تعديل الاستراتيجيات تحسباً من تحول فيروس كورونا إلى وباء عالمي
يبدو أنه لا يمكن إيقاف الفيروس، ولكن يمكن تخفيف سرعته وتأثيره
بقلم: جون كوين وكاي كوفرشميت
ترجمة: صفاء كنج
بدأ يتضح حالياً أنه لن يكون من الممكن وقف الانتشار العالمي لفيروس كوفيد-19) (COVID-19. ففي الأسبوع الثالث من فبراير2020 ظهر الفيروس في مختلف أنحاء إيران، ومنها ظهرت حالات أخرى في العراق وسلطنة عُمان والبحرين. وعزلت إيطاليا عشر مدن في الشمال بعد انتشار الفيروس بسرعة فيها. وحمل طبيب إيطالي الفيروس إلى جزيرة تينيريفي الإسبانية، وهي وجهة سياحية مقصودة يقضي فيها سكان أوروبا الشمالية إجازاتهم، وأبلغت النمسا وكرواتيا عن أولى الإصابات فيها. وفي الوقت نفسه استمر تفشي الفيروس في كوريا الجنوبية على نحو سريع، وأبلغت اليابان عن حالات إضافية في أعقاب الحجر الصحي الذي فرض على سفينة سياحية وبدا غير مجدٍ.
وقد يتسلل الفيروس إلى العديد من الأماكن الأخرى. أما النمذجة الحاسوبية التي أعدها فريق من إمبيريال كوليدج لندن Imperial College London؛ فتقدر أن نحو ثلثي الحالات المُصدَّرة من الصين لم تكتشف بعد.
وفيما أرسل عدد 28 فبراير من مجلة ساينس Science إلى الطباعة، كانت منظمة الصحة العالمية (اختصارًا: المنظمة WHO) لا تزال تتجنب استخدام كلمة وباء عالمي (جائحة) Pandemicأو لوصف الأزمة الناشئة، وتتحدث بدلاً من ذلك عن “أوبئة (فاشيات) Epidemics منتشرة في أنحاء مختلفة من العالم”. لكن العديد من العلماء يقولون إنه بصرف النظر عن التسمية التي تُطلق عليه، فإن نافذة احتواء الفيروس هي بشكل مؤكد شبه مغلقة حالياً. ويقول كريستوفر دَاي Christopher Dye، اختصاصي علم الأوبئة من جامعة أكسفورد University of Oxford: “يبدو لي أن هذا الفيروس قد هرب بالفعل من الصين وآخذ بالانتشار على نطاق واسع. أنا حالياً أكثر تشاؤماً حيال إمكانية السيطرة عليه”. في الولايات المتحدة حذرت نانسي ميسونييه Nancy Messonnier، التي تدير فريق الاستجابة لفيروس كورونا في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها Centers for Disease Control and Prevention (اختصارا: المراكز CDC) في 25 فبراير من أن “وطأة تعطيل سير الأمور اليومية قد تكون شديدة. … نحن نطلب إلى الجمهور الأمريكي العمل معنا للتحضير لما نتوقع أن يكون سيئًا”.
يقول دَاي وآخرون إن الوقت قد حان لإعادة التفكير في استجابة الصحة العامة Public health response. تركزت الجهود حتى الآن على الاحتواء Containment: إبطاء انتشار الفيروس داخل الصين ومنع تصديره إلى بلدان أخرى، وعندما يعبر المرضى الحدود، فالحرص على تتبع أي شخص كانوا على اتصال به وإخضاع كل هؤلاء للحجر الصحي لمدة أسبوعين. ولكن إذا صار الفيروس المسمى SARSCoV-2، عالميًا، فقد تصير قيود السفر أقل فاعلية من إجراءات Measures الحد من تفشي الأمراض وتقليل آثارها، أينما كانت – على سبيل المثال عن طريق إغلاق المدارس أو إعداد المستشفيات أو حتى فرض نوع من الحجر الصحي المشدد على المدن الكبرى في الصين.
وتقول لوسيانا بوريو Luciana Borio، الخبيرة السابقة بالاستعداد للدفاع البيولوجي في مجلس الأمن القومي الأمريكي U.S. National Security Council ، والتي تشغل حالياً منصب نائب الرئيس في مؤسسة إن-كيو-تل In-Q-Tel غير الهادفة للربح: “إن الإجراءات الحدودية لن تكون فعالة أو مجدية، وسيكون التركيز على تدابير تخفيف الأثر في المجتمعات إلى أن يتوفر لقاح بكميات كافية”. ويضيف أليساندرو فيسبينياني Alessandro Vespignan، مُطوِّر النمذجة الحاسوبية للأمراض المعدية من جامعة نورث إيسترن Northeastern University: “المعركة الآن هي من أجل تخفيف الآثار والحرص على أن يبقى نظام الرعاية الصحية فاعلاً، وعدم الانسياق إلى الهلع”. ويقول: “يترتب على هذا مجموعة من النتائج مما يعادل موسم إنفلونزا سيئ جداً إلى شيء ربما أسوأ قليلاً من ذلك”.
غير أن خبراء الصحة العامة يختلفون حول السرعة التي ينبغي بها تخفيف قيود السفر التي اتُخذت في المرحلة الأولى من ظهور الوباء. في أوائل الأسبوع الثالث من فبراير، بلغ إجمالي عدد الحالات أكثر من 80 ألف حالة و2705 وفاة، مع 97% من إجمالي الحالات في الصين. وقد ذهب بعض الدول إلى حد حظر جميع الرحلات الجوية من وإلى الصين؛ وتفرض الولايات المتحدة الحجر الصحي على أي شخص كان في مقاطعة هوبي التي تضررت بشدة وترفض دخول الرعايا الأجانب إذا كانوا في أي مكان في الصين خلال الأسبوعين السابقين على وصولهم إليها. كما أضافت عدة دول قيودًا على صلة بكوريا الجنوبية وإيران.
ويقول العلماء إن القيود أدت دورها إلى حد ما. ويقول أنتوني فوشي Anthony Fauci، رئيس المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية U.S. National Institute of Allergy and Infectious Diseases: ” لو لم نضع قيودًا على السفر؛ لشاهدنا الكثير والكثير من الحالات المتعلقة بالسفر أكثر مما لدينا “.
ولكن العديد من اختصاصيي علم الأوبئة رأوا أن حظر السفر وفَّر فقط القليل من الوقت الإضافي، لكن المنظمة WHO لا تؤيد هذا الرأي. فالحكمة المتوارثة من الخبرة هي أن الحظر قد يأتي بنتائج عكسية، على سبيل المثال، عن طريق إعاقة تدفق الإمدادات الطبية اللازمة وتدهور ثقة الجمهور. ومع ازدياد قائمة البلدان المتأثرة طولاً، ستزداد صعوبة فرض حظر كما سيفقد مبرره المنطقي: لا فائدة تذكر في إنفاق كميات ضخمة من الموارد لإبعاد مصاب عرضي إذا كان لديك بالفعل الآلاف من المصابين في بلدك. كما أن القيود مُكلفة. وقد تلقى الاقتصاد الصيني بالفعل ضربة هائلة من جراء فيروس كوفيد-19، وبالمثل تلقت صناعة الطيران ضربة قاسية. تُصدِّر الصين أيضًا العديد من المنتجات، بدءًا من الأدوية إلى الهواتف المحمولة، وتتسبب اضطرابات التصنيع بمشكلات هائلة في سلسلة التوريد.
يقول مارك ليبسيتش Marc Lipsitch، اختصاصي علم الأوبئة من جامعة هارفارد Harvard University: ” سيكون من الصعب جداً سياسيا وربما ليس من الحكمة تخفيف قيود السفر منذ الغد. … لكن في غضون أسبوع، إذا استمر تدفق الأخبار بالسرعة التي كانت عليها في الأيام القليلة الماضية، أعتقد أنه سيتضح أن قيود السفر لم تعد الإجراء الرئيسي المضاد المناسب لهذه المرحلة”.
يقول بروس إيلوارد Bruce Aylward المسؤول في المنظمة WHO الذي قاد بعثة دولية إلى الصين في منتصف فبراير، إن جهود الاحتواء التي تبذل على نطاق أصغر ستظل مفيدة. في تقرير صادر عن البعثة ناقشه إيلوارد لكن لم يُنشر، خلصت المجموعة إلى أن الوباء الصيني وصل إلى ذروته في الفترة ما بين 23 يناير و2 فبراير وأن جهود الاحتواء الصارمة في هوبى حيث عُزل 50 مليون شخص على الأقل، أعطت المقاطعات الأخرى الوقت للتحضير للتصدي للفيروس ومنع في النهاية “ربما مئات الآلاف” من الإصابات. وقال أيضًا: “من المهم أن تفكر الدول الأخرى في هذا الأمر وتفكر فيما إذا كانت تطبق شيئًا ما – ليس بالضرورة إغلاقات كاملة في كل مكان، ولكن باتباع النهج الصارم نفسه”.
يقول لورانس غوستِن Lawrence Gostin، المتخصص بالسياسة الصحية العالمية في مركز الحقوق من جامعة جورج تاون Georgetown University Law Center، إن القيود الداخلية التي فرضتها الصين كلفت الأفراد باهظاً. ويصف السياسات بأنها “مذهلة، وغير مسبوقة، وتشبه (إجراءات) العصور الوسطى”. ويقول إنه قلق بشكل خاص بشأن السلامة البدنية والنفسية لمن يخضعون في هوبي للإقامة المنزلية، تحت رقابة مشددة ويعانون نقصًا في الخدمات الصحية. ويقول “مثل هذا الأمر لن يكون وارداً في أي بلد في العالم على الأرجح باستثناء الصين”. (إيطاليا لم تغلق سوى مدن صغيرة نسبياً وليست مدنًا كبرى).
تبدأ الصين ببطء برفع القيود المفروضة على المناطق حيث تكون المخاطر عند أدنى مستوى؛ مما قد يُعرِّض أعدادًا كبيرة من الناس إلى الإصابة بالمرض، كما يقول دَاي. ويضيف قائلًا: “إذا عادت الحياة إلى طبيعتها في الصين، يمكننا أن نتوقع من جديد عودة (المرض)”.
ومع ذلك، فإن تأخير المرض قد يكون له عائد كبير، كما يقول ليبسيتش. سيعني ذلك تخفيف العبء على المستشفيات وإتاحة الفرصة لتدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية المعرضين للإصابة تدريبا أفضل على الكيفية التي يحمون بها أنفسهم، وإعطاء مزيد من الوقت للمواطنين للاستعداد، ومزيد من الوقت لاختبار العقاقير التي قد تنقذ حياتهم، واللقاحات على المدى الطويل. ويقول: “إذا كان لدي خيار في أن أصاب [بفيروس كوفيد -19 ] اليوم أو أن أصاب به بعد ستة أشهر من الآن، سأفضل بالتأكيد الإصابة به بعد ستة أشهر من الآن”. ويضيف إن تسطيح منحنى ذروة الوباء يعني أيضًا أن عددًا أقل من الأفراد سيصابون بالعدوى عموما.
يمكن للبلدان الأخرى أن تعتمد فقط بعض العناصر المعتمدة في استراتيجية الصين. خلص تحليل مُحدَّث شارك في كتابته داي ونشره على خادم ميد آركايف ما قبل الطباعة (الأرشيف الطبي) medRxiv إلى أن تعليق عمل وسائل النقل العام وإغلاق أماكن الترفيه وحظر التجمعات العامة كانت أكثر تدخلات التخفيف فعالية في الصين. ويضيف دَاي: “ليس لدينا دليل مباشر، بالطبع، لأنه ليست لدينا تجربة نسيطر على ظروفها بشكل صحيح. … لكن ربما عملت هذه التدابير على خفض عدد الحالات”. وهناك سؤال يُطرح إن كان إغلاق المدارس سيساعد على احتواء الفيروس؛ ويقول ليبستش: “لا نعرف الدور الذي يؤديه الأطفال” في هذا الوباء، “هذا شيء يمكن لأي شخص لديه 100 حالة أو أكثر البدء بدراسته”.
قد تقرر بعض البلدان أنه من الأفضل عدم إعاقة حرية حركة الأفراد أكثر من اللازم وإبقاء المدارس والشركات مفتوحة والتخلي عن فرض حجر صحي على المدن. يقول دَاي: “هذا قرار مهم فيما يتعلق بالصحة العامة، … لأنه في الأساس، يقول ’سنترك هذا الفيروس يأخذ طريقه’”.
للاستعداد لما سيحدث، يمكن للمستشفيات تخزين معدات التنفس وإضافة أسرَّة. والاستخدام المكثف للقاحات ضد الإنفلونزا Influenza والتهابات المكورات الرئوية Pneumococcal infections قد يساعد على تخفيف عبء تلك الأمراض التنفسية على نظام الرعاية الصحية ويُسهِّل تحديد حالات كوفيد-19 التي تنتج منها أعراض مماثلة. كما يمكن للحكومات أن تُصدر رسائل حول أهمية غسل اليدين والبقاء في المنزل إذا كنتَ مريضًا.
أيا كان ما يفعله سائر العالم، فمن الضروري أن يتحرك بسرعة، كما يقول أيلوارد، ويأمل بأن تتعلم البلدان الأخرى من الصين، ويقول: “الدرس الأكبر هو أن السرعة هي كل شيء. … وهل تعلمون أكثرَ ما يقلقني؟ هل تعلَّم باقي العالم الدرس المتصل بأهمية السرعة؟”.
© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.