بقلم: جوسلين كايسر
ترجمة: صفاء كنج
على المرضى وأطبائهم اتخاذ خيارات حاسمة كل يوم: استئصال خلايا الثدي مُحتملة التسرطنPrecancerous جراحياً أم مراقبة نموها من كثب؛ تجربة التأمل Meditation لتخفيف القلق أم تناول العقاقير الطبية؛ البقاء في المستشفى لإجراء الفحوص بعد ألم في الصدر أم العودة إلى المنزل وإجراء الفحوص لاحقًا.
وللمساعدة على اتخاذ مثل هذه القرارات، وخفض تكاليف الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية، أنشأ الكونغرس قبل تسع سنوات معهد أبحاث مستقلا يشرك المرضى في تصميم الدراسات التي تقارن فوائد العلاجات الطبية المعتمدة.
حالياً، وبعد تخصيص نحو 2.6 بليون دولار أمريكي للأبحاث، يقف معهد أبحاث النتائج المتمحورة حول المريض Patient-Centered Outcomes Research Institute (اختصاراً: المعهد PCORI) أمام نقطة تحول في واشنطن. فقد انتهت صلاحية ميثاق تكليف المعهد PCORI في 30 سبتمبر 2019، ويعمل حالياً بموجب تمديد مؤقت حتى 20 ديسمبر 2019. ويجب على الكونغرس الأمريكي أن يقرر ما إذا كان سيُجدِّد تفويض المعهد لأجل طويل، وإذا قرر ذلك، فهل يتعين عليه إدخال تعديل على مهمته أم لا.
يقول مؤيدو المعهد PCORI إن من الواضح أنه يجب أن يستمر؛ فبفضل الأموال التي بلغت في المتوسط نحو 480 مليون دولار التي تلقاها سنوياً منذ عام 2014، موَّل المعهد PCORI أكثر من 700 مشروع، اكتمل أكثر من نصفها، وهي تؤثر بالفعل في الرعاية الصحية. تقول كريستين غورتز Christine Goertz، الباحثة في الخدمات الصحية بجامعة ديوك Duke University في دورهام بولاية نورث كارولاينا، التي ترأس مجلس الإدارة: “لقد بدأنا نرى نتائج مهمة حقًا”.
على الرغم من الشكاوى من أن المعهد PCORI كان بطيئًا في البدء بإجراء تجارب عشوائية العينات Randomized trials واسعة النطاق يمكنها التأثير في الممارسة الطبية وخفض التكاليف، فإنه يحظى بتأييد المجموعات الداعية إلى إجراء أبحاث على الأمراض. ويقول روس ماكيني Ross McKinney كبير المسؤولين العلميين في جمعية كليات الطب الأمريكية Association of American Medical Colleges، ومقرها واشنطن: “لقد زادوا سرعة عملهم وأجروا دراسات أكثر فعالية. ما يفعلونه حالياً هو ما يجب عليهم فعله”.
ويبدو أن المشرِّعين يوافقون على ذلك؛ فقد تقدم الحزبان الديموقراطي والجمهوري في مجلسي النواب والشيوخ بمشاريع قوانين لإعادة تفويض المعهد PCORI لمدة تصل إلى عشر سنوات. ولكن مع جدول أعمال مزدحم وانشغال مجلس النواب بمسألة عزل الرئيس، ليس من الواضح الموعد الذي سيقر فيه المجلسان القانون.
تطلبت ولادة المعهد PCORI تقديم تنازلات سياسية. إذ أنشأه الكونغرس كجزء من قانون الرعاية الصحية الميسرة Affordable Care Act الذي أصدره الرئيس باراك أوباما Barack Obama في 2010، وجرى تمويله إلى حد كبير من ضريبة مفروضة على خطط التأمين الصحي تُحول إلى صندوق ائتماني. وقال مؤيدوه إن “أبحاث الفعالية المقارَنة” Comparative effectiveness research قد تساعد على ضبط التكاليف الطبية المتضخمة. ومع ذلك، شعر المحافظون بالقلق من أن يؤدي عمل المعهد إلى تقنين الرعاية الصحية، ومن ثم منع المشرعون المعهد PCORI من إجراء مقارنات للتكاليف ووجهوا بأن يضم مجلس إدارته أصحاب مصلحة يمثلون قطاع الصحة وشركات التأمين والمرضى والأطباء. كما أطلقوا عليه اسمًا لم يذكر الأبحاث المقارنة، لكنه يعبر بدلاً من ذلك عن هدف أقل إثارة للجدل: وضع احتياجات ومصلحة المرضى أولاً.
استغرق تحديد ما يعنيه “البحث المتمحور حول المريض” وقتًا. تقول إلين سيغال Ellen Sigal، رئيسة جمعية أصدقاء أبحاث السرطان Friends of Cancer Research، وهي مجموعة من المرضى مقرها واشنطن: “لم يعرف أحد حقًا ما يعنيه] المصطلح[ أو أنهم استخدموه بطريقتهم الخاصة. في الواقع، لقد حدد المعهد PCORI ذلك”. يجب على الباحثين الذين يتلقون تمويلاً من المعهد PCORI إشراك المرضى في كل خطوة يخطونها، بدءاً من إشراكهم لدى تصميم البحث، بما في ذلك ضمهم في بعض الأحيان إلى فريق البحث؛ لقد ساعد المرضى أيضا المعهد PCORI على مراجعة المقترحات البحثية. يقول مايكل فيشر Michael Fischer ، باحث الخدمات الصحية في مستشفى بيرغهام أند وومن Brigham & Women’s Hospital في بوسطن، التابع لجامعة هارفارد Harvard University والذي أسهم في مشاريع مولها المعهد PCORI: كانت متطلبات البحث “بمثابة تعديل على منهجية عمل” العديد من العلماء، لكنها مجدية بشكل عام.
يقول المعهد PCORI إن المرضى اقترحوا إجراء تغييرات على الأبحاث، مثل التأكيد على القدرة على العيش في المنزل كنتيجة للعلاج، وتغيير كيفية شرح معطيات البحث للمرضى. ويقول مارك بوتين Marc Boutin، الرئيس التنفيذي لمجلس الصحة الوطني National Health Council في واشنطن الذي يمثل جمعيات للمرضى، إن المعهد ألهم الهيئات الأمريكية وشركات الأدوية ومؤسسات الرعاية الصحية لدمج مفهوم التمحور حول المريض Patient-centeredness في عملها.
ولكن تطوير منهجيات لإشراك المرضى وإنشاء لجان المراجعة استغرقا الكثير من الوقت، ولم يصدر المعهد عقوده البحثية الأولى إلا في أواخر عام 2012. ركز العديد من المشروعات المبكرة على تثقيف المرضى وإدماجهم، مثل تقييم “أدوات القرار” Decision tools أو لائحة المعلومات الموجزة، لمساعدة الأشخاص ومقدمي الرعاية لهم على الاختيار بين العلاجات. كما أنفق المعهد PCORI الوقت والمال لإنشاء شبكة PCORnet، وهي شبكة أبحاث إكلينيكية تجمع ملايين السجلات الصحية الإلكترونية، مما يساعد على مقارنة العلاجات واستقطاب المرضى لإجراء التجارب الإكلينيكية.
في نهاية المطاف، عزز المعهد PCORI دعمه لأبحاث الفعالية المقارَنة التي استهلكت 73% من إجمالي التزامات المعهد المالية حتى تاريخ كتابة التقرير، كما يقول المعهد. وتتضمن النتائج المنشورة أن المضادات الحيوية عن طريق الفم مفيدة مثل تلك التي تُعطى عن طريق الوريد لبعض الأطفال المصابين بالتهابات خطرة، وأن مرضى السكري من النوع الثاني الذين لا يتناولون الأنسولين لا يحتاجون إلى فحص نسبة السكر في الدم كل يوم. وقد وجدت بعض النتائج طريقها وتحولت إلى إرشادات في الممارسة، ويمول المعهد PCORI حالياً جهوداً لإقناع الأطباء والأنظمة الصحية بتبني نتائجه.
لكن وتيرة عمل المعهد PCORI البطيئة شكلت “خيبة أمل كبيرة”، كما يقول إيزيكيل إيمانويل Ezekiel Emanuel خبير الأخلاقيات الحيوية في جامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania، الذي ساعد على صياغة قرار تفويض المعهد حينما كان مسؤولا في إدارة أوباما. ويرى أن المعهد يجب أن يكون الآن “قادراً على تعداد خمسة أو عشرة” إنجازات لها تأثير كبير في الممارسة الطبية. ويقول إيمانويل إن جهود المعهد في إشراك المرضى “تخطت التصور”، وإن المعهد أخطأ في العزوف عن إجراء مقارنات واسعة النطاق لفعالية الأدوية خشية “إثارة عداء” شركات الأدوية. ويضيف قائلا إنهم “لم يمتلكوا الجرأة الكافية”.
وتقول كيت بيري Kate Berry، النائبة الأولى للشراكات الاستراتيجية لدى مجموعة خطط التأمين الصحي الأمريكية America’s Health Insurance Plans، وهي مجموعة ضغط Lobbying group في واشنطن، إن شركات التأمين الصحي تعتقد أيضًا أن المعهد PCORI “لم يقدم فعلياً معلومات يمكن أن تشكل أساساً في عملية صنع القرار لدينا حتى الآن”. ويرى المدافعون عن المعهد PCORI أن لدى منتقديه “فهما غير واقعي لمدى سرعة تنفيذ التجارب الواسعة النطاق. ثم هناك تباطؤ الطرف الآخر: مدى بطء تبني (نهج جديدة من قبل أنظمة الرعاية الصحية “، وفق تعبير جوزيفين بريغز Josephine Briggs، المديرة التنفيذية المؤقتة للمعهد PCORI التي حلت محل مديره المؤسس جو سلبيJoe Selby في نوفمبر 2019. وبريغز موظفة سابقة في معاهد الصحة الوطنية National Institutes of Health (اختصارًا: المعاهد NIH). وهي تدافع أيضًا عن قرار المعهد PCORI عدم تمويل مزيد من دراسات مقارنة الأدوية على المدى البعيد، التي تنفذها عادةً المعاهد NIH. وتقول إن تكلفتها ” قد تستهلك ميزانيتنا وتحول دون أداء المعهد مزيدًا من الأمور العملية جداً”.
على الرغم من أنه لا يزال لدى المعهد PCORI أموال لتمويل المنح المستمرة وصرف بعض المنح الإضافية، فإنه لا يمتلك ميزانية لبدء دورات تمويل جديدة. ويجري البحث عن مدير دائم للمعهد، لكن بريغز تتوقع أن يرغب أي مرشح للمنصب في الانتظار لمعرفة ما إذا كان سيحصل على إعادة تفويض.
أما مشروعا القانون اللذان وافقت عليهما لجان مجلس النواب فهما يجددان تفويض المعهد PCORI من ثلاث إلى سبع سنوات فقط، ويتركان عملياته إلى حد كبير دون تغيير. ومن شأن مشروع قانون مطروح في مجلس الشيوخ أن يمنح المعهد عشر سنوات أخرى، وأن ينشئ لجنة استشارية لتحديد مجالات البحث شديدة التأثير، وطلب تبني مزيد من المشروعات القصيرة الأجل، والسماح للمعهد PCORI بالنظر في تكاليف العلاج، وكلها تغييرات تنال رضا مجموعة بيري وشركات التأمين الأخرى.
وعلى الرغم من أن مؤيدي المعهد PCORI يتوقعون تمرير قانون تسوية في الأشهر المقبلة، فإنهم يتابعون العملية بقلق. يقول فيشر إنه بعد قضاء نحو عشر سنوات في تطوير طريقة جديدة تتمحور حول المريض لتمويل أبحاث النتائج الصحية، “سيكون من المؤسف أن نرى كل هذا يتلاشى”.
© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.