شكوك حول دواء يدَّعي علاج الألزهايمر
عقار للعلاج بالأجسام المضادة أُعلن في السابق فشله، ستقدمه شركة بايوجن للحصول على الموافقة في الولايات المتحدة عام 2020
بقلم: كيلي سيرفيك
ترجمة: صفاء كنج
في الأسبوع الأول من ديسمبر 2019، مع توقف تداول أسهم شركة بايوجن Biogen قبيل الحدث المرتقب على نطاق واسع، قدمت الشركة أول عرض علمي دفاعًا عن ادعائها المذهل بأنها طوّرت أول دواء يمكنه تغيير المسار المدمر لمرض ألزهايمر Alzheimer’s. غير أن بعض العلماء والمحللين يأملون بالحصول على مزيد من التفاصيل، ولا يزال المجتمع العلمي منقسمًا حول ما إذا كان الدواء نقطة تحول في السعي إلى إيجاد علاج لمرض ألزهايمر أم مجرد أمل واهم.
خلال مؤتمر التجارب الإكلينيكية على مرض ألزهايمر Clinical Trials on Alzheimer’s Disease الذي عُقد في سان دييغو بكاليفورنيا، حاولت سامانثا بود هيبرلاين Samantha Budd Haeberlein، مديرة التطوير الإكلينيكي لدى بايوجن، توضيح ما شجع شركة التكنولوجيا الحيوية في كيمبريدج بماساتشوستس، على أن تعلن في أكتوبر 2019 أنها ستطلب قريبًا إلى إدارة الغذاء والدواء الأمريكية U.S. Food and Drug Administration (اختصاراً: الإدارة FDA) الموافقة على دواء أدوكانوماب Aducanumab. كان هذا الإعلان تحولاً لافتاً بشأن دواء تخلت عنه الشركة علناً في مارس من تلك السنة بعد تحليل أولي غير مشجع. لكن بعد فحص مزيد من بيانات المرضى، أوضحت سامانثا أن الباحثين وجدوا في إحدى التجارب أن إعطاء جرعة أعلى، من بين مقداري الجرعتين موضع الاختبار، أدى إلى تدهور أقل بنسبة 22% في الإدراك من العلاج الغُفل (الوهمي) Placebo بعد مرور 78 أسبوعا. ومع ذلك، فقد عبر بعض الباحثين عن توقعات قاتمة بسبب الهوامش الطفيفة في نتائج المجموعة التي أعطيت العقار وتلك التي أعطيت علاجاً غُفلا وفشل تجربة ثانية.
يقول روبرت هاورد Robert Howard، الطبيب النفسي من جامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London، الذي أجرى تجارب إكلينيكية على علاجات محتملة لمرض ألزهايمر: “بالتأكيد لا أعتقد أنه ينبغي منحها الموافقة على طرح الدواء في السوق على أساس هذه البيانات”. ويضيف إنه من خلال الترويج لنتائج إيجابية من مجموعة فرعية من المرضى الذين لم يكونوا ضمن المختارين مسبقًا عند إطلاق التجربة والسكوت على تفاصيل أخرى تتعلق بالبيانات، فإن بايوجن “خرقت حقاً كل القواعد حول الكيفية التي تحلل بها البيانات وتنشرها”.
ومع ذلك يرحب البعض ببصيص الأمل الذي وفرته الفوائد الإكلينيكية التي أعلنتها بايوجن. فخلال حلقة نقاش في إطار المؤتمر، فإن شارون كوهين Sharon Cohen، عالمة الأعصاب السلوكي في برنامج تورونتو للذاكرة Toronto Memory Program في كندا والباحثة الرئيسية في التجربة التي مولتها بايوجن، أشارت إلى التحسن في مقاييس الأنشطة اليومية التي تشير إلى أن عقار أدوكانوماب ساعد المشاركين في التجربة على الاحتفاظ ببعض الاستقلالية. وقالت “إن أولئك الذين يعرفون من بيننا هذا المرض جيدًا يعرفون ما الذي يعنيه أن تفقد نفسك، شيئاً فشيئاً، وأن أي شيء يمكنك التعلق به وفعله بصورة جيدة، هو انتصار”.
ودواء أدوكانوماب هو من بين آخر العقاقير المحتملة المتبقية التي تستهدف بيتا أميلويد Beta amyloid، وهو الجزء البروتيني الذي يشكل لويحات لزجة حول الخلايا العصبية (العصبونات) Neurons في أدمغة الأشخاص الذين يعانون مرض ألزهايمر. وفشل العديد من العقاقير المضادة للأميلويد في التجارب الإكلينيكية الواسعة أوضح أن تراكم اللويحات، على الرغم من أنه من العلامات المميزة لمرض ألزهايمر، قد يكون الهدف الخطأ في السعي إلى إيقاف تطور المرض بمجرد ظهور الأعراض.
مع ذلك، علقت بايوجن وشريكتها إيساي Eisai ومقرها طوكيو، آمالاً كبيرة على عقار أدوكانوماب، وهو جسم مضاد أحادي النسيلة Monoclonal antibody يرتبط بأشكال معينة من الأميلويد في الدماغ ويزيلها للاعتقاد أنها شديدة الضرر. في عام 2015، أطلقت الشركتان تجربتين إكلينيكيتين متوازيتين عرفتا بشارِك (إنغيج) ENGAGE واظهِر (إيميرج) EMERGE، اختبرت كل منهما جرعتين مختلفتين من العقار مقارنة بعقار غفل وشارك فيهما أكثر من 1,600 شخص في مراحل مبكرة من مرض ألزهايمر وثبُت لديهم تراكم الأميلويد في الدماغ.
في شهر مارس (2019)، أوقفت بايوجن وإيساي التجربتين بعد أن اقترح “تحليل انعدام الجدوى” Futility analysis المخطط له لدى مجموعة فرعية من المشاركين أن الدواء غير مجدٍ. بعد ذلك جاءت مفاجأة أكتوبر والإعلان عن علامات على أن الدواء ذو فائدة في المحصلة. في كلتا التجربتين، قلل العقار تراكم الأميلويد، وفق بايوجن. وفي تجربة “إيميرج” أظهرت المجموعة ذات الجرعة العالية تراجعاً أكبر في انخفاض الإدراك مقارنة بالمجموعة الثانية، استنادًا إلى مقياس قياسي لتصنيف الخرف Dementia rating scale. أما في تجربة “إنغيج” فكان تراجع تدهور الإدراك أعلى بصورة طفيفة لدى المجموعة ذات الجرعة العالية مقارنة بمجموعة الدواء الغفل.
حاولت بود هيبرلاين شرح النتائج المتضاربة. وقالت إن أحد العوامل الرئيسية هو الكيفية التي تتعامل بها التجارب مع مشاركين لديهم تنويع جيني Genetic variant يسمى APOE4. وكان هؤلاء المشاركون أكثر عرضة للإصابة بتورم الدماغ – وهو أحد الآثار الجانبية للأجسام المضادة للأميلويد ولوحظ لدى نحو ثلث الأشخاص الذين تلقوا جرعة عالية، وقد يسبب أعراضًا مثل الصداع والدوخة والغثيان. تلقى المرضى الذين لديهم التنويع APOE4 في المجموعتين كمية مخفضة من الجسم المضاد في البداية، كإجراء احترازي، ولكن في عام 2017، قرر الباحثون أنه بالإمكان زيادة الجرعة بأمان.
بدأت تجربة “إنغيج” قبل نحو شهر من “إيميرج” ومع عدد أكبر من المشاركين المسجلين فيها بالفعل عندما حدث التغيير. ونتيجة لذلك، حصلت نسبة أصغر من المشاركين فيها على نظام علاجي كامل دون انقطاع للجرعة القصوى – 15% مقابل 21% في “إيميرج”، وهو ما قد يكون وراء انعدام تحقيق فائدة في المجمل. عندما حللت بايوجن المجموعتين الفرعيتين من المشاركين في كل من التجربتين الذين وافقوا على تغيير بروتوكول الجرعة في وقت مبكر بما يكفي للحصول على الجرعة القصوى من الدواء، وجدت أن هناك نحو 30% من التراجع في التدهور المعرفي مقارنة بالدواء االغفل في كلتا التجربتين.
يقول زافين خاتشاتوريان Zaven Khachaturian، رئيس تحرير دورية ألزهايمر آند ديمينشا Alzheimer’s & Dementia إن الحاجة إلى جرعة عالية ومستمرة من الجسم المضاد هي “تفسير معقول” للنتائج، ولكن “سنحصل على الجواب النهائي [عندما] تُؤكَّد هذه النتائج من قبل تجارب تُعطى خلالها جرعات أعلى لفترات أطول”.
ويدور نقاش حادٌ حول ما إذا كان ينبغي السماح لشركة بايوجن بتسويق أدوكانوماب في هذه الأثناء، ربما من خلال موافقة مشروطة تتطلب إجراء تجربة متابعة. وتعرض المدير الطبي لشركة بايوجن آل ساندروك Al Sandrock لانتقادات لقوله إنه إذا طلبت الإدارة FDA تجربة أخرى قبل أي موافقة، فإنها ستترك الكثيرين عرضة للإصابة بالخرف. ويمكن لمسؤولي الإدارة FDA البدء بالاختبار الحسابي المعقد بأنفسهم حينما تصل بيانات بايوجن إلى مكاتبها في بداية عام 2020.
© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.