتاد.

وكما هي الحال مع الرقعة الأولى، تتكون كتلة المياه الدافئة الجديدة من مياه درجة حرارتها أعلى بثلاث درجات سيليزية من المعدل الطبيعي. وكما كانت عليه الحال من قبل، تشكلت هذه الرقعة؛ لأن الرياح التي تُحرك عادة طبقات المحيط وتقلبها وتسحب المياه العميقة الأكثر برودة إلى السطح كانت هادئة نسبيّاً. وهذا سمح للمياه الدافئة بأن تستقر في مكانها. ولكن لم يتضح بعدُ ما إذا كانت الرقعة ستتسع لتكوّن كتلة كبيرة بكل معنى الكلمة، تتميز بحجمها ومدتها وعمقها. اخترق دفءُ الرقعة العميقة السابقة المياه حتى مئات الأمتار تحت السطح، لكن الرقعة الجديدة لا يزيد عمقها على نحو 30 متراً. ويقول غارفيلد إذا اجتاحتها عاصفة كبيرة، فقد تختفي الرقعة «ابتداء من الغد».

مع ذلك، يشعر العلماء بالقلق، ويقول غارفيلد إن الحديث عن الرقعة طغى على مكالمة منتظمة أجراها الشهر الماضي مجموعة من علماء ساحل المحيط الهادي والمديرين الذين يشرف على عملهم. حتى الآن، لاحظ الباحثون أن المياه الدافئة بقيت على مسافة بعيدة من المناطق الساحلية الغنية بمواردها ومكوناتها الحيوية. ولكن العلماء الفِدراليين يراقبون عن كثب تطور موجة الحرارة من خلال بيانات من الأقمار الاصطناعية والعوامات المجهزة بالأدوات وشبكة من الدرونات المُسيَّرة تحت الماء التي ترتفع وتغوص متنقلة على طول عمود الماء. ويراقب العلماء الذين يجرون رحلات رصد بحرية روتينية ويعاينون الشواطئ، علامات التحذير المبكرة على حدوث تحولات إيكولوجية.

كما يراقب الباحثون من كثب مصايد الأسماك التي تحقق الربح الوفير في خليج ألاسكا. وقد وجدت الدراسات الاستقصائية التي أجريت هذا العام أعداداً منخفضة من فراخ أسماك البولوك Pollock  والقد Cod  التي تنمو في المحيط الهادي، وهي من الأنواع الرئيسية التي تعتمد عليها صناعة صيد الأسماك. وبدأ العلماء بعدِّ يرقات الأنواع الرئيسية في الشباك بمجرد وصولها على متن سفن الأبحاث، بدلاً من انتظار نتائج المختبر. وبهذه الطريقة يكون لدى المديرين مزيد من المعلومات المباشرة لتحديد مناطق الصيد، ويقول لورين روجرز Lauren Rogers، عالم الأحياء في مركز ألاسكا العلمي لمصايد الأسماك Alaska Fisheries Science Center  التابع للإدارة NOAA في سياتل بولاية واشنطن: «نحن بالتأكيد نبذل جهداً لإرسال بياناتنا وملاحظاتنا بأسرع ما يمكن».

ويرى البعض أن ما يخفف من وطأة الأخبار المثيرة للقلق هي الفرصة المتوفرة لاختبار الحلول الممكنة. ففي معهد الأحياء البحرية Institute of Marine Biology التابع لجامعة هاواي University of Hawaii في كانيوهي، يستزرع الباحثون شعاباً مرجانية قادرة على مقاومة ارتفاع درجات حرارة الماء. وهم يضخون حاليّاً المياه من المحيط الدافئ في خزانات مملوءة بالشعاب المرجانية الصغيرة، ليرواها إذا كانت ستعيش أم لا. ويقول إيكولوجي الشعاب المرجانية كراوفورد دروري Crawford Drury: «أن نعرف أن مثل هذا الحدث آتٍ، وأن نكون قادرين على اختبار ما كنا نعمل عليه لسنوات، يمثل فرصة عظيمة لا يحصل عليها كثيرون».

sciencemag.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى